الحكم على الدروز
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه .
وبعد ،،،
لقد أطلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على الرسالة التي أرسلها صاحب السمو الملكي نائب وزير الداخلية سماحة الرئيس العام رقم 2 س 5400 وتاريخ 15/5/1397هـ، واطلعت على ما جاء في النشرتين اللتين مع كتاب سموه من تفاصيل محاورتين مزعومتين أحداهما جرت بين طالب درزي يدرس في الأزهر وبين من لقبة الدرزي بشيخ مشايخ الأزهر وسماه : مصطفي الرافعي، والأخرى جرت بين من نسب في المنشور إلي السنة وسمي فيه شيخ الحق الحسيني وبين من قيل إنه أستاذ درزي يدعي أبا الحسن هاني زيدان : وبناء على طلب سموه مطالعة ذلك والإفادة .
كتبت ما يلي :
أولاً : نبذه عن مذهب الدروز يتبين منها حقيقة أمرهم .
ثانياً : بيان مختصرات عما جاء في المحاورتين يتبين به ما فيهما من دخل وتلبيس.
أولاً:_ نبذه عن مذهبهم .
أصل الدروز فرقة سرية من فرق القرامطة الباطنية يتسمون بالتقية وكتمان أمرهم على من ليس منهم، ويلبسون أحيانا لباس التدين والزهد والورع، ويظهرون الغيرة الدينية الكاذبة، ويتلونا ألوانا عدة من الرفض والتصوف وحب آل البيت، ويزعمون أنهم حملوا لواء الإصلاح بين الناس وجمع شملهم ليلبسوا على الناس ويخدعونهم عن دينهم حتى إذا سنحت لهم الفرصة وقويت شوكتهم ووجدوا من الحكام من يواليهم وينصرهم ظهروا على حقيقتهم، وأعلنوا عقائدهم وكشفوا عن مقاصدهم، وكانوا دعاة شر وفساد ومعول هدم للديانات والعقائد والأخلاق .
يتبين ذلك لمن تتبع تاريخهم وعرف سيرتهم من يوم وضع عبد الله بن سبأ الحميري اليهودي أصولهم وبذر بذورهم؛ فورثها لاحقهم عن سابقهم وتواصوا بها واحكموا تطبيقها، واستمر ذلك إلي وقتنا الحاضر .
والدروز وإن كانوا فرع من القرامطة الباطنية لهم مظاهرهم الخاصة من جهة نسبهم ونسبتهم من الهوية والزمن الذي ظهروا فيه، والظروف التي ساعدتهم على الظهور .
ونذكر فما يلي مجمل ذلك وأمثلة له وحكم العلماء فيهم :
1- ينسب الدروز إلي درزي وهو : أبو عبدالله محمد بن إسماعيل الدرزي وقد يروي اسمه بلفظ عبدالله الدرزي ودرزي بن محمد، ويقال : إن محمد بن إسماعيل الدرزي هو تشتيكين أو هشتكين الدرزي، وقيل ينسبون إلي طيروز إحدى بلاد فارس، ويرى الزبيدي في التاج أن الصواب : ضبط الدرزي بفتح الدال نسبة إلي أولاد درزة وهم السفلة الخياطون والحاكة .
2- ظهر محمد بن إسماعيل الدرزي أيام الحاكم بأمره أبي علي المنصور بن العزيز أحد ملوك العبيديين الذين حكموا مصر قريباً من مائتي سنة وزعموا من أنهم من آل البيت زوراً وبهتاناً وأنهم من نسل فاطمة رضي الله عنها .
وقد كان محمد بن إسماعيل الدرزي أولا من الإسماعيلية الباطنية التي تزعم أنها من أتباع محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق ثم خرج عليهم وأتصل بالحاكم ألعبيدي ووافقه دعواه الإلهية ودعا الناس إلي عبادته وتوحيده . وأدعى أن الإله حل في علي وتدثر ناسوته وأن روح علي انتقلت إلي أولادة وأحداً بعد واحد حتى انتقلت إلي الحاكم وقد فوض إلية الحاكم الأمور ب مصر ليطيعه الناس في الدعوة، ولما أنكشف أمرة صار عليه المسلمون في مصر، وقتلوا ممن معه جماعة، ولما أرادوا قتله هرب وأختفي عند الحاكم فأعطاه مالا وأمره أن يخرج إلي الشام لينشر الدعوة هناك فخرج إليه ونزل بوادي تيم الله بن ثعلبه غربي دمشق، فدعاهم إلي تأليه الحاكم ونشر فهم مبادئ الدروز ووزع فيهم المال فاستجابوا له .
وقد قام بالدعوة أيضاً إلي تأليه الحاكم رجل أخر فارسي أسمه : حمزة بن علي بن أحمد الحاكمي الدرزي من كبار الباطنية؛ فقد أتصل برجال الدعوة السرية من شيعة الحاكم ودعا إلي تأليهه خفية حتى أصبح ركناً من أركانها ثم، أعلن ذلك وأدعي أنه رسول الحاكم فوافقه على ذلك . ولما توفي الحاكم وتولي ابنه علي الملقب بالظاهر لإعزاز دين الله، وتبرا من الدعوة في تأليه أبيه، طوردت الدعوة في مصر ففر حمزة إلي الشام وتبعه بعض من استجاب له؛ وأستقر أكثرهم في المقاطعة التي سميت فيما بعد : ( جبل الدروز ) في سورية .
من مبادئهم :_
( أ ) _ يقولون بالحلول، فهم من يعتقدون أن الله حل في علي رضي الله عنه، ثم حل في أولادة بعدة وأحداً بعد واحد، حتى حل في الحاكم العبيدي أبي علي المنصور بن العزيز، فالإلهية حلت ناسوته ويؤمنون برجعة الحاكم وأنه يغيب ويظهر .
( ب ) _ التقية، فهم لا يبينون حقيقة مذهبهم إلا لمن كان منهم، بل لا يفشون سرهم إلا لمن أمنوه ووثقوا به من جماعتهم .
( ج ) _ عصمة أمتهم، فهم يرون أن أمتهم معصومون من الخطأ والذنوب، بل ألهوهم وعبدوهم من دون الله كما فعلوا ذلك بالحاكم .
( د ) _ دعواهم بالباطن، فهم يزعمون أن لنصوص الشريعة معاني باطنه هي المقصودة منها دون ظواهرها، وبنوا على هذا إلحادهم في نصوص الشريعة وتحريفهم لأخبارهم وأوامرها ونواهيها .
أما إلحادهم في الأخبار فإنهم أنكروا ما لله من صفات الكمال، وأنكروا اليوم الآخر وما فيه من حساب وجزاء من جنة ونار، واستعاضوا عن ذلك بما يسمى : التقمص أو تناسخ الأرواح؛ وهو انتقال روح الإنسان أو الحيوان عند موته إلي بدن إنسان أو حيوان أخر عند بدء خلقه لتعيش فيه منعمة أو معذبة، وقالوا : دهر دائم وعالم قائم وأرحام تدفع وأرضع تبلع، وأنكروا الملائكة ورسالة الرسل وأتبعوا المتفلسفة المشاءين أتباع أرسطو في مبادئه ونظرياته.
وأما إلحادهم في نصوص التكليف من الأوامر والنواهي فإنهم حرفوها عن مواضعها، فقالوا : الصلاة معرفة أسرارهم لا لصلوات الخمس التي كل يوم وليلة، والصيام كتمان أسرارهم لا الإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر إلي غروب الشمس، والحج زيارة الشيوخ المقدسين لديهم، واستحلوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن، واستحلوا نكاح الأمهات والبنات ... إلي غير ذلك من التلاعب بالنصوص وجحد فيها ما علم بالضرورة أنه من شريعة لله فرضها على عبادة؛ ولذا قال فيهم أبو حامد الغزالي (1) وغيرة ظاهر مذهبهم الرفض وباطنه الكفر المحض. وهم في أشبه بأصحاب رسائل إخوان الصفا في عقائدهم وأعمالهم وطريقتهم .
( هـ ) _ يقولون بقول أهل الطبيعة، فيقولون أن الطبائع مولدة للحياة، والموت ينشأ عن فناء الحرارة الغريزية كانطفاء السراج عند انتهاء الزيت إلا من اغتبط_ أي قتل بحادث مثلاً .
( و ) _ النفاق في الدعوة والمخادعة فيها : فهم يظهرون التشيع وحب آل البيت لم يدعونه، وإذا استجاب لهم دعوة إلي الرفض واظهروا له معايب الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، وقدحوا فيهم، فإذا قبل منهم كشفوا له معايب علي رضي الله عنه وطعنوا فيه، فإذا قبل منهم ذلك انتقلوا به إلي الطعن في الأنبياء، وقالوا إنهم لهم بواطن وأسرار تخالف ما دعوا إليه أممهم، وقالوا : أنهم أذكياء وضعوا لأممهم نواميس شرعية ليحققوا بذلك مصالح وأغراضاً دنيوية ... إلخ .
ثانياً : الحكم عليهم .
سئل شيخ الإسلام بن تيمية رحمة الله عليه، عما يحكم به في الدروز والنصيرية (2)
فأجاب بما يأتي :_
وهؤلاء الدرزية والنصرية كفار باتفاق المسلمين؛ لا يحل أكل ذبائحهم ولا نكاح نسائهم، بل ولا يقرون بالجزية فإنهم مرتدون عن دين الإسلام ليسوا مسلمين ولا يهود ولا نصارى، لا يقرون بوجوب الصلوات الخمس، ولا وجوب صوم رمضان ولا ووجوب الحج، ولا تحريم ما حرم الله ورسوله، من الميتة والخمر وغيرهما_ وإن اظهروا الشهادتين مع هذه العقائد، فهم كفار باتفاق المسلمين، فأما ( النصيرية ) فهم : أتباع أبي شعيب محمد ابن نصير، وكان من الغلاة الذين يقولون: أن علياً إله، وهم ينشدون :
أشهد أن لا إله إلا حيدرة الأَنْزَعُ (3) البطين
ولا حجاب عليه إلا محمد الصادق الأمين
ولا طريق إليه إلا سلمان (4) ذو القوة المتين
وأما الدرزية: فأتباع هشتكين الدرزي، وكان من موالي الحاكم يعني ألعبيدي أحد حكام مصر الباطنية أرسله إلي أهل وادي تيم الله بن ثعلبة فدعاهم إلي ألاهية الحاكم ويسمونه ( الباري الغلام ) ويحلفون به، وهم من الإسماعيلية القائلين بأن محمد بن إسماعيل نسخ شريعة محمد بن عبدالله وهم أعظم كفراً من الغالية، يقولون بقدم العالم وإنكار المعاد وإنكار واجبات الإسلام ومحرماته، وهم من القرامطة الباطنية الذي هم أكفر من اليهود والنصاري ومشركي العرب، وغايتهم أن يكونوا فلاسفة على مذهب أرسطو وأمثاله أو مجوساً، وقولهم مركب من قول الفلاسفة والمجوس ويظهرون التشيع نفاقاً، والله أعلم (5).
وقال شيخ الإسلام بن تيمية أيضا رضي الله عنه، رداً على نبذ الطوائف من الدروز.
( كفر هؤلاء مما لا يختلف فيه المسلمون، بل من شك في كفرهم فهو كافر مثلهم لا هم بمنزلة أهل الكتاب ولا المشركين، بل هم الكفرة الضالون، فلا يباح أكل طعامهم وتسبى نسائهم وتأخذ أموالهم؛ فإنهم زنادقة مرتدون لا تقبل توبتهم، بل يقتلوا أينما ثقفوا ويلعنون كما وصفوا، ولا يجوز استخدامهم للحراسة والبوابة والحفاظ، ويجب قتل علمائهم وصلحائهم لئلا يضلوا غيرهم، ويحرم النوم معهم في بيوتهم ورفتهم والمشي معهم وتشييع جنائزهم إذا علم موتهم، ويحرم على ولاة أمور المسلمين إضاعة ما أمر الله من إقامة الحدود عليهم بأي شيء يراه المقيم لا المقام عليه، والله المستعان وعليه التكلان ) (6).
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
المصدر: فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (2/288-292) بتصرف.
1- في كتابه : " فضائح الباطنية " صـ ( 37 ) .
2- النصيرية هم من يسمون اليوم بـ( العلويين ) .
3- الأنزع : الرجل الذي انحسر مقدم شعر رأسه عن جانبي الجبهة .
4- المقصود به : سلمان الفارسي رضي الله عنه .
5- ( مجموع الفتاوى " ( 1/161) .
6- مجموع الفتاوى ( 3/162 ) .