التفوق الشيعي ووهن أهل السنة الآن!

بواسطة أنور الخضري قراءة 774

التفوق الشيعي ووهن أهل السنة الآن!

 أنور الخضري

 

يبدو من الوهلة الأولى من المقارنة بين الواقع الشيعي والسُّني أن جانب الشيعة أكثر تفوقا على الجانب السُّني من نواح عدة.

فالشيعة يمتلكون دولة عصرية تقوم على المذهب وتناصره، وتناصر أتباعه في إيران وخارج إيران، وتبشر به في الأوساط الإسلامية الأخرى وعلى الصعيد العالمي. في حين أن غالبية الدول السُّنية لا تقيم وزنا للمذهب الذي تنتمي إليه بالقدر الذي تقيمه إيران لمذهبها!

كما أن الواقع الديني للشيعة يشهد حضورا إعلاميا واسعا، ونشاطا دؤوبا في الأوساط الشيعية، من خلال عدة مؤسسات وهيئات ومراكز متنوعة الأعمال والمهام والمناشط والتخصصات. في حين يشهد الواقع الديني تقلصا ملموسا من خلال عمليات التضييق الممنهجة التي تتبعها الدول السُّنية في سبيل محاصرة تأثير التدين في واقع حياة الناس بشكل صحيح. وكثيرا ما تأخذ عمليات التضييق هذه طابعا قانونيا ونظاميا!

وفي الوقت الذي أصبح فيه مراجع الشيعة محط نظر التجمعات الشيعية ومصدر إلهام لسياسييهم يقبع علماء السُّنة في زوايا محدودة بعيدا عن التأثير الشعبي والقيادة الجماهيرية نتيجة ضيق ذات اليد(!!) والخناق الأمني الملتف على أعناقهم(!!) والصوارف الشهوانية التي تصرف عليها الأنظمة والنخب العلمانية مواردها المالية والبشرية للصد عنهم(!!) والمبررات التي يصطنعونها لأنفسهم(!)

وتفوق القنوات الفضائية المنتسبة للتشيع والداعية إليه عدد تلك القنوات السُّنية التي تبث من البلدان العربية بشكل مستقل!

وفي حين تتبنى إيران شعارات مناهضة لإسرائيل والولايات المتحدة —وإن في العلن- وتقدم نفسها كدولة مناصرة للمستضعفين والشعوب المقاومة والقضية الفلسطينية تظهر الدول السُّنية متآمرة وخائنة ومتواطئة مع إسرائيل والولايات المتحدة لاستئصال روح الجهاد والمقاومة في الأمة من خلال اتفاقيات أمنية وتعاون مشترك وتنسيق عسكري ولوجستي معلن —غالبا! والقليل منهم من يمارس هذا الدور في الخفاء؛ وأقل منهم العاجز الذي يمثل دور (الشيطان الأخرس)!

وفي الوقت الذي تظهر فيه إيران كدولة ديمقراطية تفسح المجال أمام مواطنيها للتعبير عن آرائهم واختيار ممثليهم —ولو بشكل جزئي وفي حدود شكلية- تبدو الدول العربية —وغالبها سنِّية- دولا ديكتاتورية استبدادية شمولية! ليس هذا فحسب بل إن نظام طهران الذي تشكل عام 1979م عقب ثورة الخميني الشعبية استطاع الوصول إلى مستوى من التقدم المعرفي والصناعي يفوق تلك الدول السُّنية التي توقفت عجلة التقدم فيها على منجازات جامدة: السد العالي في مصر، وتوحيد المملكة في السعودية(!)، وقيام الجمهورية في اليمن(!)، وثورة الفاتح في ليبيا(!!)، وإمساك حزب البعث بالسلطة في سوريا والذي غابت نخوته العربية في نجدة شعب العراق من الاحتلال الأجنبي(!!).. إلخ. أما إيران فقد استطاعت الولوج إلى عصر الأقمار الصناعية وهي تتأهل لتكون من الدول النووية في المنطقة(!)

وفي حين تتعامل إيران مع الدول الأخرى وفق منطق المصلحة والمنافع المتبادلة والندية تتعامل دول المنطقة السُّنية مع الغرب خاصة بمنطق التبعية والخضوع وبيع الأرض والدِّين والعرض!

إن مثل هذه المشاهد —وإن كانت غير ذات عمق وشمول- توجد في غالبية الشيعة روحا من التفوق والاستعلاء وتخلق في عموم عوام السُّنة حالة من الانبهار والتأثر، وهو أمر ملموس في كثير من البلدان العربية والإسلامية السُّنية. وإذا كان هناك فئات شيعية تهتدي إلى السُّنة نتيجة للاهتداء والقناعة الإيمانية فإن فئات مماثلة اليوم تتوجه نحو التشيع تأثرا بهذا التفوق والصورة المشرقة التي ترتسم أثناء مقارنة عاجلة كهذه. فوجود النموذج (الناجح) أبلغ تأثيرا في نفوس كثير ممن لا يقيمون لموازين الحق والصواب اعتبارا يذكر من القيم التي تصبح شعارات (جوفاء) لا حقيقة لها على أرض الواقع!

لذلك اتفق العقلاء على أن الدولة الكافرة تدوم بالعدل وأن الدولة المسلمة تزول بالظلم لأن العدل يحقق رضى الرعية والمحكومين ما يُعين على الاستقرار في حين يعمل الظلم على زرع الضغائن وبعث الأحقاد ومن ثمَّ الفرقة والنزاع والتناحر! بعد هذا كله ألا يحق لنا أن نخاطب المؤثرين بواقع الكيان السُّني بضرورة مراجعة مواقفهم. أليس من حقنا كسُّنة أن نطالب حُكَّمنا بأن يكونوا قدوة لولاة الأمر المسلمين الذين يتمسكون بالدِّين وعنه يصدرون، وأن يحكموا بالعدل ويطبقوا الشريعة ويوالوا أهل الإسلام ويسعوا لعزتهم —عوضا عن إضعافهم وإذلالهم؟! وأن يعملوا كل ما من شأنه تقدم بلدانهم وتقوية مجتمعاتهم عقائديا وأخلاقيا وعلميا ومعرفيا وتجاريا وصناعيا وعسكريا ليتمكنوا على الصعيد الخارجي من فرض إرادتهم وتعزيز مكانة دولهم بدلا من العمل على مصالحهم الشخصية؟!

أليس من واجب الأنظمة الحاكمة أن تراجع هذه الثقافة والهيكلية السياسية التي أوجدت لنا فراعنة ونماردة وإستاليين ونخب هامانية وقارونية لتعيد للأمة دورها الطبيعي في اختيار من تراه أصلح لقيادتها قبل أن تلفظها الشعوب لخيارات قد تكون أكثر مأساوية؟!

ألم يعد من الممكن لهذه الأنظمة أن تكسب ثقة شعوبها لا بشراء الذمم وتخدير العقول ولكن من خلال أعمال ملموسة تؤكد أنها لا تعمل لمصالحها الخاصة ومكاسبها الذاتية؟!

ألم يأن للجماعات الإسلامية الصادقة اليوم عوضا عن هذا التنازع والشقاق والذهاب إلى مشاريع واتجاهات مكلفة من ناحية ومضيعة للجهود والوقت من ناحية أخرى لتراجع دورها ومدى تأثيره الحقيقي في إعادة الأمة إلى دينها بمعناه الشامل والصادق والصائب بعيدا عن الخرافة والبدع والغلو؛ وفي تميزها بأخلاق الإسلام السامية من صدق وعدل وحكمة وحلم وإخاء ورحمة وانضباط وإتقان؛ وفي تشكيل وعيها بشكل سليم حول مجمل قضاياها بعيدا عن الرؤى الوطنية والقطرية والعرقية والمذهبية والحزبية وعلى مستوى التحديات التي تواجهها كأمة؛ وفي تأهيلها للقيام بمسئوليات النهضة والإعمار والبناء الحضاري الذي يغنيها في معيشتها عن الاحتياج إلى من سواها من الأمم؛ وفي إعادة اللحمة إليها على أصول وقواعد الدِّين البينة الواضحة بحيث تتمثل الأخوة جسدا واحدا في الهموم والآمال والآلم والشعور؟!

وأين موقع علماء الشريعة في موقع الصدارة الذي عليه أخذ منهم الميثاق، ليكونوا فيما بعد ورثة الأنبياء الذين هم قادة الأمم يسوسونهم وفق هدى الله وشرعه، وليبذلوا جهودهم في الإصلاح والتصحيح ومواجهة الانحرافات ابتداء من محدثات أهل البدع وجور أهل السلطان وامتدادا إلى فساد المترفين ومنكرات العامة؟! لماذا يزداد دور العلماء تراجعا كلما ازداد واقع الناس قتامة مع حاجتهم إليهم؟! فإن كانوا أول من سيوجد الأعذار ويخلق المبررات فغيرهم ممن يقل علمهم وتضعف عزائمهم وتشوب نواياهم سيكون منسحبا من باب أولى؟!

وهكذا فبإمكاني القول أن (تفوق) الشيعة ليس لما يملكون من الحق ولكنه نتيجة لما نحن فيه من الوهن.. وقديما قيل: تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسرا وإذا افترقن تكسرت أحادا

وقد افترقت رماح قومي و(اجتمعت) عصي الشيعة: فتكسرت تلك واستعصت تلك على الكسر!

المصدر: شبكة القلم الفكرية

 



مقالات ذات صلة