قرار عراقي خطير بشأن اللاجئين الفلسطينيين

بواسطة أياد مسعود قراءة 1770

قرار عراقي خطير بشأن اللاجئين الفلسطينيين

 

الحكومة العراقية أعادت الحياة إلى قانون اللجوء السياسي للعام 1971 لتطبقه على اللاجئين الفلسطينيين وتجاهلت قانون العام 2000 الذي يساوي اللاجئ الفلسطيني بالمواطن العراقي!

تتوالى الهموم الفلسطينية في العراق ربطاً بتتالي هموم اللاجئين الفلسطينيين المقيمين في بغداد، والذين لم يعرفوا الاستقرار والأمن، منذ أن تعرض العراق للحصار، في التسعينيات حتى الآن.

إذ بعد أن تعرض اللاجئون الفلسطينيون في العراق، بعد الغزو العراقي للبلاد، إلى هجمات على يد قوى محلية عشائرية ومذهبية، وبعد أن طورد القسم الأكبر منهم، فاضطروا إلى النزوح إلى أطراف الأرض الأربعة ومنها مخيم الهول في سوريا، ومخيم التنف الحدودي، ومخيم الوليد، ومنها أيضاً الولايات المتحدة والبرازيل والأرجنتين، والهند، والتشيلي، والسويد وغيرها.. بعد هذا كله، أطلت الحكومة العراقية برأسها، وبدلا من أن تتولى بلمسة جراح هذا التجمع الفلسطيني المنكوب، عمدت إلى إصدار قرارات من شأنها أن تعود بأوضاع اللاجئين الفلسطينيين عقوداً إلى الوراء، حين قررت مساواتهم باللاجئين السياسيين، ونزعت عنهم صفتهم الخاصة، لاجئين فلسطينيين، هجروا من بلادهم في أكبر نكبة وطنية وعربية عرفها تاريخ المنطقة.

لاجئون سياسيون!

فقد أصدرت اللجنة الدائمة لشؤون اللاجئين السياسيين في العراق، في 4/11/2008 بطاقة هوية خاصة بالفلسطينيين، لتوزع عليهم، بعد أن تقرر إخضاعهم لأحكام قانون اللاجئين رقم 51 لسنة 1971.

والقانون المذكور صدر في «الوقائع العراقية» (الجريدة الرسمية للبلاد) في 4/10/1971 بتوقيع «رئيس مجلس قيادة الثورة، أحمد حسن البكر».

ويوضح القانون أنه مختص بـ«اللاجئين السياسيين» ويعرف «اللاجئ السياسي» بأنه: كل من يلتجئ إلى الجمهورية العراقية لأسباب سياسية أو عسكرية».

ويكون اللجوء بتقديم طلب إلى السلطات المختصة، يرفع إلى «اللجنة الدائمة لشؤون السياسيين» التي ترفع بدورها توصياتها إلى وزير الداخلية، الذي يرفعه بدوره إلى رئيس الجمهورية، ضمن صلاحية كل جهة على حدة.

ويعفى اللاجئ من أحكام قانون إقامة الأجانب، ويحمل وثيقة خاصة من قبل مكتب شؤون اللاجئين السياسيين وفقاً لنموذج معتمد، ويقسم اللاجئ يمين الإخلاص للعراق طيلة مدة بقائه في العراق؟ .

وتتولى «لجنة شؤون اللاجئين السياسيين» تقديم المعلومات المطلوبة عن كل لاجئ إلى مديريتي الأمن والاستخبارات العسكرية، اللتين تمسكان سجل المعلومات لأغراضهما الخاصة.

تنص المادة 11 من منح حق اللجوء أن يتمتع اللاجئ السياسي إلى العراق بالحقوق التالية: الاستفادة من الخدمات الصحية ـ ممارسة المهن والأعمال ـ التوظيف بعد موافقة الوزير.

كما تنص المادة 14 أن تناط مراقبة اللاجئين وإدارتهم وتكاليفهم وتوجيههم الاجتماعي بوزارة الداخلية.

كما تنص المادة 15 أن للوزير تعيين محل إقامة اللاجئ وتغييره، ولا يحق للاجئ التجول في البلاد إلا بإذن مسبق من الوزير المختص.

وتنص المادة 15 أنه إذا أخل لاجئ بأمن الدولة أو مصالحها السياسية فللوزير إلغاء قرار لجوئه والأمر بإبعاده، علاوة على تقديمه للمحاكمة.

ولا يحق للاجئ مغادرة العراق إلا بموافقة الوزير، ويحق للوزير منح اللاجئ إذن بإجازة خارج العراق لمدة شهر. أما الإجازة التي تتجاوز الشهر الواحد فتتطلب موافقة رئيس الجمهورية.

خصوصية اللاجئ الفلسطيني

منذ أن ولدت قضية اللاجئين الفلسطينيين وهي تتمتع بخصوصية قائمة بذاتها، فالأمم المتحدة على سبيل المثال، خصت حق العودة بالقرار 194. واتخذت القرار 382 بتأسيس وكالة إغاثة خاصة باللاجئين الفلسطينيين وحدهم دون غيرهم.

وأبقت السقف الزمني لتفويض الوكالة في حده الأقصى 3 سنوات، يجري تجديدها، تأكيداً على أن قضية اللجوء هي قضية مؤقتة وتأكيدا على حق اللاجئين بالعودة إلى ديارهم، وبالتالي ربطا بين حق العودة والتفويض المؤقت لوكالة الغوث.

وعندما تأسست المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في العالم، استثنت الأمم المتحدة من صلاحيات المفوضية، اللاجئين الفلسطينيين المقيمين في ساحات عمل وكالة الغوث، أي الضفة الفلسطينية وقطاع غزة، والأردن، ولبنان، وسوريا، ورفضت الأمم المتحدة أن تساوي بين اللاجئين السياسيين الآخرين وبين اللاجئين الفلسطينيين لخصوصية القضية الفلسطينية وخصوصية قضية اللاجئين من أبنائها.

بدورها تعاملت الدول العربية مع اللاجئين الفلسطينيين بموجب خصوصية قضيتهم باعتبارهم يعيشون حالة لجوء «مؤقتة» وأن وجهة حل قضيتهم هي العودة إلى ديارهم التي هجروا منها. وميزت الدول العربية بين اللاجئين الفلسطينيين وبين غيرهم من اللاجئين العرب والأجانب، ورسمت العلاقة معهم بموجب بروتوكول الدار البيضاء الذي وافقت عليه الدول الأعضاء في الجامعة العربية.

وللتدليل على صحة هذا الكلام نستدل بالتجربة الحسية في مراجعة الشروط المتخذة في كل من سوريا ولبنان والأردن، لاستقبال اللاجئين العراقيين أو السودانيين أو الصوماليين. ولقد سنت كل من هذه الدول العربية أنظمة تتناسب وظروفها الاقتصادية والأمنية والاجتماعية لاستقبال هؤلاء اللاجئين، الذين شملتهم المفوضية العليا لشؤون اللاجئين ببعض أشكال الرعاية الإدارية والمالية المحدودة. أما اللاجئين الفلسطينيون في كل من هذه الدول الثلاث فلهم خصوصيتهم المعروفة، والتي لا تحتاج منا إلى إعادة شرح، وهي خصوصية تميزهم بوضوح عن سواهم من اللاجئين الآخرين.

القرار العراقي... قفزة إلى الوراء

من الطبيعي أن يثير القرار العراقي بمساواة اللاجئين الفلسطينيين باللاجئين السياسيين اعتراضاً من الجهات الفلسطينية المعنية دون أن يطال هذا الاعتراض الحق السيادي للحكومة العراقية في اتخاذ القرارات التي تراها مناسبة أن منبع الاعتراض هو أن مثل هذا القرار من شأنه أن يضعف الوضع القانوني للاجئين الفلسطينيين، باعتبارهم جزءاً من شعب، وأن يحولهم إلى مجرد أفراد، اضطروا للجوء المنفرد، كلا على حدة، هربا من أمر ما ومثل هذه الخطوة التراجعية الكبيرة من شأنها أن تمس حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى الديار، لأنها تفرغ قضيتهم من مضمونها السياسي الحقيقي، وتكسبها مضموناً سياسياً جديداً لا يمت إلى الواقع بصلة.

فضلا عن ذلك من حق المرء  أن يتساءل عن أسباب هذه الخطوة التراجعية، ولا يفيد القول هنا أن الحكومة استعانت بقانون صدر في عهد سابق، كان يترأسه أحمد حسن البكر. فتاريخ صدور القانون لافت للنظر ألا وهو العام 1971 وهو عام له معانيه الفلسطينية الخاصة (حرب أيلول (سبتمبر) في الأردن، ثم حرب أحراش جرش وعلجون) وله معاينه العراقية أيضاً.

فضلا عن ذلك، لماذا العودة إلى قانون 1971، وتجاهل قانون العام 2000 الذي أصدرته الحكومة العراقية، وقضى بمعاملة اللاجئين الفلسطينيين معاملة المواطن العراقي من حيث الحقوق، ما عدا حقوقه السياسية في الترشح للمناصب، والاقتراع وحمل الجنسية العراقية، وهي ذات الحقوق التي منحتها الحكومة السورية عبر عقود مضت وما زالت إلى اللاجئ الفلسطيني بما في ذلك حقه في التوظيف في المؤسسات الرسمية السورية، دون أي خوف من توطين اللاجئين.

في كل الأحوال، يفترض ألا نعتبر أن الملف قد أقفل، فما زال أمام اللاجئين الفلسطينيين، وأمام المؤسسات الفلسطينية الكثير لفعله لإقناع الحكومة العراقية بالتراجع عن قرارها الأخير.

16/3/2009

أياد مسعود

 



مقالات ذات صلة