لماذا يفشل الشيعة مسيرة الوحدة الإسلامية؟؟

بواسطة أسامة شحادة قراءة 2820
لماذا يفشل الشيعة مسيرة الوحدة الإسلامية؟؟
لماذا يفشل الشيعة مسيرة الوحدة الإسلامية؟؟

لماذا يفشل الشيعة مسيرة الوحدة الإسلامية؟؟

(تجارب: رشيد رضا، مصطفى السباعي، يوسف القرضاوي)

أسامة شحادة

 

الوحدة الإسلامية مطلب شرعي وعقلي، وقد حفل التاريخ بالعديد من المحاولات لقيام هذه الوحدة لكن الشيعة دوماً كانوا يفشلون هذه الأمنية، وهم يفشلون الوحدة دوماً بأسلوب واحد متكرر!!

لقد حاول بعض العلماء والمصلحين من أهل السنة التنازل والتهاون مع الشيعة من أجل الوحدة والتقريب، ودائماً كانت النتيجة رفض الشيعة للوحدة، بل الطعن فيهم والتطاول في العدوان على أغلبية المسلمين، وفيما يلي ثلاث تجارب تكاد تتطابق في تفاصيلها رغم تباعد المدة التي وقعت فيها هذه الأحداث والتي تصل لما يقارب مئة سنة!!

ونلاحظ في هذه التجارب الثلاث سمات محددة ومتكررة لليوم وهي:

1- مبادرة أهل السنة للتقارب والتعاون مع إدراكهم لحقيقة بُعد التشيع عن حقيقة الإسلام، لكنهم رجحوا مصلحة الوحدة والتعاون ومحاولة الوصول لقواسم مشتركة حقيقية.

2- مسايرة الشيعة لهذه المحاولات علنياً وفي الظاهر، مع استغلال هذا التقارب للتوسع والامتداد في أوساط أهل السنة بنشر الكتب والشبهات.

3- مهاجمة كل من يفضح ممارسات الشيعة المخادعة في موضوع التقريب.

4- انخداع بعض الطيبين والسذج من أهل السنة باتهامات الشيعة تجاه من يفضح مخادعة الشيعة.

5- تعاون الشيعة مع المستعمر لمصالحهم الضيقة ضد مصلحة الإسلام.

6- مناصرة علماء الشيعة لبعضهم البعض على الحق والباطل، وأقل ذلك عدم تخطئة زملائهم، والسكوت عن بيان الحق.

7- مطالبة الشيعة من يفضح خداعهم بالحرص على الوحدة الإسلامية، بدلاً من إدانة الذي يفرق الصف ببث الشبهات والطعن في العقائد الثابتة في القرآن والسنة.

 

والآن مع بيان هذه التجارب:

 

 

 

1 - تجربة رشيد رضا :  من كتابه: "الخلافات بين السنة والشيعة " الذي نشره في مجلة المنار على حلقات وتبعه تعقيبات، نقتطف منها هذه المواضع:

 

* خطة المنار في التأليف بين المسلمين  ( المجلد 29 الجزء 9):

"يعلم جميع قراء المنار والمطلعين، وكذا الواقفون على النهضة الإصلاحية التي قام بها منشئه على أساس الوحدة الإسلامية منذ ثلاثين سنة أو أكثر أنه كان من سيرته في مجاهدة البدع والخرافات التمثيل لها بما فشا منها بين أهل المذاهب المنسوبة إلى السنة دون ذكر أهل مذاهب الشيعة وغيرهم؛ لئلا يتهمه المتعصبون من هؤلاء بالتعصب، وإن كان يصرح دائمًا ببناء دعايته على أساس نصوص الكتاب والسنة وإجماع السلف الصالح وعدم التقيد فيها بمذهب من المذاهب، بل مع تصريحه بما يعتقده من أن التعصب لأي مذهب منها مناف للوحدة الإسلامية ومخالف لنصوص القرآن .

 وقد اشتهرت قاعدته الذهبية التي دعا إليها علماء المذاهب كلها، وهي: نتعاون فيما نتفق عليه، ويعذر بعضنا بعضًا فيما نختلف فيه، وندعو علماء كل طائفة وأهل كل مذهب لمقاومة البدع الفاشية فيهم؛ لتكون دعوتهم أقرب إلى القبول.

وقد وافقنا على دعوتنا هذه كثيرون من أهل السنة المستقلين والمقلدين للمذاهب ولكننا لم نر أحدًا من علماء الشيعة نصرنا عليها بالكتابة، وإنما استحسنها بعض المنصفين فيما شافهونا به".

... ولما أعلن الشاه مظفر الدين حكومة الشورى النيابية في إيران نوَّهْنَا بعمله في ( م7 ، 8 من المنار) وفضلناه بها على سائر ملوك المسلمين، وإن عارض ذلك بعض علمائهم المتعصبين الجامدين، إذ بيَّنا أن حكومة الشورى هي حكومة القرآن، فإذا نفذتها حكومة إيران تكون هي الحكومة الإسلامية الوحيدة .

  ثم نشرنا في ج 12 م9 رسالة جاءتنا من طهران فيما كان من تأثير ما كتبه المنار في تلك العاصمة ذكر فيها مرسلها أن الجرائد الفارسية ترجمت مقالتنا (الشورى في بلاد إيران) فاعترض عليها سفير الدولة العثمانية...

.... للشيعة مجلة عربية اسمها (العرفان) كنا نَعُدُّ صاحبها من المعتدلين ونحسبه من أصدقائنا وأعواننا على جمع كلمة المسلمين، ...وقد كان كتب إلينا في 30 رمضان سنة 1927 رسالة ينكر فيها ما عزوناه إلى الشيعة من إباحة الجمع بين تسع نسوة، واستطرد فيها إلى الطعن في رسالة عالم من ثقات العلماء أرسلها إلينا من بغداد ذكر فيها بثَّ الشيعة لمذهبهم في بدو العراق، ولكنه على شدة لهجته في الإنكار، لم يكن قد بلغ من شدة التعصب ما بلغه في هذه الأعوام، بل كان متحليًا بشيء يعتد به من الأدب والإنصاف،... ثم اشتدت حماسة الرجل وغلا في الرفض فصار يطعن فينا كلما سنحت له فرصة ولا سيما بعد ظهور دولة السنة التي يلقبها هو وأمثاله بالوهابية ويجعلون الوهابية (أي السنة) مما لا يتفق مع الإسلام في عقائده ولا في أحكامه ويقر ما كان أنكره من الطعن فيهم وبرأهم منه.

ثم انتهى أمره (صاحب مجلة العرفان) بالتنويه بالكتاب الجديد الذي لفَّقَه أشد علماء الروافض في هذا العصر تعصبًا وطعنًا في عقائد أهل السنة، وخداع عوامهم بما يبث من الدعوة إلى الرفض وما فيه من الخرافات والبدع ، وهو الشيخ الملا السيد محسن أمين العاملي.

أظهر ملاحدة الترك معاداة الإسلام والبراءة منه والطعن فيه وإجبار قومهم على الارتداد عنه فلم يظهر من هذا الشيخ العاملي أدنى غيرة عليه ولا أقل دفاع عنه. وظهر من ملاحدة إيران الشيعية وملاحدة الأفغان السنية بوادر الاقتداء بملاحدة الترك في شر ما عادوا به الإسلام وسعوا في هدمه، فلم نسمع عنه ولم نقرأ له كلمة إنكار ولا نصيحة لهؤلاء المغرورين الأغرار بأن يدعو لهذه الشعوب حريتها في دينها، وكذلك صاحب المجلة (الشيخ عارف الزين) التي تنشر له دعوته وتنوه بكتابه. بل فشا الكفر البواح، والفسق الصراح، وتهتك النساء وذهاب الأعراض أدراج الرياح، وكثر دعاتهما في سائر الأقطار الإسلامية، إلا نجد و الحجاز واليمن، ولم نر منهم غيرة على الدين، ولا على أعراض المسلمين....

*سعينا للتأليف بين الوهابية والشيعة:  أَمَا والله إنني لم أكن أرى في طريق الدعوة إلى التأليف بين المسلمين عقبة يعسر اقتحامها إلا التقريب بين الشيعة ولا سيما غلاة الإمامية وأهل السنة السلفيين الملقبين بالوهابية، وقد جرى بيني وبين جلالة الملك فيصل حديث طويل في هذه المسألة لما كنا في دمشق، وكان أهم غرض لي في مقابلته المعروفة بمصر سؤاله عن مبلغ خبرته في ذلك، وأما البحث في هذا بيني وبين أصحابي من عقلاء الشيعة والسنة في مصر وسورية وغيرهما فكثير، ومن ذلك ما كان من سعيي للتأليف بين الفريقين عندما سافر سفير دولة إيران السابق إلى مكة المكرمة للقاء ابن السعود وقد زودته بكتاب إليه في ذلك وحمل هو إليَّ من ابن السعود كتابًا بل كتبًا أخرى تتعلق بالمؤتمر الإسلامي العام، ولكن هذا السعي لم يثمر الثمرة المَرْجُوَّة، كما أثمر من قبله السعي إلى التأليف بين الإمامين الجليلين يحيى وعبد العزيز أحياهما الله وأعز بهما الإسلام والعرب . ذلك بأنه ليس بين مذهب الزيدية ومذهب السنة من البُعْد كما بين الروافض وأهل السنة، وقد كتبت إلى كل من الإمامين أدعوه إلى الاتفاق مع الآخر قبل فتح الحجاز بسنين، فأجاب كل منهما إلى ذلك بالارتياح والقبول، ودارت بينهما المكاتبات الودية في ذلك على ما طرأ من أسباب الخلاف، وما كان من سعي أهل الفساد لإلقاء العداوة والبغضاء بينهما وإغراء كل منهما بقتال الآخر، ونسأل الله تعالى أن يتم النعمة بنجاح ما نسعى له ويسعى له غيرنا من عقلاء المسلمين وأهل الغيرة منهم بعقد المحالفة التي تكون أقوى الوسائل لحفظ جزيرة العرب من التعدي على استقلالها، ولبلوغها أقصى ما هي مستعدة له من العمران وإحياء حضارة الإسلام .

ولما رأيت ما رأيت من سوء أمر مؤتمر النجف لشيعة العراق، ومن أمارات نشر الإلحاد في إيران والأفغان، ومن تجديد الشيخ العاملي في تواليفه والشيخ عارف الزين في مجلته الطعن في السنة وتنفير المسلمين من دولتها الوحيدة في إقامتها ونصرها، ومن بث الرفض والخرافات بين المسلمين، رأيت من الواجب عليَّ أن أظهر للمسلمين ما يخفى على جمهورهم من الحقائق التي لم يكن العاملي ولا الزين يعلمان بوقوفي عليها لعلهما يفيئان إلى أمر الله، فكتبت الفصول التالية بهذه النية و (إنما الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى) .

وكنت عند البدء بالكتابة عقب اطلاعي على كتاب العاملي الجديد وما فيه الطعن الباطل في السنة باسم الوهابية، وفي شيخ الإسلام المصلح الكبير ابن تيمية، ومن تشريفي بطعنه فيَّ وبهتانه عليَّ، كنت عند البدء بذلك عازمًا على الاختصار، والاكتفاء بما ينشر في المنار، ثم جاءتني مجلة العرفان، فإذا هي بعد اطلاعها على الفصل الأول في المنار قد أسرفت في البهتان، والبغي والعدوان، والشتم والسب والكذب والإفك فرأيت من الواجب في نصر السنة ودفع البدعة، أن أتوسع في الكتابة ، ونشر ما أكتبه في رسالة أو رسائل مستقلة ....

وإنني أدعو عقلاء المسلمين كافةً ، والمخلصين في إسلامهم من عقلاء الشيعة المعتدلين خاصةً أن ينهضوا معنا نهضة جريئة لإحياء عقيدة التوحيد الخالص ، والقضاء على عبادة الميتين ، من أئمة أهل البيت الطاهرين، ومن سائر الأولياء الصالحين، وعن التمسك بما يدعيه فقهاء الشيعة الجامدين، من تلقي الدين والفتوى من سرداب سامرا حيث اختبأ المهدي المنتظر فإن هذا التشريع لا يقبله أحد من عقلاء البشر، ومن بيَّن لي أنني على خطأ فيما دعوت إليه بالدليل فإنني أرجع إلى قوله من قريب [ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ]( هود : 88 ) .

* السنة والشيعة وضرورة اتفاقهما : ( مجلد 31 جزء 4 )

بلغنا عن بعض إخواننا من مسلمي بيروت أنهم غير راضين عن رد المنار على الشيعة في هذا العهد الذي اشتدت فيه حاجة المسلمين إلى الاتفاق والاتحاد ولا سيما مسلمي سورية ولبنان والعراق الذين اشتد عليهم ضغط المستعمرين في دينهم ودنياهم . وإنني أقسم بالله وآياته لَشديد الحرص على هذا الاتفاق وقد جاهدت في سبيله أكثر من ثلث قرن ، ولا أعرف أحدًا في المسلمين أعتقد أو أظن أنه أشد مني رغبةً وحرصًا على ذلك ، وقد ظهر لي باختباري الطويل وبما اطَّلعت عليه من اختيار العقلاء وأهل الرأي أن أكثر علماء الشيعة يأبون هذا الاتفاق أشد الإباء  إذ يعتقدون أنه ينافي منافعهم الشخصية من مال وجاه .

وأول مَن كلَّمتهم في هذا الموضوع شيخنا الأستاذ الإمام في سنة 1315 هـ وآخرهم الأستاذ الثعالبي السياسي الرحالة الشهير في هذا الشهر مع أستاذ ذكي من شبان الشيعة العراقيين ، وفيما بين هذين الزمنين تكلمت مع كثيرين من الفريقين في مصر وسورية والهند والعراق ، وأعلاهم مقامًا جلالة الملك فيصل تكلمنا في هذه المسألة في دمشق سنة 1320 ثم في مصر عند إلمامه بها في عودته من أوربة في خريف سنة  1345هـ 1926 م .

ومما علمته بالخبر والخبر أن الشيعة أشد تعصبًا وشقاقًا لأهل السنة فيما عدا الهند من البلاد الجامعة بين الطائفتين؛ فالفريقان فيها قرنان متكافئان ، وقد اجتهدت أنا وإخواني من محبي الإصلاح في الهند بالتأليف وجمع الكلمة وخطبت في مدينة بُمبي خطبة فيَّاضة في ذلك . وبدأت بزيارة رئيس الشيعة الديني في لكنهؤ دون غيره من أمراء الهند وزعمائها ؛ فإنهم كانوا هم الذين يبدؤونني بالزيارة، وكنت سبب دخول الكاتب الحماسي الشعبي ( الديمقراطي) المؤثر ظفر علي خان صاحب جريدة زميندار الوطنية المؤثرة دار ( النواب فتح علي خان) لأول مرة ولم يدخلها قبل ذلك قط ولا دخل دور غيره من سلائل الأمراء من الشيعة ولا غيرهم ، وقد رأيت لسعيي تأثيرًا حسنًا في الهند وفي إيران.

....وكان يوجد في شيعة سورية من يُظهر الميل إلى الاتفاق في عهد الدولة العثمانية أكثر مما يوجد في العراق  وكان للمنار رواج عند بعض العصريين المستنيرين منهم . لذلك قام أشهر علمائهم يطعن عليَّ ويتهمني بالتعصب والتفريق؛ لأنهم يكرهون الاتفاق لما ذكرته آنفًا . وقد صبرت عدة سنين على طعنه عليَّ قولاً وكتابةً حتى صار السكوت عنه إقرارًا لهم على ما قصدوا له في هذا العهد عهد الاستعمار الفرنسي المسمى بالانتداب من مناهضة النهضة العربية الحاضرة من مدنية ودينية بما هو أكبر خدمة للأجانب السالبين لاستقلال هذه البلاد ، سورية والعراق .

ذلك أنهم نشطوا في هذا العهد لتأليف الكتب والرسائل في الطعن في السنة السنية والخلفاء الراشدين الذين فتحوا الأمصار، ونشروا الإسلام في الأقطار، وأسسوا ملكه بالعدل والقوة ، وتم بهم وعد الله عز وجل: ( ِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) (التوبة : 33) والطعن في حياة السنة وأئمتها ، وفي الأمة العربية بجملتها، وخصوا بالطعن أول ملك عربي اعترفت له الدول القاهرة للعرب والمسلمين وغيرها بالاستقلال المطلق والمساواة لها في الحقوق الدولية، طعنوا فيه وفي قومه بكتاب ضخم لتنفير المسلمين ولا سيما مسلمي العرب وصدهم عنه وإغرائهم بعداوته والبراءة منه، لا لعلة ولا ذنب إلا اتباع السنة وإقامة أركان دولته على أساسها، مع عدم تعرضه للشيعة بعداوة ولا مقاومة، بدليل اتفاقه مع دولة الشيعة الوحيدة في العالم وهي دولة إيران بما حمدناه لكل منهما، ورجونا أن يكون تمهيدًا للاتفاق التام بين الفريقين بالتبع للاتفاق بين الدولتين .

والذي بدأ هذا الشقاق وتولى كِبْره منهم هو صاحب ذلك الكتاب البذيء الجاهلي (السيد محسن الأمين العاملي) الذي لم يكتفِ فيه بإخراج ملك العرب الجديد وقومه النجديين من حظيرة الإسلام، وهو يعلم أنه لا قوة له ولا للعرب بغيرهم في هذا الزمان ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا ذلت العرب ذل الإسلام) رواه أبو يعلى بسند صحيح، ولكن الإسلام عنده هو الرفض الذي هو الغلو في التشيع وعداوة .... وقام في أثره من علماء شيعة العراق مَنْ ألف كتابًا خاصًا في الرد على كتاب (منهاج السنة) لشيخ الإسلام، وآخرون ألفوا كتبًا ورسائل أخرى في الطعن على السنة وأهلها ، دعْ ما قالوه في مؤتمرهم المشهور من تكفير الوهابية والتحريض على قتالهم ، على ضعفهم وعجزهم .

كذلك قام بعده زعيمهم الثاني في سورية السيد عبد الحسين فألف كتابًا آخر في الطعن على الصحابة من كبار المهاجرين والأنصار وفي الأمة العربية سلفها وخلفها وفي أصحاب دواوين السنة ولا سيما الحافظ البخاري رضي الله عنهم فوجب علينا الرد عليه، ولم نفرغ إلا للقليل منه .

فصاحب المنار لم يهاجم الشيعة مهاجمة وإنما رد بعض عداوتهم وبهتانهم لبطلانه ولكون هذا الطعن في الصحابة وأئمة السنة وحفاظها وفي الأمة العربية وملكها في هذا الوقت لا فائدة منه إلا لأعداء المسلمين والعرب السالبين لاستقلالهم، وأكبر قوة للأجانب عليهم تعاديهم وتفرقهم .

فلا أدري ماذا يريد الذي استنكر هذا الرد عليهم من استنكاره ، وكيف تصور إمكان الاتفاق مع قوم يتبعون أمثال هؤلاء الزعما ، وتنشر دعايتهم هذه مجلة العرفان بالتنويه بكتبهم هذه والعناية بنشرها ، عدا ما تبعثه هي من دعاية التشيع التي كنا نعذرها فيها بتنزُّهها عن الطعن الصريح في السنة وأهلها .

 ... فهل يريد المستنكر من إخواننا أن نسكت لهؤلاء على كل هذا الطعن فيكون سكوتنا حجة على أهل السنة كافة ، ومعصية يأثمون بها كلهم ، ولا يزيد الشيعة إلا يقينًا بضلالهم ، وبُعدًا عن الاتفاق معهم ؟ !

 

* السنة والشيعة الاتفاق بينهما والوسيلة إليه ورأينا ورأي علامة الشيعة فيه :

( المجلد 32 الجزء 3 )

علم قراء المنار ما سبق لي من السعي الحثيث منذ ثلث قرن ونيف للاتفاق والوحدة بين المسلمين بالقول والعمل والكتابة والتصنيف ، وإنني أُلجئت في هذه الآونة الأخيرة إلى الرد على عالمين من علماء الشيعة لكتابين لهما كانا من أكبر أسباب التفريق والتعادي ، وإن أحدهما طعن في كتابه على ديني وعقيدتي وأخلاقي... إلخ ، والثاني طلب مناظرتي مدعيًا استحالة الاتفاق والتعاون بين أهل السنة والشيعة إلا أن ترجع إحدى الفرقتين إلى مذهب الأخرى في مسائل الخلاف الأساسية .

ويعلمون أنني لم أقبل الدخول في المناظرة على هذه القاعدة التي وضعها الأستاذ السيد عبد الحسين نور الدين إلا أن يقره عليها جمهور علماء الشيعة ، وطالبتهم ببيان رأيهم في زعمه هذا ، فلم يرد عليه أحد منهم ، وإنني افترصت لقاء مجتهد علمائهم الأشهر في هذا العصر الأستاذ الكبير الشيخ محمد آل كاشف الغطاء في القدس أثناء عقد المؤتمر الإسلامي العام ، فأطلعته على ما كتبه الأستاذ السيد عبد الحسين نور الدين وسألته رأيه فيه فأنكره أشد الإنكار ، ووعد بإجابتي إلى استنكاره والرد عليه كتابة كما اقترحت ، ليعلم ذلك من قرءوا تلك الدعوى في المنار ويقنعوا بأن أكبر علماء الشيعة يخالفونه فيه ، واشترط هو أن أسأله ذلك كتابة ففعلت .

... وإنني أنشر الآن جواب الأستاذ كاشف الغطاء ، وأقفي عليه بما يزيد الحقيقة كشفًا .

جواب العلامة آل كاشف الغطاء

عقيدة الشيعة في الاتفاق

بسم الله الرحمن الرحيم

وله الحمد في السموات والأرض

      لما جمعني المؤتمر الإسلامي العام المنعقد ليلة الإسراء في القدس الشريف بالعلامة الشهير، إمام السنة والحديث، الأستاذ الهمام، صاحب منار الإسلام، السيد محمد رشيد رضا نفع الله المسلمين بمنار علومه - دفع إليَّ كتابًا بخطه يتضمن السؤال عن عقيدة الشيعة في إخوانهم من أهل السنة، وأنه هل صحيح ما ربما يقال من أنه لا يمكن اتفاق الشيعة الإمامية معهم على شيء ولو كان لصالح الفريقين، إلا إذا رجعوا إلى رأي الشيعة فيما يخالفونه فيه ؟ إلى أن قال دام تأييده :

فأنت أيها الأستاذ أكبر مجتهدي الإمامية فيما قد اشتهر في بلادنا، وعلى قولك نعتمد ... إلخ ما كتب .

ونحن نرغب إليه أن ينشر عنا في الجواب على صفحات مناره الأغر ما يلي :

إن إجماع الشيعة الإمامية من سلف إلى خلف - ولعله من ضروريات مذهبهم لا يخالف فيه أحد من فضلائهم فضلاً عن علمائهم - أن من دان بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ، ولم ينصب العداوة والبغضاء لأهل بيت النبوة سلام الله عليهم - فهو مسلم وسبيله سبيل المؤمنين ، يحرم دمه وماله وعرضه  وتحل مسادرته، ومصاهرته ، ولا تحل غيبته ولا أذيته، وتلزم أخوته ومودته، أخوة جعلها الله في محكم كتابه، وعقدها في أعناق المسلمة من عباده  فأصبحتم بنعمته إخوانًا والمؤمنون بعضهم أولياء بعض ، وقد استفاض في السنة النبوية من طرق الفريقين أن المسلم أخو المسلم شاء أو أبى ، والمسلم من المسلم كالعضو من الجسد إلى كثير من أمثال هذا .

وما سُعد الإسلام وصعد إلى أعلى ذروات العز والمجد إلا يوم كان محافظًا على تلك الأخوة ، وما انحط إلى أسفل دركات السقوط والذلة إلا بعد أن أضاع تلك القوة ، ويشهد الله سبحانه أن ما ذكرته من عقيدة الشيعة الإمامية في إخوانهم المسلمين هو الحقيقة الراهنة التي لا محاباة فيها ولا تقية ، وإن ظهر من كلام بعض العلماء خلافها فلعله من قصور التعبير وعدم وفاء البيان ، ومن شاء الزيادة في

اليقين فدونه الصحيفة السجادية للإمام زين العابدين سلام الله عليه وهي زبور آل محمد صلى الله عليه وسلم ، فلينظر في دعائه لأهل الثغور الذي يقول في أوله :

اللهم صل على محمد وآل محمد ، وحَصّن ثغور المسلمين بعزتك ، وأيد حماتها بقوتك ، وأسبغ عطاياهم من جدتك ... إلخ الدعاء على طوله ، وهل يشك أحد أن حماة الثغور في عصر الإمام زين العابدين عليه السلام - أعني عصر بني أمية -كانوا من جمهور المسلمين وأكثرهم بل كلهم من السنة، والصحيفة السجادية تالية القرآن عند الإمامية في الاعتبار وصحة السند .

 والقصارى أني أعلن عني وعن جميع مجتهدي الشيعة الإمامية في النجف الأشرف وغيرها ، أن اتفاق المسلمين واشتراكهم في السعي لصالح الإسلام والمحافظة عليه من كيد الأغيار، لم يزل ولا يزال من أهم أركان الإسلام وأعظم فرائضه وأهم وظائفه، أما النزاعات المذهبية، والنزعات الجدلية فهي عقيمة الفائدة في الدين، عظيمة الضرر على الإسلام والمسلمين، وهي أكبر آلات المستعمرين .

فرجائي إلى الأستاذ صاحب المنار أن لا يعود إلى ما فرط منه كثيرًا من التحريش بالشيعة، ونشر الأبحاث والمجادلات مع بعض علماء الإمامية، والطعن المر على مذهبهم الذي لا يثمر سوى تأجيج نار الشحناء والبغضاء بين الأخوين، ولا يعود إلا ببلاء الضعف والتفرقة بين الفريقين، ونحن في أمس الحاجة اليوم إلى جمع الكلمة ، وتوحيد إرادة الأمة ، وإصلاح ذات البين .

والأستاذ الرشيد - أرشد الله أمره - ممن يعد في طليعة المصلحين ، وكبار رجال الدين ، فبالحري أن يقصر (مناره الإسلامي) على الدعوة إلى الوفاق والوئام، وجمع كلمة الإسلام، ويتجافى في كل مؤلفاته - سيما في تفسيره الخطير- عن كل ما يمس كرامة، أو يثير عصبية أو حمية، أو يهيج عاطفة، وأن يدعو إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة ؛ فإن ذلك أنجع وأنفع، وأعلى درجة عند الله

وأرفع، وعلى هذه خطاي وخطتي ، وهي ديني وديدني ، عليه أحيا وعليه أموت إن شاء الله .

وإليه تعالى أرغب وأبتهل في أن يجمع كلمتنا على الحق والهدى حتى نكون يدًا واحدة في نصرة هذا الدين الحنيف ، إنه أرحم الراحمين .

      حرره في زاوية النجف الأشرف المقدسة يوم النصف من شهر رمضان المبارك سنة 1350                                    محمد الحسين آل كاشف الغطاء

     

المنار: هذا نص الجواب الموعود من سماحة العلامة الواسع الصدر، الجليل القدر، وهو على حسنه ولطفه دون ما سمعت منه بالمشافهة، ودون ما كنت أتوقع من الصراحة، جاء مجملاً ليس حزًّا في المفاصل، لم يذكر فيه كلمة الخصم الشنعاء؛ وإنما أشار إليها (بربما يقال) وحصر كلامه في رأي الشيعة الإمامية في (إخوانهم المسلمين) وقال إنها مجمع عليها بالشرط الذي ذكره، وإنه إن ظهر من كلام بعض العلماء خلافها فلعله من قصور التعبير وعدم وفاء البيان، فتضمن قوله هذا الاعتذار عن الأستاذ السيد عبد الحسين نور الدين بأنه ليس فيه إلا قصور التعبير عن مذهبهم وعدم وفاء البيان به .

 وهذا السيد ليس ضعيف البيان بل هو فصيح العبارة قلما يوجد في معاصريه مثله في حسن بيانه وصراحته، وهو يرى أن أكثر الصحابة والسواد الأعظم من المسلمين من بعدهم قد نصبوا العداوة والبغضاء لأهل بيت النبوة سلام الله عليهم ، من عهد أبيهم علي كرم الله وجهه إلى الآن ، وكذلك الأمة العربية في جملتها كما يُعلم من كلمته الأولى من كلماته الثلاث ، وحجته الكبرى على ذلك تقديم غيره عليه بالخلافة ويليها من الحجج مخالفة أهل السنة لما يفهمه هو بوجدانه من الروايات الصحيحة في مناقبه ولما يذكره من الروايات الباطلة فيها ، ويطعن في حفاظ السنة حتى البخاري ومسلم لعدم روايتها ، فهو يعدهم كلهم من النواصب المتبعين لغير سبيل المؤمنين - فهو يسلم ما قاله العلامة كاشف الغطاء من أن عدم نصب العداء لأهل البيت شرط لصحة الإسلام وولاية أهله - ولا يراه ردًّا عليه أو تخطئة له.

 وكذلك السيد محسن العاملي لا يعده ردًّا على كتابه الذي يعدني فيه مع الوهابية غير متبعين لسبيل المؤمنين ؛ لأننا ننكر الحج إلى المشاهد وعبادة قبور أهل البيت أو عبادتهم بالدعاء والطواف بقبورهم؛ ولكننا نعبد الله تعالى بالصلاة على نبيه وعلى آل بيته في الصلاة وغيرها، ونتقرب إليهم بحبهم وولايتهم، وبالحكم على من ينصب لهم العداوة والبغضاء بأنه عدو الله ورسوله، وبهذا القول يقول جميع أهل السنة من الوهابية وغيرهم، ولا يرون القول بصحة خلافة الراشدين كما وقعت ووجوب حبهم وحب سائر الصحابة منافيًا لذلك ، فما قاله الأستاذ في ناحية الشيعة مجمل غير كافٍ ولا شافٍ .

بيد أنه عندما توجه إلى ناحية السنة وأهلها تفضل على صاحب المنار بالنصيحة إلى (ما فرط منه كثيرًا من التحريش بالشيعة) ... إلخ إلخ ، وهو يعلم أن صاحب المنار كان مبدوءًا لا بادئًا ، ومدافعًا لا مهاجمًا ، ولم يكن محرشًا ولا متحرشًا .

ولم يكن يخفى على ذكاء الأستاذ ما يكون لهذا الجواب عندنا من كلتي ناحيتيه، وما ضمه بين قطريه ، وهو ما رأينا من حسن الذوق الاكتفاء بالإشارة إليه ، فشفعه بكتاب شخصي ، يتضمن الاعتذار عما توقعه من تأثير الجواب السلبي ، قال فيه بعد الاعتذار عن تأخيره : ... وقد تجافيت عن ذكر القائل بتلك المقالة الغريبة والتي لا يوافقه عليها أحد نظرًا لبعد الملاحظات التي لا تخفى عليكم( إن تجد عيبًا فسد الخللا ) إهـ المراد منه .

المنار: إن عبارة هذا الكتاب ، تكشف لنا الغطاء عما خفي في ذلك الجواب وما رأى أنه مضطر إليه في مقامه من الرياسة في علماء المذهب من مداراة المدارك المتفاوتة، والوجدانات الموروثة، واكتفائه من صدق لقبه (كاشف الغطاء) أن يبلغ غاياته في الدروس الفقهية، والفنون العقلية واللغوية، ويقف دونها من مهاب الأهواء الطائفية والمذهبية ... فهذا ما أشرحه من عذر صديقي في إجماله في الجواب على ما فيه من موضع النظر، ووصفه إياي بالتحريش والطعن المر بالشيعة، ومطالبتي بالكف عن العودة إلى ذلك معبرًا عنه بلفظ الرجاء واجتنابه الإنكار على هؤلاء المهاجمين، وما هو بالعذر الذي يرضاه منه جميع القارئين .

سيجدني صديقي العلامة المصلح عند رجائه إن شاء الله تعالى ، بيد أنني أرى أن ما نسعى إليه من جمع الكلمة ، ووحدة الأمة ، لا يرجى نجاحه من طريق الدين إلا بسعي علماء الطائفتين له على القاعدتين اللتين رفعنا بنيانهما في المنار:

 الأولى: (نتعاون على ما نتفق عليه ويعذر بعضنا بعضًا فيما نختلف فيه)

الثانية:) من اقترف سيئة من التفريق والعداء أو غير ذلك من إحدى الطائفتين بقول أو كتابة فالواجب أن يتولى الرد عليه العلماء والكتاب من طائفته)، وإذا لم يكن صديقنا الأستاذ الكبير آل كاشف الغطاء هو الإمام القدوة لمن ينهضون بهذا الإصلاح وهو هو في رياسته العلمية وثقة الطائفة بإخلاصه ونصحه ، فمن ذا الذي يتصدى له من دونه... فأرجو من الأستاذ الكبير كاشف الغطاء أن يتأمل ما ذكرته من توقف التوفيق والتأليف على بنائه على القاعدتين المناريتين عسى أن يجد عنده قبولاً ، ولا يخفى عليه أن علماء الدين إذا لم يجمعوا كلمة المسلمين بهدايته على القيام بمصالحهم المشتركة فقد يغلبهم الملاحدة المتفرنجون على أكثرهم ، ويقنعونهم بأن الدين أكبر المصائب عليهم !

 

 

2- تجربة مصطفي السباعي:

كما دونها في مقدمة كتابه "السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي":

"بدأ علماء الفريقين في الحاضر يستجيبون إلى رغبة جماهير المسلمين في التقارب، ودعوة مفكريهم إلى التصافي، وأخذ علماء السنة بالتقارب عملياً، فاتجهوا إلى دراسة فقه الشيعة ومقارنته بالمذاهب المعتبرة عند الجمهور، وقد أدخلت هذه الدراسة المقارنة في مناهج الدراسة في الكليات وفي كتب المؤلفين في الفقه الإسلامي، وإنني شخصياً ـ منذ بدأت التدريس في الجامعة ـ أسير على هذا النهج في دروسي ومؤلفاتي.

ولكن الواقع أن أكثر علماء الشيعة لم يفعلوا شيئاً عملياً حتى الآن، وكل ما فعلوه جملة من المجاملة في الندوات والمجالس، مع استمرار كثير منهم في سب الصحابة وإساءة الظن بهم، واعتقاد كل ما يروى في كتب أسلافهم من تلك الروايات والأخبار، بل إن بعضهم يفعل خلاف ما يقول في موضوع التقريب، فبينما هو يتحمس في موضوع التقريب بين السنة والشيعة، إذا هو يصدر الكتب المليئة بالطعن في حق الصحابة أو بعضهم ممن هم موضع الحب والتقدير من جمهور أهل السنة.

في عام 1953 زرت عبد الحسين شرف الدين في بيته بمدينة "صور" في جبل عامل، وكان عنده بعض علماء الشيعة، فتحدثنا عن ضرورة جمع الكلمة وإشاعة الوئام بين فريقي الشيعة وأهل السنة، وأن من أكبر العوامل في ذلك أن يزور علماء الفريقين بعضهم بعضاً، وإصدار الكتب والمؤلفات التي تدعو إلى هذا التقارب.

وكان عبد الحسين رحمه الله متحمساً لهذه الفكرة ومؤمناً بها، وتم الاتفاق على عقد مؤتمر لعلماء السنة والشيعة لهذا الغرض، وخرجت من عنده وأنا فرح بما حصلت عليه من نتيجة، ثم زرت في بيروت بعض وجوه الشيعة من سياسيين وتجار وأدباء لهذا الغرض، ولكن الظروف حالت بيني وبين العمل لتحقيق هذه الفكرة، ثم ما هي إلا فترة من الزمن حتى فوجئت بأن عبد الحسين أصدر كتاباً في أبي هريرة مليئاً بالسباب والشتائم!!

ولم يتح لي حتى الآن قراءة هذا الكتاب الذي ما أزال أسعى للحصول على نسخة منه، ولكني علمت بما فيه مما جاء في كتاب أبي رية من نقل بعض محتوياته ومن ثناء الأستاذ عليه، لأنه يتفق مع رأيه في هذا الصحابي الجليل .

لقد عجبت من موقف عبد الحسين في كلامه وفي كتابه معاً، ذلك الموقف الذي لا يدل على رغبة صادقة في التقارب ونسيان الماضي، وأرى الآن نفس الموقف من فريق دعاة التقريب من علماء الشيعة، إذ هم بينما يقيمون لهذه الدعوة الدور، وينشئون المجلات في القاهرة، ويستكتبون فريقاً من علماء الأزهر لهذه الغاية، لم نر أثراً لهم في الدعوة لهذا التقارب بين علماء الشيعة في العراق وإيران وغيرهما، فلا يزال القوم مصرين على ما في كتبهم من ذلك الطعن الجارح والتصوير المكذوب لما كان بين الصحابة من خلاف، كأن المقصود من دعوة التقريب هي تقريب أهل السنة إلى مذهب الشيعة، لا تقريب المذهبين كلٍّ منهما إلى الآخر.

ومن الأمور الجديرة بالاعتبار أن كل بحث علمي في تاريخ السنة أو المذاهب الإسلامية مما لا يتفق مع وجهة نظر الشيعة، يقيم بعض علمائهم النكير على من يبحث في ذلك، ويتسترون وراء التقريب، ويتهمون صاحب هذا البحث بأنه متعصب معرقل لجهود المصلحين في التقريب، ولكن كتاباً ككتاب المرحوم الشيخ "عبد الحسين شرف الدين" في الطعن بأكبر صحابي موثوق في روايته للأحاديث في نظر جمهور أهل السنة، لا يراه أولئك العاتبون أو الغاضبون عملاً معرقلاً لجهود الساعين إلى التقريب!..

ولست أحصر المثال بكتاب "أبي هريرة" المذكور، فهنالك كتب تطبع في العراق وفي إيران وفيها من التشنيع على عائشة أم المؤمنين وعلى جمهور الصحابة ما لا يحتمل سماعة إنسان ذو وجدان وضمير، مما يذكّر الناس بآثار الماضي، ويؤجج نيران التفرقة من جديد، وكتاب "أبي رية" هو من هذه الكتب التي إن رضي الشيعة عما جاء فيه بحق الصحابي الجليل أبي هريرة رضي الله عنه، فإنه ـ بلا شك ـ سبب لفتح أبواب العداوة من جديد، أو على الأقل سبب للأخذ والرد، وتذكر موقف الشيعة من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فإذا كنا نأخذ عليه اعتماده على مصادر الشيعة في كتابه المذكور، وإذا كنا نتحدث عن موقف الشيعة من الحديث فإنما نبحث ذلك، أولاً: في حدود النطاق العلمي التاريخي، وحقائق التاريخ لا مجاملة في الحديث عنها حين يكون المجال مجال علم ودراسة وتحقيق، وثانياً: لتصحيح الأخطاء التاريخية التي استمدها من كتب الشيعة.

ولقد كنت كتبت بحث (موقف الشيعة من السنة) في هذا الكتاب ـ وهو أطروحة علمية تقدم إلى علماء في معهد علمي لنيل شهادة علمية ـ ومع ذلك فلقد كنت أرجئ نشر هذا الكتاب ـ المقدم للطبع الآن ـ لأسباب عديدة:

منها أنني أريد أن أقدم لبحثي ذاك بتمهيد أوضح فيه رأيي بضرورة التقارب بين السنة والشيعة في هذا العصر الذي نعيش فيه، وأنني لم أقصد ببحثي الإساءة إلى شعور الشيعة أو استثارة عداوتهم، لا لشيء إلا لأني كنت وما أزال من دعاة التقارب الصحيح وتصفية آثار الماضي.

ولما أخذت إحدى المجلات العلمية مني النسخة الوحيدة التي عندي من كتابي هذا رغبة في نشر بعض أبحاثه، لفتُّ نظر المسؤول عنها إلى أن فيه بعض الأبحاث التي أريد التمهيد لها ببعض الإيضاح، ولكنني فوجئت وأنا في بيروت للاستشفاء أن هذه المجلة نشرت البحث المتعلق بموقف الشيعة من السنة، وأن ذلك ترك أثراً غير مستحب في الأوساط الشيعية، وعلقت عليه بعض مجلاتهم، أخبرني بذلك الشاعر الكبير الأستاذ "أحمد الصافي النجفي" الذي أقدر فضله وأدبه، فأوضحت له موقفي من هذا الموضوع وأنه نشر بغير علمي.

وهكذا أريد أن ألفت النظر الآن مرة أخرى إلى أن كل ما جاء في هذا الكتاب إنما هو عرض تاريخي لابد منه لكل من يؤرخ للسنة وتحدث عن مراحل جمعها وتدوينها، ولا يستطيع أن يغفل ذلك عالم يحترم نفسه ويريد من العلماء أن يحترموا كتابه، ولم أكتب فيه إلا ما أعتقد أن البحث العلمي يؤيده ويثبته.

ومع هذا فليس فيما كتبته ما يسيء إلى أية شخصية يحترمها الشيعة ويجلونها كما يفعلون هم بالنسبة إلى جمهور الصحابة، ذلك أنا نحب علياً رضي الله عنه ونجله ونعرف مكانته من الإسلام والعلم والفضل، كما نحب أئمة أهل البيت من ذرية علي رضي الله عنه، ونحترم علمهم وفضلهم، وحبذا لو يفعل الشيعة كما نفعل، فنلتقي على كلمة سواء!

وأعود فأكرر دعوتي للمخلصين من علماء الشيعة، وفيهم الواعون الراغبون في جمع كلمة المسلمين، أن نواجه جميعاً المشاكل التي يعانيها العالم الإسلامي اليوم، من انتشار الدعوات الهدامة التي تجتث جذور العقيدة من قلوب شباب السنة ولعل في الحوادث الجارية الآن([3]) في بعض بلادنا العربية ما يؤكد ما أقول به، وأكرر دعوتي بوضع أسس التقارب الصحيح العملي لا القولي.

وفي مقدمة ذلك الاتفاق على تقدير صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذين على أيديهم انتقل هذا الدين إلينا، وبواسطتهم أخرجنا الله من الظلمات إلى النور" .  

 

 

 

3 – يوسف القرضاوي :

من رسالته إلى الدكتور أحمد كمال أبو المجد

9/10/2008

" ما كنتُ يوما من الأيام مهيِّجا ولا داعيا إلى فتنة ولا فُرقة بل داعية إلى التقريب بين الفرق الإسلامية، وحين سعيتُ إلى تأسيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، دعوتُ فيه ممثِّلين لكلِّ الفرق والمذاهب المتَّبعة والمعروفة في الأمة، التي لم تنشق عن الأمة تماما، ولم تمرُق من الإسلام وعقائده الأساسية.

فدعوتُ إخوة يمثِّلون كلَّ الطوائف والمذاهب الإسلامية: من الزيدية، ومن الإمامية الاثنى عشرية، ومن الإباضية، وكان من الذين دعوتهم: آية الله محمد علي تسخيري، الذي عرَفتُه منذ سنين طويلة، وجَّهتُ إليه الدعوة، ورشحتُه لمجلس الأمناء، ثم للمكتب التنفيذي، بل رشحتُه ليكون أحد نوابي، وأوصيتُ بانتخابه، وهذا كلُّه في إطار حرصي على التقريب، والتوحيد، وهو تتمَّة لما قمتُ به في هذا المجال من المشاركة في مؤتمرات التقريب، التي عُقدت في الرباط، وفي دمشق، وفي البحرين، ثم في الدوحة.

ولكن دعوتي إلى التقريب لم تكن مطلقة، بل كانت مقيَّدة، وكانت مشروطة، فمنذ مؤتمر المغرب، وأنا أبصِّر وأذكِّر بالعقبات التي تقف في سبيل التقريب، وبدون معالجتها يصبح التقريب مجرَّد مؤتمرات تُعقد وتنفض، وتُسفر عن قرارات وتوصيات هي حبر على ورق.

من هذه العقبات التي أكَّدتها في كلِّ مؤتمر:

1-  الموقف من القرآن الكريم، وأنه كلام الله المكتوب في المصحف، لا يقبل الزيادة ولا النقصان.

2- الموقف من الصحابة وأمهات المؤمنين، الذين نقلوا إلينا القرآن، وحفظوا لنا السنن، وهم تلاميذ المدرسة المحمدية، وهم الذين فتحوا الفتوح، وأدخلوا الأمم في الإسلام، فلا غرو أن أثنى عليهم القرآن، وأثنى عليهم الرسول، وجعل قرنهم خير القرون بعد قرنه، كما سجَّل لهم التاريخ بطولات وصفحات ومواقف أخلاقية بمداد من نور. فلحساب مَن نشوِّه تاريخ هؤلاء الأبطال؟ ولماذا يريد بعض منا أن يصوِّر تاريخ خير قرون الأمة وكأنه ظلمات بعضها فوق بعض؟.

3- التوقف عن نشر المذهب الاعتقادى في البلاد الخالصة للمذهب الآخر. فإنك قد تكسب عشرة أو عشرين أو مائة أو مائتين، أو ألفا أو ألفين، ولكن حين يكتشف المجتمع أنك تحاول تغيير عقائده، ومحاربه مذهبه، سيتَّجه إليك باللعنة، وستقف الملايين كلُّها ضدَّك، ولكن الخطورة أن يتأخر هذا الاكتشاف.

4-  الاعتراف بحقوق الأقلية، الدينية والسياسية، سواء كانت الأقلية سنية أم شيعية.

وهذا ما صارحتُ به الإخوة في إيران حين زرتُهم منذ عشر سنوات، في الولاية الثانية للرئيس محمد خاتمي، الذي يتَّمتع بأفق رحب، وعقل متفتِّح، والذي قابل تحيتي بمثلها، حينما حضر إلى الدوحة منذ سنتين للمشاركة في أحد المؤتمرات، وأصرَّ على أن يزورني في بيتي.

كما صارحت المشايخ وآيات الله حيثما لقيتُهم، في طهران، وفي قم، وفي مشهد، وفي أصفهان، المدن التي زرتُها.

من شأن النذير أن يصرخ:

وما تمنيتموه من أن لو كان إعلان موقفي هذا بيني وبين إخواني من علماء الشيعة في إطار محدود، بدل إعلانه على عوام الناس في الصحف، أقول: هذا قد تمَّ يا دكتور خلال أكثر من عشر سنوات، تمَّ في مؤتمرات التقريب، وتمَّ خلال زيارتي لإيران سنة 1988م بيني وبين علماء طهران وقم ومشهد وأصفهان. وتمَّ فيما كتبتُه من بحوث ورسائل آخرها رسالة (مبادئ في الحوار والتقريب بين المذاهب "الفرق الإسلامية" ولكني وجدتُ أن المخطط مستمر، وأن القوم مصمِّمون على بلوغ غاية رسموا لها الخطط، ورصدوا لها الأموال، وأعدُّوا لها الرجال، وأنشأوا لها المؤسسات، ولهذا كان لابد أن أدقَّ ناقوس الخطر، وأجراس الخطر -يا دكتور- لا تؤدِّي مهمَّتها ما لم تكن عالية الصوت، تُوقظ النائم، وتنبِّه الغافل، وتُسمع القريب والبعيد. أرأيتَ أجراس إنذار الحريق؟ وما تُحدثه من دويٍّ هائل قد يُزعج بعض مرهفي الحساسية، ولكن هذه طبيعتها.

....

فالغزو الشيعي للمجتمعات السنية أقرَّ به الشيعة أنفسهم، هل نريد أن نكون ملكيين أكثر من الملك؟.

لقد أقرَّ بهذا الرئيس السابق رفسنجاني، والذي يعدُّونه الرجل الثاني في النظام الإيراني في لقائي معه على شاشة الجزيرة في 21/2/2007م. فقد رفض أن يقول أىَّ كلمة في إيقاف هذا النشاط الشيعي المبيت، وقال: إنسان عنده خير كيف نمنعه أن يبلِّغه؟

ووكالة الأنباء الإيرانية (مهر) اعتبرت انتشار المذهب الشيعي في أهل السنة من (معجزات آل البيت)!

وآية الله التسخيري لم ينكر ذلك، ولكنه اعترض على تسميتي (التبليغ الشيعي) تبشيرا، وهو المصطلح المستعمل في نشر النصرانية، وكأنه يشير بكلمة (تبليغ) إلى أن الشيعي مأمور بتبليغ مذهبه وعقيدته، كما أن الرسول مأمور بتبليغ ما أُنزل إليه من ربه، وكلمة (تبشير) كما ذكرتُ في بيانى السابق، مقتبسة من تعبير الإمام محمد مهدي شمس الدين رحمه الله.

وآية الله الشيخ محمد حسين فضل الله، أنكر عليَّ أني لم أغضب من أجل نشر التبشير المسيحي، كما غضبت من أجل نشر التبشير الشيعي، وقد رددتُ على هذا الزعم في بياني السابق.

.....

الخطر في نشر التشيع أن وراءه دولة لها أهدافها الإستراتيجية، وهي تسعى إلى توظيف الدين والمذهب لتحقيق أهداف التوسُّع، ومد مناطق النفوذ، حيث تصبح الأقليات التي تأسَّست عبر السنين أذرعا وقواعد إيرانية فاعلة لتوتير العلاقات بين العرب وإيران، وصالحة لخدمة إستراتيجية التوسع القومي لإيران.

.....

لم أَحِدْ عن الوسطية:

بقي هنا الإجابة عن سؤال مهم وجَّهه إليَّ بعض الإخوة قائلا: إنك كنتَ دائما من دعاة الوسطية والاعتدال، حتى عُرف هذا المنهج بك، وعُرفتَ به، وقال مَن قال عنك من الباحثين والمفكرين: رائد الوسطية. وهو ما نعتقده من خلال مطالعتنا لتراثك ومواقفك، ولكنك في هذه القضية مِلْتَ بقدر ما إلى التشدُّد والمواجهة، فما تفسير ذلك؟

وأحبُّ أن أبيِّن هنا: إني لم أَحِدْ عن منهج الوسطية قيد شعرة، ولكن بعض الإخوة قد يفهمون الوسطية على غير ما فهمتُها. فهم يحسبون أنها الميل إلى التيسير في كلِّ شيء، وأخذ موقف اللين في كلِّ أمر، وهذا ليس بصحيح.

فالوسطية عندي: أن أشدِّد في موضع التشدُّد، وأن ألين في موضع اللين. وأن أحرِّم حيث يجب التحريم، وأن أحلِّل حيث ينبغي التحليل.

ولذا وقفتُ في موضوع (فوائد البنوك) مع المتشدِّدين، ولم أَمِل مع الذين يريدون أن يحلِّلوها بسبب وآخر، وأصدرتُ كتابي (فوائد البنوك هي الربا الحرام)، وفي كثير من المواقف أتشدَّد تبعا للأدلة، وإن كان التيسير هو الغالب عليَّ.

وفي القضايا المتصلة بالعقيدة، أقف كالجبل الأشم، لا أتزحزح، ولا أتزلزل، ومن هنا كان موقفي من الشيعة والتشيع، وهذه هي الوسطية الحقَّة.

....

ومن أغرب ما قاله هؤلاء الأصدقاء: إن تحذيرنا من الغزو الشيعي لمجتمعات السنة، وقوف مع الاستكبار الأمريكي، أو الاستعمار الصهيوني، ولا تلازم بين هذا وذاك، فنحن نرفض الغزو الشيعي، ونقف في وجه الطغيان الأمريكي، والعدوان الصهيوني، جنبا إلى جنب، ونؤيد المقاومة بكلِّ قوَّة ضد الصهاينة والأمريكان في فلسطين ولبنان والعراق وأفغانستان.

....

وزعمهم أن موقفي المحذِّر من الغزو ينافي الدعوة إلى (الوحدة الإسلامية) غير مسلَّم، فالوحدة الإسلامية إذا لم تقُم على أساس مكين من كتاب الله وسنة رسوله، لن تقوم لها قائمة. ولذا قال تعالى: }وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا] {آل عمران [103فالوحدة إذا لم تعتصم بحبل الله لا خير فيها، والإسلام يرى أن التفرُّق على الحقِّ خير من الاتحاد على الباطل.  ورحم الله ابن مسعود - رضي الله عنه - الذي قال: الجماعة ما وافق الحقَّ وإن كنتَ وحدك. وحسبنا قوله تعالى: }وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ{ ]المائدة 2  [، ومثله الاتحاد على الإثم والعدوان، منهيٌّ عنه ولا خير فيه. أ.هـ

 

وفي الختام نأكد على أهمية الوحدة المبنية على الحق والصدق، وخطورة بقاء الشيعة على سياستهم المخادعة في دعوى التقريب وإلا سيكون الفشل مصير جميع المحاولات وسيكون الدخول فيها نوع من المراوغة وإضاعة الوقت.

 

 

 



مقالات ذات صلة