محطات في تاريخ لبنان

بواسطة د. محمد السعيدي قراءة 1259
محطات في تاريخ لبنان
محطات في تاريخ لبنان

2017-11-20

د. محمد السعيدي

 

هذه وقفات مختصرة حول تاريخ لبنان كتبت معظمها من الذاكرة وعلى عجل إثر التصريحات المغالبة والجاهلة والعنصرية التي أدلى بها من يعتبر رسميا رئيساً لدولة عربية ، أردت من خلالها تقريب هذا التاريخ لشبابنا ..

لم تكن لبنان في يوم من ايام التاريخ دولة مستقلة كما أتذكر ؛ وإن كانت في فترات كثيرة من التاريخ مركزاً تجارياً بحرياً مهماً جداً للفينيقيين ذلك الشعب الذي خرج من الجزيرة العربية ليكون حضارات ودولا أحاطت بالبحر الأبيض المتوسط وهم الذين اتخذوا من صور وصيدا منطلقا لتجاراتهم في أوربا ؛ ثم أصبحت قاعدة للفرس في حربهم مع اليونان وكان فيها- في صيدا تحديداً-تاريخ سيئ للملك الفارسي إرتحش الذي قتل جميع سكان المدينة ودمرها؛ وفي فترة سحيقة ولم تكن طويلة؛ فيما يبدو كان جبل صنين القريب من بيروت مصيفا لبعض أثرياء الفراعنة المصريين حين كانت تغطيه الأشجار وليس كما هو حاله اليوم ؛ ثم اتخذ منها الرومان قواعد بحرية لكنها لم تكن ذات أهمية كبرى في الدولة الرومانية ؛وورد لجبال لبنان ذكر في نشيد الانشاد اليهودي ؛ كما ورد ذكر عدد من مدنها الساحلية في التوراة ؛ وقبل ذلك أشار إليها هوميروس في الإلياذة .
وكل ذلك يعد في التاريخ أمراً عادياً وليس مميزاً ؛ أي لا يعبر عن أهمية متفردة وغير تقليدية .
وفي العصر الإسلامي أهتم معاوية رضي الله عنه بالساحل اللبناني[جزء من الساحل الشامي آنذاك ، وأسير هنا وفق المصطلح المعاصر]وقام بتحصينه ، وقد حصل في عهده محاولات لغزو أوربي من جهة بعض الثغور اللبنانية ؛ وتمرد مدعوم من الدولة البيزنطية لطائفة الجراجمة المسيحية ؛ ثم سعى معاوية وخلفاءبني أمية من بعده لتنظيف سائر جزر البحر المتوسط من القواعد الأوربية ليسهم ذلك في حماية الدولة الإسلامية من الغزو الأوربي أكثر من أربعمائة وخمسين عاماً .
وفي الساحل الشام قضى مسلمة بن عبدالملك على آخر تمرد للجراجمة .
بعد ذلك لم يكن هناك ذكر استراتيجي للبنان ؛ بل وللأسف لم تحض قراها وأريافها ذات الطابع العشائري غير الميال للانتقال للحواضر الكبار بحركة مناسبة لنشر العلم فيها بالرغم من قربها من إحدى كبريات المدن العلمية في العالم آنذاك وهي دمشق ؛ وقربها أيضا من طرابلس التي شهدت نهضة علمية لم تطل كثيراً ؛ فساد الجهل الديني ، مما جعل منها مكانا مناسبا لدعاة المذاهب المنحرفة والخرافية كالدرزية والنصيرية والاثني عشرية ؛ وكانت جبالها ملاذاً للنصارى لا سيما الموارنة الذين كان بينهم وبين أكثر نصارى الشام جفوة بسبب ميلهم لبابا الفاتيكان وتمرد على الكنيسة الشرقية كما كانوا يرون الانعزال عن المسلمين .
ومع مجيئ عام ٤٩٢ هجريةعادت السواحل اللبنانية وجبال لبنان لذاكرة المؤرخين ، حيث تعاون والي طرابلس للفاطميين الإسماعيليين الشيعة مع الجيوش الصليبية القادمة من غرب ووسط أوربا براً ؛ كما قدم الموارنة النصارى أعداداً كبيرة من المتطوعين للجيوش الصليبية لا سيما الفرنسية حيث اعتبر ملك القدس الفرنسي الصليبي من ذلك التاريخ الموارنة رعايا فرنسيين ؛ و لهذا الاعتبار أثره اللاحق في علاقة لبنان بفرنسا حتى هذا اليوم ، وتم الاحتلال الصليبي للسواحل اللبنانية بما فيها طرابلس وكونوا ممالك وإمارات أُعطي فيها الموارنة خاصة حقوق الصليبيين نفسها ؛ وفي فترة الوجود الصليبي زاد الجهل في قرى الجبال من المسلمين فكانت أكثر عرضة لرسوخ المذاهب الخرافية ؛ حيث كونت خطراً كبيراً على الأمة بتحالفها مع الصليبيين والغرب والحشاشين في وقائع عديدة متفرقة يذكرها المؤرخون .
وبعد خروج الصليبيين وسيادة المماليك عادت الثغور اللبنانية وجبالها للخروج من اهتمام المؤرخين ؛ وللأسف أيضا تكرر الخطأ في ضعف العناية بالدعوة والتعليم إلى القرى الجبلية هناك وظلت الطبيعة العشائرية والدينية الخرافية هي المتحكمة في المجتمع فقد كان المعنيون الدروز ومن بعدهم الشهابيون مزدوجو الديانة سادة الجبل وما حوله من الحواضر بتفويض سلطاني مملوكي ثم عثماني وكانت الحروب على الأساس العرقي بين القيسيين واليمنيين على أشدها ، وكان آل علم الدين الأسرة المعروفة في لبنان حتى اليوم من أبرز زعامات اليمنيين في لبنان ؛ وآل الشهابي أبرز زعامات القيسيين ؛ وكان هذا الصراع مما يؤكد ضعف جانب العملية الإدارية بالمنطقة ؛ ويمكن اعتبار جبل عامل استثناء حيث ظهرت فيه نهضة علمية منغلقة جداً على المذهب الشيعي الإثناعشري وعلوم العربية .
واستمر الأمر كذلك في العهد العثماني الذي يبدأ من العام ٩٢٢هـ .
وكان الأمراء الشهابيون في ظل سلطة المعنيين الدروز مسلمون سنة لكنهم يظهرون الانتساب للدروز لدواعي سياسية ؛ ولما سقط حكم المعنيين وخلفهم الشهابيون أمر الأمير منصور الشهابي أبناءه بالتنصر على المذهب الماروني ووافقه كثير من الشهابيين وبعض مسلمي جبل لبنان السنة سنة١١٨٣ دون تدخل الدولة وهذا يعني قمة الإهمال لهذه المنطقة وغاية الجهل في أهلها.

ظهرت لبنان في التاريخ من جديد أثناء حرب الجبل بين الموارنة والدروز التي بدأت إرهاصاتها منذ١٢٥٦هـ واشتعلت سنة١٢٧٦ وكانت بدايتها في إحدى قرى الجبل [دير القمر] بين الموارنة والدروز ثم امتدت إلى المسلمين السنة في عدد من مدن لبنان ودمشق .
وكانت تعتبر قضية دولية حيث تدخلت فيها فرنسا بجيش استقر في جبل لبنان عاماً كاملاً تحت مزاعم التحقق من حماية الموارنة ؛ وكذا بريطانيا التي دعمت الدروز ،والدولة العثمانية صاحبة الدولة ؛وتدخلت المآرب السياسية حتى اعتبرت هذه الفتنة البداية الحقيقية للنفوذ الاستعماري الثقافي والعسكري في المنطقة.
لم يعد نصارى لبنان بعد هذه الفتنة هم نصارى لبنان قبلها ؛ فمن ناحية سياسية تم وضع جبل لبنان لأول مرة ربما في التاريخ متصرفية مستقلة منفصلة عن الشام ؛ يرأسها مسيحي غير لبناني وكان أول متصرف أرمنياً وذلك بضغط فرنسي بريطاني على الدولة العثمانية.
ومنذ ذلك التاريخ أيضا أي منذ بدء حكم النصارى للبنان وتدخل الغرب في سياستها ونظامها الاجتماعي أصبحت لبنان بلداً طارداً للسكان لاسيما المسيحيين بالرغم من كونهم أصحاب السيادة السياسية ؛ 
ومن ناحية ثقافية بدأت الدول الغربية في إنشاء المدارس والجامعات التي كان لها أثر كبير في أخذ نصارى لبنان مكانة عالية في الصحافة العربية والشعر والأدب ، وكان على رأس ماتم تأسيسه الجامعة الأمريكية سنة١٢٨٢.
وإنه وإن كانت هذه المدارس قد استفاد منها مسلمون ودروز وغيرهم إلا أن النصارى تصدروا النهوض بالصحافة العربية والتوجيه الفكري والأدبي في ذلك الوقت المبكر نسبيا من تاريخ النهضة العربية وعلى يدهم كانت بوادر محاربة الفكر الإسلامي وتوجيه الأمة نحو الغرب بغطاء قومي عروبي .
ومع ذلك فإن الدولة العثمانية لم تستفد من هذه التجربة أو لم يعد بوسعها أن تستفيد لتسعى إلى نشر العلم في المناطق المهملة وتنشر الدعوة وتستقطب المثقفين .
وبعد هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى رفضت فرنسا الإجراء الذي قامت به بريطانيا وهو تسليم حكم سوريا الكبرى للملك فيصل ابن الحسين١٣٣٨وأرسلت قواتها في العام نفسه لإحتلال سوريا ثم فصل لبنان عنها بإعطائها الاستقلال سنة ١٣٦٢استجابة لطلب مسيحيي لبنان بدولة مستقلة ، على حدود تتجاوز كثيراً متصرفية لبنان العثمانية .
وأصبحت الدولة العربيةالأولى منذ عهد الغساسنة التي يتولى رئاستها ورئاسة جيشها النصارى .
بعد الاستقلال عادت لبنان دولة لا تجتذب الأضواء إلا في جانب الطباعة والصحافة والنشر ، ومن هنا بدأ اهتمام دول الخليج وخاصة السعودية بها لاسيما بعد اشتداد الحركات الماركسية والقومية في الدعاية ضد المملكة فكانت الصحافة اللبنانية سريعة التوزيع أحد المنابر المهمة للأقلام المدافعة عن سياسة المملكة .

تصنيف لبنان كدولة مواجهة صغيرة جداً وضعيفة مادياً وسياسياً زاد من أهميتها لدى الدول العربية في وقت كان الشعور الديني والقومي ضد الكيان الصهيوني قويا فكانت الدول العربية الغنية وهي دول الخليج والسعودية خاصة تتسابق لتقوية لبنان ماديا لتكون قوة في مواجهة الصهاينة؛ دون النظر إلى الهشاشة الفعلية لتلك الدولة ذات النظام الرئاسي الغريب.
بعد أيلول الأسود سنة ١٣٩١انتقلت معظم قيادات منظمة التحرير الفلسطينية إلى لبنان لتكون نشاطاتها قريبة من الكيان الصهيوني ؛وازدادت أهمية لبنان لدى دول الخليج لهذا الاعتبار ؛ لكن الحرب اللبنانية الطاحنة والتي اختلط فيها الحابل بالنابل وقتل فيها بعض اللبنانيين بعضا ثم تم تصفية الفلسطينيين وطردهم من لبنان وكان ميشال عون أحد مجرمي تلك الحرب والحديث عن تفاصيل إجرامه ودور إيران في إسقاط التهم عنه وتنصيبه رئيساً لا تخفى على أحد من اللبنانيين .
المهم أن المملكة العربية السعودية كانت هي من أطفأ جذوة الحرب التي كان اتفاق الطائف آخر مراحلها سنة ١٤١٠هـ .
ونعمت بعده لبنان بالأمان فترة للأسف لم تطل بسبب حزب الشيطان وطموحات إيران ، ومن هنا يبدأ التاريخ المعروف للجميع .

 

 

المصدر: الموقع الرسمي للدكتور محمد السعيدي



مقالات ذات صلة