اللهمَّ إنّي صائم!..
بقلم : الدكتور محمد بسام يوسف
في الشهر المنصرم (آب 2009م)، زار (نوري المالكي) العاصمة دمشق، على رأس وفدٍ وزاريٍ عراقيّ، ووقّع مع نظيره السوريّ (محمد ناجي عطري) اتفاقاً استراتيجياً -كما أُعلِن وقتها- لتحقيق التكامل بين البلدين. وكان (عطري) قد زار (المنطقة الخضراء) البغدادية، التي سبق أن زارها الرئيس الإيرانيّ (أحمدي نجاد).. لتوثيق العلاقات بين الحكومتين: العراقية والسورية، وللتوقيع على جملةٍ من الاتفاقات والبروتوكولات التجارية والصحية والاقتصادية والسياسية والثقافية والبيئية!..
بعد عودة المالكي (سالماً غانماً) إلى منطقته (الخضراء) الأميركية في بغداد، وقعت سلسلة من عمليات التفجير في العاصمة العراقية، واتهمت الحكومةُ العراقيةُ نظيرتَها السورية، بالمسؤولية الكاملة على وقوعها، فيما نفت دمشق بشدّةٍ و(نزقٍ) هذه الاتهامات!..
الإدارة الأميركية (الحريصة على الوحدة العربية وحُسن العلاقات بين بلاد العرب، لاسيما الجيران وما يتبع ذلك من حق الجار، وبخاصةٍ إن كان شقيقاً حبيباً).. الإدارة الأميركية هذه.. استنفرت، وأرسلت (كما ذكرت الأنباء المنشورة في وسائل الإعلام السورية) إلى المالكي [خطاباً شديد اللهجة، وعتاباً (ديمقراطياً) للحكومة العراقية برئاسة المالكي، تُبدي فيه امتعاض (البيت الأبيض) الأميركي، من التصرّفات المتسرّعة غير المدروسة للمالكي، تجاه (الشقيق) السوريّ، مع التأكيد على ضرورة أن يكون (الحوار) الإيجابيّ البَنّاء، هو الوسيلة (الحضارية) لحلّ الخلافات بين البلدين (الشقيقين)، فضلاً عن الإشارة إلى ضرورة التجاوب مع الوساطة التركية (بين الأشقاء العرب)]!..
إيران الفارسية بدورها، ظهرت على (شاشة) الحدث، في وساطةٍ خاصةٍ بين (الشقيقين) الجارين، وطلبت (بواسطة الوليّ الفقيه علي خامنئي) من الإيرانيّ المقيم في النجف (علي السيستاني)، الضغطَ على تلميذه (نوري المالكي) ليقوم بـ (لملمة) القضية و(لفلفة) الفضيحة!..
* * *
أميركة، التي ما فتئت تتّهم (صوتياً إعلامياً) نظامَ دمشق بالإرهاب والتشجيع عليه، وتزجره عن أي محاولةٍ للتدخّل في شؤون (مزرعة العراق) التي تحتلّها، وتطالبه بإحكام الرقابة على حدوده مع (شقيقه) العراقيّ الحاكم بأمر (البيت الأبيض) الأميركي في (المنطقة الخضراء) العراقية، وتحثّه على تسليم بعض اللاجئين العراقيين إلى (عدالة الاحتلال).. أميركة هذه.. رمت بثقلها اليوم، للمحافظة على العلاقة (الحميمية) بين دمشق وحكومة (المنطقة الخضراء) الصفوية العراقية!..
النظام الإيرانيّ الصفويّ، عثر على فرصته المرحلية، للتعمية (بما يجري في بغداد)، على ما يجري في طهران هذه الأيام من اضطراباتٍ وصراعات داخلية!..
حكومة الاحتلال العراقية، بزعامة (نوري المالكي) المصنَّع في قُمّ وطهران، والمُنَصَّب بالحراب الأميركية، الذي يرى في التفجيرات الأخيرة فرصةً -قبل اندلاع العروض المسرحية (الأميركو إيرانية) الخاصة بالانتخابات العراقية القادمة- للمزاودة وتصدير أزماته التي لا حصر لها.. هذه الحكومة الاحتلالية العراقية.. تستقبل المسؤولين السوريين في قلعة الاحتلال (الخضراء)، وتودّعهم بعد توقيع الاتفاقات المختلفة!..
النظام السوريّ يستقبل الوفد الحكوميّ الاحتلاليّ العراقيّ في عاصمة الأمويين، ويُمضي معه اتفاقاً (استراتيجياً)، هو نسخة طبق الأصل عن اتفاقه (الاستراتيجيّ) المزمن مع النظام الإيرانيّ الفارسيّ الصفويّ.. وذلك بالتزامن مع الانفتاح الأميركي (المُعلَن) على نظام دمشق، ومع حرصٍ أميركيٍ غير مسبوق، على (تلاحم) الأشقاء العراقيين والسوريين، على الرغم من القطيعة الشاملة واستعصاء العلاقات بين البلدين (الشقيقين)، طوال فترة حكم البعث العربيّ العراقيّ، شِقّ البعث العربيّ السوريّ، الذي ما يزال حاكماً -وحيداً شاملاً- لسورية!.. وذلك إلى درجة اصطفاف النظام السوريّ القوميّ العربيّ البعثيّ، إلى جانب النظام الإيرانيّ الفارسيّ، طوال فترة الحرب العراقية الإيرانية، التي لم تستمرّ سوى ثماني سنواتٍ شمسية، ضمنها ثلاث سنواتٍ كبيسة!..
* * *
هل استنتجتم شيئاً مما ذكرناه آنفاً؟!.. ربما ستقولون: لقد لمسنا بوضوح، قوّة العلاقات العراقية الإيرانية، والعراقية الأميركية.. كما لمسنا ضخامة حجم العلاقات السورية الأميركية، والسورية الإيرانية.. ومن ذلك يمكن استنتاج عمق العلاقات: الإيرانية الأميركية، وتقاطع المصالح بين (الشيطان الأكبر) وإيران (الإسلامية!!)، على حساب العالَمَيْن: العربيّ والإسلاميّ!..
أميركة (بالتعاضد مع العدوّ الصهيونيّ) لها مشروعها العدوانيّ الخاص في منطقتنا، ضد أوطاننا وشعوبنا، لكنها حريصة على (لُحمة) العلاقات العراقية السورية، وبالضرورة، على (لُحمة) العلاقات الإيرانية-العراقية-السورية!.. وذلك على طريق اكتمال (لُحمة) الهلال برعاية أميركة!..
الهلال طبعاً، لم يعد خصيباً، ولا علاقة له بهلال رمضان ولا شوّال.. فأي هلالٍ هو؟!..
بعضكم ستقفز إلى ذهنه فوراً (خطيئةُ) فكرة (الهلال الشيعيّ الصفويّ)، الذي تصنعه إيران، وترعاه أميركة وتحميه.. (أستغفر الله)!.. لكنني -لظروفٍ خاصةٍ تتعلّق بالموقف من المرحلة، التي تستوجب توحيد الجهود ضد العدوّ الحقيقيّ الأول (والأخير) الصهيونيّ- وإكراماً لهلال شهر رمضان الفضيل.. لن أسترسل في الاستنتاج، ولن أتدخّل في قضايا الهلال والأهِلّة بأنواعها، بل سأكتفي بالقول في هذا الشهر المبارك: اللهمّ إنّي صائم!.. فتقبّل الله منا ومنكم الصيام والقيام والطاعات، وكل رمضان وأنتم بخير.. بل بكل خير!..
1 من أيلول 2009م