الخطر السني.. ذريعةُ دِمَشْقَ للعودة إلى لبنان!
طارق ديلواني
التاريخ: 9/10/1429 الموافق 10-10-2008
الإسلام اليوم / كُلُّ المؤشرات والدلائل تُنْبِئ برغبة دفينة لدى دمشق؛ للعودة مُجَدَّدًا إلى لبنان، لكن هذه المرة عبر الشمال، وبحجة تَحَوُّلِهِ إلى مَعْقِلٍ للتنظيمات الأصولية السُّنِّيَّة، على حَدِّ تعبير الرئيس السوري بشار الأسد، في تصريحاتٍ لم تكن زَلَّةَ لسان، بقدر ما عَبَّرَتْ عن مكنونِ ونِيَّاتِ النظام السوري.
فالقراءة المغايرة لحادث الانفجار الأخير الذي ضرب دمشق، ومن بعده انفجار طرابلس، تقول بأن سوريا تَتَحَيَّنُ الفُرَصَ، وتفتعل الأحداثَ؛ للعودة إلى لبنان مُجَدَّدًا ، ولا يمكن تشخيصُ الحادثين الأخيريْنِ إلا في سياقٍ واحدٍ، هو تبرير أيِّ تدخُّلٍ عسكريٍّ ضِدَّ سُنَّة الشمال، وإشاعةُ أجواء التَّطَرُّفِ السني في طرابلس تحديدًا .
الفبركات الإعلامية والأمنية التي صدَّعَتْنَا بها دمشق طَوَال نحو عامين، ومحاولة ترسيخ فكرةِ أنها مُسْتَهْدَفَةٌ من تنظيمات أصولية سُنّية، كانت مُجَرَّدَ وَقُودٍ لنارٍ ستأكل الأخضرَ واليابسَ في الشمال اللبناني، بِحُجَّةِ لَجْمِ التطرف السُّنِّي ، لكنّ الأمر لا يخلو من ردِّ فعلٍ مدروسٍ، قد تكون طهران على اطلاعٍ وثيقٍ به، بعد الاستنفار الشيعي الأخير ضد تصريحات الدكتور يوسف القرضاوي، وما صاحَبَ ذلك من سِجَالٍ بين الشيعة والسُّنّة.
خَلْطُ الأوراق السياسية والعسكرية والطائفية لُعْبَةُ دمشق في ربع الساعة الأخيرة، ربما للعودة إلى لبنان؛ ولتخفيف الضغط عليها، وربما أيضًا لِكَسْبِ الوقت، وكسر العزلة الدولية، أو حتى التغطية على مشروع التشيع السياسي والمذهبي الذي تقوده برعايةٍ إيرانية .
وتشهد المنطقة حشدًا طائِفِيًّا غير مسبوق على الإطلاق، ويد سوريا ليست نظيفة من الخوض في هذا المحظور، فثمة من يقول: إن الأخيرة، التي تَضُمُّ مستودعًا بشريًّا خالصًا من السُّنَّة، بدأتْ معركةَ كَسْبِ عقولٍ وقلوبٍ منذ سنواتٍ لتحويل البلاد إلى المذهب الشيعي، وأنها تريد استكمال ذلك باحتلال الشمال اللبناني السني، مدفوعةً بحشدٍ عسكريٍّ تجاوَزَ العشرة آلاف جندي على الحدود حتى اللحظة.
كل تلك الفرضيات لا تنفي أن الموقف مُلْتَبِسٌ في دمشق تماما، وأنّ كل الاحتمالات والفَرَضِيَّات مفتوحةٌ، في عالمٍ تحكمه المصالح الإقليمية، فثمَّةَ مَنْ يرى يدًا لطهران فيما حدث ويحدث من تراكمات في المشهد السوري، على اعتبار أنّ إيران حريصةٌ على عدم زعزعة حِلْفِهَا الوثيق مع دمشق، حتى لو كان عن طريق اللعب استخباراتيًّا في الساحة السورية.
وعلى أساس هذه القاعدة فلا أَحَدَ مُسْتَثنًى من الشكوك، لا إيران، ولا التنظيمات السنية المفترضة، ولا حتى سوريا نفسها، لكنّ الأكثرَ دِقَّةً ومنطقًا القولُ بوجودِ مَسْرَحِيَّةٍ سورِيَّةٍ جديدة ومفبركةٍ لخلط الأوراق.
فمنذ بداية العام والمشهد السوري يحفلُ بأحداثٍ غامضةٍ غيرِ مفهومة، بدءًا من اغتيال عماد مغنية، مرورًا بمقتل العميد محمد سليمان، وانتهاءً بقمع سجناء صدنايا .
أما الأحداث التي شهدتها طرابلس مُؤَخَّرًا، فليست بعيدةً عن سياقات الأطماع السورية، وقد يسأل البعض عن سر هذا الانتعاش السوري، فنقول: إن عوامِلَ عديدةً ساهَمَتْ بِمَنْحِ دمشق جرعة زائدة من الثقة، بعد أن قاربت على الرضوخ للمجتمع الدولي.
فتَرَاجَعَ حِلْفُ دول الاعتدال مُقَابِلَ دول الممانعة، إلى جانب تسويةِ البيت الداخليِّ اللبنانيّ، على نَحْوٍ يُرْضِي دمشق، ويتيح لها التَّحَكُّمَ بمفاصل السياسة الداخلية اللبنانية، عدا عن التقارب مع الغرب، وتحديدًا فرنسا، وتَرَاجُع دور المنافس الأبرز (السعودية) في لبنان..
وكلها جرعاتُ ثقةٍ زائدةٍ لدمشق .
وتبدو سوريا على الأرض مَعْنِيَّةً بحسم الصراع في الشمال اللبناني أولا لصالح الأقلية العلوية التي ينتمي إليها النظام السوري، ولصالح الشيعة وحزب الله ثانيا.
ولكسر شَوْكَةِ سُنَّةِ لبنان في معقلهم بطرابلس أهميةٌ استراتيجِيَّةٌ تَبْنِي عليها دمشق آمالها في كَسْرِ شوكة المعارضين لها في العموم؛ إذ إن سقوط تيار المستقبل وحلفائه في الشمال، بالضرورة، يعني سقوطهم في قلب بيروت .
التاريخُ إذن سيعيد نفسه كما يبدو، وسيُعِيدُ معه السوريين إلى لبنان مجدَّدًا، والبوابة هي طرابلس!