العرب يشتكون من سوريا

بواسطة المصريون قراءة 737

 

العرب يشتكون من سوريا

 ربيع الحافظ

 

اليمنيون يشتكون من سوريا التي تمنح المتمردين الحوثيين معبراً في طريق أسفارهم إلى إيران، حيث توجيه وتمويل تمردهم ضد دولتهم، وتمنحهم جوازات سفر خاصة، فلا تظهر على جوازاتهم اليمنية الأختام الإيرانية.

الأحوازيون يشتكون من سوريا التي تستدرج زعماءهم، ثم تسلّمهم لإيران التي تقوم بإعدامهم على الفور.

المصريون يشتكون من سوريا التي أصبحت ملاذاً يلجأ إليها مواطنون لها يقتفون خطى إيران في سب الصحابة وأمهات المؤمنين وينظمون أنشطة طائفية.

التونسيون يشتكون من سوريا التي تقدم منحاً دراسية لنيل شهادات في الحوزات العلمية، التي أقيمت وانتشرت في بلاد الشام، ثم العودة ونشر التشيع في شمال إفريقيا.

اللبنانيون يشتكون من سوريا التي جعلت من بلادهم ثكنة إيرانية، وأنهت الدولة المدنية، وأنشأت دولة طائفية داخل الدولة.

الفلسطينيون يشتكون من سوريا التي نحرتهم في مخيمات لبنان، ثم تفرجت عليهم وهم ينحرون ثانية في بغداد بأيدي ميليشيات حليفتها إيران.

السوريون يشتكون من دولتهم، التي شرعت أبواب بلادهم للإيرانيين، الذين حولوا مدنها إلى مزارات، وأفشوا ثقافة "الرذيلة الشرعية" (المتعة)، ويقفون على أطلال بني أمية ويطلقون ألسنتهم بأقذع الشتائم وبالبصاق دون خوف ولا وجل من أحد، كما هو مسجل بالصوت والصورة على الـ "يوتيوب".

القاسم المشترك بين شكاوى العرب من سوريا، هو أنها ترعى نخراً طائفياً شعوبياً إقليمياً يسري في جسد المجتمع العربي، وتنصب الكمائن لمن يتصدى له. هذا النخر ابتدأته سوريا في لبنان المجاور، ويمتد اليوم إلى تخوم الأطلسي غرباً، وبحر العرب جنوباً. القاسم المشترك الآخر هو إيران، التي تغذي النخر مالياً، وإعلامياً، وأمنياً، من وراء الحدود العربية.

المفارقة هي أن اللافتات المرفوعة على أسطح مؤسسات الدولة في سوريا لا زالت تقول:

أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة .

والذين يذرفون دماً على حاضرة الخلافة العباسية، ويرثونها شعراً ونثراً؛ التي أدمي وجهها بقنابل زنة الطن، وامتزجت دماؤها بمياه دجلة، ووصلت استغاثتها أرجاء المعمورة، هؤلاء يفوتهم أن حاضرة الخلافة الأموية؛ دمشق، اغتيلت قبل بغداد بعقود، خنقاً، بعيداً عن العيون والآذان، وسقطت ضمن نفس المشروع الطائفي الإقليمي، في فصل مبكر منه.

في أواسط الستينيات، وفي غمرة المد القومي وصخب شعاراته، تسلل نفر من الأقلية النصيرية في سوريا بهدوء إلى مؤسسة الجيش، ودخلوا العمل السياسي تحت لافتة القومية العربيى وتسلقوا إلى أعلى مراتب حزب البعث، لينقضّوا بعدها على مقاليد الحكم، ويمسكوا البلاد بقبضة من حديد.

في مطلع السبعينيات، وفي وقت كان الشارع العربي ما زال ثملاً بشعارات القومية والناصرية، كانت حوزات إيران منكبة في مكان آخر على إعادة تأهيل فرقة كانت قد انفصلت في القرن الثالث الهجري عن الخريطة الجينية (الوراثية) للتشيع، وعدّها الشيعة فرقة مارقة، فلا صلاة، ولا صيام، ولا مساجد، ولا حج، ولا زكاة، ولا أمر من أمور الإسلام، وصدرت الفتوى باعتبار الطائفة المارقة مذهباً إسلامياً.

هذه الفرقة هي الطائفة النصيرية، التي كانت قد وصلت لتوها إلى حكم بلد عربي يشكل فيه أهل السنة 85% في سابقة في التاريخ العربي الإسلامي، وسط رفض وغليان جماهيري في الشارع السوري، فرأت إيران في الطائفة حليفاً بيولوجياً أكيداً، وموطئ قدم متقدم في المنطقة العربية قريب من جيوب الشيعة في لبنان، فقررت إلقاء طوق النجاة لها، وكانت الفتوى.

كما يفوت الذين استيقظوا ضحىً، أن تحالف سوريا مع إيران لم يبدأ بوصول الوليّ الفقيه إلى حكم إيران، وإنما في الحقبة الشاهنشاهية، وتحديداً في عام 1974، على هامش مؤتمر منظمة المؤتمر الإسلامي في لاهور، بين شاه إيران وحافظ أسد. وللقارئ الفطن حل أحجية القاسم المشترك بين: امبراطور فارسي، أرستقراطي، رأسمالي، يميني، وبين زعيم ثوري، عربي، كادح، اشتراكي، جمهوري، يساري.

قرْعُ العرب لأجراس الخطر اليوم، ورفع الصوت بالشكوى يأتى اليوم متأخراً عن موعده بأربعة عقود، فعوضاً عن استدراك الخلل الاستراتيجي في حينه، راح العرب يستثمرون في الدولة النصيرية الوليدة بالأموال، ويكتمون أنّات السوريين بالإعلام، ولا زالوا يفعلون.

ظلت دولة النصيريين في سوريا تتقيد بالإطار العام للنظام السياسي العربي حيزاً من الزمن، تتحدث بلهجته، وتأخذ الضوء الأخضر منه، وتحضر مؤتمراته كباقي الدول العربية، لكنها وبدخول النظام العربي مرحلة التداعي، انصرفت ـ بحذَر محسوب ـ إلى الأقليات الطائفية في الوطن العربي، التي تشترك معها في التضاد مع المحيط الواسع من حولها وفي وحدة المصير، وراحت تمد معها الجسور، وتقدم الخبرات والتسهيلات الأمنية، وكانت همزة الوصل بينها وبين المحطة الطائفية الإقليمية: إيران.

بوصول الوليّ الفقيه إلى حكم إيران، ترسخ التحالف بين دولة النصيريين وإيران، وكادت دولتهم أن تسقط العراق بأيدي الإيرانيين خلال حرب الأعوام الثماني، أي قبل الاحتلال الأمريكي بعقدين. وبعد سقوط بغداد في 2003 وانهيار النظام السياسي العربي بالكامل، ودخول الوطن العربي حقبة الأقليات بشكل رسمي، زال كل حرج سياسي وسلوكي أمام النصيريين، وأصبحت عاصمتهم دمشق "مغناطيساً" للأقليات الطائفية، ومقراً للمشاريع الانفصالية.

دولة سوريا التي يشكوا العرب من تسويقها للطائفية، هي ـ وبحسب مفاهيم التسويق الحديثة: "المحطة الإقليمية لتصنيع سلعة أجنبية"، كالمحطات التي تنشئها شركات صناعة السيارات اليابانية في قلب أوربا وأمريكا، التي تغرق الأسواق المحلية والإقليمية بسلعتها من جهة، وتستحدث وظائف محلية من جهة ثانية، فيلتحم مصير السلعة الأجنبية بلقمة عيش العامل المحلي، الذي يتحول إلى مدافع شرس عنها، ولو على حساب السلعة الوطنية.

وهذه هي نفس الطريقة التي تلتحم بها سلعة إيران الطائفية بمدارس فكرية عربية تعتاش على المحطة السورية، ويستميت أصحاب الأقلام والألسنة فيها دفاعاً عنها على حساب السلعة الإسلامية والعربية والوطنية، وهذه هي المعادلة التسويقية الإيرانية المعقدة التي تشققت حناجر العرب في شكواهم من نتائجها، لكن أكثرهم لا يدركون كنه عملها.

سوريا النصيرية اليوم جزء من نظام إقليمي متكامل، قد قسا عودها، واستوت على سوقها، ولم تعد بحاجة إلى العرب، ولا إلى أموالهم، ولا إلى غطائهم السياسي، ولها رؤيتها الخاصة بها للمنطقة. وهي باصطفافها الإقليمي غدت ورقة إقليمية حقيقية أمام القوى الكبرى ـ أمريكا وروسيا وغيرهما ـ التي تخطب ودها في عملية اقتسام النفوذ في المنطقة. لذا، فإن التحالف السوري ـ الإيراني مرشح إلى مزيد من الرسوخ، ورعاية سوريا للنخر الطائفي في المجتمع العربي مرشح للاستمرار، وعدم اكتراثها بشكاوى العرب مرشح للاستمرار هو الآخر.

alhafidh@hotmail.com

معهد المشرق العربي

المصدر: المصريون

 



مقالات ذات صلة