ثورة في البحرين! ومؤامرة في دمشق وطهران!
حسان القطب
التاريخ: 14/4/1432 الموافق 20-03-2011
من مصلحة إيران بالدرجة الأولى أن تتحول الاحتجاجات السياسية والاجتماعية المشروعة الى جولة جديدة من صراع طائفي عابر للتاريخ. كل العناوين الأخرى في طريقها للتلاشي.
المشهد عينه الذي نراه في المنامة عاصمة البحرين، عشناه ونعيشه في شوارع طهران وأصفهان ومشهد وزاهدان والأهواز ويتكرر اليوم في شوارع دمشق. مظاهرات شعبية تطالب بالحرية والعدالة وتطوير الواقع الاقتصادي والاجتماعي.. وتنشيط الحياة السياسية بالسماح للقوى المختلفة والمتنوعة بإقامة وإنشاء أحزاب حرة من كل تبعية للسلطة تمارس العمل السياسي ضمن توجهاتها وخدمةً لمفاهيمها.. وتتنافس فيما بينها للوصول إلى رأس هرم السلطة لخدمة شعبها وبلادها سواء كان النظام ملكياً بالفعل... كالنظام البحريني.. أو جمهورياً ملكياً كالنظام السوري.. حيث تمتزج المفاهيم الجمهورية بالروح الملكية والحالة العائلية في سلطة الشعب والحزب..أو نظام جمهوري ديني... كالنظام الإيراني .. حيث تندمج مؤسسات الجمهورية في نظرية ولاية الفقيه الحديثة العهد في المذهب الشيعي، لتقع السلطات الممنوحة لرئيس الجمهورية الإيرانية وسائر المؤسسات الدستورية المفترضة تحت سلطة الولي الفقيه الذي يدير السلطة والبلاد إدارة كاملة دون تفصيل ذلك دستورياً أو تقنين صلاحياته.. أو بالأحرى الولي الفقيه يحكم بسلطة مطلقة ويحاسب كافة قيادات السلطة في البلاد دون أن يحاسبه احد..باعتباره سلطة عليا.
في البحرين مظاهرات غلب عليها وعلى جمهورها الطابع الشيعي، واختصرت مطالبها برفع شعارات دينية والمطالبة بحصة أوفر في السلطة. أي بتكريس مفهوم تقاسم السلطة وفق أسس تؤدي إلى تعزيز الروح المذهبية في مؤسسات الدولة. وهذا ما نعاني منه نحن في لبنان منذ عقود. واليوم حين يطالعنا نبيه بري وحزب الله وتابعيهم بالمطالبة بإلغاء الطائفية السياسية من مؤسسات الدولة باعتبارها علة العلل، ومصدر الفوضى والقلق والحروب الداخلية والتباينات السياسية... نرى بالأمس حزب الله وجموع نبيه بري تتظاهر وبحماسة للمطالبة بإقامة توازن طائفي في بلاد البحرين، وأصبح ملك البحرين طاغية وظالم.. وسوى ذلك.. من عبارات ومصطلحات.. وكان من المفترض نصيحة البحرينيين من قبل بري وحزب الله برفض الانخراط في مشاريع طائفية ومذهبية حرصاً على وحدة البلاد، وحتى لا تصاب البحرين بما أصاب لبنان. واستكملت دولة إيران هذه الهجمة، أو بالأحرى تم فضح هذا المشروع، حين طلب الرئيس الإيراني من القادة البحرينيين تلبية المطالب «المشروعة» للمعارضة التي يشكل الشيعة غالبيتها. وقال: «من أصل 700 ألف نسمة يحتج 600 ألف ويطالبون بالتغيير. يجب احترام الشعب وإجراء إصلاحات. فكروا في مستقبلكم».
وأضاف احد الصحافيين المقربين من حزب الله وبري قائلاً "لذلك تحذر جهات شيعية مواكبة من تطور الوضع الأمني في البحرين وانعكاسه على لبنان في ظل المناخ الانقسامي بين السنة والشيعة". صورة المشهد البحريني والأوصاف التي تطلق على التحركات الشعبية فيه، تتناقض تماماً مع الاتهامات التي تطلق على التحركات الشعبية المناهضة للسلطة الحاكمة في طهران ومطالبها فهي وبحسب الجهات عينها (غير مشروعة) ومؤامرة تستهدف نظام الجمهورية الإيرانية، والإعدامات التي تنفذ بالعشرات في مدن عدة مختلفة من دولة إيران بحق الأقليات الدينية والمعارضين السياسيين ضرورية لضبط الوضع الأمني، وعمليات القمع الوحشية المتواصلة بحق المواطنين الإيرانيين فهي مبررة ومشروعة في إيران ولدى حزب الله وبري وأتباعهم.
وهي غير مبررة على الإطلاق على حد قول احمدي نجاد وحزب الله وبري وسواهم في البحرين وبعض المراجع الدينية، ولا يمكن أن نغفل الإشارة إلى أن وسائل إعلام هذه الجهات المرتبطة بهذا المشروع تتجاهل كلياً المظاهرات الشعبية في العاصمة السورية وحملات الاعتقال التي تطال الناشطين السوريين المطالبين بنفس المطالب التي يتقدم بها المتظاهرون في البحرين وطهران... ولكن القراءة مختلفة لدى هذا الفريق.. والتعاطي السياسي متباين ومتقلب لدى هذه القوى السياسية.. الكيل بمكيالين ليس صفة إسرائيلية أو أميركية خاصة.. بل أصبحت من ضمن صلب مفاهيم حزب الله ونبيه بري والنظامين السوري والإيراني... فكيف نصدق وقد رفعت شعارات طائفية ومذهبية في مظاهرة الأمس أمام مبنى الأسكوا التابع للأمم المتحدة، بأن بري وحزب الله يريدان حقاً إلغاء الطائفية السياسية من الحياة السياسية اللبنانية، وهما يؤيدان معارضة بحرينية تقدم نفسها على أنها تمثل طائفة ومذهب؟ وفي الوقت عينه يتجاهلون مطالب محقة للشعب السوري يقمعها النظام بقوة وحدة؟ ولا بأس من الإضاءة على بعض المواد الدستورية الإيرانية لنرى التمييز داخل إيران بحق الأقليات والتناقض بين الممارسة الداخلية لنظام إيران وعناوين السياسة الخارجية التي تتبعها إيران...بحق الشعوب الأخرى...
المادة 12 من الدستور الإيراني المعدل عام 1989م والمترجم إلى العربية بواسطة المستشارية الثقافية الإيرانية في دمشق، حيث تقول المادة أعلاه "أن المذهب الجعفري الأثني عشري يبقى إلى الأبد المذهب الرسمي لإيران وغير قابل للتغير". إذا كان هذا نص المادة 12 من الدستور الإيراني غير القابل للتغيير.. فكيف هي حال الأقليات الإسلامية وغير الإسلامية في إيران؟ وأما المادة 115 والتي تتعلق برئيس الجمهورية فقد جاء في الفقرة الأولى منها ما يلي: أن يكون رئيس الجمهورية إيراني الأصل ويحمل الجنسية الإيرانية، أي أن يكون من أبوين إيرانيين. وهذا يعني أن الفارسي فقط يحق له أن يصبح رئيسا للجمهورية حيث بات عرفا أن الإيراني هو الفارسي والدستور الإيراني يؤكد ذلك في مادته 15 عندما نص على أن تكون اللغة والكتابة الرسمية والمشتركة هي الفارسية.. بالرغم من أن العنصر أو العرق الفارسي في إيران لا يتجاوز ما نسبته 49% من عدد السكان الإيرانيين.. والمادة 121 التي تحدد طريقة أداء رئيس الجمهورية لليمين الدستوري توجب عليه القول التالي: أقسم بالله وفي حضرة القرآن الكريم أن أكون حاميا للمذهب الرسمي للبلاد... إذاً المذهب الرسمي يتجاوز كافة الأديان والمذاهب..
هذه عينة بسيطة من مواد الدستور الإيراني التي تشير إلى تناقض الدستور الإيراني مع السياسات الإيرانية المتبعة أو بالأحرى تفضح حقيقية أهدافها، حيث تضطهد الأقليات العرقية والدينية في إيران من أكراد، وعرب وبلوش، وتركمان، وسواهم.. وأهل سنة، وزرداشتيين، ومسيحيين، وغيرهم بحجة أنهم أقليات... ثم تقوم دولة إيران باستغلال الأقليات الشيعية في العالم العربي والإسلامي فتحرضهم على مجتمعاتهم وشعوبهم وأهلهم وأنظمتهم، تحت العناوين والمطالب عينها التي تحرمها وتحجبها عن مواطنيها بحجة تحسين ظروفهم وتحصيل حقوقهم..سعياً لإشعال نار الفتنة في مجتمعاتنا وتقسيمها إلى دويلات طائفية ومذهبية خدمةً للمشروع التقسيمي الذي يستهدف ثروات وخيرات منطقة الشرق الأوسط وإعادة إنتاج شرق أوسط جديد، ولكن على أسس دينية وطائفية تعيش الصراع التاريخي الذي يستنهضه البعض من سباته كل يوم وكل مناسبة، للوصول بنا إلى هذه المرحلة السيئة من تاريخ وطننا ومجتمعاتنا وامتنا..فإذا كانت الحركة الشعبية محقة في البحرين.. كما يقول هؤلاء فهذا يعني أن التحركات الشعبية في دمشق وطهران محقة أيضا ومشروعة.. والانتفاضات المتعددة في الدول العربية والإسلامية التي نعيش تفاصيلها هذه الأيام، إذا ما تم التعامل معها بهذه الروحية وهذه المنهجية فمصيرها أن تفشل، والمطالبة بتحسين الظروف المعيشية وتعزيز الحريات والديمقراطية في مجتمعاتنا ستتلاشى أمام تغليب عناوين الصراع الديني التاريخي على المطالب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية...والشعارات والعناوين المرفوعة والرايات التي يتم التلويح بها لا تخفي هذه الحقيقة ولا هذا الواقع..
المصدر: ميدل ايست أونلاين