الصهيونية والصفوية": كيف التقتا في الفوضى الخلاقة اليوم؟
فوزية رشيد
التاريخ: 1/6/1432 الموافق 05-05-2011
لعل ما حدث في أزمة البحرين الأخيرة، أو في «محاولة الانقلاب الطائفي» الفاشلة، قد أسقط ضوءا شديدا، على تداخل الأجندتين «الصهيونية والصفوية» كمحاولة لرسم خريطة سياسية جديدة للخليج العربي، في ضوء ما تم في السنوات الأخيرة من تغيرات في «ميزان القوى» في الخليج على خلفية ضياع هوية العراق «العروبية» السابقة بعد الهيمنة العقدية والسياسية الايرانية على تلك الهوية، وحيث كانت قبل الاحتلال الأمريكي «سدا عروبيا منيعا» في وجه «الأطماع الصفوية وتصدير الثورة الخمينية» لتصبح الحكومة العراقية اليوم حليفا وتابعا لها.
أضف الى ذلك وخلال العقد الماضي ازدياد التورط الأمريكي في أفغانستان والعراق، الى جانب دخول «لبنان» على خط المواجهة مع اسرائيل على يد «حزب الله» الحليف اللبناني لإيران، مما مهد ذلك كله معا، وفي ضوء خشية امريكا من اي مواجهة عسكرية كبرى مع ايران، نقول مهّد ذلك كله «للانقلاب الاستراتيجي الأمريكي»، لرسم مسارات خريطة جديدة للتحالفات تبدو في ظاهرها غير متوقعة وغير مفهومة للكثيرين. وحيث التحالف كان مع «أهل السنة» أثناء الاحتلال السوفيتي لأفغانستان، ليتحول تدريجيا الى التحالف مع (الشيعة) بعد الاحتلال الأمريكي للعراق، والرسوخ التدريجي ايضا للهيمنة الايرانية فيه، مما يلقي الضوء على الكثير من (الالتباسات) التي يعتقدها البعض غامضة، وهي ليست كذلك كثيرا، حين تأمل (دواخل) الاستراتيجيتين الأمريكية والايرانية، وهو ما تناولناه في المقالات السابقة.
ان خفايا ودهاليز أشكال التعاون ما بين أمريكا وايران بعضها معلن وبعضها خفي، والمعلن فيها كما جاء في التصريح الايراني من بعض مسئوليه الكبار أنه «لولا التعاون الايراني لما تمكنت امريكا من انجاح الحرب على افغانستان والعراق او دخولهما».
فيما الدهاليز الخفية تفضحها الوقائع على ارض الواقع في العراق والخليج، والدعم الامريكي «للطائفة الشيعية» فيهما، على قدم وساق مع الدعم الايراني بالطبع لذات الطائفة، وهو ما انكشف بجلاء في ازمة البحرين الأخيرة، ولولا وقوف «السعودية» المعهود بثقليها الاقليمي والاسلامي مع البحرين في الازمة، ودخول «درع الجزيرة» لتحقيق «حماية استباقية» لإجهاض اي مخطط اقليمي ودولي، تصاعدت رائحة طبخته اليوم، وحيث تضافرت فيها «نظرية الفوضى الخلاقة ونظرية ولاية الفقيه»، ولولا ايضا ظهور «تجمع الفاتح» مرتين لاعلان تضامن غالبية الشعب البحريني مع نظامه، لكان الانكشاف الامريكي - الايراني أكبر، ولكن بعد وقوع الفأس في الرأس، رغم ان حكمة القيادة في البحرين من خلال طرح التهدئة والحوار في معالجة الازمة، كان قد كشف خلال «شهر» الازمة الحادة الكثير من الاوراق وعلى رأسها الأوراق الايرانية فالأمريكية وتداخلهما المريب.
ورغم ما اتضح للعيان بشكل واضح خلال ازمة البحرين من تداخل الاوراق او الاجندات ما بين الولايات المتحدة والعامل الشيعي في الخليج وبين ايران وذات العامل، فان ما يراد لمنطقة الخليج هو تقاسم ذات الدور مجددا ما بين امريكا وايران، او ما بين (الصهيونية والصفوية) الذي تم في العراق الى الآن وتجاه الخليج لولا دخول «درع الجزيرة»، لتمثل الازمة البحرينية في هذا المشهد الخطر والمتداخل حسب اعتقادنا، ليس فقط صدمة لأهل البحرين والخليج، وانما لأنظمته وحكامه ايضا، الذين ركنوا الى الوثوق بتحالفهم مع الولايات المتحدة، ليأتي تكشف ذلك «التداخل» المفضوح حينا والمتناغم حيناً آخر بين مشروع (ولاية الفقيه) ومشروع (الفوضى الخلاقة) مكشوف اليوم أكثر من أي وقت مضى، (لاستيلاد قسري لخليج فوضوي وغير مستقر) خاصة مع إعلان «الجمهورية الإسلامية» في الدوار، وبقاء التصريحات الأمريكية متذبذبة في انتظار (المنتصر)، لكأن هناك ما يشبه وقع خطى تحالف جديد، ومحاولة فرض موازين قوى مختلفة، تكون فيها (الأقلية الشيعية في الخليج) هي (المتسيّدة في السلطة)، حتى إن كان ضحية ذلك التغير الأمريكي في مشروعه التحالفي الجديد، هي شعوب وبلدان الخليج برمته، بما في ذلك خلخلة أنظمة الخليج الراسخة منذ زمن طويل من البوابة البحرينية وبتوافق مع شعوبها.
إن دخول (درع الجزيرة) إلى البحرين وإعلان (حالة السلامة الوطنية) وتكاتف الشعوب الخليجية من (أهل السنة) خاصة خلف أنظمتها، حال دون تحقيق ما كان يُحاك في الخفاء، بين القوتين الطامعتين في الخليج، على الرغم من استمرار الاستهداف الإعلامي للبحرين والسعودية وتناغمه، ما بين الفضائيات الإيرانية المنتشرة في المنطقة والأخرى الدائرة في فلكها، وبين الـ )CBB( والـ )NNC( والغربية الأخرى وبشكل واضح ومفضوح أحيانا، لدرجة تثير الاستغراب في ظل (العداء الظاهر والمعلن) ما بين إيران والولايات المتحدة وربيبتها إسرائيل، ولكن لأن وراء الأكمة ما وراءها، إلى جانب ما تمت رؤيته رؤية العين، وتكشفه عبر التصريحات والمواقف وخفايا السلوكات الإيرانية من جهة، وعدم صلابة التصريحات والمواقف الأمريكية من أزمة البحرين والخليج من جهة أخرى، وعلى خلفية تصرفات السفارتين (الأمريكية والبريطانية) سابقاً وأثناء الأزمة مع المعارضة الشيعية الأبرز (الوفاق) ثم مع (الانقلابيين) في الأزمة، لولا ذلك لما كنا سنصدق ذلك (التناغم الخفي) الصهيوني الأمريكي والصفوي الإيراني تجاه الخليج في تغليب (العامل الشيعي) فيه، وحيث كان الأغلب يعتقد أن التوجه الإيراني العدائي هو ضد أمريكا وإسرائيل، وبدعم المقاومتين اللبنانية (الشيعية) والفلسطينية (السنية)، لتحرير فلسطين فقط.
لتتضح اليوم وبعد أزمة البحرين، والتركيز الإعلامي في خفايا الاستراتيجية «الإيرانية» أن خلف ذلك الدعم للمقاومة الفلسطينية تحديداً هو نظرية (أم القرى) التي تسعى إلى تحرير (القدس) لا لأهلها الفلسطينيين، وإنما للسيطرة عليها لاحقاً، كمركز إسلامي يلي في الأهمية السيطرة على (مكة) بعد تمدد إيران وتوسعها خليجيا، وبعد ضمان التمدد في العراق مسبقاً، وهو سرّ التعاون الايراني الخفي للولايات المتحدة لاحتلال العراق مثلاً ثم استمراره بعد ذلك الاحتلال، وهو ذات المستقبل الذي يريده «الولي الفقيه» الإيراني، لتحقيق (الثورة المهدوية العالمية) بالبدء باحتلال الخليج، الذي يراد رسم خريطته الجديدة مع أمريكا على نار (الفوضى الخلاقة) التي تم اشعالها في العديد من البلاد العربية، ليتم اختطاف البحرين عبر (الانقلاب الطائفي على الحكم) ثم تتم (خلجنة) تلك المتغيرات لتتجه نحو تغليب (الأقلية الشيعية) في السعودية والكويت وبقية دول الخليج، ولم يأت تصريح رئيس أركان الجيش الإيراني مؤخراً بأن (الخليج ملك لإيران) إلا في إطار ذلك التصور وذلك التخطيط، فيما الولايات المتحدة تلتزم الصمت المريب تجاه تصريحات كهذه من المفترض أنها تهدد حلفاءها الخليجيين وباعتبارها حليفا استراتيجيا لهم وليس لإيران أو الموالين لها من (الأقلية الشيعية) في الخليج.
وللحديث صلة.
المصدر: أخبار الخليج البحرينية