مخازي الحوثية في إهانة كتاب الله تعالى

بواسطة مراد بن أحمد القدسي قراءة 1937
مخازي الحوثية في إهانة كتاب الله تعالى
مخازي الحوثية في إهانة كتاب الله تعالى

مراد بن أحمد القدسي

23-5-2012

لقد شاهدت بعيني عبر تسجيل مصور حي ما أَقدَم عليه بعض الحوثية على قتل بعض شباب الإسلام من طلبة العلم، ومن الجند، نسأل الله أن يتقبلهم في الشهداء، وأن يرفع درجاتهم في عليين.

وإن المسلم لينتابُه الحزن والأسى على ما وصل إليه هؤلاء الحوثية الذين يدّعون رفع راية الإسلام، ويقولون في شعارهم: "النصر للإسلام " وهم يستبيحون الدماء المعصومة من المسلمين، وهم يسيرون في طريقهم آمنين، وبعضهم خرج للدعوة إلى الله تعالى، يقتلون من ينصر الإسلام..

ومما يزيد القلب أسىً وحزناً، وتدمع له العين ويتفطر له القلب ما أقدم عليه حوثي من هؤلاء القتلة، فأهان كتاب الله تعالى وداسه بقدمه وظل يدوس عليه بغضب شديد "ألا شُلّت قدمه" كما يظهر في الصورة في تسجيل حي نشره الحوثية أنفسهم، فبعد أن رأى المصحف قد سقط من جيب شاب من طلبة العلم، بدل أن يرفع المصحف تكريماً له وتوقيراً لكلام الله، وتعظيماً لمنزله، لم يفعل ذلك، بل أقدم برجله وأهان كتاب الله وداسه؟!!

لنقف يا أبناء الإسلام ويا أحفاد الفاتحين..

لنقف يا أبناء اليمن مع هذا الحدث الجلل لنستكشف منه بعض الدلالات:

1- أن من أقدم على الفعل عن عمد وقصد، وهو يرى بأم عينيه كتاب الله تعالى، ويدوس عليه بقدمه، ثم يضغط عليه أكثر يدل هذا على أنه لم يتربَّ يوماً على تعظيم الحرمات والمقدسات، فهو يشارك في سفك الدم، ثم يتمادى في غيّه ويدوس على المصحف الشريف، وحكم هذا الفعل في الشريعة أنه كفر.

إن الواجب هو تعظيم الله تعالى وتعظيم كتابه وحفظه وصيانته، وخلاف هذا من الإهانة والاستهزاء يعدّ كفراً ومخرجاً من الملة، قال تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة: 65-66].

قال النوويّ رحمه الله: "أجمع المسلِمون على وجوبِ تعظيمِ القرآنِ العزيزِ على الإطلاقِ، وتنزِيهِه وصِيانتِه".

قال القاضي عياض رحمه الله: "اعلم أن من استخف بالقرآن أو بالمصحف أو بشيء منه، أو سبّهما أو جحد حرفاً، أو كذب بشيء مما صرح به فيه من حكم أو خبر، أو أثبت ما نفاه، أو نفى ما أثبته، وهو عالم بذلك، أو شك بشيء من ذلك، فهو كافر بإجماع المسلمين".

يقول ابن قدامة المقدسي رحمه الله: "من سبَّ الله تعالى كَفَر، سواء مازحاً أو جاداً، وكذلك من استهزأ بالله تعالى أو بآياته أو برسله أو كتبه".

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "إن الاستهزاء بالله وآياته ورسوله كفر، يكفر به صاحبُهُ بعد إيمانِهِ".

2- أن من يقدم على سفك الدماء المعصومة التي حرمها الله تعالى وعظّم شأنها سيهون عليه بعد ذلك كل منكر، وتهون عليه كل الحرمات، ولن يبقى في قلبه أي تعظيم لها، وما رأيناه شاهد على هذا الأمر، فانظر إلى مدى الاستخفاف الذي وصل إليه هؤلاء بالحرمات والمقدسات، فيدوسون كتاب الله تعالى بأقدامهم!!

فعن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً».

قال ابن عمر: "إنّ مِن ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها: سفك الدم الحرام بغير حله" [البخاري: 6862].

أي: المؤمن لا يزال موفقاً للخيرات مسارعاً لها ما لم يصب دماً حراماً، فإذا أصاب ذلك أعيا وانقطع عنه ذلك؛ لشؤم ما ارتكب من الإثم.

قال ابن العربي: "الفسحة في الدين: سعة الأعمال الصالحة، حتى إذا جاء القتل ضاقت؛ لأنها لا تفي بوزره، ومعنى آخر: أن يضيق عليه دينه، ففيه إشعار بالوعيد على قتل المؤمن متعمداً بما يتوعد به الكافر" [انظر فتح الباري: 12/ 188].

فعندما انحرف الحوثية في فكرهم واستباحوا الدماء المعصومة، ضاق عليهم دينهم، فلم يوفقهم الله تعالى إلى العمل الصالح، فهاهم يقعون في مصيبة عظمى ومنكر شنيع، وهو إهانة كتاب الله تعالى، فهل من توبة ورجوع إلى الله، وإيقاف لهذه الانتهاكات والجرائم؟!

3- قيل: "مَن أمِنَ العقوبة أساء الأدب" فمتى في بلادنا اليمن قد أقيم حدّ الردة على من أقدم على هذا الفعل الشنيع؟ فهذا الخبيث ما أقدم على فعله إلا لعلمه أنه لن يؤخذ بجريرته، ولن يحاسب على جرمه، ولو علم ذلك لما أقدم على فعل ما فَعل، بل مما يزيد الطين بلة أن قومه متواطئون معه، ولم ينكروا عليه ما فعل، وإنما تركوه يفعل ما فعل، ولو أظهروا صورته وصورة من معه لكان لأهل اليمن شأن آخر معهم، وعلى هذا ندعو حكومة البلاد القائمة مطالبة الحوثية بتسيلم هذا المعتدي على كتاب الله تعالى وفي أسرع وقت؛ لينال جزاءه العادل على وفق شريعة الرحمن، فندعوها للمسارعة في ذلك ولا تتأخر لحظة، فالأمر لا يحتمل التأخير، فهذا من الواجب عليها.

والحوثية إن كانوا يدّعون حقاً أنهم يقولون: "النصر للإسلام " نقول لهم: "هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين" في هذه الواقعة، وإلا ثبت كذبكم وضلالكم.

4- ومن الدلالات سؤال من الذي نشر هذا المقطع؟ إنهم الحوثية أنفسهم وفي هذا دلالة أن الله تعالى جلت عظمته وتقدست أسماؤه شاء أن يظهر عوارهم، وأن يبين حقيقة دعوتهم وما هم عليه من الغي والانحراف، وأنهم لا يحملون رسالة الإسلام، فضحهم الله تعالى حتى يستبين للناس حقيقة ما هم عليه، وحتى يتخلى عنهم المخدوعون بهم وبدعوتهم، فإن المسلم الحق صاحب غيرة لا يقبل أن يدنس كتاب الله تعالى، ولن يكون مع قوم يفعلون هذا الجرم الشنيع.

فأنا أدعو كل مسلم انخدع بهؤلاء القوم.. أقول له: هل لك مقام بينهم بعد هذا الجُرم؟! هل بقي في نفسك شك أنهم على ضلالة؟! هل بقى في نفسك شك أن دعوتهم باطلة؟! وأنك إذا كنت معهم كنت على خطر عظيم؟!

قال تعالى: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً} [النساء: 140].

قوله تعالى: {فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ} [النساء:140] –أي: غير الكفر- {إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ} [النساء:140]، فدلّ بهذا على وجوب اجتناب أصحاب المعاصي، إذا ظهر منهم منكر؛ لأن من لم يجتنبهم فقد رضي فعلهم والرضا بالكفر كفر.

قال الله عز وجل: {إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ} [النساء:140]، فكل من جلس في مجلس معصية ولم ينكر عليهم يكون معهم في الوزر سواء، وينبغي أن ينكر عليهم إذا تكلموا بالمعصية وعملوا بها، فإن لم يقدر على النكير عليهم فينبغي أن يقوم عنهم؛ حتى لا يكون من أهل هذه الآية.

وقد رُوي عن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه أنه أخذ قوماً يشربون الخمر، فقيل له عن أحد الحاضرين: إنه صائم، فحمل عليه الأدب، وقرأ هذه الآية: {إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ} [النساء:140].

أي: أن الرضا بالمعصية معصية؛ ولهذا يؤاخذ الفاعل والراضي بعقوبة المعاصي، حتى يهلكوا بأجمعهم، وهذه المماثلة ليست في جميع الصفات، ولكنه إلزام شبه بحكم الظاهر من المقارنة" [تفسير القرطبي: 5/ 3].

وقال تعالى: {لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَآئِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ} [التوبة: 66].

فقد عفا الله تعالى عن رجل حضر مجلس المنافقين الذين نزلت في حقهم الآية، ولما سمع ذلك الرجل مقالتهم خرج من مجلسهم وفارقهم؛ ولهذا عفا الله عنه، فمن أراد من أبناء المسلمين أن يعفو الله عنه فعليه أن لا يناصر القوم، ولا يكون معهم، وليهجرهم حالاً، ولا يتردد في ذلك؛ انتصاراً لكتاب الله تعالى، وتعظيماً للحرمات، وإلا حلّ عليه سخط الله ومقته.

5- هل هذه الواقعة هي الأولى من نوعها؟ فالحوثيون يهينون المصاحف، فقد أقدموا على حرق المصاحف وأهانتها في منطقة عاهم، في حجة، في دار القرآن الكريم هناك، على ماذا يدل هذا؟!

يدل على أن هذه تربية تربى عليها القوم، وأن في قلوبهم تشفياً وحقداً دفيناً على كتاب الله تعالى، وليس أمراً عفوياً، وإنما يدل على استخفاف، وأنه لا تعظيم ولا توقير ولا تبجيل لكتاب الله في نفوسهم، فهم لم يحاسبوا أحداً ارتكب ذلك الجرم في منطقة عاهم، فهل يا ترى يرجعون إلى رشدهم ويحاسبون هذا المجرم، ويتوبون من هذه الأفعال؟

6- بعد أن ضج الغيورون من أهل صعدة بعد سماعهم للحدث لما أقدم عليه ذلك المعتدي، واستنكروا هذا الأمر، قام الحوثيون ليستدركوا هذا الخلل بتوزيع المصاحف على الناس وعلى المساجد حتى يستروا هذا العيب، فهم لم يراعوا حرمة القرآن، ولم يعظموا الله تعالى المتكلِّم به ومنزّله، فلم يقوموا بالقبض على المجرم المعتدي ومحاسبته على فعله؛ لأنه من أصحابهم ومن شيعتهم، فاتجهوا إلى توزيع المصاحف على الناس.

فأقول لهم: والله ثم والله لن يقبل الله منكم توزيع المصاحف ولن تؤجروا على ذلك، حتى تحاسبوا الجاني وتقيموا عليه حكم الله تعالى إن كنتم تعرفون حكم الله، أو تسلموه إلى القضاء الشرعي لينال جزاءه العادل، ولا يصح معالجة هذا المنكر بتوزيع العشرات ولا المئات من المصاحف، لن يُمحى هذا العار من جبينكم حتى يقبض على الجاني ويحاسب بحسب شريعة الله تعالى.

7- أبشروا يا أهل اليمن! لقد انكشف الغطاء وظهرت حقيقة الحوثية الذين يزعمون التشيع لآل بيت النبوة الكرام، هاهم أفراد منهم يهينون المصحف في أكثر من مكان، وآخرهم فضحهم بتسجيل مصور جاء من طرفهم.

أبشروا يا أهل اليمن بزوال هذه الفرقة المارقة المحاربة لله ورسوله والصالحين من عباده!!

أبشروا يا أهل اليمن! فقد قربت نهاية هذه النبتة الخبيثة في مجتمعنا؛ لأن تعالى يغار لكتابه وكلامه، وسينتقم من هؤلاء شر انتقام، ولن يمكنهم في الأرض، فدعوة قائمة على الاستخفاف بكتاب الله تعالى والطعن في رسوله صلى الله عليه وسلم والطعن في آل بيته وصحبه الكرام دعوة لن تمكن؛ لأن الله تعالى وعد ووعده الحق، أن لا تمكين إلا لعباده الصاحين، والذين يسيرون على وفق شريعته.

قال تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ولَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 55].

8- ومن الدلالات أيضاً يا أهل اليمن: أن ما حصل من جرم شنيع وإهانة لكتاب الله تعالى إنما هو ابتلاء من الله تعالى لنا، هل سنقوم بواجبنا تعظيماً لكتاب الله تعالى؟! فننتصر له، ونقوم بالمطالبة بمحاسبة الجاني، وإلزام طائفة الحوثية بالكف عن هذه التصرفات الرعناء، ونرفع أصواتنا بالمطالبة عبر الجهات المعنية لإيقاف هذا المنكر.

إخواني!! يا أمة ألإسلام!! إن لم نفعل ذلك وسكتنا وتجاهلنا الأمر فإننا نكون بهذا سقطنا في هوّة سحيقة في البلاء وسقطنا في الاختبار.

نحن نسير على أرض الله، فهذه أرضه، ونستظل بسمائه، هذه سماؤه، ونأكل ونشرب من خيراته، هو الذي خلقنا ورزقنا وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة، ويحفظنا ويكلؤنا بحفظه ورعايته.

ألا نغضب إذا انتهكت حرمات كتابه؟! فيُهان ويداس بالأقدام، ونحن لا نحرك ساكناً، إن مصابنا في ديننا عظيم إن تأخرنا في أداء واجبنا، كل عالم يجب عليه البيان، كل صحفي وجب عليه الكتابة بالقلم، كل مسئول وجب عليه ما تحتمه عليه مسئوليته.

كل تاجر واجب عليه تقديم ما يلزم لنصرة كتاب الله تعالى، وإن لم نفعل هذا الواجب المتحتم علينا فلا خير فينا.

نسأل الله أن يعز الإسلام، وأن ينصر أوليائه، وأن يحفظ علينا ديننا..

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.



مقالات ذات صلة