التشيع فرقة وليس مذهبا فقهياً

بواسطة أسامة شحادة قراءة 4628
التشيع فرقة وليس مذهبا فقهياً
التشيع فرقة وليس مذهبا فقهياً

التشيع فرقة وليس مذهبا فقهياً

 

أسامة شحادة

 

من المغالطات الشائعة – للأسف – القول بأن التشيع مذهب فقهي كسائر المذاهب الأربعة! وهذا خطأ فادح، خاصة حين يصدر عن بعض العلماء والفقهاء، الذين يحلمون أن تجتمع كلمة الأمة الإسلامية، فيظنون أنهم حين يجعلون الشيعة مذهبا فقهيا كسائر المذاهب الأربعة يعملون على تحقيق الوحدة المنشودة، لكنهم في الحقيقة يبعدون الأمة عن مجدها وعزتها بهذا الصنيع، فالأمة ليست بحاجة لهؤلاء الشيعة بقدر حاجتها لأبنائها الضّالين وراء شهواتهم أو المتقاعسين عن خدمتها، ففيهم الغنية عن الشيعة وأمثالهم.

 

مفهوم مصطلح "المذهب" :

يعرّف الدكتور عبد العزيز الخياط معنى المذهب في الاصطلاح بقوله: " طريقة المجتهد في استنباط الأحكام من الكتاب والسنة والإجماع والقياس ومجموع الاجتهادات والآراء الفقهية التي توصل إليها في أمور الناس وفق القواعد الأصولية والفقهية "([1]).

فالمذهب إذاً هو نظر واجتهاد في الأحكام الفقهية (الفروع) ولا يتعلق بمسائل العقائد والإيمان، ولذلك لا تعدّ الخوارج والمرجئة والقدرية والمعتزلة من المذاهب الفقهية، وكذلك هو حال الشيعة، فهي فرقة وليست مذهبا، لأنها تخالف وتنازع في الأصول والعقائد وليس في الفروع والأحكام الفقهية.

صحيح أن كثيراً من أهل العلم أطلق لفظ المذهب على المعتزلة والشيعة، ولكن بمعنى النحلة والفرقة، أما بمعنى المذهب الفقهي فهذا معنى لم يقصده أحد ٌ منهم.

والذي دفعني لكتابة هذا البحث هو ما أراه اليوم من تساهل البعض في جعل التشيع مذهبا فقهياً كسائر المذاهب الأربعة، بل ومحاولة تدريسه في الجامعات والكليات الشرعية لأهل السنة بدعوى أنه مذهب فقهي .

 

أصل هذه الظاهرة:

لم تكن الأمة الإسلامية في يوم من الأيام تعتبر التشيع مذهباً فقهياً، بل إن أول من حاول جعله مذهبا فقهياً هو الحاكم الإيراني نادر شاه([2]) الذي أراد الجمع بين أهل السنة ومذاهبهم، والتشيع لوقف الحروب بين حكام إيران الصفويين، والدولة العثمانية. وكانت له رغبة حقيقية بذلك ورتب مؤتمرا في مدينة النجف العراقية (سنة 1156 هـ - 1743 م)[3] جمع فيه علماء الشيعة والسنة، وأقام مناظرة بينهم انتهت بخضوع الشيعة لمنهج أهل السنة، وأمر أن يصلي الجميع سوية في ذلك الجمع، وكانت النتيجة أن ثار علماء الشيعة عليه وأفشلوا محاولته، فبرز من يومها اسم المذهب الجعفري نسبة إلى جعفر الصادق؛ لذا يطلق البعض على الشيعة أحياناً اسم (الجعفرية) .

كانت هذه حادثة تاريخية نادرة لم تتكرر، ثم تجددت هذه الدعوى من بعض الإيرانيين الذين قدموا إلى القاهرة وأسسوا جمعية التقريب ([4] ) ، بعد ذلك جاءت فتوى الشيخ شلتوت، شيخ الأزهر، والتي أصبحت مستندا للكثيرين في اعتبار الشيعة مذهبا فقهيا.

 

حقيقة خلاف الشيعة مع المذاهب الفقهية الأربعة:  

تخالف الشيعةُ المذاهبَ الفقهية الأربعة في قضايا العقائد والأصول وليس في المسائل الفقهية، وسنذكر مثالين فقط من قضايا خلاف الشيعة للمذاهب الأربعة في قضايا العقائد والأركان ومنهج فهم الدين :

1 - في أركان الإيمان: تجمع المذاهب الأربعة على أركان الإيمان الستة المعروفة ، في حين أن الشيعة جعلوا الإمامة (ويقصدون بها أن إمامة المسلمين بعد النبي صلى الله عليه وسلم محصورة في اثني عشر رجلاً هم علي بن أبى طالب وبعض بنيه بنص القرآن) لب الإيمان، ولهذا قال ابن المطهر الحلي: "إن مسألة الإمامة (إمامة الاثني عشر) هي أحد أركان الإيمان المستحق بسببه الخلود في الجنان والتخلص من غضب الرحمن"([5]).

وبذلك تكون المذاهب الأربعة بأصحابها وأتباعها ـ حسب المفهوم الشيعي ـ خالدة في النار، حائزة غضب الرحمن!!

وهذه العقيدة هي ما يؤمن به شيعة اليوم مع تخفيف العبارة فقط، فهذا المجلس الشيعي الأعلى في لبنان – على اعتداله ـ ينشر على موقعه الإلكتروني عقيدة الشيعة في الإمامة، فيقول :" نعتقد: أنّ الإمامة أصل من أُصول الدين لا يتم الإيمان إلاّ بالاعتقاد بها"([6]).

ومعلوم أن جميع أتباع المذاهب الأربعة اليوم لا يؤمنون بمفهوم الإمامة الشيعي، وبذلك لا يتم لهم إيمان! وهذا تكفير واضح من المجلس الشيعي الأعلى لسائر المذاهب الأربعة، فكيف يعد التشيع مذهباً خامساً معهم وهو يكفّرهم ؟؟

2- الشيعة تخالف إجماع المذاهب الأربعة في مفهوم السنة النبوية، فإن التعريف الشيعي الإمامي للسنة هو "قول المعصوم أو فعله أو تقريره"، متعدين بذلك تعريف المذاهب السنية المختلفة للسنة بأنها: "قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أو فعله أو تقريره "([7]).

والفرق ضخم جدا ًبين أن تكون السنة محصورة بالنبي صلى الله عليه وسلم فقط وبين أن يتوسع مفهوم السنة ليشمل غيره من أئمة الشيعة.

ومعلوم أن السنة النبوية لم يتعهد الله بحفظها كالقرآن الكريم، ولذلك نشأ علم الحديث بفروعه المختلفة لتنقية السنة النبوية من الموضوعات والأكاذيب، ومعلوم أن الشيعة ليس لهم عناية بعلم الحديث النبوي فضلاً عن سنة أئمتهم!! ولذلك كانت الروايات عن أئمتهم مصدراً لكل العقائد الباطلة التي روّجوها، وعلى رأسها عقيدة الإمامة التي لم ترد في القرآن فاخترعوا لها عشرات الروايات المكذوبة على أئمتهم.

 

موقف الشيعة من الأئمة الأربعة ومذاهبهم:

إن موقف الشيعة من الأئمة الأربعة ومذاهبهم، موقف في غاية الكره والبغض، بل هو موقف التكفير والطرد من الإسلام، فكيف يقال أن الشيعة مذهب كسائر المذاهب الأربعة ؟؟ ولقد فصّل في ذلك الشيخ خالد الزهراني في بحثه "موقف الشيعة من الأئمة الأربعة"([8] )، فقد جمع فيه روايات الشيعة التي تطعن بالأئمة الأربعة، وإقرار علمائهم لما حوته هذه الروايات من طعن فظيع بهم، وما قاله شعراؤهم في ذم الأئمة الأربعة.

وقد دارت مطاعن الشيعة على النحو التالي:

1- رمي الأئمة الأربعة بالجهل، والادّعاء بأنهم اعتمدوا في الفقه والحديث على أئمة الإثني عشرية.

2 -اتهام الأئمة الأربعة بإحداث مذاهب مخالفة للكتاب والسنة.

3 -  الادّعاء بأن المذاهب الأربعة تجري وفق هوى السلطات .

وقد نقل الزهراني قول شاعرهم:

إذا شئت أن ترضى لنفسك مذهباً          ينجيك يوم البعـث من ألم النـار

فدع عنك قول الشافعـي ومالكٍ           وأحمد والنعمـان أو كعب أحبـار

ووالِ أناسـاً قَولُـهُم وحَدِيثُـهُم          روى جَدُّنا عن جبرائيل عن الباري

وليس هذا هو موقف السابقين من الشيعة فحسب، بل إن بعض حمقي المتشيعين من المعاصرين – كالتيجاني التونسي – يكرر هذه النظرة المبغضة للأئمة الأربعة ولمذاهبهم، فيقول في كتابه (ثم اهتديت): «ربما أن المذاهب الأربعة فيها اختلاف كثير، فليست من عند الله ولا من عند رسوله».

ويقول في كتابه (الشيعة هم أهل السنة): "وبهذا نفهم كيف انتشرت المذاهب التي ابتدعتها السلطات وسمّتها بمذاهب أهل السنة والجماعة... ثم يقول: والذي يهمنا في هذا البحث أن نبيّن بالأدلة الواضحة بأن المذاهب الأربعة لأهل السنة والجماعة هي مذاهب ابتدعتها السياسة).

فكيف بعد هذا كله يزعم عاقل أن الشيعة مذهب فقهي كسائر المذاهب الأخرى.

 

هل هناك مذهب فقهي عند الشيعة؟

حاول الشيخ محمد أبو زهرة في كتابه (جعفر الصادق) اختراع مذهب لجعفر الصادق ولم يوفق وذلك لكون هذا المذهب غير موجود أصلا ً !!

فليس للشيعة مذهب فقهي كسائر المذاهب الفقهية المعروفة وذلك لأسباب:

1-   كثرة الكذب في رواتهم.

2-  مبدأ مخالفة أهل السنة، استناداً إلى رواية مكذوبة على جعفر الصادق:(ما خالف العامة ففيه الرشاد)([9]، مما ولّد لديهم تناقضات كبيرة كون بعض المسائل فيها أقوال متعددة لأهل السنة بين الحل والحرمة، فأين سيذهب الشيعة إذاً بمخالفتهم ؟؟ )

3- التقية، وهي تشمل الإفتاء بغير الصواب!! مما يضلل الناس!! 

وقد أصدر الشيخ الدكتور طه الدليمي كتاباً بعنوان "أسطورة المذهب الجعفري"([10](الجعفرية) في واقع أمرهم: )، توصل فيه إلى [ أن

* لا يتبعون فقهاً معروفاً للإمام جعفر الصادق!

* أو فقيهاً واحداً ينقل إليهم فقه جعفر!!

* أو فقهاً متفقاً على مسائله!!!

* أو – على الأقل - فقهاء عديدين متفقون في عموم مسائل الفقه!

وبدلاً من أن يتبع الشيعة فقهاً معلوماً محدداً معروف النسبة إلى الإمام جعفر، تراهم - عند التطبيق - يخالفون نظريتهم في الإمامة ويتبعون مذاهب فقهائهم، علماً بأن كل فقيه من هؤلاء الفقهاء مذهب قائم بحاله: ومن قلّد واحداً منهم لا يحل له – عندهم - أن يقلد الآخر! وبينهم من الاختلافات ما ضج منها علماؤهم قبل عوامهم! فهذا أبو جعفر الطوسي، شيخ الطائفة، يقول: "وقد ذكرت ما ورد عنهم عليهم السلام في الأحاديث المختلفة التي تخص الفقه في كتابي المعروف بالاستبصار وفي كتاب تهذيب الأحكام ما يزيد على خمسة آلاف حديث. وذكرت في أكثرها اختلاف الطائفة في العمل بها. وذلك أشهر من أن يخفى، حتى إنك لو تأملت اختلافاتهم في هذه الأحكام وجدته يزيد على اختلاف أبي حنيفة والشافعي ومالك"([11]) ].

 

 خاتمة :

وبذلك يتضح لنا أن الشيعة لا تملك مذهبا فقهيا أصلاً تجتمع عليه، فكيف وهي أصلاً تخالف المذاهب الفقيهة الأربعة في الأصول والعقائد وأركان الدين، بل تطعن بها وتكفرها.

بل كتب محب الدين الخطيب كتابه الصغير الرائع (الأصول التي قام عليها دين الشيعة ..) أي انه جعلهم دينا مستقلا، ولعل هذا هو الحق: فهُم دين مستقل يشترك معنا بأشياء، لكنه يختلف معنا في الأصول والعقائد، والاشتراك ببعض الأشياء لا يعنى جعله مذهبا، فالإسلام يشترك مع الديانات السماوية بأشياء كثيرة، ولكن لا يصح أن يقال أن الديانات واحدة، وما ذنبنا نحن معاشر أهل السنة إذا كان الشيعة يعتبروننا كفارا، لأننا لا نؤمن بما يؤمنون به من الإمامة، والرجعة، والبداء وغير ذلك من الاعتقادات الخاصة بفرقتهم .

 ونخلص من هذا عدم صحة إطلاق مصطلح "مذهب"، بمعنى المذهب الفقهي على الشيعة، بل الصحيح وصفهم بالفرقة لأنها حقيقة حالهم، حيث فارقوا المسلمين بأصل كلّي وعقدي ولم يكن خلافهم معهم محصورا في الفروع.



[1] -   مفهوم المذهب في الفقه الإسلامي ، د. عبد العزيز الخياط .

.  1- نادر شاه هو قائد عسكري في الدولة الصفوية، أنهى الدولة الصفوية و أسس دولة الأفشار

 - راجع كتاب " مؤتمر النجف " لعلاء الدين المدرس .[3]

[4] - راجع كتاب مسألة التقريب للدكتور ناصر القفاري لمزيد من التفاصيل .

[5] -  منهاج الكرامة في معرفة الإمامة: ص  1 .

[6]  - http://www.shiitecouncil.gov.lb/text/index.php?action=choose&less_id=54

[7] - -  الاختلاف المذهبي بينمنهجية الاستدلال الفقهي وإغراء الفتنة ، السيد هاني فحص.

[8] -  تجده منشور على هذا الرابط http://www.alburhan.com/articles.aspx?id=1932&selected_id=-1933&page_size=5&links=True&gate_id=0

[9] -  أصول الكافي – الكليني 1/68، تهذيب الأحكام – الطوسي 6/301.

[10]  -  تجده منشورا على هذا الرابط http://www.alqadisiyya3.com/book/view-1.html

 - [11] العدة في أصول الفقه 1/138 للطوسي.

 



مقالات ذات صلة