التقية في بنية الفكر الشيعي
لطف الله خوجة
التاريخ: 27/4/1432 الموافق 02-04-2011
مبدأ مهم في الفكر الشيعي، يحتاج إلى شرح وتحليل وبيان؛ محاولةً لحل ما يلاحظ من تناقض فاضح بين أقوال ومواقف رموز الشيعة - معممين ومفكرين - في الأزمات.
درج الشيعة منذ عقود على ترويج فكرة الوحدة الإسلامية، وعملوا بمنهجية محترفة على التقارب مع السنة، فأنشئوا دورا لذلك في مصر وإيران، وعقدوا مؤتمرات عديدة للتقارب، واستطاعوا الميل بطائفة من علماء ودعاة ومفكري السنة إلى هذه الفكرة، حتى انتزعوا اعترافا، من قلة من السنة، بصحة التدين بمذهب الشيعة الجعفرية، بالرغم مما مليء به التاريخ وكتب الشيعة من مواقف سلبية تجاه السنة، من تكفيرهم وجواز قتلهم.
كيف استطاعوا إقناع السنة ؟.
هذا سؤال بالغ الحرج والحساسية؛ لكن له جواب:
فقد استندوا إلى فكرة: التخلص من عبء التاريخ وأثقال الماضي؛ ألا نحكم بما في الكتب. وإلى أن السنة يكفرون الشيعة أيضا. كذلك استندوا إلى شيء ثالث، وهو:
أن ما في تلك الكتب من آراء شيعية متطرفة تجاه السنة، إنما هي آراء لأصحابها لا تلزم عموم الشيعة، كما أن آراء بعض السنة لا تلزم عموم السنة.
الحقيقة: أن الشيعة بهذه الأدلة نجحوا ببراعة في استخلاص جمع من رموز السنة في صفهم، فاجتمعوا على العمل المشترك من أجل وحدة الأمة الإسلامية، وكان من لوازم ذلك: الكف عن تناول كل فريق للآخر بالنقد والتصويب، فضلا عن التضليل والتبديع، والتوقف عن محاولة تسنين الشيعة، أو تشييع السنة.
بطبيعة الحال، التزم هؤلاء السنة بهذا اللازم، فلم يكفوا عن نقد الشيعة في عقائدهم فحسب، بل تخطوا وارتقوا إلى أن صاروا سورا لهم من أي نقد، فإذا ما سمعوا أو قرءوا من إخوانهم السنة نقدا أو تبديعا لفكر الشيعة وعقائدهم، أصابهم من الغضب ما يصيب "المطعون" في دينه أو عرضه، فيذبون عن الشيعة عوضا عنهم.
الشيعة استفادوا من هذا المناخ الملائم، فتمددوا على الأرض، وشيعوا سنة في بلاد عديدة، في آسيا وأفريقيا؟!!.. صرت ترى مظهرا شيعيا جديدا لم يكن من قبل، فهذا شيعي من جنوب شرق آسيا، وهذا من إفريقيا، ترى كل ذلك في قنوات فضائية.
التمدد الأخطر كان سياسيا، حيث استطاعوا التحكم بمصير دول، وبالأكيد، فإن سكوت هؤلاء السنة عن عقائد الشيعة، كان الداعم الأكبر لهذا التمدد، حيث كف كثير من السنة عن مقاومة التشيع، بل ساندوهم في مخططاتهم، بوهم أنها للأمة، بينما في الحقيقة كانت خالصة للشيعة، كما في العراق ولبنان، فلم يستيقظوا إلا بعدما ذهب الشيعة بكل شيء.
مع كل هذه النجاحات، إلا أنهم ارتكبوا خطأ فادحا، ربما أفسد أو سيفسد عليهم ما كسبوه؛ فإنهم كشروا عن أنيابَ ومخالبَ تجاه السنة، فقتلوا في العراق الآلاف، وفي لبنان تهجموا على السنة ومساجدهم في بيروت، وفعلوا أمورا منكرة.
هنا تنبه رموز السنة المتقاربين إليهم، وأدركوا الخطأ الفادح الذي ارتكبوه، فأعلنوا "متأخرين": أن الشيعة مبتدعة، وأنهم يكفرون الصحابة، ويقولون بتحريف القرآن، ويدعون إلى مذهبهم ويتمددون في بلاد السنة، وأن هذا خلاف ما اتفق عليه.
هذا تصريح الشيخ القرضاوي والدكتور وهبة الزحيلي، تجاوب معهم في هذا الغنوشي وعصام البشير وغيرهم، فهو تصريح الذين سعوا في فكرة التقارب عقودا؛ وشهد شاهد من أهلها، ثم رجعوا إلى رأي وقول الذين أنكروا فكرة التقارب منذ البداية، ونصحوا المتقاربين من السنة أن يتوقفوا، وبينوا بأسس علمية أن التقارب فكرة فاشلة بكل المقاييس، لسبب واضح: كيف يجتمع من يؤمن بالقرآن أنه لم يحرف حينا، ويتولى الصحابة وأمهات المؤمنين، مع قوم امتلأت كتبهم بدعاوى تحريف القرآن، وهم يكفرون ويلعنون الصحابة ليل نهار، وإلى اليوم لم يتبرءوا منها، ولم يعلنوا كفر من قال بها ؟!.
وهذا ما صاح به أحد رموز السنة – الشيخ القرضاوي – في المؤتمر الأخير للتقارب في الدوحة، في وجه تسخيري وعلي آذرشب وغيرهم ممن حضر.
يستحيل الاجتماع والوحدة إلا في حال ما إذا تشيع السنة، أو تسنن الشيعة، حينئذ تكون المبادئ واحدة، فيمكن التوحد، أما والمبادئ متناقضة متعارضة كليا، فمحال.
ولأن المبادئ متناقضة، حصل على الأرض - حينما أحس فريق من الشيعة بامتلاك زمام الأمر - ما عرفه القاصي والداني، من قريب وبعيد، من مسلم وغير مسلم، من الصحفيين العرب والغربيين، من التنكيل بالسنة والتشفي منهم بالقتل والترويع والإذلال، خصوصا في العراق، حيث انفرط الأمن، وصار لكل عابث الفرصة في الانتقام وتصفية الحسابات.
فالمعجبون بفكرة التقارب والتوحد، رأوا بأعينهم وسمعوا وتحققوا بأن السنة في كارثة، ولما كانوا مجتهدين في مواقفهم، رجعوا إلى موقف المانعين من التقارب؛ إذ لم يكن إلا ذَرَ رمادٍ في العيون؛ ليكسبوا المزيد من المكاسب.
العجيب في الأمر، أن هذا الفريق من الشيعة لا يزال يمارس الخطاب نفسه، ويتكلم عن وحدة السنة والشيعة، كما في خطابات نصر الله، ومنها خطابه الأخير عن شأن البحرين!!.
فبعد كل هذا الظهور للحقائق، واكتشاف السنة حقيقة ما يكنه هؤلاء، حتى من تقارب معهم، لا زالوا يتكلمون عن الوحدة، وسلامة أهداف الشيعة ؟؟!!.
في السابق كان اكتشاف المغالطة والكذب يحتاج إلى أمد، لبطء وسائل الاتصال، أما اليوم فإنك تقرأ الخبر في لحظة، وفي لحظة نقضه وتكذيبه، فتدرك بما تراه من خبرين في وقت واحد، أيهما الصدق، وأيهما الكذب؟.
وإذا كان يقال: حبل الكذب قصير. فاليوم الكذب بلا حبل، فالحقيقة تنال في لحظة.
مع ذلك، فالشيعة يظنون أن ما يمارسونه صراحة، وفي الوجه كما يقولون: يمكن أن ينطلي ويروج ويصدقه أحد.
لن نذكر تفاصيل الأحداث؛ لنثبت ما يمارسه الشيعة، فهذا صار معروفا، وتناوله كثير من الكتاب والإعلاميين، يكفينا أن دعاة الوحدة والتقارب، وهم أكثر الناس حسن ظن بهم، لم يملكوا إلا التراجع، بعدما هالهم ما رأوا.
حتى العلمانيين والليبراليين تناولوا الموقف الشيعي بالنقد، ليس تدينا، بل من جهة وطنية خالصة، حين تحققوا من أهدافهم السياسية، فالجميع أدرك واستيقظ بعد سبات، والجميع وقف صفا واحدا، وهكذا ما بناه الشيعة عقودا هدموه في لحظات، يكفيهم أن الأصوات كانت معهم، انقلبت ضدهم، حينما رأت أن المواقف تناقض الأقوال.
أما من لا يزال على موقفه، فهم قلة ولا يكاد يسمع لهم صوت، لأن صوتهم نشاز؛ فأي دفاع وتحمس للوحدة، بعد ما تبين الرشد من الغي، فهو "انتحار وسقوط فكري".
بعد هذا، السؤال المهم:
على أي شيء يستندون في هذا العمل المبرمج ؟.
فمن الواضح، أنها عملية منهجية منظمة، ليست بعفوية، فكافّتهم يمارسونها، وبالقدرة نفسها، حتى إنك لتعجب، كيف يثبتون عليها، حتى مع كشف الحقائق ؟.
في بنية الفكر الشيعي مبدأ يسمونه: "التقية". وهي: كتمان الحق، كما يعرفه "المفيد".
وقد ملئت كتبهم بنصوص فيها، نسبوها إلى أئمة آل البيت، وهي واردة عن مراجعهم، من ينظر يجد فيها ما لا يجده في أي دين سوى دين الشيعة؛ فإنهم يبالغون حتى يجعلون التقية جزءا وركنا في دينهم، فمن ذلك: [انظر: أصول مذهب الشيعة 2/805]قال ابن بابويه: "اعتقادنا في التقية: أنها واجبة، من تركها بمنزلة من ترك الصلاة". الاعتقادات 1114نسب إلى الصادق: "إن تسعة أعشار الدين في التقية، ولا دين لمن لا تقية له". أصول الكافي2/217ونصوص أخرى، تعد ترك التقية ذنبا لا يغفره الله (تفسير الحسن العسكري130) وأن من لم يستعملها أذله الله (أصول الكافي 1/222)، وأنها واجبة حتى يخرج القائم المهدي (الاعتقادات 144) حتى صاروا يوصون أتباعهم باستعمالها، حتى تكون سجية لهم (أمالي الطوسي 1/199) من ينشأ على هذه التعاليم، يتطبع بالكذب، الذي يسمونه تقية، قهرا وقسرا، ويكون كما قالوا: سجية له. يتفاعل معه حتى يتعامل به بلا تكلف ولا تذمر، ومن أثر هذا أنه لا يظهر عليه أثر الكذب غالبا، ولا يكشفه إلا خبير، أو عارف بمنزلة "التقية" عندهم.
هذا الأسلوب ينفعهم حين قلة المعلومات، أو تأخر وصولها؛ إذ تكون الخطط قد حيكت ونفذت، لكن مع تتابع المعلومات وسرعة تداولها، فإنها تفشل غالبا، كما فشلت المعارضة في البحرين، في ترويج شعاراتها، ووقف ضدها الجميع، سواء كانوا متدينين أو غير متدينين، فالجميع اتحد ضد هذا الفريق من الشيعة؛ لأنهم أدركوا الكذب الذي أحاطوا به أنفسهم بصورة واضحة، والإنسان بطبعه يكره الكذب، ويمقت أشد المقت ادعاء الصدق.
من طريف ما روجوه في هذا المعنى، و"صدقهم" عليه طائفة من أهل السنة زمنا، وبعضهم إلى اليوم "لا يزالون"، زعمهم أن السنة – كذلك – عندهم تقية، في قوله تعالى: {لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة}. وهذا من التقية والتضليل، فإن التقية عند السنة غير ما عند الشيعة؛ هم - كما رأينا آنفا - يعدونها ركنا وأصلا في الدين، أما السنة فالتقية عندهم ضرورة واستثناء، إذا خيف على النفس، والصبر أحسن. وشتان ما بينهما.
فما أشبه هذا بدعواهم: أن السنة كذلك قالوا بتحريف القرآن، كما قالت الشيعة.
المصدر: تواصل