تقرير: طهران تسعي لتأكيد هيمنة فارسية شيعية في الأهواز وداخل المنطقة العربية

بواسطة الأهرام قراءة 518

تقرير: طهران تسعي لتأكيد هيمنة فارسية شيعية في الأهواز وداخل المنطقة العربية

 

الأهرام /15/6/2008م : يمثل المكون العرقي والطائفي أحد المصادر الرئيسية في تشكيل المنطلقات والأفكار والسياسات الإيرانية الداخلية والخارجية خاصة علي الصعيد الإقليمي‏.‏

يتبدي ذلك داخليا في أتباع الدولة الإيرانية سياسات تقوم علي أساس التمييز العرقي والطائفي ضد السكان العرب السنة في إقليم الأهواز‏.‏


ويقع هذا الإقليم جنوب غرب إيران علي رأس الخليج العربي بمحاذاة العراق وتقطنه أغلبية عربية قوامها‏5‏ ملايين نسمة‏,‏ ويتهم الناشطون فيهم السلطات المركزية الإيرانية بمحاولة محو هويتهم العربية‏.‏


وكانت الدولة الصفوية قد أطلقت علي الإقليم قبل‏5‏ قرون اسم عربستان غير أن السلطات غيرت إسم الإقليم إلي خوزستان‏,‏ كما غيرت الأسماء العربية لمدن الإقليم إلي أخري فارسية منذ عام‏1936‏ في عهد الشاه رضا بهلوي‏.‏

وتعمل السلطات الإيرانية الحالية علي تثبت هوية فارسية للإقليم من خلال إجراءات قمعية ضد السكان العرب تستهدف تغيير التركيبة الديموجرافية للأهواز بتفريغه من سكانه العرب السنة واستبدالهم بعناصر فارسية شيعية لضمان استمرار الهيمنة علي ثروات الإقليم الغني بالموارد الطبيعية‏,‏ حيث تضم الأهواز نحو‏80%‏ من البترول والغاز الإيراني‏,‏ وتعد أراضيه من أخصب الأراضي الزراعية في الشرق الأوسط كما تجري هناك‏3‏ أنهار كبيرة هي كارون والكرخة والجراحي وتتهم المعارضة العربية الأهوازية حكومة طهران بحرمان السكان العرب من هذه الخيرات الطبيعية‏.‏

وبحلول عام‏2005‏ تم الكشف عن رسالة منسوبة إلي محمد أبطحي مساعد الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي وموجهة إلي رئيس دائرة التخطيط والميزانية‏,‏ وتدعو إلي العمل علي تغيير التركيبة الديموجرافية لإقليم الأهواز وتقليص عدد سكانه العرب‏,‏ وتحويلهم إلي أقلية عبر تهجيرهم إلي أقاليم إيرانية أخري‏,‏ وجلب مهاجرين جدد من سائر المناطق وتوطينهم داخل الإقليم وقد أدي الكشف عن هذه الرسالة إلي اضطرابات شعبية في حينه داخل الأهواز‏.‏

في الوقت نفسه واصلت الدولة الإيرانية إجراءاتها القمعية ضد السكان العرب بالإقليم حيث انعقدت يوم الخميس الماضي محكمة الثورة بمدينة الأهواز لمحاكمة‏4‏ من النشطاء العرب الأهوازيين بتهم تشكيل تنظيم غير قانوني‏,‏ وتعريض الأمن القومي للخطر والدعاية ضد النظام‏,‏ وأشار بيان لنشطاء في حقوق الإنسان بإيران إلي أن الأربعة سبق أن اعتقلوا في عام‏2006,‏ وظلوا رهن الاعتقال في معتقل دائرة الأمن والمخابرات الإيرانية وسجن كارون في مدينة الأهواز‏,‏ ثم أطلق سراحهم بكفالة مالية‏.‏

ويتوازي مع ذلك إجراءات إيرانية ضد الحريات الدينية للعرب السنة حيث أصدرت السلطات القضائية الإيرانية حكما بالسجن‏7‏ سنوات علي رجل الدين السني الشيخ عبد الحميد الدوسري‏,‏ البالغ من العمر ـ‏57‏ عاما ـ علي الرغم من أنه ليس من الناشطين سياسيا حسب تأكيد منظمة حقوق الإنسان الأهوازية في بيانها بتاريخ‏2008/5/22,‏ كما تم إغلاق المسجد الوحيد لأهل السنة في بلدة القصبة ـ ثاني أكبر مدن الأهواز ـ بعد اعتقال عدد من المصلين فيه‏.‏

وتتضح ملامح السياسة الإيرانية العرقية والطائفية على المستوي الخارجي‏,‏ وبالأخص داخل الإقليم العربي في مساندة إيران القوية للجماعات والأحزاب الشيعية العربية كما هو حاصل في العراق ولبنان بوجه خاص‏,‏ كما تشمل هذه السياسة أيضا الجماعات الدينية السنية ذات الطابع السياسي الطائفي مثل جماعة الإخوان المحظورة في مصر وفرعها الفلسطيني المعروف باسم حماس وكذلك جماعة الجهاد الفلسطينية‏,‏ بالإضافة إلي محاولة نشر المذهب الشيعي في عدد من البلدان العربية‏.‏

الشاهد أن السياسة الإيرانية علي هذا النحو تمثل نموذجا للعقل العرقي والطائفي في سعيها لتأكيد هيمنة العنصر الفارسي الشيعي في الداخل والخارج معا‏.‏

ويوفر هذا المكون العرقي والطائفي تفسيرا واضحا لأسباب التحفظ العربي العام من السياسة الإيرانية‏,‏ علي الرغم من الوقوف الإيراني ضد السياسة الأمريكية ـ الإسرائيلية في المنطقة‏,‏ وذلك لما أبرزته من نتائج سلبية ومخاطر شديدة تضر بالمصالح والمشروع العربي برمته‏,‏ وتهدد مصير الدولة الوطنية داخل كل قطر من أقطاره‏.‏


 وتبدو آثار هذه السياسة الضارة واضحة في التالي‏:‏


 ‏*‏ هدم أسس الدولة الوطنية والمدنية داخل المنطقة العربية لصالح أخري طائفية كما في العراق‏,‏ بالإضافة إلي مساندة أحزاب طائفية تقوض سلطة الدولة ووجودها كما في الحالة اللبنانية فضلا عن أنها تؤدي إلي إحداث انقسامات وطنية وجغرافية داخل البلد الواحد كما هو حاصل في الحالة الفلسطينية وغيرها‏.‏


 ‏*‏ فتح الباب واسعا لردود أفعال طائفية وعرقية مساوية في الفعل ومضادة في الاتجاه إن كان داخل إيران ذاتها أو في محيطها الإقليمي وفي القلب منه العربي بين القوميتين الفارسية والعربية من جانب وبين الشيعة والسنة من جانب آخر‏,‏ وهذه صراعات لو تطورت وتفجرت فهي تعد من قبيل التدمير الشامل‏.‏

الأهم أن المكون العرقي والطائفي في السياسة الإيرانية أنشأ بوعي أو دون دراية مطلوبة قاعدة اتفاق موضوعي بين إيران والسياستين الأمريكية والإسرائيلية‏,‏ على الرغم من المواجهة الإيرانية معهما‏,‏ مما أبرز خطورة شديدة بل وكارثية علي مصائر ومقادير المشروع العربي ودولة الوطنية حيث صارت تهدده مثل هذه الاتفاقات الموضوعية بين الطرفين حول إحلال الكيانات الطائفية والعرقية داخل المنطقة العربية كبديل للمشروع العربي ودولة الوطنية‏,‏ فالتصارع الإيراني الأمريكي لم يمنع اتفاق الطرفين على قيام دولة طائفية في العراق ولا محاولة اعادة الترتيب الطائفي في لبنان‏.‏

الخلاصة أن المكون العرقي والطائفي في السياسة الإيرانية يجعل المسألة أعمق وأبعد وأكبر بكثير من مجرد حدود الاصطفاف أو الاختلاف حول طرق التعامل مع أمريكا وإسرائيل‏,‏ خاصة عندما نري شواهد التماثل الموضوعي في التكوين والأهداف النهائية والمحركات الطائفية والعرقية في إيران كما في إسرائيل وأمريكا‏,‏ تجاه المنطقة العربية‏.‏

يدل علي ذلك أن المشروع العرقي والطائفي صار يثير حفيظة دول عربية حتي من تلك التي تشعر بالود تجاه السياسات الإيرانية نحو أمريكا وإسرائيل مثل الجزائر واليمن‏,‏ فالأولي اتخذت من قبل إجراءات ضد محاولات بنشر المذهب الشيعي داخلها‏,‏ كما أن هناك جدلا في اليمن وخارجها بشأن درجة التأثير والارتباط الإيراني في الصراع الدائر هناك بين الدولة اليمنية وجماعة الحوثي الشيعية‏.

‏وهذا يعني بصورة واضحة أن المكون الطائفي والعرقي للسياسة الإيرانية يؤثر سلبا في قيام علاقات عربية ـ إيرانية سليمة وصحية‏.‏ وأن المسألة مع السياسة الإيرانية تتعدي حدود طريقة التعامل مع السياستين الأمريكية والإسرائيلية إلي ضرورة الاحترام والاعتداد بمصالح المشروع العربي ودولة الوطنية وعدم تصدير المهددات الطائفية والعرقية التي تنسف وجوده‏.



مقالات ذات صلة