الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم. أما بعد.
فلقد استقر لدى المسلمين على مر العصور الفرح بموت زعماء ورموز أهل الباطل من الظالمين والمبتدعة المناوئين للسنة، المحاربين لأهلها المسلمين، وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عن موت الفجرة: ((العبد الفاجر يستريح منه العباد والبلاد والشجر والدواب))، وفرح علي بن أبي طالب رضي الله عنه فرحاً شديداً وكبّر وسجد لله شكراً لهلاك أحد كبار الخوارج الذي سفك دماء المسلمين لما رآه في قتلى أعدائه.
وعلى هذا المنوال، كان الفرح الذي غمر أهل السنة في العراق وسوريا ولبنان واليمن وغيرها من بلاد المسلمين، لمقتل رأس الإرهاب والعدوان والإجرام، قاسم سليماني، زعيم ما يُسمى بفيلق القدس الإيراني، الذي عاث في تلك البلدان فساداً، وحارب كل جهد شعبي لتحقيق العدالة وحقن دماء المسلمين؛ فولغ في الدم المسلم الحرام، هادراً – هو وجنوده الخاطئون – أرواح مئات الآلاف من المسلمين في عقر دار الإسلام والعرب.
لقد ارتكب قاسم سليماني وميليشياته مجازرهم بحق المسلمين من أهل السنة في عدد من بلدان العالم الإسلامي بغية الانتصار لعقيدة شيعية تقوم بغض أهل السنة وتكفيرهم واستحلال دماءهم، لا يستثنون في ذلك طفلاً أو امرأة أو شيخاً؛ فكانوا – ولم يزالوا – بلاء مستحكماً على المسلمين في العراق والشام برمته واليمن، حتى غدت حواضر الإسلام العريقة آثاراً وأطلالاً، كمثل الموصل وحلب وحمص والأنبار وغيرها.
وإذ كبل "المجتمع الدولي" وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا أيدي الأحرار المسلمين الثائرين في وجه الطغيان الموالي للغرب، ومنع الثوار في كل من العراق وسوريا واليمن من أبسط حقوقهم في الدفاع عن أنفسهم وأعراضهم وأموالهم وديارهم؛ فإنه غض الطرف عن إطلاق سليماني وميليشياته أيديهم لتدمير مدن المسلمين وارتكاب المجازر بحق أبريائهم الآمنين، إلى أن تغيرت بعض قواعد التحالف وتباينت بعض المصالح فحانت نهاية هذا المجرم على أيدي شركاء جرائمه.
إننا في رابطة علماء المسلمين إذ نفرح كرابع الخلفاء الراشدين علي بن أبي طالب رضي الله عنه لهلاك مجرم قد فعل أكثر مما أغاره الخارجي في سرح المسلمين وقتئذ؛ فإننا مستيقنون بأن تصفية هذا الإرهابي إنما حصل لحسابات تكتيكية داخل معسكر أعداء الأمة، لم يبتغَ فيها تحقيق العدالة ولا القصاص للمظلومين والمستضعفين. فمظالم المسلمين واقعة لم تزل، وحقوق المسلمين مهدرة كما هي لن يردها خلاف بين شركاء الجريمة.
وحيث نفرح بهلاك رأس ظلم وعدوان؛ فلا يبارحنا ألم استباحة وانتهاك الأمريكيين والروس وغيرهم لأراضينا وسماءنا حتى غدت "سيادة" دولنا محض خيال وأوهام؛ فاستباح كل محرم، وانتهك كل سيادة، إنما هي استمرار لتوسيد الأمر إلى غير أهله ممن يوالون العدو ويحاربون الحق وأولياءه.
وبقدر ما نفرح لهلاك عدو؛ فإننا نحزن لكوننا كمسلمين لم نسر على طريق العزة والتمكين، فنعد لهم ما استطعنا من قوة ترهب هذا العدو وذاك، اللذين قد تقاسما كعكتنا وتداعيا على قصعتنا.
بقدر ما نفرح لهذا، نحزن كذلك؛ لأن من بني جلدتنا من ساءهم قتل هذا المجرم؛ فأدانوا مقتله وقدموا العزاء فيه بل وأشادوا به! وهذه سقطة لا ينبغي لمسلم أن يقع بها مهما كانت حساباته أو رؤيته الإستراتيجية.
وخلاصة قولنا، أن معركتنا مع أهل الباطل تحتاج لإعداد وبناء لهذه الأمة وكوادرها، مصداقاً لقول الله عز وجل: { وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ } وإقراراً منا بأن معركتنا لأجل الإسلام والاستقلال والهوية لن يخوضها عدو نيابة عناً أبداً، فكل فريق يسير في طريقه الذي لا يتقاطع معنا ولا يحقق مصالحنا، وطريقنا هو الذي اختطه لنا رسولنا صلى الله عليه وسلم، والذي لا عدل لنا عنه ولا فلاح دونه.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
صادر عن
الهيئة العليا لرابطة علماء المسلمين
الاثنين 11 / جماد الأولى / 1441هـ
الموافق 6 / يناير / 2020م