حزب الله والاتجاه صوب القاهرة
سمير العركي
أخيرًا، حسم حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله اللبناني، الجدل الدائر في القاهرة وغيرها من العواصم والحواضر، بشأن القرار الذي أعلنه النائب العام المصري بالقبض على خليَّة تابعة لحزب الله في القاهرة مؤلفةٍ من حوالي خمسين شخصًا كانوا ينوون القيام بأعمال عدائية داخل القاهرة، كما خطَّطوا ـ على حسب بيان النائب العام ـ للقيام باغتيال شخصيات عامة، كما أنهم كانوا يقومون بتهريب السلاح إلى داخل قطاع غزة .. كما تضمن الاتهام "الانضمام إلى تنظيم سري مناهض، والدعوة للخروج على الحاكم، ومحاولة نشر الفكر الشيعي، والإعداد والتخطيط للقيام بأعمال عدائية في البلاد، وحيازة مواد متفجرة، والتزوير في أوراق رسمية".
وقد ظل الجدل محتدمًا من وقتها حول صحة الاتهامات، واعتبر فريق من المراقبين والمتابعين أن الاتهامات في جملتها ملفقةٌ وغيرُ صحيحة.
ولكن جاء بيان حسن نصر الله ليضع النقاط على الحروف؛ فقد اعترف نصر الله أن المعتقل اللبناني لدى السلطات المصرية سامي شهاب، هو أحد أعضاء حزب الله، وأن نحو عشرة معتقلين آخرين غيره ربما يكونوا أعضاء بالحزب، ونفى أن يكونوا 50 شخصًا، كما أعلنت السلطات المصرية ذلك في وقت سابق.
وقال: إن شهاب فعلًا كان يقدِّمُ دعمًا لوجستيًّا للفلسطينيين في قطاع غزة، وإنه لحظة اعتقاله كان ينقل عتادًا وأفرادًا داخل فلسطين، وإنه هو الذي أرسله للقيام بهذه المهمة.
وبغضِّ النظر عن الحجج التي ساقها نصر الله لتبريره إرسال خلية لحزب الله إلى القاهرة، فإن العديد من الدلالات والمضامين تضمنتها هذه الحادثة:
1. لا يستطيع حزب الله الإقدام على هذه الخطوة دون التنسيق مع الجانب الإيراني خاصة، وربما السوري، بل إن الأرجح هنا أن يكون الحزبُ مجرَّدَ أداة تنفيذية لما تم الترتيب له في طهران، خاصة مع توتر العلاقات بين طهران والقاهرة، وشعور طهران أن القاهرة تقف كحجر عثْرة أمام توسُّعها الإقليمي، والذي تطمح إليه طهران، خاصة بعد جنوح إدارة أوباما إلى التَّفاهم معها بعيدًا عن لغة السلاح والتهديد.
2. حاول الأمين العام لحزب الله أن يعطيَ غطاءً لخليَّته، وذلك بالزعم أن مهمتها الأصلية هي تقديم الدعم اللوجيستي للمقاومة الفلسطينية، وهو غطاءٌ هشٌّ ضعيف.. فحركة حماس نفت على لسان صلاح البردويل علاقتها بالتنظيم وقال: "حماس لم تتلقَّ أيَّ بيان أو إشارة رسمية من الحكومة المصرية تربط بين المجموعة التي تم القبض عليها وبين الحركة". وأضاف في معرض توضيح موقف حركته أن "سياسة حماس في هذا الإطار هي تنظيم بعيد كل البعد عن الانتماء لأي جهة معادية لأي نظام عربي"، مؤكدًا حق مصر كدولة في أن تدافع عن سياساتها وأمنها وحدودها. وأكد فوزي برهوم، المتحدث باسم حماس، أن حركته "لا تجنِّد أي فرد خارج فلسطين"؛ باعتبار أن الوجود الحقيقي لها هو في فلسطين.
3. في حال صدق الرواية الرسمية لحزب الله فلا يظن أن السلاح المزعوم كان في طريقه لحماس أو فصائل المقاومة السنيَّة على قدر ما كان تعزيزًا للوجود الشيعي داخل القطاع، خاصة في ظل وجود بؤرة لحزب الله داخل مخيمات اللاجئين، فقد نشرت صحيفة "معاريف" الإسرائيلية تقريرًا في وقت سابق قالت فيه: إن حالة من التوتر تسود بين منظمة حزب الله اللبنانية وبين حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، بعد قيام جهاز الأمن التابع لحركة حماس باعتقال أحمد صالح، المسؤول الكبير من قبل حزب الله عن تفعيل الخلايا في قطاع غزة، والذي رفض أن يقوم بتنسيق العمليات العسكرية ضد الدولة العبرية مع حركة حماس.
وتابعت الصحيفة الإسرائيلية قائلة: إنّ مصادر أمنية فلسطينية أكدت لمراسلها أنّه في الأسبوع الجاري قام جهاز الأمن الداخلي التابع لحركة حماس باعتقال أحمد عبد الله صالح
من مخيم اللاجئين "جباليا" في القطاع، والذي يعمل تحت إمرة حزب الله، بعد أن قام رجاله بإطلاق الصواريخ وقذائف الهاون باتجاه جنوب الدولة العبرية، دون التنسيق مع حركة حماس. وأشارت المصادر عينها إلى أنّ صالح تعهد أمام حركة حماس بإرسال استشهاديين فلسطينيين لتنفيذ عمليات تفجيرية داخل ما يُسمى بالخط الأخضر، ولكنّه، وِفْقَ المصادر عينِها، أخلَّ بوعده، ولم يقم بإرسال الاستشهاديين إلى العمق الإسرائيلي.
وأشارت الصحيفة حينها إلى أنّ "صالح" كان ضابطًا في جهاز الأمن العام الفلسطيني، وقبل خمس سنوات تمّ الاتصال بينه وبين عناصر من حزب الله في لبنان، وبعدها بدأ مباشرةً بالعمل لصالح حزب الله، وقام حزب الله بتمويله بمبالغَ طائلةٍ، الأمر الذي سمح له بتشكيل خلايا فدائية في أنحاء قطاع غزة، ويقدَّرُ عدد المنتمين إلى خلاياه بالعشرات. وجاء أيضًا أنّه قبل نصف سنة تمّ اعتقالُهُ؛ حيث ضُبطت بحوزته أجهزة اتصال ومبلغ 300 آلاف دولار، وفي البداية سَاوَرَ رجالَ حماس الشَّكُ بأنّ عناصر فتح في مدينة رام الله في الضفة الغربية المحتلة هم الذين يقومون بتفعيله، وأنّ هدفه جمع المعلومات عن حركة حماس في القطاع، وتنفيذ أعمال عسكرية ضد منشآتها فيه، ولكنّ حركة حماس فوجئت، عندما تبيّن لها أنّ الرجل هو ناشطٌ مركزيٌّ في حزب الله اللبناني، وأنّ الحزب يعتبره كنزًا استراتيجيًّا.
وأشارت أيضًا إلى أنّ رئيس جهاز الأمن العام (الشاباك الإسرائيلي) يوفال ديسكين، كان قد صرَّح مؤخرًا بأنّ حزب الله أقام له خلايا في قطاع غزة وفي الضفة الغربية المحتلة، وأيضًا داخل ما يسمى بالخط الأخضر. ولعل هذا التقرير يفتح المجال واسعًا أمام ضرورة الالتفات إلى محاولات حزب الله ومن ورائه إيران، لتشييع القضية الفلسطينية.
4. حاول الأمين العام لحزب الله أن يجعل من تقديم الدعم اللوجستي للمقاومة الفلسطينية مُسَوِّغًا لاستباحة الأراضي المصرية، وتحويلها إلى ممرٍّ لنقل الأسلحة، والغريب أن هذا المسوِّغ وجد طريقه إلى الإعلام المصري، وانبرى البعض لتسويغ الأمر دون أدنى اعتبار لمقتضيات الأمن والذي تحاول كل دولة العملَ على عدم انتهاكه، فالدولة الإيرانية لا تقبل بأي حالٍ من الأحوال، أن تتحول أراضيها إلى ممرٍّ لنقل الأسلحة إلى حركة طالبان في أفغانستان، وسوريا لا تسمح بتحويل أراضيها إلى ممرٍّ لنقل السلاح إلى المقاومة في العراق، بل إن حزب الله ذاته لم يسمح لنفسه بالتورط في حرب غزة الأخيرة، وسارع إلى نفي التهم عن نفسه عندما تم إطلاق بعض الصواريخ من الجنوب اللبناني حينها..
5. من الواضح أن حزب الله أصيب بارتباك بعد القبض على خليته في القاهرة، لذا التزم الصمت طيلة عدة أيام إلى أن خرج أمينُه العام بتصريحه الأخير، وهذا الارتباك مردُّه قلةُ خبرة الحزب في التعامل مع الحالة المصرية، فمصر التي تعانى من تراجع كفاءة العديد من أجهزتها الخَدَمِيَّةِ إلا أنها تتمتع بكفاءة عالية في الجانب الأمني، مما يجعل مغامرات حزب الله في مصر محكوم عليها بالفشل، والحزب هنا لم يستفدْ من التجربة السورية عقب كامب ديفيد، والتي حاولت من خلالها الدفعَ بعناصر مصرية وغير مصرية للقيام بعمليات تخريبية داخل مصر، وذلك لسنوات مُتَتَابعة، إلا أنها كانت تبوء بالفشل..
ويبدو أن حزب الله بعد أن فرغ من حربه في الجنوب مع العدو الصهيوني تحوَّل إلى أداة تنفيذية للقوى الإقليميَّة، وهو ما يعني أن الحزب سيخسر الكثير والكثير في حرب تصفية الحسابات.
المصدر: الإسلام اليوم