حَسَن وإيران وإعدام العملاء
د. محمد بسام يوسف
الانفعال الذي صدر عن (حزب خامنئي اللبناني)، على تقرير مجلة (دير شبيغل) الألمانية، الذي يتّهم الحزبَ بضلوعه في جريمة اغتيال الرئيس (رفيق الحريري) رحمه الله.. كان شديداً لا يتناسب مع تقريرٍ صحفيّ!.. والصخب الذي افتعله الحزب في أجهزة إعلامه يلفت إلى أمرٍ ما، يخاف الحزب من إعلانه أو يخاف من خروجه عن السيطرة!.. والاتهامات الثقيلة التي وجّهها بيان الحزب بهذا الخصوص إلى الصحافة ووسائل الإعلام التي نقلت التقرير عن المجلة الألمانية، تدعو إلى الدهشة والتأمّل، والتهمة دائماً جاهزة، وعلى المقاس الجاهز لحسن وحزبه في مثل هذه الأحوال: العمالة لأميركة و(إسرائيل)!.. لأنّ هذا الحزب –بزعم قادته وأفراده- فوق الشبهات، وفوق الكائنات، ولا يجوز بأي حالٍ من الأحوال إزعاج مقامه (الرفيع)!..
منذ أكثر من ثلاث سنوات، ليس هناك ما يَشغل (حزب الوليّ الفقيه) اللبنانيّ، سوى المحكمة الدولية، وكل سلوكه وصخبه السياسيّ ثم العسكريّ.. يدور حول هذه القضية، من اعتراضٍ على الحكومة اللبنانية حول موافقتها على تشكيل المحكمة، إلى الانسحاب من الحكومة، إلى التهديد بالنـزول إلى الشارع لإسقاطها، إلى تنفيذ التهديد ومحاصرة بيروت والمؤسّسات الحكومية مدة سنةٍ ونصفٍ تقريباً، إلى مهاجمة بيروت وتنفيذ مختلف أنواع الجرائم الطائفية فيها، قتلاً وتدميراً وتخريباً.. فلماذا ينـزعج (حزب الوليّ الفقيه) من مجرّد تقريرٍ تنشره مجلة ألمانيّة؟!.. علماً بأنّ حسن وحزبه اللبنانيّ وحلفاءه يتّهمون العدوّ الصهيوني باغتيال الرئيس الحريري، فلماذا إذن تهافتوا على كل الجبهات للحيلولة دون تشكيل المحكمة، ولعرقلة عملها؟!.. ألا يرغبون بكشف الصهاينة الذين اغتالوا رئيس الوزراء اللبنانيّ؟!..
* * *
(حسن نصر) كان له حديث طويل بتاريخ 20/5/2009م، وظّف خلاله بضع ساعاتٍ للحديث عن إيران، التي يفتخر بتابعيّته لها، عبر اعترافه علناً خلال أحد خطاباته الصاخبة، بأنه تابع للوليّ الفقيه الإيرانيّ!.. في ذلك الحديث الطويل، لم يأتِ زعيم (حزب خامنئي اللبناني) على ذكر المقاومة العراقية، ولا المقاومة الأفغانية، مع أن كلاً من المقاوَمتَيْن، تقاوم أميركة، التي يزعم حسن أنه يقاومها ويقاوِم مشروعها في منطقتنا!.. والسبب طبعاً، هو أنّ حسن لا يجري على لسانه سوى المنطق الطائفيّ، وذلك حين محاكمته للأمور وتقويمها!..
فهو شديد الإعجاب بالخميني، لمجرّد تسميته ليوم الجمعة الأخير من رمضان، بيوم القدس!.. وهو أمر كافٍ لتبجيل الوليّ الفقيه الشيعيّ السابق (خميني)، حتى لو لم تحارب إيران دقيقةً واحدةً في سبيل القدس، وحتى لو كان جيش القدس الإيرانيّ (الذي تجاهله حسن وخجل من ذكره) قد أخطأ العنوان، فاجتاح العراق بدلاً من فلسطين، وتغلغل في بغداد والفلوجة والموصل وديالى و..، بدلاً من القدس، واعتدى على المسلمين العراقيين بدل الوقوف بوجه اليهود الصهاينة، وذبح أهل السنّة وانتهك حُرُماتهم، بدلاً من تحرير مسلمي فلسطين والقدس!.. وكل مَن يشكِّك بالوليّ الفقيه وجيشه وأزلامه.. فهو عميل لأميركة والصهاينة!.. أما احتلال إيران لعربستان، وإذلال شعبها العربيّ المسلم، وكذلك احتلال الجزر الإماراتية الثلاث، وتهديد دولة البحرين، وتوعّد كل مَن يُسمّي الخليج بالخليج العربيّ وليس الفارسيّ، وزرع الفتن في بلاد العرب والمسلمين، وتفجير النعرات الطائفية.. كل ذلك مسائل تافهة فيها نظر!..
* * *
في يوم الجمعة بتاريخ 22/5/2009م، أطلّ حسن عبر الشاشة العملاقة مرةً ثالثةً خلال أيامٍ معدودة، ليطالب السلطات اللبنانية بتنفيذ عقوبة الإعدام، بحق عملاء الكيان الصهيونيّ الذين قبضت عليهم أجهزة الأمن اللبنانية، وقد قال حسن لجمهوره حرفياً: (أطالب باسمكم، وباسم عوائل الشهداء والجرحى ومَن هُدِّمَت بيوتهم ومَن هُجِّروا.. أطالب بإنزال عقوبة الإعدام، بالعملاء الذين قدّموا معلوماتٍ أدّت إلى كل ذلك).
إذا كان عملاء العدوّ، يستحقّون عقوبة الإعدام، وهي كلمة حق، لأنهم قدّموا معلوماتٍ أدّت إلى جرائم بحق الآمنين اللبنانيين الجنوبيّين.. فماذا عن جنود (ولاية الفقيه) الذين ارتكبوا الجرائم نفسها بأيديهم، بحق اللبنانيين الآمنين في بيروت وما حولها، في ذلك اليوم المجيد (حسب معيار حسن).. يوم السابع من أيار لعام 2008م؟!.. وماذا عن عملاء إيران، بزعامة حسن، الذين لا يجدون حرجاً من إعلان عمالتهم لها، وهي التي تقترف كل تلك الجرائم التي ذكرناها آنفاً، بحق العرب والمسلمين واللبنانيين؟!..
لأول مرة، يجد المرء نفسه موافقاً تماماً على أمرٍ يطالب به حسن، أي إنزال عقوبة الإعدام بعملاء العدوّ، علماً بأنّ هذا العدوّ ليس يهودياً صهيونياً فحسب، إذ ثمّة عدو آخر، له عملاء، يرتكب عامداً متعمِّداً -بتغطيةٍ كاملةٍ من قِبَلِ عملائه هؤلاء- ما يرتكبه العدوّ الصهيونيّ في بلادنا: احتلالاً، وقتلاً، وتدميراً، وزرعاً للفتن، وتطهيراً طائفياً، واجتياحاً ديموغرافياً، واستيطاناً، وتآمراً مع أميركة لاحتلال بعض بلاد العرب والمسلمين، باعتراف بعض قادته!.. عملاء لا يخجلون من عمالتهم لهذا العدوّ، ولا يستحون، ولا يحتاجون إلى تحقيقاتٍ أمنيةٍ ومتابعاتٍ واختراقاتٍ استخباريةٍ وأدلّةٍ وقرائن وشهود.. بل يُصرِّحون بها ويفتخرون!..