اليهود يساندون شيعةَ الكرخ ضد السنة

بواسطة الراصد نت قراءة 2059
اليهود يساندون شيعةَ الكرخ ضد السنة
اليهود يساندون شيعةَ الكرخ ضد السنة

هيثم الكسواني

ظل حيّ الكرخ في بغداد مسرحا للصدامات بين السنة والشيعة طيلة العهد البويهي تقريبا([1]). فالكرخ هو من أحياء بغداد التي كان فيها وجود شيعي ملحوظ، وبقدوم البويهيين الشيعة إلى بغداد، وتسلّمهم زمام الأمور في سنة 334هـ، أصبح التشيع ينتشر ويقوى، فقد دعم البويهيون الشيعةُ بني جلدتهم في الكرخ وغيره في إقامة طقوسهم، والإساءة إلى أهل السنة وعقيدتهم، وإلى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. 

فما هي إلاّ سنوات قليلة من سيطرة بني بُويه على بغداد والدولة العباسية حتى صار لعنُ الصحابة يُكتب على أبواب المساجد، يقول ابن كثير في أحداث سنة 351هـ: "في هذه السنة كتبت العامة من الروافض على أبواب المساجد ببغداد:‏ لعَن الله معاويةَ بن أبي سفيان، ولعن مَن غصب فاطمة فدك (يعنون أبا بكر، رضي الله عنه) ومن أخرج العباس من الشورى (يعنون عمر، رضي الله عنه) ومن نفى أبا ذر (يعنون عثمان، رضي الله عنه) ومن منع دفن الحسن عند جده ( يعنون مروان بن الحكم)‏.

ولما بلغ ذلك معز الدولة لم ينكره ولم يغيره، ثم بلغه أن أهل السنة محوا ذلك، فأمر بأن يُكتب‏:‏ لعن الله الظالمين لآل محمدٍ من الأولين والآخرين، والتصريح باسم معاوية في اللعن، فكُتب ذلك. قبح الله معز الدولة وشيعته من الروافض"([2]).

وفي العام التالي، أصبحت طقوس عاشوراء من اللطم والنياحة والإساءة إلى الصحابة، وكذلك الاحتفال بأعياد الشيعة تُفعل علانية في الأسواق، يقول ابن كثير في أحداث سنة 352هـ: "في عاشر المحرم من هذه السنة أمر معز الدولة بن بويه، قبحه الله، أن تغلق الأسواق وأن يلبس الناس المسوح من الشعر، وأن تخرج النساء حاسرات عن وجوههن، ناشرات شعورهن في الأسواق يلطمن وجوههن، ينحن على الحسين بن علي، ففُعل ذلك، ولم يمكن أهل السنة منع ذلك لكثرة الشيعة، وكون السلطان معهم‏.‏

وفي ثامن عشر ذي الحجة منها أمر معز الدولة بن بويه بإظهار الزينة ببغداد، وأن تُفتح الأسواق بالليل كما في الأعياد، وأن تضرب الدبادب والبوقات، وأن تشعل النيران بأبواب الأمراء وعند الشرط، فرحاً بعيد الغدير - غدير خم- فكان وقتاً عجيباً ويوماً مشهوداً، وبدعة ظاهرة منكرة‏"([3]).

وقف السنة بحزم إزاء تلك المنكرات الإساءات، وكثيرا ما كانت الأمور تصل إلى الصدام، وتقع فتن بين السنة والشيعة، ويسقط الكثير من القتلى من الطرفين كما سطرت ذلك كتب التاريخ، لكن اللافت للانتباه في هذه الأحداث هو بروز اليهود إلى واجهة الأحداث، ودخولهم كطرف في الخلاف إلى جانب الشيعة ضد أهل السنة، وهو ما جعل السنة في بعض السنوات يوجّهون غضبهم إلى اليهود وممتلكاتهم بسبب مساندتهم للشيعة. 

يقول ابن كثير في أحداث سنة 422هـ: "وفيها‏ وقعت فتنة عظيمة بين السنة والروافض، وقويت عليهم السنة، وقتلوا خلقاً منهم، ونهبوا الكرخ ودار الشريف المرتضى، ونَهبت العامةُ دورَ اليهود لأنهم نُسبوا إلى معاونة أهل الكرخ من الروافض، وتعدى النهب إلى دور كثيرة، وانتشرت الفتنة جداً، ثم سكنت بعد ذلك‏"([4]).‏

يمكن للوهلة الأولى الشعور بالاستغراب من الانسجام اليهودي الشيعي، ووقوف اليهود في صفّ طائفة مسلمة أو تنتسب للإسلام ضد أهل السنة في خلاف لا يعني اليهود شيئا، لكن الاستغراب قد يزول عندما نعلم أن مؤسس التشيع يهودي من يهود صنعاء، هو عبدالله بن سبأ، الذي وضع العقائد الأولى للتشيع كالنص والوصيّة، وقال بألوهية علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، ورجعته([5]).

 وعندما نعلم أيضا بأن العقيدة الشيعية ترى المسلمَ السنّي (الملقّب عند الشيعة بالناصبي والمخالف) شرٌ من اليهود والنصارى، يؤيد ذلك ما نسبوه إلى جعفر بن محمد الصادق، الذي يعتبره الشيعة سادس أئمتهم المعصومين، أنه قال: "رضاع اليهودية والنصرانية خير من رضاع الناصبية"، وما نسبوه إليه أيضا من أنه قال: "الناصبي شر من اليهودي. فقيل له: وكيف ذلك يا ابن رسول الله؟ قال: إن الناصبي يمنع لطف الإمامة وهو عام، واليهودي يمنع لطف النبوة وهو خاص".

 يقول نعمة الله الجزائري، في كتابه (الأنوار النعمانية) عن أهل السنة: "إنهم كفار أنجاس بإجماع علماء الشيعة الإمامية، وإنهم شر من اليهود والنصارى، وإن من علامات الناصبي تقديم غير علي في الإمامة".

 وبناء على ذلك رأينا الدول الشيعية على اختلاف مذاهبها، واختلاف أزمانها، تُعلي من شأن اليهود والنصارى، وتستعين بهم ضد أهل السنة، وتدخل معهم في تحالفات، وتحصل على خدماتهم، والأمثلة على ذلك أكثر من أن تحصى:

فقد تبوّأ اليهودي يعقوب بن كلس، وغيره من اليهود والنصارى، منصب الوزارة في الدولة العبيدية الفاطمية، صاحبة المذهب الشيعي الإسماعيلي، وبلغ من إكرام العبيديين لليهود حدّاً جعل أحد الشعراء المصريين في ذلك الوقت يقول:

يهود هذا الزمـان قد بلغـوا                غاية آمـالـهـم وقـد مـلكـــوا

العـز فيهم والمال عندهمـو                 ومنـهم المستشار والمـلـكـــ

يا أهل مصر إني نصحت لكم             تهوّدوا، فقد تهوّد الفلك([6])

أما القرامطة الذين أثاروا الرعب في العالم الإسلامي بجرائمهم في القرنين الثالث والرابع الهجريين، وهم من الشيعة الإسماعيلية أيضاً، فقد ثبت أنهم كانوا يحصلون على مساندة من اليهود، ومن كبير تجار اليهود في بغداد، عزرا بن صمويل، في زمن الخليفة العباسي (المعتضد)([7]).

ولم تكن الدول الشيعية الإثنا عشرية بعيدة عن أخواتها الإسماعيلية، فقد أقامت الدولة الصفوية التي قامت في إيران في بدايات القرن العاشر الهجري (السادس عشر الميلادي) الكثير من التحالفات وعقدت المعاهدات مع الممالك والدول الأوروبية والنصرانية، ومنحتها الكثير من الامتيازات في مواجهة الدولة العثمانية السنية التي كانت تنطلق فتوحاتها في أوروبا، فعملت على إعاقتها ووقفها، لذلك اعتبر المؤرخون والباحثون أن الدولة الصفوية هي أول من أدخل الاستعمار إلى منطقة الخليج العربي([8]).

وفي العصر الحديث، ارتبطت الدولة الشيعية الخمينية التي قامت في إيران سنة 1979م، بفضيحة (إيران غيت) حيث حصلت إيران على أسلحة من إسرائيل في سنة 1985م، لاستعمالها ضد العراق، في حربها التي استمرت ثمانية أعوام (1980 – 1988م).

للاستزادة:

1-    الإمام ابن كثير، البداية والنهاية، طبعة مؤسسة المعارف ودار ابن حزم (بيروت)، 1430هـ، 2009م.

2-    الراصد نت.

المصدر : الراصد نت

 [1] - البويهيون قوم من الشيعة الفرس الذين استطاعوا السيطرة على دولة الخلافة العباسية، ودخول عاصمتها بغداد، في سنة 334هـ، ومنذ ذلك الحين، أصبح الخلفاء العباسيون عاجزين، مجرّدين من الصلاحيات، في حين صار السلطان البويهي هو الحاكم الفعلي للدولة العباسية، واستمر هذا الوضع حتى سقوط الدولة البويهية على أيدي السلاجقة السنة في سنة 447هـ.

[2] - البداية والنهاية ص 2337.

[3] - المصدر السابق ص 2339.

[4] - المصدر السابق ص 2446.

[5] - يمكن قراءة المزيد عن ابن سبأ وعقيدته: الفرق بين الفرق، عبد القاهر البغدادي، ص 21، 225، 233، 255، ومنهاج السنة لشيخ الإسلام ابن تيمية، ومختصره للشيخ عبدالله الغنيمان، ص 14 – 18. وقد أورد شيخ الإسلام فيه الكثير من جوانب الشبه بين الشيعة الرافضة وبين اليهود.

[6] - يمكن قراءة المزيد على الرابط:

http://www.alrased.net/main/articles.aspx?selected_article_no=5131

 [7] - يمكن قراءة المزيد على الرابط:

http://www.alrased.net/main/articles.aspx?selected_article_no=4693

 [8] - يمكن قراءة المزيد على الروابط:

http://www.alrased.net/main/articles.aspx?selected_article_no=5287

http://www.alrased.net/main/articles.aspx?selected_article_no=4787



مقالات ذات صلة