شرعية الخلفاء الراشدين

بواسطة د. تيسير الفتياني قراءة 2287

شرعية الخلفاء الراشدين

د. تيسير الفتياني

 

الخلفاء الراشدون هم أعز وأكرم الخلفاء بإجماع الأمة وهم من الصفوة المختارة التي تربت تحت راية الرسول صلى الله عليه وسلم ودافعت عن الإسلام بدمها ومالها واشتركت في بناء مجد الإسلام والدفاع عن الأخطار التي أحدقت به٬ إنهم من كبار الصحابة الذين كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في السراء والضراء يلازمونه ملازمة الظل لصاحبه وقد وردت لهم صورة مشرقة نيرة في القرآن الكريم كل كلمة تعني صفاء هؤلاء وعظمتهم وروعتهم وإخلاصهم وتفانيهم في بناء الإسلام  والدفاع عنه، وقد أثنى الله عليهم ثناء عظيما ومدحهم بأوصاف كبيرة.

 فالخليفة الأول أبو بكر الصديق رضي الله عنه حفظ الله به الإسلام من خطر الردة بحزمه وصرامته وصبره وكان للإمام علي رضي الله عنه موقف واضح من خلافته حيا وميتا فقد بايعه وهو راضٍ عن البيعة مقبل عليها وأخلص له في المشورة والرأي، ووقف على بابه يوم وفاته وخاطبه قائلا: (رحمك الله يا أبا بكر كنت أول القوم إسلاما وأخلصهم إيمانا وأشدهم يقينا وأعظمهم غناء وأحفظهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمسهم برسول الله خلقا وفضلا وهديا وسمتا، فجزاك الله عن الإسلام وعن رسول الله وعن المسلمين خيرا صدّقت رسول الله حين كذبه الناس وواسيته حين بخلوا وقمت معه حين قعدوا وأسماك الله في كتابه صديقا، (والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون) يريد محمدا ويريدك وكنت والله للإسلام حصنا وعلى الكافرين عذابا ولم تقلل حجتك ولم تضعف بصيرتك ولم تجبن نفسك وكنت كالجبل الذي لا تحركه العواصف، كنت كما قال رسول الله ضعيفا في بدنك قويا في أمر الله، متواضعا في نفسك عظيما عند الله، جليلا في الأرض، كبيرا عند المؤمنين ولم يكن لأحد عندك مطمع، ولا لأحد عندك هوادة، فالقوي عندك ضعيف حتى تأخذ الحق منه، والضعيف عندك قوي حتى تأخذ الحق له فلا حرمنا الله أجرك ولا أضلنا بعدك" (المرجع: الصديق أول الخلفاء/ للشرقاوي).

والخليفة الثاني أمير المؤمنين عمر الفاروق الذي أعطى قوة عظيمة للإسلام في مواقفه الخالدة ، صاحب الفتوحات شرقا وغربا ، أرسى قواعد الإسلام في البلاد الواسعة يقول الإمام علي رضي الله عنه (لله بلاء عمر فقد قوم الأمد وداوى العمد ، خلف الفتنة وأقام السنة ، ذهب نقي الثوب ، قليل العيب أصاب خيرها ، وسبق شرها ، أدى إلى الله طاعته ، وأنقاها بحقه).  (المرجع: نهج البلاغة / ج2/ ص333).

والخليفة الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه صهر الرسول صلى الله عليه وسلم تزوج ابنتيه ، كان له جهاد كبير جهز جيش العسرة قدر ثمن الإبل التي صرفها في سبيل الله بمليون سكة ذهبية في ميزان ذلك العصر امتدت في عصره الفتوحات من الشرق حتى وصلت بخارى ومن الغرب حتى شمال إفريقيا فحكم أكبر رقعة من الأرض المسكونة وامتدت الفتوحات حتى وصلت الهند٬ قتل رضي الله عنه وهو مكب على قراءة القرآن الكريم، وهاهو الإمام علي رضي الله عنه يصفه فيقول: (وقد رأيت كما رأينا وسمعت كما سمعنا وصحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما صحبنا، وما ابن أبي قحافة ولا ابن الخطاب أولى بعمل الحق منك وأنت أقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وشيجة رحم منهما، وقد نلت من صهره ما لم ينالا، فالله الله في نفسك فإنك والله ما تبصر من عمى ولا تعلم من جهل). (المرجع: نهج البلاغة/ ج2/ ص48).

والخليفة الرابع علي بن أبي طالب رضي الله عنه ابن عم الرسول صلى الله عليه وسلم نشأ وترعرع في بيت النبوة وكانت له منزلة خاصة عنده وزوج ابنته فاطمة وأبو الحسنين وبطل الإسلام ولم يرد أي نص صراحة أو بالمعنى على تعيينه خليفة أو أنه أحق بالخلافة من غيره فالإمام علي كان يقول لا نص عليه من السماء وأصحابه الذين عاصروه كانوا يعتقدون بذلك وقد استمر هذا الاعتقاد حتى القرن الرابع الهجري وبعد عصر الغيبة الكبرى اعتقد من اعتقد بأن الخلافة حق إلهي لعلي وأولاده من بعده ولكنها اغتصبت منه وهذا مخالف تماما للنصوص الصريحة والواضحة كل الوضوح والتي تؤكد شرعية انتخاب الخلفاء وعدم وجود نص إلهي في تعيين الخليفة ، يقول الإمام علي رضي الله عنه (انه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بايعوهم عليه، فلم يكن للشاهد أن يختار ولا للغائب أن يرد، وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار، فإن اجتمعوا على رجل وسموه إماما كان ذلك لله رضا، فإن خرج من أمرهم خارج بطعن أو بدعة ردوه إلى ما خرج منه، فإن أبى قاتلوه على إتباعه غير سبيل المؤمنين). (المرجع: نهج البلاغة/ ج3/ص7) فها هو يقر رضي الله عنه ببيعة الخلفاء الراشدين الذين سبقوه، فقد كان رضي الله عنه معهم طيلة خمسة وعشرين عاما مستشارا أمينا وصديقا حميما مطنبا في مدحهم وقائلا خير الكلام بحقهم وقد زوج ابنته أم كلثوم لعمر ابن الخطاب وسمى أولاده أبا بكر وعمر وعثمان وهو راضٍِ عن تسميتهم ، فهل كان رضي الله عنه مرغما وغير راضٍ ، أم أنه كان يخادع المسلمين في عمله والخلفاء في بيعته، وهل انه قال كلاما لا يعتقد فيه وعمل عملا لا يؤمن به، وهل كان يظهر شيئا ويضمر شيئا آخر؟ معاذ الله من ذلك، وعندما دخلت الأهواء والمصالح كان من بعض الفرق موقف آخر وهو العنف والقسوة والكلام الجارح فالغريب من الذين يرفعون شعار حب الإمام علي وأولاده وفي نفس الوقت يضربون بعرض الحائط سيرته وسير أولاده رضي الله عنهم من بعده.

وخلاصة الأمر أنه لا صحة لمن يدعي بأن الخلافة كانت بالنص الإلهي لعلي وأولاده وأن الصحابة الكرام رضي الله عنهم خالفوا النص الإلهي بانتخابهم أبا بكر، لأن في ذلك تجريحا لكل الصحابة ونسفا لعصر الرسالة والمجتمع الإسلامي الذي كان يعيش في ظل النبوة والذين يقولون بذلك يسيئون للإمام علي وأهل بيته رضي الله عنهم بصورة هي أشد وأنكى مما قالوه ورووه في الخلفاء والصحابة وفي هذا تشويه كل شيء يتصل بالرسول صلى الله عليه وسلم وبعصره وصحابته الكرام رضوان الله عليهم وكأنهم أخذوا على عاتقهم هدم الإسلام تحت غطاء حبهم لآل البيت.

 



مقالات ذات صلة