رسالة إلى شيخ الأزهر

بواسطة ربيع بن هادي عمير المدخلي قراءة 1872
رسالة إلى شيخ الأزهر
رسالة إلى شيخ الأزهر

رسالة إلى شيخ الأزهر



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه. أما بعد:

فقد اطلعت على ما نشرته جريدة الشرق الأوسط في الصحيفة السابعة من العدد (10655) الصادر في يوم الأربعاء 21من شهر المحرم الحرام لعام (1429).

عن لقاء تم بين شيخ الأزهر الدكتور محمد سيد طنطاوي وبين رئيس مجلس الشورى الإيراني غلام علي حداد الذي يزور مصر حالياً.

بحثا في هذا اللقاء سبل تدعيم العلاقات الثقافية والتقريب بين السنة والشيعة، فاتفقا على التعاون العلمي بين الأزهر والمركز الإسلامي العالمي بطهران في مجال تبادل البحوث والمؤلفات.

وذكرت الصحيفة تصريحات عن شيخ الأزهر محمد سيد طنطاوي: بأنه لا يوجد خلاف عقائدي في الأصول بين السنة والشيعة، وأنّ الخلافات جميعها خلافات اجتهادية في الفروع، وقال: " إنَّ الخلاف في الأمور الفرعية لا يمنع من التعاون لخدمة الإسلام وتوحيد الصف الإسلامي في مواجهة التحديات التي تواجه الأمة الإسلامية في الوقت الراهن.

مشيراً إلى أن التعاون بين الأزهر وإيران في مجال تبادل المؤلفات والأبحاث سيؤدي إلى تدعيم العلاقات الثقافية والتقريب بين السنة والشيعة".


أقول:

وقد سبق لشيخ الأزهر نحو هذا الموقف الأليم، ولا أدري هل درس عقائد الشيعة من كتبهم المعتبرة عندهم والتي يستمدون منها عقائدهم، مثل الكافي للكليني (بخاريهم)، ومثل تفسير القمي والعياشي، وما كتبه آياتهم في السابق وفي العصر الحاضر، فتوصل إلى هذه النتيجة:

أنّ أصول أهل السنة وأصول الشيعة ( الرافضة ) واحدة، وأن الخلاف بينهم إنما هو في الفروع فقط ؟!!!

وهل درس كتب أئمة السنة في العقائد وغيرها فوجد فيها ما يؤيد ما صرح ويصرح به بأن أصول أهل السنة وأصول الرافضة واحدة، وأن الخلاف بينهما إنما هو في الفروع؟.

وما مراد شيخ الأزهر بأهل السنة؟

هل يريد الصحابة وخيار التابعين وأئمة الإسلام مثل: مالك والأوزاعي والثوري والسفيانين والشافعي والحمادين وأحمد بن حنبل وعلي بن المديني والبخاري ومسلم وأبي حاتم وأبي زرعة وأمثالهم من أئمة الإسلام، فهو يرى أن هؤلاء أصولهم وأصول الروافض واحدة ؟، أو يريد غيرهم؟، وحتى غيرهم من الصوفية والأشاعرة والماتريدية ممن خالف في عقائده السلف الصالح هل تجد عندهم أو قالوا: إن أصولنا وأصول الرافضة واحدة ؟

وأسأل الدكتور الطنطاوي: هل يعتقد أهل السنة (حاشاهم) ما يعتقده الروافض من أن الصحابة وعلى رأسهم أبو بكر وعمر قد ارتدوا إلا ثلاثة منهم؟ وهل يوافق أهل السنة الروافض في لعن الصحابة ؟

 وهل يعتقد أهل السنة (حاشاهم) ما يعتقد الروافض من أن الصحابة قد حرفوا القرآن وزادوا فيه ونقصوا، وأن عدد آيات القرآن الذي جاء به جبريل إلى محمد -صلى الله عليه وسلم- كان سبعة عشر ألف آية ( يقصدون أن الصحابة حذفوا قرابة ثلثي القرآن ولم يبقوا منه إلا ستة آلاف وستمائة وستين آية )؟.

وقد جمع المحدث النوري الطبرسي في إثبات تحريف القرآن كتابا ضخم الحجم سماه: (فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب) جمع فيه أكثر من ألفي رواية تنص على التحريف، وجمع فيه أقوال جميع فقهاء وعلماء الشيعة في التصريح بتحريف القرآن الموجود اليوم بين أيدي المسلمين، حيث أثبت أن جميع علماء الشيعة وفقهاءهم المتقدمين منهم والمتأخرين يقولون: " إن هذا القرآن الموجود اليوم بين أيدي المسلمين مُحَرَّف ".

انظر كتاب " لله ثم للتاريخ" للسيد حسين الموسوي ص(79).

أهذه الكفريات العظيمة المدمرة من الفروع أم هي من الأصول ؟

لا أعتقد في شيخ الأزهر أنه سيصر على أنها من الفروع الاجتهادية، بل أظن به أنه سيصرح بأنها من الأصول الرافضية الكفرية، وأنه وشيوخ الأزهر سوف يرفضون التعاون والتقارب الثقافي بين الأزهر وغيره وبين الروافض، وسوف يرفضون التعاون العلمي وتبادل المؤلفات والأبحاث، وأنهم سيدركون أن التقريب بين السنة والشيعة لن يكون أبداً ولاسيما من جانب الروافض، وأنه لعبة وخدعة منهم افتعلوها من قرابة قرن من الزمان فلم يزدادوا على مر الأيام إلا بعداً وعناداً وإصراراً على ضلالهم البعيد وسعياً في إهلاك أهل السنة وتضليلهم، فكم من الأعداد الهائلة في البلاد العربية والإسلامية قد تحولوا عن السنة إلى الرفض تحت ستار دعوة التقريب وأن الخلاف بين أهل السنة والشيعة في الفروع كالخلاف بين أئمة الإسلام مالك والشافعي وأحمد وأبي حنيفة، مع أن أبواب إيران دائماً مغلقة في وجوه علماء السنة ودعاتهم.

يا شيخ الأزهر إن للشيعة أصولاً وفروعاً يؤمنون بها ولا يمكن أن يتزحزحوا عنها، ويكفرون أهل السنة بكل أصل من هذه الأصول.


منها بالإضافة إلى ما سلف:

1- اعتقادهم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أوصى بالخلافة من بعده لعلي -رضي الله عنه- وأن أبا بكر والصحابة ظلموه واغتصبوا منه هذا الحق، ثم كفروا الصحابة بذلك.

2- أن الإمامة خاصة بأهل البيت وحصروها في اثني عشر منهم على رأسهم علي -رضي الله عنه- وكفَّروا بها الصحابة وكل من يخالفهم فيها من أهل السنة وغيرهم.

3-   ومنها إيجاب معرفة هؤلاء الأئمة ويكفرون من لا يعرفهم

4-   ومنها أن لأئمتهم منـزلة عند الله لا يبلغها ملك مقرب ولا نبي مرسل، وهذا أصبح من ضرورات مذهبهم.

5- ومنها أن لأئمتهم سلطة تكوينية على كل ذرة من ذرات الكون، وهذه عقيدة لا يقولها اليهود ولا النصارى ولا الوثنيون.

6- ومنها أن أئمتهم معصومون ويعلمون الغيوب ولهم حق التشريع، وجل دينهم مبني على الكذب والبهت والضلال، وينسبون كل ذلك إلى الأئمة ولاسيما جعفر الصادق.

7- ومن أهم أصولهم الإيمان بالمهدي المنتظر والمختفي في السرداب من أكثر من مائتين وألف سنة، ويكفرون من لا يؤمن به، وأن هذا المهدي سيخرج وسيقتل ذراري قتلة الحسين ويقتل يزيد، وأصحابه، وأنه يقيم خمسمائة من قريش فيضرب أعناقهم، ثم خمسمائة أخرى يقتلهم يفعل ذلك ست مرات، ويقتل أبا بكر وعمر، وهذا ما يسمونه بالرجعة وهي من أعظم أصولهم.

8- ومن أهم أصولهم التقية وهي عندهم تسعة أعشار الدين، ولا دين عندهم لمن لا تقية له، وينسبون إلى أبي جعفر أنه قال: التقية من ديني ودين آبائي.

فهذه بعض أصولهم التي يكفرون بها، بل بكل واحدة منها، وما أظن أن شيخ الأزهر يعتقد أن هذه العقائد الكفرية - والتي يكفرون بها المسلمين – من الفروع التي الخلاف فيها سهل ولا تقف سداً في وجه التبادل الثقافي والتآخي والوحدة بين أهل السنة وبين الروافض.

 ليعلم شيخ الأزهر أنه من المستحيلات أن يتخلى الروافض عن واحدٍ من هذه الأصول فضلاً عن جميعها.

وأن الدعوة إلى التقريب بينهم وبين أهل السنة ما هي إلى من مكائدهم الكبيرة التي كادوا ويكيدون بها أهل السنة.

وقد تظاهروا قبل مائتي سنة بالرجوع إلى السنة وعن الطعن في الصحابة على يدي العلامة السويدي العراقي، ثم ظهر للناس مكرهم وكذبهم.

ودعوا إلى التقريب في عهد محمد رشيد رضا وأسسوا في مصر -مع الأسف- داراً للتقريب، ثم تبين لرشيد رضى كذبهم ومكرهم، وأنهم لم يخطوا خطوة واحدة إلى التقريب بل ما ازدادوا إلا بعداً، فألف في ذلك كتاباً تحذيراً من مكرهم، ثم خلفه محب الدين الخطيب وعدد من كتاب أهل السنة في الشام والعراق في الرد على الروافض، وألف محب الدين كتابه الشهير " الخطوط العريضة للأسس التي قام عليها دين الشيعة الإمامية الإثنى عشرية"، بيَّن فيه بعض أصولهم الكفرية، وصرح بأنه لا يمكن الاتفاق بين أهل السنة وبين الروافض؛ لأن الاختلافات بينهم جذرية وفي الأصول العقدية، وحقق العواصم والقواصم للعلامة ابن العربي المالكي والمنتقى من منهاج السنَّة للحافظ الذهبي، وبيَّن للناس كذب الروافض ومكرهم.

وألف بعده إحسان إلهي ظهير عدة كتب في بيان عقائدهم، وألف غيره في ذلك عدة كتب، وألف السيد حسين الموسوي كتابه " لله ثم للتاريخ "، بيَّن فيه بعض أصول الروافض، وبيَّن خطرهم وأهدافهم المدمرة لأهل السنة.

لقد تبين للعقلاء أيها الشيخ كيد الروافض وتخطيطهم لتحويل أهل السنَّة في العالم العربي والإسلامي إلى روافض ودولة واحدة رافضية.

ثم من ينسى كيد الروافض وتمالأهم مع التتار على إسقاط الخلافة العباسية في بغداد واجتياح العالم الإسلامي والمذابح الرهيبة التي جرت في بغداد وغيرها والتي ذهب ضحاياها ألوف المسلمين وإغراق ألوف الكتب من التراث الإسلامي في نهر دجلة ومكَّنوا النصارى من السيطرة على مساجد المسلمين.

ثم من جاء بجيوش الولايات المتحدة الأمريكية ودول التحالف النصراني إلى العراق غير الروافض لإقامة دولة الرفض في العراق ولتكون سنداً قوياً لدولة الرفض في إيران.

ومن ينسى مذابح الروافض الرهيبة في أهل السنَّة في العراق وتخريب العشرات من مساجدهم والاستلاء عليها وتشريد الملايين منهم من ديارهم وتعذيب آخرين بأخبث وأبشع أنواع التعذيب التي لا تستدعي عطف واستنكار المسلمين فقط، بل تستدعي عطف واستنكار اليهود والنصارى والوثنيين!

أيا شيخ الأزهر كيف تقبل دعوة الروافض الماكرة إلى التقريب والتعاون وتبادل المؤلفات والأبحاث مع طائفة عرف الناس تاريخها الأسود ومكايدها وأفاعيلها بأهل السنَّة؟؟

وأسألك: هل هم يشعرون الآن بالخجل والعار من عقائدهم وعقائد أسلافهم الضالة ؟ ومن أحقادهم القاتلة ؟ هل هم مستعدون لإتلاف كتبهم وكتب أسلافهم التي امتلأت بالروايات المكذوبة وبالطعن في الصحابة وتكفيرهم وتكفير الأمة بعدهم واستباحة دمائهم وأموالهم ؟

هل هم مستعدون لإدانة أسلافهم والبراءة مما ارتكبوه من تكفير للصحابة والأمَّة وغلوٍ في أهل البيت ؟ وتحريفهم الشنيع لمعاني القرآن وإلصاق ذلك بالصحابة ؟

هل هم مستعدون للتخلي عن أصلهم الخطير (التقية) التي يسترون بها ضلالهم وخداعهم لأهل السنَّة ؟!

هل هم مستعدون لفتح أبواب إيران لدعاة السنة ليقوموا بدعوة الشعب الإيراني إلى الحق وإلى والتمسك بالكتاب والسنة وما كان عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه؟

إن فعلوا ذلك كله وتأكَّدتَ أنت والنَّاس من صدقهم ونصحهم فاقبل دعوتهم إلى التقريب والتعاون .. الخ

 أمَّا أنا وغيري ممَّن عرفهم فنقطع بأنَّ ذلك أو بعضه لن يكون منهم.

إنَّ القوم لا يحرصون على مصلحة الأزهر ومصر ولا على مصالح المسلمين ولا على ما يُصلح أحوالهم في العالم.

وإنَّما هم غزاة وحريصون أشدَّ الحرص إلى تحويل بلاد الإسلام كلِّها إلى الرفض. ومنها: بلدة مصر التي وجدوا لهم فيها موطىء قدم ولهم مطامع فيها لكي يعيدوا دولة أسلافهم العبيديين أو على الأقل أن تتحوّل إلى مثل لبنان أو مثل العراق بفتنها ومذابحها ودمائها، وتشريد وتقتيل من لا يترفَّض من المصريين وغيرهم.

وإنِّي على ضعفي لأنصح لمصر حكومة وشعباً وللأزهر وعلى رأسه شيخ الأزهر وهيئة علمائه أن يكونوا على غاية من اليقظة والحذر من مكر الروافض سياسيين أو هيئات علمية، فكلهم من غلاة الدعاة إلى باطلهم يبذلون في سبيل ذلك كل غالٍ ونفيس.

وعلى شيخ الأزهر وأهل مصر وغيرهم من المسلمين أن يأخذوا العبرة من واقع لبنان والعراق وأفغانستان، وعبرة من تاريخ الروافض ولاسيما من أعمال العبيديين في مصر والمغرب والشام.

وإنِّي بهذه المناسبة لأوجِّه نصيحتي لأهل مصر حكومة وشعباً وللعالم الإسلامي أن يعتصموا بكتاب ربِّهم وسنَّة نبيِّهم في عقائدهم ومناهجهم وعباداتهم وسياستهم واقتصادهم وأخلاقهم، وأن يطهروا مجتمعاتهم من كل ما يخالف الإسلام في كل مجالاته العقائدية والمنهجية .. الخ

وأن يَجدِّوا في انتشال المسلمين من أوحال الذلِّ والهوان التي نزلت بهم بسبب مخالفاتهم الصعبة لما جاء به محمد -صلى الله عليه وسلم-.

وأن يدركوا أن لا سبيل لعزَّتهم وخروجهم من دوَّامة الذلِّ والهوان إلاَّ بالتمسك بالإسلام والاعتزاز بعقائده وشعائره.

وأهيب بالعلماء وطلاب العلم والمثقفين في العالم الإسلامي أن يبادروا بجدٍّ إلى تحقيق هذه الغايات النبيلة.

وفق الله الجميع لما يحب ويرضى وللقيام بأسباب العِزَّة والسيادة والسعادة في الدنيا والآخرة تلك الأمور العظيمة التي تحققت لأسلافهم الكرام بسبب تمسكهم بالإسلام واعتزازهم به، إنَّ ربي لسميع الدعاء، وصلَّى وسلَّم على نبيِّنا محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم.

كتبه
ربيع بن هادي عمير المدخلي
رئيس قسم السنة بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية سابقاً
في 23 من شهر محرَّم الحرام لعام 1429 هـ .

 



مقالات ذات صلة