علي خامنئي وأوهام ولاية الأمر
السبت 12 فبراير 2011
بقلم: صباح الموسوي
لقد شكلت الخطبة الأخيرة لمرشد النظام الإيراني علي خامنئي الذي ألقاها من على منبر مصلى الجمعة في مدينة طهران في يوم 4 فبراير الجاري حول الأحداث الجارية في تونس ومصر, ردود أفعال قوية من داخل إيران وخارجها؛ حيث رأى المنتقدون أنها تحمل تناقضاً وخلطاً للأمور, وذهب البعض الآخر منهم إلى نعتها بالصفاقة لكونها تجاوزت حدود اللياقة الأدبية والدبلوماسية لأنها كانت تنم عن حقد وتشفي من جهة, وتدخل سافر في شؤون الآخرين من جهة ثانية, وهذا يتناقض مع ما تعلنه إيران باستمرار من أنها لا تتدخل في شؤون الدول العربية, فقد كان هذا التدخل دائماً محور حديث الدبلوماسيين العرب مع نظراءهم الإيرانيين الذين يحاولون الالتفاف على أسئلة نظراءهم العرب ويزعمون أن إيران تناصر الشعوب العربية ضد الدكتاتورية, غير أنهم يتناسون أن الدكتاتورية التي يمارسها النظام الإيراني هي أشد من أي نظام دكتاتوري في أي بلد عربي.
فعلى سبيل المثال نجد أن النظام الإيراني عندما حاول بعد وقف حربه مع العراق التخلص من الحقبة الخمينية والانفتاح على العالم الخارجي, انتقل إلى الخطاب البراجماتي مع الرئيس هاشمي رفسنجاني ولكن حين وجد أن هذا الخطاب ليس كافياً لكي يقنع العالم بالانفتاح عليه, وأن عملية السلام بين العرب والكيان الصهيوني كانت على وشك أن تتم وفي هذا الحال سيكون وضعه كالخارج من المولد بدون حمص, كما يقول المثل الشعبي, فقد انتقل إلى الخطاب الليبرالي عبر الرئيس محمد خاتمي. غير أن ما شهدته مرحلة خاتمي كانت أكبر من أن يتحملها النظام الإيراني؛ حيث كان الخطاب الليبرالي يتطلب انفتاحاً سياسياً داخلياً وهذا ما كان يتعارض مع العقلية الدكتاتورية لنظام ولاية الفقيه, ولهذا السبب شهدت مرحلة رئاسة خاتمي حملة اعتقالات وتعذيب واغتيالات واسعة في صفوف المنتقدين للنظام, وعلى الأخص الصحفيين والمثقفين منهم، ناهيك عن حملة إغلاق الصحف التي كانت تناصر التيار الإصلاحي.
وبحسب قول أحد الدبلوماسيين الإيرانيين السابقين, إن من جملة أسئلة الدبلوماسيين العرب لنظرائهم الإيرانيين هي, إذا كنتم لا تستطيعون أن تتحملوا شخص مثل خاتمي وتياره الإصلاحي وهو منكم, فكيف يحق لكم أن تصفوا الحكام العرب بالدكتاتورية وتريدون تصدير نموذجكم في الحكم للدول العربية؟!. وأما السؤال الآخر فهو, إذا كان زعيمكم علي خامنئي وعلى الرغم من مضي أكثر من ثلاثة عقود على انتصار الثورة لا يتجرأ حتى الآن النزول إلى الشارع والتواصل مع شعبه, فبأي حق ينصب نفسه "ولي أمر للمسلمين"؟. ناهيكم عن ذلك كله أن الفكر الشيعي لا يحظى بقبول بين الشعوب العربية وهو مرفوض من وجهة نظرهم. إذاً كيف يمكن لمن ليس له مكانة بين شيعة بلده, والشعب الإيراني يخرج بمظاهرات مليونية ضده, من أن يجد مكانة له بين الدول العربية السنية المذهب ويريد أن تقبل به ولي أمر لها؟. فلا الجمهورية الإيرانية يمكن أن تكون نموذجاً لحكم العرب ولا علي خامنئي يمكن أن يكون ولي أمر لهم. فهذا ما كان يقوله الدبلوماسيون العرب لنظرائهم الإيرانيين. أما ما هو ظاهر على مستوى العلاقات بين الدول العربية وإيران, فهو لا يتجاوز البروتوكولات الدبلوماسية وليس له قيمة أخرى. فحتى دولة قطر التي يظهر أنها على تقارب مع إيران ولديها تنسيق معها بشأن موضوع غزة, يرى بعض المحللين السياسيين الإيرانيين أنه من الناحية الواقعية فإن دولة قطر لا تكن وداً للجمهورية الإيرانية وإذا ما أظهرت بعض المجاملات السياسية معها أحياناً فذلك في الأغلب يتم من أجل الاستمرار في الاستفادة من حقل الغاز المشترك بينهما.
أما على صعيد الشعبي العربي فحتى بين الشيعة لا تحظى ولاية خامنئي باعتراف فما بالك بين السنة؟. فبالنسبة لمملكة البحرين على سبيل المثال فهناك قلة من الشيعة المتطرفين, الذين يتلقون دعماً مالياً من وزارة الثقافة والإرشاد الإيرانية لإقامة مهرجانات اللطم والنياح, من يؤيد مرجعية خامنئي, فباستثناء هؤلاء المتطرفين لا يوجد من شيعة البحرين من يؤمن بولاية خامنئي. أما بالنسبة لدولة الإمارات وسلطنة عمان, فالمواطنون فيهما بعيدين عن عالم السياسية وأغلبهم لا يعرف من هو خامنئي حتى يقبلون بولاية أمره عليهم. أما في السعودية والأردن حيث يهيمن التيار السلفي على الساحة فلا أحد يعير قيمة لخامنئي ونظامه الطائفي.
وبالنسبة للكويت التي يتمتع فيها الشيعة بدرجة عالية من الحرية, يوجد بينهم تيار واسع يعارض خامنئي ولا يعترف بمرجعيته, كما أن أغلب الشيعة هناك لديهم ميول غربية ولا يعيرون اهتماماً لموضوع ولاية الأمر التي يدعيها خامنئي. أما في مصر فباستثناء القلة القليلة من جماعة الإخوان المسلمين المستفيدين من إيران, فإن خامنئي بنظر الأغلبية من جماعة الإخوان يعد ديكتاتوراً ظالم ولا يحظى بأي مكانة عندهم.
أما على الصعيد اللبناني فإن شعبية خامنئي ليس بتلك الدرجة التي يصورها النظام الإيراني وأبواق الدعاية الإعلامية التابعة لحزب الله, فهي محصورة بأقلية من الطائفة الشيعية وليس كل الشيعة, والأقلية التي يحظى خامنئي بتأييدها تعلم جيداً أن ما يقوم به مسؤولي حزب الله من صنع دعايات إعلامية لخامنئي, ما هي إلا وسيلة للحصول على الدعم المالي من أجل العيش برفاهية فقط لا غير.
وفي سوريا، فإن الوضع على هذا المنوال أيضاً, فالرشاوى المالية التي يدفعها النظام الإيراني لبعض المسؤولين في النظام السوري هي التي أفسحت المجال لكي يظهر اسم خامنئي في بعض المناسبات التي تقام في سوريا, فأغلب الشعب السوري غير راضي عن علاقة بلاده بإيران وينظر إلى خامنئي على أنه الداعم والحامي لنظام بشار الأسد, ولهذا السبب تجد الشعب السوري متنفر من إيران وخامنئي.
ولعل الوحيدون من الناس الذين يذكرون اسم خامنئي بصيغة "الإمام خامنئي" هم بعض المخدوعين من أهالي غزة, وهذا ناتج عن التظليل الإعلامي التي تمارسه بعض أطراف حركتي حماس والجهاد. وأغلب أهالي غزة لا يعلمون أن خامنئي شيعي أو سني أصلاً ويضعون صورته إلى جانب صورة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين, فهؤلاء الناس وبسبب التظليل الإعلامي الحاصل يتناسون حجم العداء والكره الذي يكنه خامنئي لصدام حسين وأن بلاده قد تعاونت مع الأمريكان على احتلال العراق وساهمت في إعدام صدام، وأن المذابح التي طالت الفلسطينيون في العراق كانت على أيدي المليشيات المدعومة من إيران. ومما يؤكد التظليل الحاصل في غزة بشأن الموقف من إيران ومرشدها خامنئي, ينقل أحد ضباط المخابرات الإيرانية (الإطلاعات) السابقين قائلاً :"إن أشد المواقف مرارة هي حين قدم لي أحد أئمة مساجد غزة وبكل عفوية صورة صدام حسين وقال لي هذه صورة للشهيد صدام أقدمها هدية للإمام خامنئي من أجل أن يتبرك بها". وهذا ما يؤكد أن شعبية خامنئي هناك مبنية على التظليل.
لقد كانت الخطبة المذكورة, والتي ألقاها باللغة العربية, بمثابة خطبة من غير مخاطَبَ حيث إن ما أحدثه شبان الانتفاضة المصرية كان متقدما جداً على ما ورد في خطبة خامنئي الممجوجة. لقد تناسى خامنئي أن من يقود الانتفاضة المصرية ليسوا شيوخ التكايا وحلقات الذكر الصوفية, بل هم شبان مصر الذين تجمعهم مشتركات عديدة مع شبان انتفاضة الحركة الخضراء الإيرانية, تلك الانتفاضة التي جرى قمعها بالحديد والنار بأمر من هذا الذي يُسمى "ولي أمر المسلمين" والتي أبدى حينها شبان مصر عبر صفحة الفيس بوك وصفحة تويتر، تضامنهم مع ضحاياها وأعربوا عن تنفرهم من خامنئي ونظامهم القمعي.
لقد أراد النظام الإيراني من وراء الخطبة التي وجهها خامنئي إلى شبان الانتفاضتين المصرية والتونسية, إيهام الشارع الإيراني من أن خامنئي ونظامه يحضون بشعبية في العالم العربي فيما الحقيقة هي خلاف ذلك تماماً, فالشارع الذي انتفض على الرئيس حسني مبارك وعلى نظام "بن عل" , لا يمكن أن يقبل أن يتبع توجهات دكتاتور أرعن يُعد نفسه ظل الله في الأرض. كما أن جماعة الإخوان المسلمين التي يراهن النظام الإيراني عليها قالت في بيان أصدرته قبل أيام أنها ترفض رفضاً قاطعاً إقامة دولة دينية في مصر على غرار إيران، وكانت رسالة واضحة من أن مطالبهم لا تتلاقى مع ما جاء في خطبة خامنئي.
كما أن زعيم حركة النهضة التونسية السيد راشد الغنوشي الذي يعد من المقربين للنظام الإيراني، قد أعلن صراحة أنه يتمنى نموذج الحكم التركي لبلاده, وهذا يعني رفضه لنموذج الحكم الإيراني.
إن محاولة النظام الإيراني ربط ما يجري من انتفاضات شعبية في الشارع العربي بالثورة الإيرانية التي مضى عليها أكثر من ثلاثين عاماً والتي أثبتت فشلها في تحقيق شعاراتها على جميع الأصعدة, فإن ذلك مجرد وهم وخداع ليس إلا. وليعلم خامنئي أنه ليس في مصر وتونس وحسب, بل في أي مكان في العالم ليس له مكانة تذكر, وإذا كان قد أوهمه البعض من المنتفعين أن له مكانة بين المظلومين من أهل غزة, فإن مكانته تلك مقرونة بمكانة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين لا أكثر!!.