الإعلام المدجن .. والبعد الغائب في تغييب "مفكرة الإسلام"
عبد الفتاح إسماعيل
منذ أسابيع، توقف منبر إعلامي حر، طالما سلط الضوء وكشف اللثام عن حقيقة الأوضاع السياسية والعسكرية، وما يحاك من مؤامرات ضد العراق ـ هذا البلد العربي الجريح وأهله ـ من قبل الرافضة الموالين لإيران أو من قبل الاحتلال الأمريكي على حد سواء.
وتزامن توقف "مفكرة الإسلام"، مع خبر توقيف صاحبها ومديرها الأستاذ صويان الهاجري، من قبل الأمن السعودي، في ظل غموض الأسباب التي أدت إلى هذا التوقيف، باعتبار أن الرجل معروف بوسطيته واعتداله وبعده عن الغلو, وهو ما جعله محط سهام من قبل بعض التنظيمات المسلحة المعروفة بغلوها وتساهلها في الدماء المعصومة، إلى جانب طوائف واسعة من الشيعة الرافضة.
وحقيقة، نريد أن نثير عدة قضايا، منها:
أولا: أن توقيف مثل هذا الرجل ووقف منبره: "مفكرة الإسلام"، يعطى فرصة لأصحاب الغلو, ويكسبهم أرضية خصبة، لنشر أفكارهم والدعوة إليها, وتوجيه النقد اللاذع لأصحاب الفكر الوسطي, فبدلا من إفساح المجال أمام هؤلاء، يتم توقيفهم وكسر أقلامهم, في حين يظل للآخرين منبرهم، ينشرون منه أفكارهم التي تغزو الشباب، في ساحة تم تفريغها قهرا من أصحاب الفكر الوسطي المعتدل.
ثانيا: الصمت المطبق لأصحاب المنابر الإسلامية، التي تشارك الرجل رؤيته، وتنظر للأمور والأوضاع على كافة المستويات من ذات الأرضية التي يقف عليها, فرغم مرور أسابيع على توقيف الرجل وغلق موقعه، إلا أن أيا من أصحاب تلك المنابر لم يكلف نفسه عناء الكتابة والبحث في الموضوع, وهو ما يتناقض بحسب ما نرى مع الميثاق الإسلامي، الذي يجب أن يستظل بظله العاملون في هذا المضمار، حتى وإن لم تكن هناك فرصة لتدوينه وكتابته.
ثالثا: أن الآراء التي تتبناها مفكرة الإسلام، قد تكون محل إعجاب وتقدير من البعض, وقد يؤخذ عليها بعض المأخذ, من قبل آخرين, ولكن في النهاية لابد وأن تكون هناك وقفة جادة وصادقة من أصحاب المنابر الأخرى، التي تشاركها شطرا كبيرا من رؤيتها، تتجاوز مرحلة الخلافات الجزئية، التي لابد منها على كل حال, طالما أنها بعيدة عن قطعيات الشريعة وثوابت الأمة, التي ترى أن ذلك المنبر كان من أشد الحريصين عليها.
رابعا: الفرحة العارمة التي ظهرت من بعض الطوائف المنتسبة للشيعة, أظهرت الحقد الدفين الذي تكنه تلك الطائفة للمفكرة وصاحبها, وهو يوحي بمقدار الجهد الذي بذله ذلك الموقع في كشف المؤامرات التي كانت وما زالت تحاك ضد السنة في العراق الجريح, والتي تتم بتعاون خفي غالبا وعلني تارة أخرى بين الاحتلال وبعض طوائف الشيعة.
خامسا: أن ما يقال عن حرية مزعومة للإعلام وأصحاب الرأي في العالم العربي، ما زالت دعوى تفتقد إلى المصداقية, حتى ولو كان هذا الرأي يصب في مصلحة الأمة الكلية ويدافع عن قضايا مجمع عليها, مبتعدا عن الشطط والغلو, تاركا مساحة الاختلاف والنزاع إلى مواضع الاتفاق.
سادسا: ثمة ما يدور من وراء الكواليس في هذه الفترة من عمر العراق الجريح، ويراد له فيما يبدو أن يتم ذلك بعيدا عن الآلة الإعلامية، التي طالما كشفت كثيرا مما يدور في هذا البلد المغتصب, وهو أمر في الحقيقة يثير الكثير من الشكوك حول مستقبل البلد في ظل التنازلات تحت دعاوى الواقعية السياسية وغيرها.
سابعا: ترك "الإعلام المدجن"، يمارس رسالته كما هي دون أي تدخلات، إلا تلك التي تضفى عليه بريقا زائفا، يقتات منه ويتواصل به مع الرأي العام العربي، والذي قد يكون بمقدوره ـ في ظل تلك الغيبة من مراكز إعلامية مؤثرة ـ أن يمرر عدة صفقات على أنها مكاسب ضخمة, وهي تتأبط السم الزعاف.