هولوكوست فلسطيني في العراق
جمال سلامة
ضاقت الدنيا بما رحبت باللاجئين الفلسطينيين في العراق، فميليشيات مقتدى الصدر وعبد العزيز الحكيم تنكل بهم وتطردهم، والسلطات السورية والأردنية تحظر دخولهم وتبقيهم في العراء على الحدود، و"إسرائيل" ترفض عودتهم إلى بلادهم ولا حتى إلى قطاع غزة، ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الدولية (الاونروا) لا تعترف بهم، وسلطات الاحتلال الأمريكي تغض الطرف وتتجاهل المأساة.
أين المفر؟
مع انتهاء حرب عام 1948 في فلسطين بهزيمة الجيوش العربية آنذاك والإعلان عن قيام دولة "إسرائيل" في الخامس عشر من أيار (مايو) 1948 كان الانهيار الشامل للوطن والمواطن هو السمة السائدة.
فقد طرد نحو مليون فلسطين من وطنهم إلى الدول العربية المجاورة كلاجئين دون مأوى، هائمين على وجوههم في المدن والقرى الفلسطينية شرقاً (الضفة الغربية)، وفي الصحراء جنوباً (قطاع غزة)، وفي الدول العربية المجاورة وفي الشتات.
ومع مرور الزمن تردت أوضاعهم الاجتماعية والصحية وفقدوا صفتهم القانونية وتفشت في أوساطهم الأمراض. ورفضت سلطات الاحتلال الإسرائيلي التقيد بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 194 لعام 48 القاضي بحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة والتعويض، كما تجاهلت كلياً الشق الثاني من القرار 181 لعام 47 القاضي بحق الفلسطينيين في دولة مستقلة إلى جانب الدولة اليهودية.
وفي عام 1949 صادقت الجمعية العامة للأمم المتحدة على إنشاء الوكالة الدولية لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الاونروا) كحــل مؤقت لإغاثتهم إلى حين عودتهم إلى ديارهم.
هذا ما يضمنه القرار 194 الذي ربط قبول عضوية "إسرائيل" في الأمم المتحدة بتعاونها في تطبيق حق عودة اللاجئين إلى ديارهم التي شردوا منها... إلى أن تحل قضية اللاجئين على القاعدة المذكورة، تكلف الأمم المتحدة جهازاً خاصاً (الاونروا) بتولي شؤونهم بالإغاثة والتشغيل...
ومما يؤسف له أن وكالة الغوث هذه قد حصرت خدماتها على اللاجئين في الأردن وسورية ولبنان وغزة والضفة الغربية فقط رغم هزالتها متجاهلة أن هناك عشرات الألوف من اللاجئين الفلسطينيين الذين تشتتوا عام النكبة 48 إلى خارج الدول العربية المجاورة المذكورة، فهؤلاء لم تعترف بهم (الاونروا) ولا تشملهم خدماتها لأنهم خارج مناطق عملياتها المذكورة كاللاجئين في مصر والعراق والشتات.
في العراق كان يقيم 35 ألف لاجئ فلسطيني قبل سقوط بغداد عام 2003، وقد عوملوا بموجب قرارات جامعة الدول العربية واحتضان الشعب العراقي لهم معاملة تليق بالإنسان وحقوقه في العمل والإقامة والتنقل. وما لبثت هذه المعاملة أن تغيرت بعد الاحتلال وهيمنة العملاء والمليشيات الطائفية المسلحة، فقد أدخلتهم عصابات قوات بدر الشيعية التابعة لعبد العزيز الحكيم، وكتائب الموت التابعة لمقتدى الصدر في أتون التصفيات الطائفية بحجة أنهم يتبعون الطائفة السنية من ناحية، وموالون للنظام السابق (صداميون) من ناحية ثانية.
فكان القتل والخطف والتعذيب الجسدي وانتهاك الحريات والاعتداء على الأملاك، فقد طردوا من بيوتهم في منطقة البلديات والدورة، وعادوا مجدداً إلى الخيمة التي لم تسلم هي الأخرى من الحرق والبطش والقتل والخطف. واضطر 20 ألف لاجئ فلسطيني إلى الهرب في أنحاء متفرقة من العراق وعلى الحدود السورية والأردنية بلا مأوى ولا سبل للعيش، وترفض الحكومة الأردنية السماح للاجئين الفلسطينيين المقيمين في العراء بالدخول إلى أراضيها وأبقتهم معلقين بين السماء والطارق في الصحراء في مخيم (الهول)، أما سورية فقد سمحت إلى عدد قليل لا يتجاوز 600 لاجئ من النسوة والأطفال بالدخول، وأبقت الألوف منهم في العراء والصحراء في مخيم (الوليد) على الحدود.
وأما من بقي منهم في بغداد وعددهم 15 ألف لاجئ يتعرضون يومياً للاختطاف والقتل والمطاردة وتطالبهم المليشيات الشيعية المسلحة بالمغادرة، وهم يصرخون ويناشدون ولا حياة لمن تنادي، وتفيد تقارير المفوضية العليا لشؤون اللاجئين المعنية بالحالات الإنسانية فقط، أنها عاجزة عن حمايتهم ولا تسمح لها المليشيات المسلحة بتقديم المساعدات الإنسانية، وهي أيضاً تناشد المجتمع الدولي وجامعة الدول العربية بإيجاد حل لهم، إما بترحيلهم من العراق أو ضمان حمايتهم من الموت.
وبخصوص العالقين على الحدود السورية والأردنية، فهي تناشد السلطات السورية والأردنية السماح لهم بالدخول إلى مخيمات اللاجئين أو إعادتهم إلى العراق وتأمين الحماية لهم وأيضاً لا حياة لمن تنادي. والغريب في الأمر أن السلطات العراقية والسورية والأردنية المتواجدة على الحدود تطلب منهم المغادرة لأنها مناطق أمنية مغلقة.
وفي المحصلة تفيد المفوضية العليا للاجئين أن وضع اللاجئين الفلسطينيين في العراق وعلى الحدود لا يطاق، مأساوي وخطير جداً، فهناك القتل والخطف والعثور على جثث لم ينقطع، وهناك تنتهك حقوق الإنسان. "إسرائيل" لا تقبل عودتهم إلى الأراضي الفلسطينية والأردن لا يقبل إدخالهم إلى المخيمات الفلسطينية على أراضيه، وكذلك سورية، وأما العراق في غياب الموقف الرسمي المسؤول فقد تعهدت المليشيات الشيعية المسلحة بالقضاء عليهم.