نزار السهلي
لعل وضع الحيرة الممزوج بالمرارة، يجعل السوري الرافض للهزيمة، يُكثر السؤال ويكثر من التساؤل عن معنى هرولة حركة "تحرر وطني فلسطيني" نحو حضن الأسد دون غيرها من النظام الرسمي العربي الذي لم تنقطع أواصر التنسيق بينه وبين الأسد، خصوصاً أن غطرسة النظام المدعومة روسياً وإيرانياً وبكثير من النفاق الإقليمي والدولي، لم تميز يوما منذ ثمانية أعوام بين أجساد السوريين والفلسطينيين الممزقة تحت التعذيب، وتحت حطام المدن والمخيمات نتيجة لوحشية النظام غير المسبوقة في العصر الحديث.
ومثلما لا يميز البعض بين التطبيع والتطويع، تخطو سلطة رام الله نحو افتتاح مقر لتلفزيون فلسطين في العاصمة دمشق، على وقع اكتمال تدمير النظام لمعظم مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في سوريا وتهجير سكانها، إضافة لمقتل مئات من أبناء فلسطين تحت التعذيب في زنازين النظام مع عشرات آلاف السوريين، دون أن يتجرأ إعلام السلطة ومنها تلفزيونه أن يأتي على ذكر معاناة آلاف من أبناء شعبه في معتقل فلسطين الأسدي، بل على العكس تبارى أعضاء السلطة في تقديم سلسلة من المواقف الداعمة لنظام الأسد في حربه ضد الشعب السوري والفلسطيني.
لم يكن تلفزيون فلسطين صوتاً للاجئين في سوريا ولا صورتهم في الاعتقال والدمار والطرد والتعفيش، من الإذلال والقهر المستمر لهم، ولن يكون منبرا أخلاقيا لتقديم معاناة شعب فلسطين بسوريا
كانت البيانات التي تخص بعض الفصائل وأعضاء اللجنة المركزية لحركة "فتح" مع أعضاء منظمة التحرير الذين توافدوا إلى دمشق في وقت كان فيه النظام يقصف مخيم اليرموك، كانت تشيد بدور الأسد والنظام و"صموده في وجه المؤامرات وانتصاراته"، وتُنكر في الوقت نفسه تعرض السوريين والفلسطينيين لسلسة من المجازر، لم يكن تلفزيون فلسطين صوتاً للاجئين في سوريا ولا صورتهم في الاعتقال والدمار والطرد والتعفيش، من الإذلال والقهر المستمر لهم، ولن يكون منبرا أخلاقيا لتقديم معاناة شعب فلسطين بسوريا في محطة افتتاحه الجديد وبث مراسليه لتقاريرهم، ليطرح السؤال ما الدور الذي سيلعبه تلفزيون فلسطين من دمشق؟.
لن نأخذ إجابة عضو مركزية فتح عزام الأحمد على السؤال حين قال "سيكون ناقلا أمينا للصوت والصورة الفلسطينية من فلسطين إلى سوريا، وناقلاً للصورة والصوت والصمود السوري إلى فلسطين والعالم أجمع"، فهذه العبارات عن "الصمود السوري" تقوم بها محطات إعلامية محسوبة على محور طهران و"الممانعة"، لتزييف الحقائق والوقائع، لأن مفهوم الأمانة سقط مع سقوط أول فقيد فلسطيني تحت التعذيب، ومع استمرار اعتقال آلاف منهم في معتقل فلسطين والجوية والأمن العسكري، فما المقصود إذا من كلام الأحمد، وعضو تنفيذية المنظمة واصل أبو يوسف "افتتاح مقر لتلفزيون فلسطين في دمشق يختلف عن المقار الأخرى، لما لدمشق وسوريا من معانٍ في "النضال" الفلسطيني".
يفهم كل فلسطيني وكل سوري مقصد المعاني، وخطوات التطبيع المراد منها تسويق متبادل لحالتين متهالكتين فقدتا الأرضية الأخلاقية باستمرار اجترار شعارات متعلقة بفلسطين والقضية ، فكان لزاما الاستعانة ببعض الأدوات المختلفة من شاشة فلسطين التي تنقل ممارسات المؤسسة الصهيونية بالاستيطان والتنكيل ومعاناة الأسرى، أما في دمشق لن يكون بمقدور مؤسسة إعلامية تحمل اسم فلسطين أن تذكر مسلخا بشريا يحمل اسمها زورا وعاراً، وتديره عصابات تتبع الأسد تقوم بإزهاق أرواح آلاف السوريين والفلسطينيين، لكنّ الإعلاميين شأنهم شأن محور الإعلام الممانع، مستعد لقراءة تقاريره الإعلامية، بما يتناسب والمؤسسة الأمنية التي تقوم بحماية السفاح.
غاب خبر فلسطين (الفرع) ومخيماتها، من على شاشة تلفزيون فلسطين طيلة سبعة أعوام، لم يظهر جيش التعفيش الأسدي وهو يسطو على ممتلكات اللاجئين، ولم يُظهر حطام المنازل التي دُمرت بطائرات الأسد، وحرقت كواشين أرضهم، التي حُفظت سبعة عقود داخل أدراجها قبل أن يدمرها الأسد ويفرك لصهيوني يديه فرحا لشجاعة وقدرة الأسد على إنجاز ما لم ينجزه بسبعة عقود..
تلفزيون فلسطين في دمشق، هو حاجة متبادلة بين القاتل وولي الضحية والقضية، حاجة للتزوير والقفز المفضوح على الحقائق، لن يعيد ألق وبريق لقضية دمرتها ممارسات مجرم ينظر له العدو "الإسرائيلي" ولممارساته في الحصار والتجويع والتدمير والقتل والقهر كـ جعبتي فاشية يستعيران من بعضهم فنون وصنوف التحطيم.
سيكون للأسد عين وأذن وحنجرة عالية لدى السلطة الفلسطينية تقوم بمتابعة تزوير الحقائق وتلفيق الروايات المساندة للأسد السفاح
في كل هذا لن تكون شاشة فلسطين في دمشق، سوى ناطقة لحاشية مكتوبة من عقل الطاغية لحاشية أخرى تتأرنب كلما ذُكر أمامها معتقل يحمل اسم فلسطين، لنعرف أن فلسطين في حاشية الطاغية لها مسلخ بشري، وفي حاشية السلطة منفعة لا تقل أهمية فيما يجمع بينهم ففرع فلسطين مهم لقهر كل ما يتردد عن الحرية والتحرر، وتلك لم تزل عصية عن لي الأعناق عند المحتل.
هل نذكر شجاعة الفلسطينية في عبور حواجز الذل لزيارة الأبناء أو الزواج خلف قضبان المحتل، فيما أجساد آلاف الضحايا يتم حرقها في فرن الأسد البشري دون أن يكون لحنجرة حركة تحرر وطني أي حشرجة للألم والدفاع عنهم بالمعنى الأخلاقي.
بمعنى آخر سيكون للأسد عين وأذن وحنجرة عالية لدى السلطة الفلسطينية تقوم بمتابعة تزوير الحقائق وتلفيق الروايات المساندة للأسد السفاح، وسيكون للأخيرة لسان يخطب من حنجرة الأسد عن ضرورة اجترار شعارات سقطت واهترأت عند بوابات مخيمات الفلسطينيين وتحت ركام المنازل وفي أقبية تعذيب فروع فلسطين والجوية والسياسية، كانت سنوات الفلسطينيين والسوريين طافحة بمختلف أنواع الخذلان والطعن، تنقل الطعنات من السلم الإعلامي إلى السياسي ثم "الثوري والأدبي والشعري والروائي"..
انضمام بوق آخر يطبل لـ"انتصار الأسد"، لن يغير من معادلة السقوط والانحطاط المستمر منذ ثمانية أعوام، ولن تكون حبل نجاة للأسد، ولا لحركة تحرر وطني، وفصائل خسرت شعبها وشارعها في سوريا، فقط ستربح تصريحا جديدا من فرع فلسطين لـ تلفزيون فلسطين وشهادة بوق جيد.
المصدر : تلفزيون سوريا
19/5/1440
25/1/2019