بعد القمة ...ويل للعرب
الاثنين24 من ربيع الأول1429هـ 31-3-2008م
حسن الرشيدي
istratigi@hotmail.com
هل ينتظر أحد نتائج بعد القمة العربية الأخيرة و التي عقدت في دمشق ؟
إذا كان هذا سؤال فالإجابة عليه سوف يكون بسؤال استنكاري من نوع و منذ متى ينتظر العرب نتائج من قممهم ؟
و لكن ثمة مؤشرات عديدة على أن هذه القمة من نوع مختلف :
فلأول مرة لا تجد دولة عربية رئيسا لها لترسله للقمة
ثانيا : يقاطع رؤساء ستة دول من الدول السبع المؤسسة للجامعة العربية للقمة من بينهم أكبر نظامين عربيين : النظام المصري و النظام السعودي.
ثالث هذه المؤشرات : اشتراك القذافي في القمة ببهلوانياته المعروفة والسيرك الذي ينصبه في مثل هذه المؤتمرات و لكنه خرج على المؤتمر هذه المرة بكذبة من العيار الثقيل تتمثل في قوله أن ثمانين في المائة من سكان الخليج العربي هم إيرانيون .
رابعا : أن الدول العربية خرجت من هذه القمة لتكرس انشقاقها إلى محورين المحور العربي و المحور الإيراني و بينهما دول عربية تميل لهذا الطرف و أخرى تميل للطرف الآخر و دول لا يعنيها الأمر ودول تعتقد أنها بمواقفها المستقلة سوف تلعب دورا توفيقيا .و لعل تكريس الانشقاق هذا هو أبرز نتائج القمة .
فالنظر في هذه القمة ينبغي أن يكون استراتيجيا على المستوى الإقليمي و الدولي و موقع القمة من التجاذب بين المحاور الثلاثة التي تتصارع بدرجات متفاوتة في المنطقة و هي المحور العربي و المحور الإيراني و المحور الصهيوني .
فالمحور العربي و الذي يضم في قيادته السعودية ثم مصر و إلى درجة ما بعض الدول الخليجية و الإيرانية استيقظ فجأة على وطأة الاستهداف الأمريكي و الإيراني فأمريكا بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر غير التي قبلها و غيرت نظرتها إلى الدول العربية بعد أن كانت تبني إستراتيجيتها على استقرار هذه النظم بدلتها إلى إستراتيجية أخرى لا تنظر فيها إلى استقرار النظم العربية كما صرح جرهام فوللر نائب رئيس الاستخبارات الأمريكية الأسبق و أتبع ذلك تصريحات صادرة من مسئولين أمريكيين سابقين و حاليين تحمل نبرة تهديد هذه النظم و تعلن عن الرغبة في اقتلاعها فأحد المحللين السياسيين و يدعى لوران مورافيتش فقد اعتبر في تقرير لمؤسسة (راند) الأمريكية لأبحاث القوات الجوية الأمريكية ونشر في صحيفة واشنطن بوست (6-8-2002) أن الحرب على العراق مجرد خطوة تكتيكية ستغير وجه الشرق الأوسط والعالم أما السعودية فهي هدف إستراتيجي ومصر هي الجائزة الكبرى في نهاية هذا الطريق الذي يبدأ بحرب العراق. و هكذا باتت تشعر الدول العربية و التي كان يطلق عليها و توصف بالمعتدلة باتت تشعر بالخطورة الشديدة على مستقبلها و مآل أنظمتها و في نفس الوقت الذي كان يكثف فيه المحور الأمريكي الإسرائيلي ضغوطه على الأنظمة استفاقت الدول العربية مرة أخرى على واقع ضربات أخرى جديدة تأتيها هذه المرة من الشرق حيث أحلام الفرس باتت تستيقظ في ابتلاع الدول العربية واحدة بعد الأخرى و ها هي العراق سقطت في براثن الثعلب الإيراني و لبنان و سوريا على وشك السقوط و بلغ الأمر أسوأه و حدا غير مسبوق من الاستهانة بالعرب إلى أن يطلب وزير الخارجية الإيراني من نظراءه العرب في اجتماع لدول الجوار العراقي أن يتركوا العراق و شأنه و سوف يساعدهم الإيرانيون في قضية فلسطين من هنا بدأت الدول العربية في محاولة للنهوض و استعادة مكانة إستراتيجية تآكلت بسبب ضعفهم و هناك من يحاول ملء هذا الفراغ الإستراتيجي على حسابهم فكانت المحاولات السعودية للإصلاح بين الفلسطينيين و اللبنانيين و في دارفور و غيرها و لكن النجاح كان ضئيلا بالنسبة لهذه الجهود حيث عملت التدخلات من قبل المحورين الآخرين على الحيلولة دون أي نجاح يذكر تبذله الجهود السعودية .فالثقل الذي يمثله هذا المحور اعتمد على دعامتين أساسيتين :
الأولى / الإمكانيات الاقتصادية و الدينية السعودية
الثانية / الثقل الجيوسياسي لمصر و مكانتها في وسط الشرق الأوسط
لذلك كانت القمة العربية فرصة لهذا المحور لإحياء هذا المحور و بعث الروح في جنباته و هذا يتضح من الجهود المستميتة التي بذلتها كل من السعودية و مصر قبل القمة و محاولة الخروج بها من براثن المحور الإيراني عبر ضغط على سوريا بترك لبنان يختار رئيسه و لكن فشل هذه المحاولات لتأكيد نفوذه و إظهار قوة هذا المحور بمقاطعة الرؤساء للقمة لأن حضور هذا القمة كان معناه استسلام المحور العربي للمحور الإيراني و من ثم تلاشيه مستقبلا .
المحور الإيراني :في طليعته إيران و هي الدولة التي لها أهداف وضعت لها إستراتيجيات لتطبيقها في المنطقة و العالم فهذه الدولة لها أهداف إقليمية و إمبراطورية تريد إحياء مشروع صفوي فارسي و استطاعت أن تدخل سوريا في هذا المحور مستغلة طائفية النظام و الذي وجده فرصة لزيادة نفوذه في العالم العربي وتصعيد دوره الإقليمي و لكن العديد من المؤشرات تؤكد على أن النظام بات رهينة عند النظام الإيراني خاصة في عهد بشار الأسد الذي حرص والده على الإبقاء على مسافة ضئيلة بينه و بين الإيرانيين و في وسط هذا المحور يقبع حزب الله و غيره من التنظيمات الشيعية في الوطن العربي كأدوات للنظام الإيراني و يستخدمها النظام السوري بعد موافقة إيرانية .
و كانت هذه القمة العربية فرصة للنظام السوري و من وراءه إيران لزيادة توغل المحور الإيراني في المنطقة و زيادة النفوذ الشيعي و مده داخل الشعوب العربية بعد أن قدم المحور نفسه على أنه طوق الممانعة في وجه المشروع الصهيوني الأمريكي و أن أطراف المحور العربي ما هي إلا خادمة لهذا المشروع المعادي و لكن انسحاب الدول العربية الرئيس من القمة قد جعل موقف المحور الإيراني مكشوفا و هو يضع نصب عينيه المحور الأمريكي الإسرائيلي في المقام الأول .
المحور الأمريكي الإسرائيلي : و هذا المحور معروف بتوجهاته و أهدافه و استراتيجياته التي يرمي بها إلى إقامة مشروعه الشرق الأوسطي الكبير و الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة وتكون فيه إسرائيل هي الحارس على هذا المشروع و يخطئ من يظن أن هذا المحور إنما يستهدف المحور الإيراني في المقام الأول بل إن هدفه في الأصل هو السيطرة على المنطقة العربية و هو يدرك أن الرياض ثم القاهرة هم العقبتان الرئيستان و لكن شعوره بالقوة الإيرانية الطاغية جعلته يؤخر حسمه مع هذه العواصم ليتجه إلى إيران محاولا احتواءها بأي شكل من الأشكال أو بجميع الصور الممكنة بالدبلوماسية أو المحادثات السرية أو العلنية و حتى التهديد باستخدام القوة العسكرية للحد من طموحات هذا المحور و سواء استخدم القوة العسكرية أو غيرها فإن الأمريكان و اليهود يدركون أنهم في النهاية سوف سيتقاسمون الكعكة مع إيران .
و من ثم حاول المحور الصهيوني بشقيه الإسرائيلي و الأمريكي الحيلولة دون أن تكون القمة فرصة للتقارب بين المحورين العربي و الإيراني على حسابه أو أن تكون فرصة لمكاسب لأي طرف منهما فلا إسرائيل أو أمريكا قدمت تنازلات في القضية الفلسطينية حتى و لو هامشية تعضد المحور العربي و لا تظهره بمظهر المنهزم أمام الجماهير العربية ليظل المحور العرب عاجزا عن تحقيق أي تقدم سواء على الصعيد الفلسطيني أم اللبناني و بالطبع العراقي فقد سحبت منه هذه الورقة منذ فترة ليست بالقصيرة .
و من هنا نرى أن القمة العربية بالنسبة لهذه المحاور الثلاثة هي محطة في الصراع الدائر على المنطقة كل يحاول توظيفها لخدمة مشروعه و أهدافه و استراتيجياته و إن كان المحور الإيراني لم يخرج فائزا في هذه الجولة فإن المحور العربي و كذلك المحور الصهيوني قد خرجا بنفس النتيجة و لا تزال المعادلة صفرية و لكن يبدو في الأفق أن المحور العربي و مشروعه هو الأقل شأنا و الأكثر تأثرا بالمتغيرات القادمة التي تبدو في الأفق غير مشجعة بالنسبة له فقدرته على الفعل ضعيفة مثقلة بالأهواء و النزاعات و الحافز العقدي غائب متواري خلف التطلعات الشخصية و القيادات المتخاذلة .