يحيى البوليني
لمصر عند الشيعة مكان ومكانة لم تغب يوما عن أذهانهم , فهم يعتبرونها كنزهم المفقود الذي امتلكوه قرابة قرنين من الزمان منذ أن جاءها جوهر الصقلي منشئا مدينة القاهرة حتى طردهم صلاح الدين الأيوبي معيدا مصر إلى سنيتها التي كانت عليها , وأصبحت مصر من يومها مدافعة عن السنة في كل مكان , وأصبح الأزهر الذي أنشئ خصيصا لنشر المذهب الشيعي منارة سنية تخرج الاجيال من العلماء .
ولم تيأس الشيعة من محاولة استعادة مصر او التسلل إليها مرة ثانية , فكثرت محاولاتهم حتى منتصف القرن العشرين حيث " أرسل المرجع الشيعي (محمد حسن بروجردي) نائباً عنه إلى مصر هو (محمد تقي قمي)، الذي اتصل بعلماء الأزهر، ولتساهل الأزهر في موضوع الشيعة أنشأت دار التقريب بين المذاهب الإسلامية سنة 1947م في القاهرة، وساهم في تأسيسها من شيوخ الأزهر محمود شلتوت وعبد المجيد سليم، ومصطفى عبد الرازق، ومن الشيعة محمد تقي القمي -الذي كان أميناً عاماً للدار- وعبد الحسين شرف الدين، ومحمد حسن بروجردي "[1].
ولهذا لم تغب عن الأذهان تلك الجمل التي قالها الرئيس المصري محمد مرسي في مؤتمر عدم الانحياز الذي عقد في طهران والتي اهتم بها العالم الإسلامي السني كله حينما ترضى على الصحابة أجمعين وعلى أبي بكر وعمر في عقر دار الشيعة , ولكن الذي لم يلفت الأنظار حينها هو تعقيب محمود احمدي نجاد الرئيس الإيراني في كلمته التي حرص على ان تكون مقدمتها باللغة العربية والتي ترضى فيها على أئمة الشيعة ثم دعا بان يعجل الله بفرجهم , وهو الدعاء المأثور عندهم حينما يذكر اسم إمامهم الغائب في سردابه منذ ما يزيد عن ألف سنة .
ولم يكتف نجاد بذلك بل أعاد نفس الكلمة ونفس الدعاء في مستهل كلمته التي ألقاها في قلب القاهرة بل في اخص مكان سني فيها وهو الأزهر الشريف في لقائه بشيخ الأزهر ليثبت نجاد انه رد الصفعة في عقر دار أهل السنة وفي معقل العلم في الأزهر الشريف.
ولم يفت نجاد كذلك ان يزور الأماكن التي تعرف في القاهرة ب " مصر الفاطمية "وسط ترحيب يرجح ان يكون من المتشيعين المصريين , وزار مسجد الإمام الحسين رضي الله عنه وفتحت له أبوابه الداخلية ووقف في انكسار واضح امام القبر ثم بدا بالتأثر الشديد الذي يميل للبكاء , ولكن عادت موجات الاعتراض بالحذاء مرة أخرى إلى الأذهان من قبل بعض المتظاهرين الرافضين لحضور نجاد إلى مصر أو استقباله في الأزهر الشريف وهم يعتبرونه صاحب يد ملطخة بدماء المسلمين السنة في العراق وسوريا الأحواز العربية .
ولكن مر معنى هذا الدعاء في هذا الموطن على الكثيرين , فقد اعتبره بعضهم مجرد رد فعل فقط على ما فعله مرسي في طهران , لكنه في حقيقته تهديد صريح وحقيقي وواضح .
فالشيعة يؤمنون بعودة حتمية لإمامهم الغائب والذي يضعون له صيغة دعاء خاصة به عند ذكره فيقولون " عجل الله بفرجه الشريف " ويختصرونها أحيانا إلى " عج" فقط , ويسمونه في أدبياتهم وأحاديثهم العامة والخاصة بالإمام القائم ,وحينما نستطلع كتب الشيعة فيما يؤمنون به ويعتقدون فيه حول مهمة إمامهم القائم المنتظر ندرك يقينا مدى التهديد الذي حمله نجاد وهو يؤدي دوره بنعومة الأفاعي وخطورتها .
فلن يأتي إمامهم القائم رحمة للناس بل سيأتي خرابا على العالم وخصوصا على أهل السنة سافكا لدمائهم ولن يترك منهم – كما يزعمون - نسمة تمشي على الأرض , ففي كتابي الغيبة للنعماني ص154 وأيضا بحار الأنوار 52/354 يروى المجلسي عن أبي عبد الله أنه قال" لو يعلم الناس ما يصنع القائم إذا خرج لأحب أكثرهم أن لا يروه مما يقتل من الناس، أما إنه لا يبدأ إلا بقريش فلا يأخذ منها إلا السيف، ولا يعطيها إلا السيف، حتىِِ يقول كثيرٌ من الناس ليس هذا من آل محمد، لو كان من آل محمد لرحم " .
ولهذا دلت كتبهم صراحة على المهام التي سيقوم بها إمامهم " القائم" بعد قيامته وخروجه المزعوم من سردابه , ففي بحار الأنوار ج52/ص 386 عن أبي عبد الله قال:"هل تدري أول ما يبدأ به القائم , قلت: لا، قال: يخرج هذين ( ويقصد بهما أبا بكر وعمر رضي الله عنهما ) رطبين غضين فيحرقهما، ويذر بهما في الريح، ويكسر المسجد" , وفي رواية أخرى للأحسائي في الرجعة ص186 , 187 يقول : " يأتي المهدي إلى مدينة رسول الله (ع)... فيقول يا معشر الخلايق هذا قبر جدي رسول الله(ع) فيقولون: نعم يا مهدي آل محمد، فيقول ومن معه في القبر؟ فيقولون: صاحباه وضجيعاه أبو بكر وعمر فيقول: أخرجوهما من قبرهما فيخرجان غضين طَربين لم يتغير خلقهما ولم يشحب لونهما , فيكشف عنهما أكفانهما، ويأمر برفعهما على درجة يابسة نخرة فيصلبهما عليها " .
أما عن مهامه مع أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها , فيروي المجلسي في بحار الأنوار ج52 /314 عن عبد الرحمن القصير عن أبي جعفر(ع): " أما لو قد قام قائمنا لقد ودت إليه الحميراء حتى يجلدها الحد، وحتى ينتقم لأمه فاطمة، قلت:جعُلتُ فداك، ولم يجلدها الحد؟ قال لقريتها على أم إبراهيم، قُلت: فكَيفَ أخر الله ذلك إلى القائم؟ قال: إن الله بعث محمداً رحمة ويبعث القائم نقمة " .
وأما عن نصيب العرب من ذلك القائم فليس لهم منه إلا السيف وسيبدأ بقريش الذين هم اهله كما يدعون , فيروي المجلسي في بحار الأنوار ج 52/355 عن أبي عبد الله أنه قال: "إذا خرج القائم لم يكن بينه وبين العرب وقريش إلا السيف " , بل سيقتل الناس مقتلة عظيمة ف يروي المفيد في الإرشاد ص394 وكذلك المجلسي في بحار الأنوار 52/354 عن أبي عبد الله أنه قال: " إذا قام القائم من آل محمد (ع) أقام خمسمائة من قريش فضرب أعناقهم ثم خمسمائة أخر، حتى يفعل ذلك ست مرات , ويقتل ثلثي العالم حتى إلا يبقى إلا الثُلث، وهذا الثُلث هم الرافضة، فعند كمال الدين ص 655 باب 75 حديث رقم 29 ما روي عن أبي عبد الله ع قال: "لا يكون هذا الأمر حتى يذهب ثُلث الناس فقيل له: فإن ذهبَ ثُلثا الناس فما يبقى؟ قال عليه السلام: أما ترضون أن تكونوا الثُلث الباقي" , وأخيرا وليس بآخر فمهمة الإمام الغائب الوحيدة وعلاقته بالعرب هي واحدة فقط هي ما رواه المجلسي في بحار الأنوار 52/349 وهو قوله " ما بقي بيننا وبين العرب إلا الذبح " !! .
إذن فمهام إمامهم الغائب المزعوم الذي حرص نجاد أن يدعو بأن يعجل الله فرجه أن يستخرج الشيخين ( أبا بكر وعمر ) ويصلبهما وان يستخرج أم المؤمنين ويقيم عليها الحد وان يقتل قريشا وان يقتل العرب وان يقتل ثلثي البشرية وسيهدم المساجد .
أما عن قسوته في تعامله ,فيهدد الشيعة به المسلمين السنة قائلين عنه أنه يقتل الموَلَي، ويجهز على الجريح، ولا يستتيب أحداً، ففي بحار الأنوار 52/353
عن أبي عبد الله (ع) أنه قال:- (إن علياً(ع) قال:- كان لي أن أقتل المولي، وأجهز على الجريح، ولكن تركت ذلك للعاقبة من أصحابي، إن جرحوا لم يقتلوا والقائم له أن يقتل المولي ويجهز على الجريح " , وفي رواية لهم أخرى عند المجلسي أيضا يقول فيها: " إن رسول الله (ع) سار في أمته باللين، كان يتألف الناس، والقائم يسير بالقتل، بذلك أمر في الكتاب الذي معه أن يسير بالقتل ولا يستتيب أحداً ، ويل لمن ناوأه " .
وسياتي قائمهم خرابا على بيوت الله فلن يترك مسجدا إلا ويخربه , فيروي المفيد في الإرشاد ص465 عن أبي جعفر قال: " إذا أقام القائم سار إلى الكوفة فيهدم بها أربعة مساجد، ولم يبق مسجد على وجه الأرض له إلا هدمه وجعله جماء " .
ومن العجيب ان قائمهم مع شدة حربه وقتاله للمسلمين السنة سوف يستثني من بطشه الأكاسرة وأبناءهم من الفرس فلن يمسهم بسوء , لان الشيعة بدينها المخالف لعقائد المسلمين يرون ان كبيرهم وأولهم كسرى مات على التوحيد وانه من أهل الجنة , فيروى المجلسي في بحار الأنوار 41/4 عن أمير المؤمنين : " إن الله قد خلصه - أي كسرى- من النار وإن النار محرمة عليه " !!!
إن الترضي الذي يقوم به المؤمنون على صحابة النبي صلى الله عليه وسلم والذي قام به مرسي لا يقصد به تهديد أحد بل إحقاق حق وإقرار بصدق هؤلاء الرجال الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه وتبرئة لهم من الشرك أو النفاق كما الصق بهم الشيعة , لكن دعاء الشيعة ودعاء نجاد في المحافل العامة لأهل السنة بتعجيل فرج إمامهم القائم هو تهديد واضح وصريح بالقتل لكل عربي مسلم سني وهدم للمساجد وتخريب لكل عمران بلا رحمة ولا شفقة .
إنه التهديد الذي لم ينتبه له أحد , وأظن ان هذه الخطوات تمهد لاختراق شيعي لمصر– ان لم يرحمنا الله منه – بسوء تفكير وتدبير وتصرف وبحسابات سياسية بغيضة وبتخاذل عربي سني من دول سنية شقيقة بل بمؤامرات من بعض الدول العربية لإسقاط الدولة المصرية .
فالكل ملام والكل مسئول عما يحدث في مصر اليوم , واليوم بالتحديد حيث بدأت تلوح أولى بوادر الاختراق وخطوات , وذلك بتصريحات الخارجية الإيرانية بالسماح للمصريين بالسفر لإيران كسياح أو تجار دون الحاجة لتأشيرات دخول , وهذا ما لم تفعله دولة عربية سنية شقيقة لكي تساهم في عبور المصريين للازمة المعلومة للكافة , وإنا لله وإنا إليه راجعون .
المصدر : مركز التأصيل للدراسات والبحوث