د. نبيل العتوم
رئيس وحدة الدراسات الإيرانية
مركز أمية للبحوث والدراسات الاستراتيجية
في الوقت الذي تنكبّ فيه الحكومة الإيرانية على دراسة جميع الخيارات والبدائل لمواجهة العقوبات الأميركية، خرجت علينا طهران بخطّة مكوّنة من اثنتي عشرة بنداً، طرحت على لسان مسؤوليها، وكان آخرها ما ورد على لسان علي أكبر ولايتي مستشار المرشد للشئون الدولية حث أعرب عن استعداده لمنازلة الولايات المتحدة الأميركية ودون تردد!!
في ظلّ تراكم الأزمة الاقتصادية المتفاقمة، ولا زالت ساستهم الإصلاحية تدور في حلقة مفرغة، الحكومة تسعى للتخفيف من النفقات، وتمرير عدد من الإجراءات عن طريق تقسيم السلع الضرورية إلى ثلاث حزم: (غذائية، دوائية، وحزمة في مجالات الطاقة)، للحدّ من آثار العقوبات المتزايدة، والتي تخلق الأزمات على الصعيدين الاقتصادي والسياسي وتخلق البلابل الاجتماعية.
فقد أقرّ المسؤولون الإيرانيون وفي مقدّمتهم الرئيس روحاني، في الأمس بأن إيران تدخل في «أزمة حقيقية على المستوى الاقتصادي والمالي»، متحدثاً عن دخول البلاد في «مرحلة دقيقة وخطيرة جداً»، غير أنّه أبقى نافذة الأمل مفتوحة حين قال: «رغم صعوبة الأزمة، فإنها تبقى غير مستعصية، إذا كانت هناك إرادة حقيقية في أن نعيد تنظيم أمورنا، ونضع أنفسنا على سكة المواجهة الحقيقية، واعداً الشعب الإيراني بالانتصار الحتمي على غطرسة ترامب»، وكأن المواجهة بين طهران وواشنطن باتت شخصية.
إنّ رصداً دقيقاً للوضع الداخلي الإيراني يؤكّد بأن إيران تسابق الخطى للسقوط في الهاوية، لدرجة أن بعض النخب المحسوبة على “الإصلاحيين” أخذوا يتحدثون جهارا نهارا بأن الأمور لا تستقيم إلا مع إقرار استراتيجية جديدة، عنوانها فتح خط مباشر للحوار مع واشنطن، ورسم مسار لإصلاح الاقتصاد في ظل التخبّط وتهريب العملات الصعبة إلى الخارج، ومحاولة القطاعات الشعبية التخلص من العملة الوطنية “التومان”، ومحاولة تبديله بأي سلعة.
في الوقت الذي تتوعد فيه السلطة القضائية بحجب خدمة “الانستغرام” بتوجيه مباشر من خامنئي، الذي بشر الإيرانيين أول أمس بغلقه لحساب “الانستغرام” الخاص به، إلا أن روحاني تعهد لوزير الاتصالات بعد حجب هذه الخدمة و استهجانه لذلك.
لقد أشارت النخبة الاعلامية والاكاديمية في إيران، إلى ترك التعويل على دول الاتحاد الأوروبي كدول ضامنة للاتفاق النووي، فلا يمكن أن يكون لهذه الدول الأثر الإيجابي الكبير في مواجهة العقوبات الأميركية، طالما لم تواكب مساعيهم إجراءات حقيقية ملموسة. لذلك كان أبرز مطالهم هو التوجه إلى واشنطن ومحاولة إعادة مسار التوازن في علاقات إيران الإقليمية، والانسحاب من الأزمات الإقليمية التي أوصلت إيران إلى هذه المرحلة الحرجة.
فالحديث في وسائل التواصل الاجتماعي الإيرانية، يتمحور حول ضرورة تبني خطّة عاجلة لإنقاذ اقتصاد الدولة من الانهيار.
بدأت الشائعات في إيران تتحدث فعلياً عن نفاد العملة الصعبة التي خصصها البنك المركزي الإيراني للدعم، وتحدثت عن سيطرة الحرس على مدخرات الدولة، والاستحواذ عليها، وحكومة روحاني أصرّت على الكشف عن شركات وهمية تقاضت مئات الملايين من الدولارات للحصول على الدعم، وأصرّ روحاني على نشر هذه المعلومات أمام الملأ، لنفي المسؤولية عن حكومته، والقصة بدأت عندما نشر البنك المركزي الإيراني قائمة تحوي أسماء شركات وهمية تتقاضى الدعم الحكومي، ما أدى إلى فضح المستفيدين من الاقتصاد الإيراني المعلن والمخفي؛ وهذه القائمة متشكلة من ثلاثة وخمسين صفحة، وصادرة عن البنك المركزي، وهي تضم أسماء خمسمائة وألف شركة، حصلت على تسهيلات مالية بالعملة الصعبة.
وبالرغم من أنه لم تمض سوى ساعات معدودة على نشر هذه القائمة؛ حتى باشر الإعلام الإيراني بالتحقيق حول العلاقة بين السندات الحكومية المخصصة للعملة الصعبة والأنشطة التجارية لأسماء الشركات المعلنة في هذه القائمة، فعلى سبيل المثال: أحد هذه الأسماء الأكاديمية الرياضية: “بدر ميناء كنغ”. فقد تمّ إدراجها في هذه القائمةً؛ كمستوردة لإطارات السيارات، وحصلت على تسهيلات مالية بقيمة خمسمائة ألفا ومليون (1500) يورو وبسعر صرف (4200) تومان لكل يورو. لكن القائمة غاب عنها أسماء الذين وجهت لهم أصابع الاتهام، كمتسببين في موجة الغلاء التي ضربت الأسواق أخيرًا؛ أي (مستوردي السيارات قطع غيار السيارات، ومستوردي الأجهزة السمعية والبصرية والعديد من المواد الباهظة الثمن الأخرى…).
في الوقت نفسه نشرت وزارة “الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات” قائمة بأسماء الشركات؛ التي حصلت على تسهيلات حكومية بالعملة الصعبة؛ لاستيراد الهواتف المحمولة، وتشمل ستة أشخاص وخمس شركات حصلوا على ما مجموعه؛ ثلاثة وثلاثين مليون يورو (33000000) يورو؛ بسعر الصرف الرسمي لليورو من الحكومة؛ حيث تمّ استيراد هواتف محمولة؛ بنصف قيمة هذا المبلغ دخلت البلاد فعلًا في حين مازال النصف الأخر غير موجود أصلاً.
بينما الشركات الأخرى في هذه القائمة رغم أن مدراءها؛ لديهم عنوان بريدي مشترك، كيف حصلوا بشكل منفرد؛ على تسهيلات مالية حكومية بالعملة الصعبة؟
فالكشف عن هذه العلاقات الخفيّة قد يكون جزءًا من أهداف؛ وزير الاتصالات الإيراني: “محمد جواد آذري جهرمي” حيث تطرّق لها في حسابه الشخصي على تويتر حينما قال: “يجب محاربة اقتصاد المحسوبية. اقتصاد هش وسوق صرف عملات مضطرب؛ تحول إلى” ألعوبة “؛ لتدمير حكومة “حسن روحاني”، الذي يعمل جاهداً لإصلاح المجلس الاستشاريون الاقتصادي في حكومته؛ والمضي قدمًا باتجاه الشفافية الاقتصادية؛ ليذكر خصومه بأن: “من يسكن في منزل زجاجي، عليه ألّا يرمي الأخرين بالحجارة”.
أفادت دائرة العلاقات العامّة في البنك المركزي الإيراني أن الهدف من نشر هذه القائمة” يعود إلى الشفافيّة في نشر المعلومات، وتمكين المواطن الإيراني من الوصول إلى المعلومة بكل حريّة ويسر، وذلك عملا بمقتضى التعليمات الصادرة من رئاسة الجمهورية، وعن الرئيس روحاني شخصياً.
وبخاصة أن الاقتصاد الإيراني ما زال في عنق الزجاجة، وهذه الشفافيّة التي دعا إليها الرئيس حسن روحاني، تهدف إلى إطلاع المواطن الإيراني على الأشخاص الذين هم وراء الأزمة والذين يحصلون على الدعم الحكومي، و بإعلان أسماء المستفيدين من القروض التمويلية للاقتصاد الإيراني على الملأ تنتهي الأزمة.
لا شك أن هذا الاعلان يعكس عمق الأزمة السياسية وحالة التجاذب وتصفية الحسابات بين الفرقاء…
فالرئيس روحاني بدا يتحدث بشكل شبه يومي عن وجود حكومة “الظل” التي تدير الأمور خلف الستار، بموازاة ذلك تتعالى أصوات تطالب “روحاني” بضرورة اطلاع الناس على هذه الحكومة، أو إعطاء كل المعلومات عنها. بينما الكثيرون يقولون: بأن الرئيس يفتقد الجرأة اللازمة لإحاطة الناس بما يجري على الأرض، لما سيكون له من أثار نفسية، وتداعيات خطيرة ستدفع الناس للخروج إلى الشوارع، والمطالبة بحقوقهم، وسحق النظام.
بينما هي مسألة وقت وسيعود المحتجون إلى الشوارع والميادين ويهتفون: (لا نريد انتخابات، لا نريد لا إصلاحيين، لا محافظين)، بل سيطالبون باستفتاء كامل على نظام ولاية الفقيه، كي لا تنهار الدولة الإيرانية …
المصدر : مركز أمية للبحوث والدراسات الاستراتيجية
3/11/1439
16/7/2018