2016-9-8
د.مصطفى محمدي
تقضي طاحونة المعارك الدائرة في كل من العراق و سوريا و اليمن على الأخضر واليابس و لم يزل الناس يضربون الأخماس في الأسداس بحثا عن أدق أوصاف المعركة؛ أ هي معركة إيرانية سعودية، أم فارسية عربية، أم أنها معركة مذهبية، أم أن أياد غربية و شرقية تسعى لتدمير العالم الإسلامي و تفتيته و استطاعت بدهائها أن تركب سذاجة إيران و تستغلها كمعول لهدم المنطقة و زرع عداوات سوف تعيش قرونا في ذاكرة الأجيال القادمة.
مما لا يناطح فيه عنزان أنه لابد و أن تكون للحروب هوية، و من استطاع تحديد الخريطة الذهنية للحرب بين أتباعه و بين عامة المتفرجين كسب نصف المعركة.
خاض الأفغان حربا ضروسا ضد الإتحاد السوفياتي، عرفوا حربهم بأنها "جهاد دفاعية في وجه مستبد طاغي يريد القضاء على هويتنا الإسلامية" و بذلك لم يكسبوا الشعب الأفغاني فحسب بل ظفروا بتعاطف الأمة كلها.
وفي المقابل لم يستطع السوفيات أن يشخصوا حربهم بأنها حرب صليبية ـ مثلا ـ فلم يكن المقاتل الروسي يملك دوافع قتالية مثالية ترشحه لتقديم روحه عوضا عن الحياة التي قدم من أجلها إلى هذه الديار.
الحرب الإيرانية العراقية نموذج توضح الفكرة أكثر...
ففي الأشهر التسع الأول كان الدافع المقاتل الإيراني؛ الدفاع عن وطنه، لكن بعد ذلك والصدام قد تراجع و استعد للصلح، فلم يقاتل؟! و من أقاتل؟!
فمعظم المعارك تدور في مناطق العرب الإيرانيين وهم شيعة وعلى صلات وثيقة تاريخيا وقوميا ومذهبيا و ثقافيا مع العراقيين العرب!..
ثم ها هي إيران تحارب أرضا بها " الكربلاء" و"النجف"!
استطاعت الدهاء الإيراني أن تلملم جميع الخيوط المبعثرة وكأنها تنسج بساطا مزركشا بها شتى الألوان؛
فعرفت هوية الحرب إلى أنها حرب دفاعية عن الحدود الجغرافية و السياسية المعترف بها ( الخريطة الذهبية القومية)، ثم أن سهام الحرب متجهة لتحرير الأقصى( الخريطة الفكرية لكسب جمهور الأمة) و أن طريق الأقصى يمر من "الكربلاء"! ( الخريطة الطائفية لكسب الشيعة) ثم جعلت بوصلتها حرب إسلام و كفر، فهي تحارب حزب "البعث" الذي ينكر وجود الله!
لم تنطلي الشعارات الإيرانية على المواطن الإيراني ـ سنة و شيعة ـ فحسب، بل غزت المجتمع المحافظ العراقي ـ سنة و شيعة ـ و كذلك ظفرت بتعاطف جماهيري بين عموم شباب الأمة!
وفي المقابل لم تبرمج الخريطة الذهنية العراقية على هوية ثابتة لدى المقاتل العراقي نفسه.
فالحاكم يرفع لواء "البعث" على شعب مسلم. (أي؛ فقدان الأرضية الشعبية).
ففي حين كان الشاب الإيراني يتطوع للقتال كان الشاب العراقي يتهرب من التجنيد!
كانت الإدارة العراقية تضرب على وتر "قادسية صدام للقضاء على الفرس المجوس" سعيا لصناعة خريطة فكرية إلا أن هذه الفكرة كانت هشة؛ فلا الإيرانيين مجوس، ولا كلهم فرس ولا الحزب البعث المعادي للإسلام يصلح للحديث عن "القادسية" ـ رمز الفتح الإسلامي ! ـ.
فقدان الهوية لدى الجانب العراقي حرمه من استغلال نقاط الضعف في عدوه؛
فلم يستطع أن يوظف لصالحه ؛ تنوع القوميات و الأقليات المذهبية و الصراعات والمنافسات السياسية والضغوط الإقتصادية، والظلم الإجتماعي، والفساد الإداري والمحسوبية وغيرها ـ الكثير ـ من تبعات الحروب في جسم العدو...
بل دفعت شعاراته الخاطئة الشعب الإيراني قاطبة للتجمع حول قادته! فلم تكن رؤية الساسة العراقيين تستطيع التمييز بين الشعب الإيراني والنظام الحاكم...
والآن عادت إيران مرة أخرى إلى حلبة الصراع، لكن بعد أن قوت شوكتها و وظفت الأقليات الشيعية لأهدافها في كل من العراق، و سوريا و لبنان واليمن و صارت لها جيوبها الفاعلة في جميع دول الخليج العربي و كثير من الدول الإفريقية و باكستان و أفغانستان و غيرها من البلاد..
ولم تعد الآن بحاجة إلى الذهاب إلى "القدس" عن طريق " الكربلاء"، و لم يعد التعاطف السني من اهتماماتها. فقد ارتضت أن تكون هوية حربها في هذه المرحلة "حربا طائفيا شيعيا" بكل وضوح. وبالتالي كسبت جميع شيعة العالم و جعلتهم في معركة الوجود؛ إما نكون أو لن نكون أبدا....
وفي المقابل يقف العالم العربي ورؤيته الضابية من جديد، و سعيه للفرار عن "الحقيقة المرة"!
فالطغمة الحكامة العلمانية تفضل أن توصف بالليبرالية دون الإسلام، وهي عاجزة عن إداراك واجبات المرحلة و مستلزماتها. وفي بعض البلاد كـ "باكستان، والكويت، واللبنان، والإمارات، قد تخشى بطش المليشيات الشيعية التي تتحرك تحت الأرض!
يتحدث الإعلام الساذج عن غزو "الفرس المجوس" للعالم العربي. ولست أدري أين الفرس و أين المجوس؟! فلا الفرس يمثلون إيران ولا حتى الشيعة ولا المجوس يحكمونها!..( استدعاء التاريخ في غير محله)
فما لم يرفع صوت للإسلام والجهاد لن يجد العالم العربي الأمة بجواره مهما عظم الخطب، حتى ولو داست أقدام خيول شيعة إيران أرض الحرمين!
وما لم يحدد ساسة العرب هوية واضحة للحرب لن يجدوا أرضية ولا قبولا حتى بين شعوبهم!...
يحارب الإعلام العربي الرسمي هوية الشعب العربي المسلم، وبالتالي طلقه الشعب ثلاثا و ذهب دون رجعة إلى القنوات التي قد لا تعجب السلطان، بل وإلى القنوات التي تديرها الخصم!
فأنى لهذا الإنفصام النكد في الخندق العربي و ضبابية السياسة وفقدان الهوية أن تظفر على جيش طائفي يقدس قادتة و يدرك ما يريد و يسعد بما يتحمل من المشاق
المصدر: شبكة سني نيوز الاخبارية