العلاقات الإيرانية الإسرائيلية ...محاولة للفهم

بواسطة حسن الرشيدي قراءة 477

العلاقات الإيرانية الإسرائيلية ...محاولة للفهم

 

حسن الرشيدي

istratigi@hotmail.com

 

في الأيام القليلة الماضية و بالتحديد في الحادي  العشرين من شهر يونيو الماضي تناقلت وكالات الأنباء أخبارا أن مسئولين في وزارة الدفاع الأمريكية يؤكدون صحة تقرير صحافي أمريكي كشف النقاب عن أن إسرائيل أجرت مطلع الشهر الحالي مناورات جوية على نطاق واسع في شرق المتوسط كانت في حقيقة أمرها استعراضاً كبيراً للقوة وتدريباً على شن هجوم جوي على المنشآت النووية الإيرانية.

ورداً على هذا حذر قائد الحرس الثوري الإيراني الجنرال محمد علي جعفري إسرائيل من مهاجمة إيران لأن الدولة العبرية تقع في مرمى الصواريخ الإيرانية وأشار إلى فتح جبهة جنوب لبنان.

و بعدها بأيام قليلة و في الثلاثين من يونيو نقلت نفس الوكالات خبرا عن موافقة الحكومة الإسرائيلية بغالبية ساحقة أمس على اتفاق تبادل أسرى وجثث مع حزب الله يشمل جنديين إسرائيليين أسرهما الحزب الشيعي اللبناني في يوليو 2006 ويعتقد أنهما قتلا مقابل إطلاق سراح معتقلين لبنانيين.

وتمت الموافقة على الاتفاق الذي يتضمن استعادة جثتي الجنديين اللذين خطفا قرب الحدود اللبنانية باثنين و عشرين صوتا من أصل أعضاء الحكومة الخمسة و العشرين وفق ما أفاد بيان رسمي.

و من المعلوم و غير محتاج للتوضيح الكثير أن حزب الله هو أداة إيرانية في المنطقة وسواء إيران أو حزب الله فإنهما لا ينكران تلك الحقيقة التي آخر دلالتها هو تأكيد حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله في خطاب أخير له على إيمان الحزب بولاية الفقيه الإيراني

إذن فإن حقيقة المفاوضات و التي أدت إلى التبادل هي في الأصل مفاوضات إسرائيلية إيرانية.

فما هو سر هذا التناقض: تهديد من جانب واستعداد لشن حرب وفي نفس الوقت مفاوضات و تبادل أسرى ؟

تثير العلاقات الإيرانية الإسرائيلية كثيرا من الانطباعات و التناقضات فعلى  صعيد التصريحات لا تخلو لغة المسئولين الإيرانيين منذ الثورة عام 1979 من مفردات العدو و العمل على إزالة إسرائيل من الوجود و شعارات تحرير القدس و الاحتفاليات بهذا الشأن كثيرة وكلها لا تخرج عن لغة التعاطف و التأييد اللفظية بينما الواقع على الأرض عكس ذلك و منها ما هو مثبت بشكل لا يحتمل التأويل مثل تزويد إسرائيل لإيران بقطع غيار الأسلحة للجيش الإيراني أثناء حربه مع العراق في الثمانينات من القرن الماضي و الآن و في هذه الأوقات و بينما تتشدد أمريكا و تقود تحالفا لحصار إيران اقتصاديا تتسرب تقارير صحفية عن استيراد إسرائيل لكميات ضخمة من الفستق الإيراني تبلغ قيمتها عشرون مليون دولار كما ذكرت مجلة الوطن العربي و منذ عدة أسابيع كشفت الحكومة السويسرية عن فضيحة الاستيراد الإسرائيلي للنفط الإيراني.

و فضلا عن التعاون الاقتصادي فإن إيران تصدر يهودها إلى إسرائيل لدعم الدولة اليهودية في صراعها الديموغرافي مع الفلسطينيين ففي السابع من يناير الماضي وصل ما يقرب من أربعين يهودي من أصل إيراني إلى مطار بن جوريون القريب من تل أبيب في إطار حملة سرية للغاية نفذتها الوكالة اليهودية بالتعاون مع منظمة الصداقة الدولية المسيحية اليهودية التي يرأسها الحاخام يشائيل اكشتاين.

ونقلت جريدة الوطن السعودية عن مصادر إسرائيلية رسمية قولها: إن مائتين  يهودي إيراني هاجروا إلى إسرائيل في العام الجاري مقارنة بـ65 في 2006 منوهة إلى أن إجمالي عدد اليهود الإيرانيين الذين هاجروا إلى إسرائيل منذ عام 1948 وصل إلى 77833 شخصا.

و إذا كانت كل هذه التسريبات قد كشفت عن حجم التبادل التجاري الإسرائيلي الإيراني بالرغم من الحصار الاقتصادي المفروض على إيران و مدى الدعم الإيراني لإسرائيل بالسماح ليهودها بالهجرة و تصريحات المسئولين الإسرائيليين عن ضرورة عدم السماح لإيران بامتلاك برنامج لإنتاج السلاح النووي و في نفس الوقت الذي يتحدث فيه المسئولون الإيرانيون و يتشدقون بضرورة سحق إسرائيل من الوجود فإن الأمر يدعو للحيرة لمن لا يفهم أساليب السياسة و دهاليزها.

و الذي يحتار من الموقف الإيراني لا يعرف أن الأصولية الشيعية التي يستند إليها تقوم على عدة مرتكزات منها:

أن هذه الأصولية الشيعية اصطبغت بالصبغة الفارسية التي تقوم على كره العرب  و أنهم هم المسئولون عن انهيار الإمبراطورية الفارسية لذلك يجب التحالف مع أعدائهم لتفتيت دولهم و السيطرة على ثرواتهم و إفقادهم عوامل القوة والمنعة بإضعافهم إستراتيجيا بل إنهم تباهوا في بعض المرات بأنه لولا مساعدتهم للولايات المتحدة لما سقطت بغداد و كابول و بذلك فإن إيران لعبت دورا أساسيا في إسقاط أكبر قوتين إستراتيجيتين في المنطقة العربية والإسلامية

ثاني هذه المرتكزات هو التقية التي هي أصل في العقيدة الشيعية و التي تخفي ما تبطنه و تظهر عكس ذلك فالظهور بمظهر المدافع عن مقدسات المسلمين و حامية حمى الأقصى و القدس فضلا على أنه ديماجوجية سياسية مارسها من قبل كثير من حكام العرب فهو أيضا جزء من أيديولوجية شيعية قائمة على الكذب و الخداع.

و الذي يحتار أيضا من الموقف الإسرائيلي من إيران عليه أن يدرك جيدا مرتكزات السياسية الإسرائيلية و التي منها :

إستراتيجية شد الأطراف حيث تعتبر إسرائيل إيران من دول الأطراف و في بحثه بعنوان الكيان الصهيوني ومبدأ شد الأطراف يعرف الباحث الدكتور سمير خيري مبدأ شد الأطراف بأن قوة سياسية معينة كأن تكون دولة أو تحالفا من الدول أو قوة إقليمية تلجأ في تحركها مع خصم لها إلى استغلال عدد من العناصر تتجاوز التصور التقليدي لتقدير قوة هذا الخصم بمعنى أن هذه العناصر تخلق أو تفتعل من قبل الجهة التي تستخدم هذا المبدأ لتزيد من إضعاف إمكانات الطرف الآخر في الصراع وهذا التوظيف يعتبر جزءا من مبدأ شمولية التحرك في المواجهة الإستراتيجية مع الخصم لأن عناصر المواجهة الاعتيادية أو التقليدية لا يركز عليها بالذات فحسب وهي تتمثل بالقوة العسكرية والإمكانات الاقتصادية والتقدم التكنولوجي ولكن يصار إلى تجاوز تقدير قيمة هذه المعطيات إلى امتدادات أخرى يمكن من خلالها إحداث خلل أو إضعاف كبير في قوة الخصم ورغم أن مظاهر مثل هذا التوجه عديدة وكثيرة ولكن النتيجة المقررة والبعيدة عن الالتحام مع العناصر التقليدية في قوة الخصم تتمثل في احتواء وتحريك تلك العناصر المضافة والتي يمثلها ويعبر عنها خير تعبير مبدأ شد الأطراف.

ويؤدي هذا المبدأ إلى إشغال الطرف المستهدف في عملية الصراع في ميادين ثانوية تؤدي في حالة المجتمعات القومية إلى تفتيت وتنافر الإمكانات التي يتيحها التجمع القومي أو إمكانات الدولة بحد ذاتها وبالتالي يبعدها في اهتماماتها عن الطرف الرئيسي للصراع والذي استغل مبدأ شد الأطراف لصالحه .

و هذا بالضبط ما تمثله إيران بالنسبة لإسرائيل فهي أحد مثلث الأطراف الذي يحيط بالعالم العربي و الضلعان الآخران هما أثيوبيا و تركيا فبمقدار تحالف هذه الأضلاع أو الأطراف مع أعداء الأمة سواء إسرائيل و أمريكا فإن الأمة حينئذ تقع في حصار و هذا هو الحادث الآن.

 



مقالات ذات صلة