قراءة في جغرافية الكتائب «الشيعية» المساندة للأسد

بواسطة منى علمي قراءة 2161
قراءة في جغرافية الكتائب «الشيعية» المساندة للأسد
قراءة في جغرافية الكتائب «الشيعية» المساندة للأسد

منى علمي

تشير مئات من أفلام الفيديو إلى الأعداد المتزايدة من المسلحين الشيعة الذين يصلون إلى سورية من كل أنحاء العالم لدعم نظام بشار الأسد. وعلى الرغم من الاستنكار الواسع الذي أبدته وسائل الإعلام العالمية للدور الذي يلعبه المجاهدون السنة في الحرب السورية في السنوات الأخيرة، إلا أن القليل قيل عن المقاتلين الشيعة في سورية، وهم الذي كانوا قادرين على قلب ميزان القوة لمصلحة نظام الأسد.

يأتي أغلبية هؤلاء المقاتلين من العراق ولبنان، وكذلك من إيران وباكستان والبحرين واليمن, و من أفغانستان أخيراً بحسب صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية. جاء أغلبية هؤلاء المقاتلين الأجانب مدفوعين بهويتهم الدينية إلى جانب نظام الأسد الذي يسيطر عليه أفراد من الطائفة العلوية لقتال ثوار أغلبهم من الطائفة السنية.

وقد ذكر مايكل نايتس، وهو خبير في مؤسسة واشنطن، بأنه يوجد ما بين 800 إلى 2000 من المقاتلين العراقيين الشيعة في سورية. وتقدر مصادر مقربة من حزب الله أن نحو خمسة آلاف مقاتل أو أكثر منتشرون هناك، وهو ما يعني أن هاتين الكتيبتين الشيعيتين في سورية تضمان على الأقل من 6,000 إلى7000 مسلح. وهذا الرقم لا يشتمل على أعداد من المقاتلين الذين جاءوا من بلاد أخرى. ولذلك يستخلص نايتس في آخر تقرير نشر له حديثاً أنه "ما دامت الحرب مستمرة، فربما يتزايد الدور المهم الذي سيقوم به لاعبون خارجيون في رجحان الكفة لأحد طرفي الصراع من خلال الدعم المادي وتبني الوحدات المسلحة كل على حدة".

ويضيف، أن من يقاتل حالياً إلى جانب نظام الأسد هو لواء أبو فضل العباس المتمركز في دمشق، وهو مجموعة من المقاتلين، غالبيتهم الساحقة من المقاتلين الشيعة العراقيين المنظمين والمدعومين من قوة القدس، وهو فرع نخبوي من قوات الحرس الثوري الإسلامي في إيران.

ويقول أحد مقاتلي حزب الله، اشترط عدم ذكر اسمه: "توجد إلى جانب أبو الفضل العباس أيضاً مجموعات عصائب أهل الحق وحزب الله العراق. وقوات الحرس الثوري الإيراني هي من يقود القوات الشيعية الأجنبية". وقد ألقت الانتصارات التي حققتها هذه المجموعات الضوء على الدور المتزايد الذي لعبه المقاتلون الشيعة الأجانب. وأحد الأمثلة على ذلك، هو القوات العاملة المؤثرة لحزب الله التي كانت أداة مساعدة في الحملة الاستراتيجية المهمة على مدينة القصير في صيف عام 2013.

وحسب أقوال مقاتل حزب الله هذا، فإنه إلى أن تدخل حزب الله، كان الجيش السوري يعاني خسائر ثقيلة، كما تم نشر القوات العاملة لحزب الله في المناطق المحيطة بدمشق وكذلك حول حلب. وقد ساهمت هذه القوات أيضاً في تأمين نصر في القلمون، وهي منطقة استراتيجية أخرى تقع على الحدود السورية مع لبنان. ومع ذلك، وحسب مقالة نشرتها صحيفة "الشرق الأوسط" في شهر آذار (مارس) الماضي، فقد لعبت المليشيات العراقية دوراً بارزاً في معارك القلمون.

وقد جاء في المقالة نفسها، أن المتحدث باسم عصائب أهل الحق، أحمد كنعاني، صرح بأن الدفاع عن الأراضي المقدسة ضد التكفيريين واجب على كل المسلمين. وكان يتم نشر هذه المليشيات العراقية عادة في سورية بموافقة ضمنية من نظام المالكي. وقد أظهرت صور عرضها التلفزيون العراقي في عدة مناسبات مسؤولون من حكومة المالكي يشاركون في مراسم تشييع المسلحين الداعمين للأسد، من الذين قتلوا في سورية. كما يمكن رؤية نفس الاتجاه في مناطق للحوثيين في اليمن، ففي مقابلة منفصلة، أخبر مسؤولون يمنيون نفس الصحيفة أن مئات من المتمردين الحوثيين (وهم شيعة اليمن) كانوا يقاتلون في سورية، وأنهم كانوا ينظرون إلى القتال هناك على أنه "جهاد مقدس".

ويرى الناشط الشيعي، لقمان سليم أنه "لا أحد يستطيع فهم دور الشيعة في سورية، دون النظر إلى العلاقة بين السنة والشيعة والرواية التي تربط بينهم. هناك خوف من السنة ناتج عن السرد الشيعي المتسم بالمجابهة السائد اليوم".

وحزب الله، وكيل إيران في المنطقة، هو المسؤول الرئيس عن وجود الشيعة الأجانب إلى جانب نظام الأسد. وإيران تدعمهم بتقديم المبررات الدينية لهم والموارد المالية والتجهيزات.

يقول الناشط السوري، أبو عبيدة الشامي، الذي هرب من سورية إلى لبنان: "إنهم يتعاونون عن قرب مع نظام الأسد، وهم حتى يحرسون الأسد نيابة عن القوات السورية". ونتيجة لذلك، يبدو أن حشد المقاتلين الشيعة أكثر تاثيراً من الجهاديين السنة، وذلك بسبب الجهود الإيرانية في دعم الجهود العسكرية. وإضافة إلى ذلك، فإن قوات القدس التي لديها اتصالات قوية مع حزب الله والمليشيات الشيعية العراقية، تجند وتتعامل مع المقاتلين الشيعة الأجانب في العراق ولبنان وبلدان أخرى.

كما ساعدت إيران النظام السوري في تشكيل وحدات من المليشيات مكونة من الشيعة والعلويين الذين زودتهم بالأسلحة وكذلك تقديم المشورة العسكرية والتدريب. وأضاف قائد من حزب الله، جرت مقابلته شريطة أن لا يذكر اسمه، أن مناطق معينة في القصير تحولت إلى ميادين تدريب لهذه المليشيات السورية. وقال نايتس: "كانت عصائب أهل الحق مستمرة في إرسال المقاتلين إلى إيران ولبنان لتدريبهم للتدخل في سورية. وقد جرى تدريبهم، على وجه الخصوص، على كيفية الانتقال من تكتيكات القتال التي استخدمت في العراق (وهي وضع القنابل على جوانب الطرق، والهجمات بالصواريخ المعتمدة على اضرب ثم اهرب، والاغتيالات) إلى قتال الشوارع في المدن، والمهارات العسكرية العادية اللازمة لعمليات القوات الأمنية للنظام في سورية".

ومن الأمثلة الأخرى على التخطيط الدقيق للجهود العسكرية، ما نشرته صحيفة لبنانية تصدر باللغة الإنجليزية، وهي الديلي ستار. فقد نشرت هذه الصحيفة تقريراً في شهر شباط (فبراير) من هذه السنة، تقول فيه إنه تم تجنيد مرتزقة أوروبيين بمساعدة حزب الله للانضمام إلى قوات بشار الأسد في حربه داخل سورية. وقالت هذه الصحيفة إن هؤلاء المقاتلين يمتلكون خبرات مهنية عسكرية وإنهم قاتلوا في الشيشان.

كما أكدت المصادر التي أشارت إليها هذه الصحيفة أن هؤلاء المقاتلين الأوروبيين ارتدوا الزي العسكري لحزب الله، إضافة إلى العصابات الصفراء على رؤوسهم لإظهار ولائهم للحزب. ويقول أبو عبيدة: "كاد بشار الأسد يخسر أمام الثوار حتى تدخلت كتائب شيعية من العراق ولبنان ودول أخرى، وكان يدعم هذه الكتائب الإيرانيون الذين ساعدوهم على تحقيق مكاسب كبيرة على الأرض في أنحاء الأراضي السورية".

اعتمد هؤلاء المقاتلون على رواية دينية مكونة من عدة حجج. فمثلاً، ذكر البعض في لبنان كتاب الجعفر، وهو نص ديني مقدس (عند الشيعة) يتنبأ بعودة المهدي المنتظر بعد حدوث معركة دموية في سورية، تكسبها جيوش آتية من الشرق (إيران). وتعتبر الشيعة المهدي، هو المخلص للإنسانية وآخر الأئمة الاثني عشر. هناك حجة أخرى تقوم على فكرة الدفاع عن مقام السيدة زينب في دمشق، الذي يقال إنه يضم رفات الإمام علي بن أبي طالب وزوجته فاطمة.

إن البعد العسكري الديني لانخراط المقاتلين الشيعة في سورية ستتردد أصداؤه بالتأكيد في مختلف أنحاء المنطقة. وبعد أن ينتهي الصراع في سورية، فإن المقاتلين الشيعة، الذين يكتسبون خبرة من المعارك، سيظلون في بلدان مثل لبنان والعراق واليمن وحتى البحرين. وسيمثلون مكسباً سياسياً لإيران بعد عودتهم إلى بلدانهم الأصلية. والسؤال المهم في هذا المقام هو ما إذا كانت إيران ستختار استخدامهم ليكونوا بمثابة وسيلة ضغط جديدة. لكن من المؤكد مع ذلك أن هذه القوى، مثل حزب الله من قبل، يمكن تحويلها إلى أداة قوية للسياسة الخارجية، على نحو يسمح بتوسيع نفوذ إيران في المنطقة.

المصدر: موقع الإقتصادية



مقالات ذات صلة