مركز التأصيل للدراسات والبحوث
بدأت معاناة الفلسطينيين منذ عشرات السنين ، عندما اتفقت مصالح الدول الغربية مع الصهيونية العالمية , في فترة الاحتلال البريطاني لفلسطين , على جعل فلسطين وطنا لليهود , وهجر الفلسطينيون في ذلك الوقت من بيوتهم وأرضهم , وما زال الاحتلال الاسرائيلي جاثما على أرضهم حتى الآن.
واليوم تعود المعاناة إلى الفلسطينيين مرة أخرى , ويهجرون من بيوتهم أيضا , ولكن هذه المرة ليس على يد الاحتلال الصهيوني عدو الاسلام والمسلمين , وإنما على يد نظام دولة عربية مجاورة , لطالما ادعت و زعمت أنها مع الفلسطينيين في جميع مطالبهم وحقوقهم , ولطالما رفعت شعار المقاومة والممانعة منذ أكثر من أربعة عقود ضد الاحتلال الاسرائيلي دون أن تطلق رصاصة واحدة .
إنهم الفلسطينيون في سوريا , الذين يعيشون في 10 مخيمات منتشرة في أرجائها , منها مخيم الرمل الجنوبي في اللاذقية , والذي شهد اشتباكات عنيفة بينه و بين قوات الأسد منذ بضعة أشهر , ومن أكبر هذه المخيمات و أشهرها مخيم اليرموك بدمشق , الذي يقع جنوب العاصمة , ويقطنه حوالي 150000 فلسطيني , بالإضافة إلى السوريين المقيمين في المخيم .
بدأت القصة مع الفلسطينيين في سوريا بعد قيام الثورة السورية المباركة , حيث حاولت الفصائل الفلسطينية جميعا تجنيب الفلسطينيين دخول الصراع القائم بين نظام الأسد المجرم , والمقاومة الشعبية المتمثلة بالجيش الحر , متمسكين فيما يعرف بسياسة الحياد .
ولكن الشعب الفلسطيني الذي عاش مع السوريين منذ أكثر من 60 عاما , و توطدت بينهما وشائج المحبة والمودة والقرابة , بحكم التزاوج فيما بينهم , كان يرى باستمرار الظلم العظيم الواقع على هذا الشعب , فكان لا بد أن يتعاطف معه , خاصة و أن الأحياء الجنوبية المجاورة كانت مشتعلة , والنظام المجرم يقصفها ليل نهار , فهربت بعض العائلات السورية إلى مخيم اليرموك باعتباره منطقة آمنة , لأن الفلسطينيين يعيشون فيه , ومن غير الممكن أن تدك بالدبابات والهاون , كما ظن الناس ,بحكم سياسة الحياد التي انتهجتها الفصائل الفلسطينية .
ولكن النظام المجرم أبى إلا أن يورط الفلسطينيين في الصراع الدائر , كما حاول توريط بقية الطوائف الموجودة في سوريا , تبعا لمذهبه المعروف : من لم يكن معي فهو ضدي , فلا حياد عند النظام , وكم حاول في بداية الثورة أن يورط قادة حماس ليأخذ منهم و لو تصريحا واحدا , بأن ما يجري ليس ثورة شعبية , بل مجموعات مسلحة تقوم الدولة بالتصدي لها , ولكنه لم يفلح أبدا في ذلك .
نجح النظام في توريط الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة – بقيادة أحمد جبريل في الصراع الدائر في سوريا , وتبنت الجبهة رواية النظام المجرم , المجموعات المسلحة والمؤامرة الكونية على سوريا المقاومة والممانعة.... و غير ذلك من الشعارات الزائفة , وشكلت لجان شعبية من شبيحة النظام (البلطجية) وأتباع أحمد جبريل , لحماية المخيمات من المجموعات المسلحة كما تدعي , وبدأت الاعتقالات تطال الفلسطينيين أنفسهم على يد هذه اللجان , فثار الفلسطينيون على هذا الظلم , ودارت بعض المعارك هناك , فما كان من النظام إلا أن دك المخيم بالهاون والدبابات , وسقط عدد من الشهداء والجرحى .
وفي سابقة خطيرة من نوعها , أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان أن الطائرات الحربية السورية , قصفت الأحد 16/12/2012 مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين بدمشق .
و قال اتحاد شبكات أخبار المخيمات الفلسطينية على صفحته على الفيسبوك : إن أكثر من 20 شخصا قتلوا في ثلاث غارات شنتها طائرات سورية على أحياء في مخيم اليرموك بدمشق .
وأوضح الاتحاد أن الطيران الحربي شن لأول مرة ثلاث غارات على قلب مخيم اليرموك , الأولى على مسجد عبد القادر الحسيني , والثانية بالقرب من مدرسة الفالوجة , والثالثة على محيط مشفى الباسل و حي الجاعونية مما أدى لوقوع عشرات الشهداء و الجرحى .
وتأتي هذه الغارات بعد أيام من الاشتباكات العنيفة بين الجيش الحر من جهة وشبيحة النظام و أتباع أحمد جبريل من جهة أخرى , وأن الغارات جاءت على ما يبدو دعما لأحمد جبريل وأتباعه , بعد أن أعلن ناشطون سوريون أن مائة عنصر من الجبهة انشقوا عن الجبهة وانضموا للجيش الحر , وأن الاشتباكات ما زالت مستمرة للسيطرة على المخيم من قبل الجيش الحر .
ونقلت وكالة رويترز عن مصادر فلسطينية وناشطون سوريون تحدثوا أمس عن مغادرة جبريل مع عائلته إلى مدينة طرطوس الساحلية مع تفاقم القتال عند أطراف المخيم .
وقد دانت حركة حماس وفتح هذا القصف , وحملت القيادة الفلسطينية النظام بدمشق المسؤولية الكاملة عن القتلى و الجرحى الذين سقطوا .
ونقلت مصادر فلسطينية و ناشطون سوريون أن عدد الشهداء من الفلسطينيين الموجودين في سوريا بلغ حوالي 755 شهيدا منذ بداية الثورة السورية و حتى الآن .
واللافت في الموضوع , أن النظام الذي لبس قناع المقاومة والممانعة منذ عقود , يفعل اليوم بالفلسطينيين ما يفعله الاحتلال الاسرائيلي في فلسطين المحتلة , من قصف وقتل وتهجير , بل ربما سبق اليهود في ذلك .
وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على التقارب الكبير بينهما , تقارب يجيب عن سؤال لطالما ردده السوريون منذ أشهر : ما سر بقاء هذا النظام المجرم , الذي يقتل شعبه منذ أكثر من 21 شهرا , أمام سمع و بصر العالم دون أن يتحرك أحد لإيقافه؟
وجاء الجواب بعد انطلاق الثورة السورية المباركة , التي كشفت خيوط ذلك التحالف الخفي الظاهر بين هذا النظام المجرم وبين الاحتلال الإسرائيلي , تحالف يسمح للنظام برفع شعار المقاومة لإسرائيل بالقول , دون أن يطلق رصاصة واحدة تجاه إسرائيل بالفعل منذ عام 1973 .
فهل بقي للنظام قناع يغطي جرائمه وخيانته للدين و الوطن والأمة بعد كل هذا ؟
المخيمات الفلسطينية في سوريا تحت النار
بواسطة مركز التأصيل للدراسات والبحوث
قراءة 2083