1348-2-7
2016-11-7
موفق الخطاب
الغزو الصفوي الإيراني للأمة العربية بشكل خاص والعالم الإسلامي في العموم ينطلق على مر التاريخ من العراق، البوابة الشرقية لهما، وينشط الصفويون عندما تكون الأمة في أضعف حال من الفرقة والشتات، وميزان الضعف عندها والقوة هو العراق.
وتحرص إيران على بث خلاياها وعملائها بحنكة وخبث إلى أن تصل لصانعي القرار بنعومة الأفاعي للانقضاض على فريستها عندما تتهيأ الظروف وغالباً ما تكون في الخطوط الخلفية.
فالسياسة الإيرانية الصفوية لم تتبدل منذ قرون، لكننا للأسف نحن من لم نتعظ أبداً ولم نتحوط لها.
فهي دائماً تتخذ موقعها متمترسة خلف أقوام ودول استعمارية تتقدم حملات الغزو، ثم تقفز لتتحالف معهم لتهيأ لهم الارضية المناسبة، ثم تأتي بعد ذلك لتأخذ موقعها بعد أن أنهكت الجيوش والشعوب الإسلامية والعربية في مقارعة المحتل لتبسط نفوذها بأقل الخسائر، لتنطلق بجندها ناشرة الدمار والفوضى وشرعنة الفساد وتصفية خصومها وبالدرجة الأولى القيادات ثم العلماء ثم تسعى جاهدة لإيقاف عجلة العلم وبث الخرافات والجهل.
وكان هدفها وما زال مع كل نكبة تحل بالعراق هو جعله تابعاً لها، وإنهاء الوجود السني فيه، أما بالقتل أو التشريد أو البطش بنشر الصفوية المشوهة. ومن المعلوم أن إيران لا تستخدم منطق الدعوة والإقناع لأن العقل السليم لا يرضى بخرافات مركبة ومحشورة حشراً لمعتقد مسيس هو بعيد كل البعد عن عقيدة المسلم المتميز بالتوحيد والتسامح والتعايش والتي أقرها الله في محكم تنزيله ونادى بها رسله.
لكن ما يقع فيه قادة السنة وفي كل نكبة وغزو يتعرض له العراق هو اختلافهم وتأخرهم في الالتفاف حول مرجع وقائد مصلح يأخذ بيدهم، كذلك ونتيجة للضغط الشديد الذي يمارسه الأعداء والتنكيل بهم وملاحقة وتصفية العقلاء وذوي الحل والعقد فيهم يغيب عن من يتبقى منهم الرجوع إلى فقه النوازل، والذي هو بمثابة الرأس من الجسد في مثل تلك المحن.
وكما حدث في النكبة الأخيرة التي حلت بالعراق بعد احتلاله من قبل أمريكا، فبعد أن أعلنت رسمياً أن العراق واقع تحت الاحتلال، كان على قادة السنة أن يجتمعوا ويفكروا ملياً ويستفيدوا من دروس التاريخ ويتيقنوا أنهم سيخضعون لا محالة إلى احتلال إيراني هو أشد بأساً من الاحتلال الأمريكي لأنه يستهدف عقيدتهم ووجودهم.فكان عليهم وهم في حالة من الضعف والهوان أن لا يوصدوا كل الأبواب بوجه المحتل الأمريكي، وأن يقبلوا بأي عرض حتى وإن كان مجحفاً لحين إثبات وجودهم، لكنهم ومن أول يوم أغلقوا أي باب للحوار، مما دفع بالمحتل لمغادرتهم ومعاداتهم والعمل على إضعافهم بضعف أشد مما هم فيه، ثم ركونه لعدوهم الأشرس الذي فهم الدور جيداً فتناغم مع تلك القوى العظمى فرتب بيته ليأخذ هو بزمام الأمور ليس استحقاقاً بل انكفاء من الدور السني، وكان المحتل بأمس الحاجة لمن يوكل إليه مقاليد الحكم، لحقبة جديدة، ففهم قادة الشيعة والكرد، وأعرض عنها السنة لأنهم بلا قيادة حصيفة تمرست في السياسة ودهاليزها. لقد وقع بعض من قادة وعلماء السنة ممن تصدوا للعمل السياسي بعد الاحتلال في خطأ جسيم، عندما أغفلوا من برنامجهم فقه النوازل وأوصدوا باب الحوار والتفاوض مع المحتل ثم اصطفافهم أو تأييدهم لجانب المقاومة رغماً لمشروعيته. فهذا التصرف قد يكون له ما يبرره إن كان العراق واقع تحت احتلال واحد، أما أن تكون إيران وعملاؤها مترصدة، وهي تترقب على الأبواب وعملاؤها قد تسلقوا المناصب، فذلك خطأ عظيم دفع المكون السني وما زال، ثمنه، وقد يفضي يوماً إلى إنهاء وجودهم تماماً.
اليوم العراق يمر بمنعطف جد خطير، فمعركة الموصل والتي اجتمعت على تخومها أغلب القوى العالمية تتقدمهم أمريكا هي بالضبط كالمعركة التي تم الإعداد لها لاجتياح العراق قبل ثلاثة عشر عاماً بحجة أسلحة الدمار الشامل، واليوم سيتم اجتياح الموصل بحجة «داعش» بعد إخراج كبار قادتها، وكلاهما صاحبته هالة إعلامية ضخمة سيتبين لاحقاً أنها كذبة اأمريكية كبرى وسيبتلع الكثير الطعم وليس ذلك بالأمر الجديد.
الموصل هي المعقل الأخير لسنة العراق، وقد ترسم لحقبة جديدة للدور «الإيراني – الشيعي»، فأما سنشهد بعدها عراق إيراني بامتياز ثم يعقبه تمدد صفوي يجتاح المنطقة ودوامة حروب تمتد لعقود، أو نبذ الخلافات والتآزر وتقديم مصلحة الأمة على المصالح الأخرى مما قد يعجل بانكفائها وتقهقرها.
فعلى قادة السنة ليس في العراق فحسب بل في العالم العربي والإسلامي التعامل مع تلك المعركة المصيرية ونتائجها بحذر شديد مسترشدين بالعقلاء من العلماء والفقهاء والرجوع إلى فقه النوازل وعدم السماح بأي خطأ قد يفضي لنتائج كارثية.
المصدر: بغداد بوست