معظم الشبان المتواجدين في ساحات لبنان، كانوا في سن صغيرة، وربما لا يحملون ذكرى واضحة عن تلك الخطبة بعد ظهر 7 أيار 2008، وما تلاها فور ختامها. لكنها في المجمل على شبه مخيف بخطبة 25 تشرين الأول 2019. وفي الحالتين، حسن نصرالله هو نفسه، قائد الميليشيا الأكثر فعالية وبأساً في الشرق الأوسط. وهو نفسه الذي يحكم لبنان من غير صفة رسمية وبكثير من فائض القوة وقابلية العنف "المتقن".
تعمد قائد "حزب الله" يوم الجمعة تذكيرنا تحديداً بذاك اليوم "المجيد" (السابع من أيار)، بل جعلنا شبه موقنين منذ الصباح أن خطابه عند الرابعة بعد الظهر، سيكون بمثابة "أمر عمليات" تماماً كما حدث قبل 11 عاماً. ولربما تمتع في سريرته بجعلنا هكذا واقعين في خوف مما سيقوله ويقرره، ومتقصداً إيحاءنا أنه سيكرر فعلة العام 2008.
من أجل هذا، كان خميس الاعتداءات في بعلبك والنبطية ورياض الصلح تنشيطاً عملياً وميدانياً لذاكرتنا المرضوضة، وتوكيداً حسياً لظنوننا بأن الخطاب سيكون بمثابة إعلان بدء الحملة التأديبية. علاوة عن أن هذه "الغارات" على المعتصمين هي إضافة أخرى لم يكن لها قرين في العام 2008، تحيلنا تلقائياً إلى أسلوب شبيحة بشار الأسد في بدايات الثورة السورية. إضافة مرعبة ولا شك.
لحسن حظنا، الذي سينفد قريباً على الأرجح، قرر حسن نصرالله أن لا يكون خطابه ابتداءً لغزوة مسلحة، إذ اكتفى بالإيحاء بها عبر قطعان الدراجات النارية، التي انبثقت من جحورها دفعة واحدة وانتشرت كهيستيريا ميليشياوية موتورة.
خطبة 25 تشرين الأول اكتفت بالمشابهة لا التماثل مع خطبة 7 أيار. وهو ارتضى ذلك الآن ومؤقتاً، أغلب الظن، لا لضعف أو "تهذيب" طارئ، فهو كان شديد الاعتداد بإصبعه وبقوته، وكان حريصاً على توكيد استعداده لـ"بذل الدم"، ولم يتوان أصلاً عن التلويح بضم لبنان إلى خريطة الحروب الأهلية في المنطقة، التي يستتب عليها ويديمها وينتجها محور الممانعة.
كان الأمين العام "شفافاً"، كعادته، صريحاً إلى أقصى حد. وما لم نفهمه في العام 2008 يجب أن نفهمه الآن. حسن نصرالله هو النظام. والنظام هو حسن نصرالله.
لذا، كان حريصاً على إفهام كل شاب وشابة في لبنان. لكم الحق في أي احتجاج معيشي اقتصادي. لكم الحق في شكوى من الفساد. أما هذه العبارة "إسقاط النظام" فستضطره إلى أن يفعل ما فعله وهو ومحوره على منوال "الأسد أو نحرق البلد".
حسن نصرالله هددنا بهذا وليس أقل من ذلك.. وبابتسامة عريضة.
المصدر : المدن
27/2/1441
26/10/2019