راشد فايد
2015-10-29
طمأننا الأمين العام، في خطبه العاشورائية، إلى أن الخطر الإسرائيلي على حياته لم يعد قائمًا: خاطب جمهوره علنًا، وليس لبضع دقائق، كما فعل سابقًا، بحجة أنّ وصول طائرة إسرائيلية إلى مكانه، أو استهدافه بصاروخ من فلسطين المحتلة، يستلزمان 10 دقائق، على أقل تقدير.
ربما في ذلك ما يفيد بأنّ التنسيق الروسي – الإسرائيلي– الإيراني – الأسدي، يشمل "لجم" العدوانية الإسرائيلية تجاهه، وإلا علامَ "التمادي" في "الظهور"، بينما لم يتغير، علنًا، أيّ معطى في المواجهة الأبدية الموعودة مع "العدو الإسرائيلي"، بدليل تحية الأمين العام نفسه إلى "المجاهدين في المقاومة المرابطين على الحدود الفلسطينية"، أي على حدود القرار 1701، الذي يفيد مضمونه، وتطبيقه، بأنّ الحرب مع العدو انتهت إلى غير رجعة، إلا إذا أمره الولي الإيراني بإدخال لبنان في مغامرة مدمرة جديدة، كما في 2006، أو إذا قرر العدو التمرد على القرار الدولي بأيّ حجة، ولو واهية، كما في اجتياح 1982.
في الوقت نفسه أوحى زِيّ الأمين العام، بأن الخطر المحتمل عليه، هو من عملية اغتيال، أو تفجير مباشر، بدليل الحماية الشخصية له، والدرع الواقية التي يرتديها.
في ظلال الأمرين، لم يفعل الأمين العام سوى الاستمرار رأس حربة إيرانية في المنطقة، والداخل: أصرّ على فتح النار على الجميع، في إطار تأصيل المذهبية، واستنفار الجمهور. ومن يعد سماع الخطب، أو يقرأ نصوصها، يتوهم أن الخطيب يتصدى لدور قوة دولية عظمى، تحار عين عنايتها على من تركز، وبأي عدو، أو قضية تهتم: "أساحات القتال في سوريا"، أم "الحرب التكفيرية" أم "حجاج منى" و"آل سعود"، أم "نتنياهو وجد جده"، أم "الإخوان العراقيون الذين يراهنون على أمريكا"، أم "الشعب اليمني" أم "البحريني"، أم الأزمة اللبنانية ومعها من ينفرد في اعتباره "الممثل الحقيقي للشعب".
تنويع الخصوم ليس سوى تعبير عن مأزق مع القاعدة الشعبية، التي اعتاد الخطيب شد عودها، حين تبدأ تأففها مما وصلت إليه الأمور، فيشيطن الأعداء، وينشط العصب الديني- المذهبي، ويستوهم دُنُوّ الخطر من كل اتجاه. لكنه، وللمرة الثانية في تاريخ خطبه، يدافع عن علاقته بإيران، ويبررها بالقول: "نحن سادة عند الولي الفقيه". السبب أنّ القاعدة الشعبية لحزبه باتت تتساءل: إن كان يدين الآخرين بتهمة "العمالة" والخضوع لسياسة هذه الدولة أو تلك، فما هو توصيف علاقته بطهران، وهو القائل: إنه ينفذ ما يطلبه وليه الفقيه الإيراني بلا احتكام إلى منطق أو قانون أو دستور؟
لم تكن ذكرى عاشوراء مناسبة استقواء، كما يتوهم السامع للوهلة الأولى، كانت لحظة استجداء التفاف بعضلات الوهم. وهو، منذ 2006، لم "يظهر" على جمهوره إلا في لحظة أزمة علاقة معه. وما "تنويع الأعداء" إلا من المقتضيات.
المصدر: صحيفة النهار اللبنانية