ماذا يريد "نصر الله" من لبنان؟
وليد نور
noor1425@hotmail.com
ما أن انتهى "حسن نصر الله" من خطابه عصر اليوم الخميس حتى انطلق مسلحو "حزب الله" في شوارع بيروت بأسلحتهم ورشاشاتهم في حرب خاضها "حزب الله" من طرف واحد، ومن الواضح أنه أعد لهذه الحرب منذ زمن طويل.
قد تنتهي المظاهر المسلحة، وقد تختفي الأسلحة، مؤقتًا، من شوارع بيروت، ولكن يبقى السؤال: ماذا يريد "حزب الله" من لبنان؟.
قبل أن نبدأ:
لعله بات من نافلة القول ومكرره أن نذكر بعدة مسلمات قبل الإجابة على هذا السؤال، ومن هذه المسلمات:
- حزب الله في حقيقة أمره هو جبهة متقدمة لإيران، وما يفعله حزب الله، أيًا كان حجمه، لا يستطيع أن يقدم عليه إلا بعد أن يأخذ الضوء الأخضر من طهران؛ هذا أمر نظنه بات مسلمًا به من الجميع خاصة وأن الأدلة والشواهد عليه تزداد يومًا بعد يوم، لذلك فلا يبعد ما فعله حزب الله في لبنان عن ما تفعله الميليشيات الشيعية في العراق، ولا يبعد كل هذا عن مشاريع إيران النووية، لذلك ليس من المستغرب ما ذكرته وكالة الأنباء الألمانية من أن إيران تسعى إلى صفقة نووية لتهدئة الوضع اللبناني.
- القول بأن هناك مشروعين في المنطقة، أمر لا يختلف عليه أحد، ولكن أي مشروعين هما، يتفق الجميع على أن أحد هذين المشروعين هو المشروع الأمريكي الصهيوني، والمشروع الثاني هو المشروع الإيراني الشيعي، وهناك مشروع ثالث تضع في وجهه العراقيل هو مشروع المقاومة السنية، أما الزعم بأن حزب الله ينتمي لهذا المشروع المقاوم فهو زعم خاطئ، فلا خلاف أن حزب الله تابع لإيران، ولا شك أيضًا أن إيران ساندت المشروع الأمريكي في العراق وأفغانستان، ولا غضاضة عند هذا المشروع الإيراني من الاعتراف بإسرائيل ومساعدتها إذا كان ذلك يصب في مصلحته، كما أكد ذلك كثير من الوقائع والشواهد.
ماذا يريد نصر الله؟:
مثلما كان الحال في حرب تموز 2006، أعلن نصر الله مرة جديدة تغيير قواعد اللعبة ولكن هذه المرة ليس مع إسرائيل، هذه المرة تغيير قواعد اللعبة داخل بيروت، حيث أعلن نصر الله أن مرحلة جديدة ستعلن في لبنان.
حقيقة لن نستطيع أن نعتبر هذا تغييرًا لقواعد اللعبة، ولكن ما يجري هو خطوة فيما يريده حزب الله من السيطرة على بيروت.
لقد تحدث نصر الله عن (مرحلة جديدة بالكامل) وكأن الأزمة بدأت قبل أيام بقرارات مجلس الوزراء وليس قبل أكثر من سنة بانسحاب الوزراء الشيعة من الحكومة، وكرر القول: إن حزب الله لا يريد التنافس على سلطة ولا على حكومة، وكأن مطلب (الثلث المعطل) لم يكن من الحواجز على طريق التسوية.
في أغسطس 2006، وفي الأسبوع الأخير لعدوان "إسرائيل" على لبنان، كشف "نصر الله" ما يريده من لبنان، حيث قال في حديث أدلى به لمطبوعة إيرانية اسمها "رسالة الحسين": "إن رغبة حزب الله هي إقامة جمهورية إسلامية يومًا ما، لأن حزب الله يعتقد أن إقامة حكومة إسلامية هي الطريق الوحيد لتحقيق الاستقرار للمجتمع، وهي الطريق الوحيد لتسوية الخلافات الاجتماعية، حتى في مجتمع متكون من أقليات متعددة..".
وبالتأكيد فإن هذه الحكومة الإسلامية هي حكومة على المذهب الجعفري تدين بالولاء لطهران كما يدين حزب الله.
يقول حسن نصر الله: "إننا نرى في إيران الدولة التي تحكم بالإسلام، والدولة التي تناصر المسلمين والعرب وعلاقتنا بالنظام علاقة تعاون، ولنا صداقات مع أركانه ونتواصل معه، كما أن المرجعية الدينية هناك تشكل الغطاء الديني والشرعي لكفاحنا ونضالنا"(مجلة المقاومة، العدد 27: 15-16).
وحزب الله لا يخفي إيمانه بولاية الفقيه، ولا ينكر وجوب الطاعة لهذا الفقيه، وهو الفقيه الإيراني بلا شك، يقول "نعيم قاسم" نائب الأمين العام لحزب الله في كتاب "حزب الله المنهج .. التجربة .. المستقبل" والصادر عام 2002م: "وهو (الولي الفقيه) الذي يملك صلاحية قرار الحرب أو السلم"، غير أنه يفصل في آلية تنفيذ هذه الصلاحية فيقول: "ولا يمكن تنفيذ هذه المهام بمباشرته الشخصية للتفاصيل كافة، وهذا ما يستدعي تفويض الصلاحيات لأفراد أو جهات، وتعيين الأفراد ومهماتهم في الدوائر العامة الكبرى والأساسية، وإمضاء الاقتراحات أو النشاطات أو الاختيارات التي تنسجم مع الإسلام وفقًا لتشخيصه (الولي الفقيه)".
وعن تبعية حزب الله لإيران في ذلك الأمر، يقول نعيم قاسم في ص 57: "وقد حقق وجود وتوجيه الولي الفقيه المتمثل بالإمام الخميني ومن بعده بالإمام خامنئي النموذج التطبيقي لإرادة الجهاد بطريقة واقعية وعملية وفاعلة".
ويقول أيضًا في كتابه في ص 75: "فإذا واجهت قيادة الحزب قضايا كبرى تشكل منعطفًا في الأداء أو تؤثر على قاعدة من قواعد العمل ... عندها تبادر إلى السؤال أو أخذ الإذن لإضفاء الشرعية على الفعل أو عدمه".
وفي سبيل تحقيق "حزب الله" لأهدافه تلك، كان مطلبه بالثلث المعطل، وهو التطبيق العملي لمبدأ "المثالثة" الذي طرحته إيران بدل المناصفة لحكم لبنان وفق صيغة جديدة بديلة عن اتفاق الطائف أو الدستور الجديد للبنان الذي أقرّ عام 1989.
فإيران ومن ورائها حزب الله يرون أن اتفاق الطائف قد انتهى ويجب العمل على وفق أسس جديدة، يقول المرجع الشيعي محمد حسين فضل الله في مقابلة مع مجلة الحوادث 1/8/2003: "مشكلة اتفاق الطائف أنه لم ينطلق من العمق، لكنه انطلق من السطح، كان مجرد فرصة اضطرارية لوقف الحرب، فهو وسيلة للهدنة، ولم يكن وسيلة للسلام".
والخطوة الأولى لتحقيق هذا الهدف تكون بانتخاب رئيس توافقي منزوع القوى والسلطات مثلما كان حال الجيش اللبناني في الأزمة الأخيرة مهمته فقط الانتشار في الطرقات ويتحاشى الصدام مع حزب الله لأنه أقوى منه.
ثم تكون الخطوة الثانية أن يتولى الحكومة رئيس وزراء سني إما ضعيف الشخصية، أو أنه مؤيد لحزب الله، وإذا كان مجلس النواب في يد رئيس شيعي، فماذا يبقى من لبنان إذن سوى بعض المناصب الشكلية توزع على السنة والموارنة، وإذا لم يرضوا بهذا الحال يكون الجزاء احتلال بيروت مثلما فعل حزب الله في الأيام الماضية.
ليست فتنة مذهبية؟:
حاول "حسن نصر الله" ومن معه من قيادات الشيعة النفي بأن تكون حربه الأخيرة موجهة ضد السنة، وذلك على الرغم من أن "حزب الله" لم يهاجم سوى مكاتب تيار المستقبل "السني"، ولم يحتل سوى "بيروت الغربية" السنية.
بل الوقائع على الأرض تعيد للأذهان ما يفعله جيش المهدي في العراق، فيقول شهود العيان إن أعضاء شيعة في لجان الأمن الأهلية قامت بإيقاف السيارات وطلبت ممن فيها إبراز هوياتهم الشخصية ليتثبتوا من الطائفة التي ينتمي إليها السائق.
ويقول "محمد زين الدين" إنه كان عائدًا من ضاحية مسيحية عندما تم إيقافه في منطقة مختلطة على يد موالين لحركة أمل في ملابس مدنية ومسدسات مثبتة في ستراتهم، وطلب الرجال بطاقة هويته، وقال: لقد وجدوا أنني شيعي، وقالوا لي إن باستطاعتي متابعة السير".
وهكذا يحذو حزب الله حذو تلميذه النجيب "جيش المهدي" في العراق.
كيف نستمع لنصر الله؟:
تبقى نقطة أخيرة، تخص الطيبين من أهل السنة في أنحاء العالم العربي، والذين خدعهم "نصر الله" بلسانه، وخدعهم "حزب الله" بحروبه، كيف نستمع له وهو يتكلم ويفصل ويعيد ويزيد؟.
لا نستطيع أن ننكر أن حسن نصر الله قد أوتي قدرة خطابية تسلب أحيانًا من يستمع وإن لم يكن منتبهًا لصدق ما يقوله من كلام، فكيف نسمع ونفهم كلام حسن نصر الله؟.
يقول البعض إن حسن نصر الله يلجأ إلى التقية في خطابه، وقد يكون ذلك حقًا، ولكن الأمر ليس كذلك فحسب، الأمر أعمق من ذلك، الأمر يكمن في عبارة قالها نصر الله في خطابه الأخير حيث قال: "لن نقتل بعد اليوم في الطرقات"، هذه العبارة تجعلنا نتساءل متى قتل شيعة لبنان في الطرقات، التاريخ المعاصر لا يذكر أنهم في يوم كانوا ضحايا في الداخل اللبناني، بل على العكس من ذلك في الحرب الأهلية السابقة كانوا هم الجناة وكانوا هم من اقترفوا مذابح صابرا وشاتيلا؟.
متى قتل الشيعة في الطرقات إذن؟، إن هذه العبارة تكشف الرؤية الإدراكية والذاكرة الجماعية التي ينشأ عليها الشيعي، فالشيعي منذ صغره وهو يرى نفسه مظلومًا محرومًا، منذ صغره وهو يربى على أن إمامه الأول أمير المؤمنين عليًا رضي الله عنه سرقت منه الخلافة، وإمامه الثالث الحسين بن علي قتل مظلومًا، وهكذا تستمر قصة المظلومية والمحرومية.
فلذلك ترى الطائفة الشيعية نفسها في أي مكان، مهما أوتيت من قوة ونفوذ، هي الطائفة المظلومة والمحرومة، وفي الأحداث الأخيرة كررت هذه المعاني كثيرًا، قالها "عبد الأمير قبلان" رئيس المجلس الشيعي الأعلى الذي اعتبر أن إقالة مدير أمن المطار هو استمرار للظلم الذي تتعرض له الطائفة الشيعية، وكرر حسن نصر الله هذا المعنى كثيرًا في خطابه.
بهذه الرؤية الإدراكية يرى الشيعة من حولهم، وبهذه الرؤية الإدراكية تنشأ الطائفية، فيصبح الشيعة مهما حصدوا من مناصب يشعرون أنهم مظلومون محرومون، ولا ينتهي ظلمهم، في زعمهم، سوى بالاستيلاء على السلطة، مثلما جرى في العراق.
فإذا أردت أن تسمع لحسن نصر الله وإذا أردت أن تفهم تصرفات حزب الله، فضع في حسابك تلك الرؤية الإدراكية التي يعيش بها الشيعة، رؤية الطائفة المظلومة، وتلك الرؤية لا تختلف كثيرًا عن الرؤية التي يعيش وينشأ عليها الأقباط في مصر، ويستطيع من يقارن أن يجد تشابهًا في الكلمات والعبارات بين الفريقين، وهكذا كل فرقة تظن نفسها مظلومة وإن كانت في الحقيقة هي الظالمة.
بهذه الرؤية الإدراكية وبتلك الأساطير أنشأت الصهيونية "إسرائيل" حيث أشاعت الأكاذيب عن ضحايا الهولوكست وضحايا التشريد والاضطهاد، وعلى نهج هذه الأساطير يسير "حزب الله" والمشروع الشيعي الصفوي، فهل ينتبه المسلمون.