احمد النعيمي
8-7-2012
في الثالث والعشرين من شهر مارس عام 2007م قامت الجمهورية الإيرانية بالقبض على خمسة عشر بحاراً بريطانيا، بعد أن ادعت دخلوهم مياهها الإقليمية، فيما نفت بريطانيا أن يكونوا دخلوا المياه الإقليمية الإيرانية، وأن اعتقالهم تم في المياه العراقية حيث كانوا في مهمة روتينية بتفويض من الأمم المتحدة، لتبدأ معركة إعلامية مخيفة بين الجانبين، أدت إلى أزمة عصفت بأسواق المال العالمية، ورفعت أسعار النفط ارتفاعات مثيرة، بحيث كان يتوقع حصول معركة وشيكة، وخصوصاً أن الرئيس الإيراني "محمود أحمدي نجاد" عمل على تكريم القائد البحري الذي احتجز البحارة بميدالية، وانتقد بريطانيا بشدة، مطالباً إياهم بأن يعترفوا بخطأ بحارتهم، والعمل على الاعتذار قبل إطلاق سراحهم، وبدأت الأمور وكأن نجاد لن يفرج عن البريطانيين، حتى يحدث الاعتذار، ووصلت الأمور إلى تهديد رئيس الوزراء البريطاني "توني بلير" يوم الثلاثاء الثالث من نيسان بأنه إذا لم يتم إطلاق البحارة خلال الثمانية وأربعين ساعة المقبلة، فإن هذا سيؤدي إلى منعطف حرج في مسار الجهود الدبلوماسية القائمة لإطلاق سراح البحارة.
ولم تكد ساعات تنقضي حتى جرى اتصال بين "نايجل شينوالد" مستشار بلير و"علي لارجاني" أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني مساء اليوم نفسه ليذوب الثلج، ويخرج نجاد في الرابع من نيسان في مؤتمر صحفي غير اعتيادي استمر لمدة تسعين دقيقة أعلن فيه العفو عن البحارة، بالرغم من أن بريطانيا "لم تتحل بالشجاعة الكافية" للاعتراف بأنها ارتكبت خطأ، وأن بحارتها قد ضلوا الطريق داخل المياه الإيرانية، على حد وصفه.
منهياً بهذا حرب كلامية من الحروب التي تشتعل كثيراً بين الجانب الإيراني والجانب الغربي، والتي غالباً ما يتم فيها تمريغ انف إيران بالوحل، وتراجعها عن جميع تهديداتها ونفيها، وتحقيق ما يطلب منها، بكل هوان وانكسار.
وبعد هذه المعركة الكلامية بأقل من سنة، قام نجاد بزيارة للعراق يوم الأحد الثاني من آذار 2008م، واستقبل بكل حفاوة من المحتل الأمريكي في المنطقة الخضراء، وكأن أحاديثه وبطولاته للغرب وأمريكا لم تكن سوى بطولة "دون كيشيوتية".
وخلال العام الحالي جرت حربين كلاميتين بين الأطراف نفسها، هددت فيها إيران بإغلاق مضيق هرمز في حال تم فرض حظر على صادراتها النفطية، ووجهت إنذاراً نهائياً للبارجة الأمريكية التي خرجت من الخليج العربي بأن لا تعود إليه، وقامت بإجراء مناورات عديدة في محاولة من إيران إظهار جديتها وأنها لن تكرر التهديد مطلقاً، ولكن البارجة الأمريكية عادت وعبرت المضيق، ولم يطلق عليها صاروخ واحد، واكتفى الإيرانيون بإغراق سفنهم أمام البارجة الأمريكية، التي أنقذت خلال هذه الحرب الكلامية أكثر من ثلاثة سفن مع طواقمها، وإعادتها إلى إيران بسلام.
إلى أن أعلنت إيران سحبها للتهديد بإغلاق المضيق على لسان "حسين سلامي" قائد الحرس الجمهوري، في تصريح له يوم السبت الواحد والعشرين من كانون الثاني 2012م جاء فيه: " إن السفن الحربية والقوات العسكرية الأمريكية تتواجد في الخليج العربي ومنطقة الشرق الأوسط منذ زمن بعيد، ومن هذا المنطلق فإن قرار إرسال سفن جديدة إلى المنطقة ليس موضوعاً جديداً، إن الإجراء ينظر إليه في إطار التواجد الأمريكي المستمر في المنطقة".
ولم تكد تمضي شهور عديدة على تهديد إيران السابق بإغلاق مضيق هرمز، وتمريغ أنفها في الوحل، حتى عادت لتنفش ريشها من جديد، وكأنها لم تهن من قبل، أو يمسح بكرامتها الأرض، مهددة بإغلاق المضيق بعد أن وقع أكثر من مئة نائب إيراني على مشروع قانون يحمل الحكومة على منع مرور أي سفينة تنقل النفط إلى أوروبا عبر مضيق هرمز وذلك يوم الاثنين الثاني من تموز 2012م، رداً على الحظر النفطي للاتحاد الأوروبي الذي دخل حيز التنفيذ في الأول من تموز، وإجراء مناورات جديدة حملت اسم "الرسول الأعظم" استمرت مدت يومين.
ويوم الثلاثاء الثالث من تموز ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" بأن الولايات المتحدة الأمريكية قامت بنقل تعزيزات عسكرية كبيرة إلى الخليج، لردع إيران عن أي محاولة محتملة لإغلاق المضيق، وزادت عدد الطائرات المقاتلة القادرة على توجيه ضربات في العمق الإيراني، ونقلت الصحيفة عن مسؤول بارز في وزارة الدفاع الأمريكية، قوله:"الرسالة إلى إيران، لا تفكري حتى في إغلاق المضيق، سنقوم بإزالة الألغام، لا تفكري حتى في إرسال قواربك السريعة للتحرش بسفننا الحربية أو التجارية، سنسقطها في قاع الخليج".
لتعود إيران – من جديد– إلى سحب تهديداتها السابقة بإغلاق المضيق، مؤكدة بأنها ستتصرف "بعقلانية" ولن تتخذ قرار الإغلاق إلا إذا تعرضت مصالحها لتهديد خطير، وذلك في تصريح لرئيس أركان القوات الإيرانية الجنرال "فيروز آبادي" يوم السبت السابع من تموز، حسب ما نقلته وكالة "إيسنا" الإيرانية، مضيفاً في تصريح لصحيفة "خراسان": "الأمر بتنفيذ هذه المهمة لا يمكن أن يصدر إلا بقرار من المجلس الأعلى للأمن القومي يوافق عليه المرشد الأعلى علي الخامنئي".
وهكذا تنتهي واحدة من المعارك "الدون كيشيوتية" الكثيرة بين الغرب وإيران، بتمريغ الأنف الإيراني في الوحل، بينما سيوفهم تسلط – دون خوف أو تردد – إلى رقاب المسلمين في كل مكان، في إيران والعراق وسوريا وأفغانستان، بعد أن سمح لهم الغرب بالاستحواذ على الدول الإسلامية واحدة تلو الأخرى، وكلمات اللواء "إسماعيل قائاني" القائد العام لفيلق القدس يوم الثامن والعشرين من أيار، بأنه: "لولا وجود الجمهورية الإيرانية في سوريا لأصبحت دائرة المجازر التي ترتكب بحق الشعب السوري أوسع" ماثلة في الأذهان.
ولو كان بهم ذرة من حياء، لتوجب عليهم ابتلاع ألسنتهم، وقصها من جذورها، بدل أن تمرغ أنوفهم في الوحل، مرة تلو الأخرى، ثم يعودون إلى تهديداتهم الفارغة، ثم تمرغ أنوفهم من جديد، وإن كانوا قد عجزوا عن إظهار أسلحتهم إلا أثناء المناورات فقط، فأفضل شيء يفعلوه أن يخرسوا أبد الآبدين، إلا إذا وصل بهم الحال إلى ما وصلت إليه....
وليست فضيحة تسجليهم الصوتي المكذوب على لسان الرئيس المصري "محمد مرسي" ببعيد، منطبقاً عليهم قوله عليه أفضل الصلاة والسلام: "إذا لم تستح فاصنع ما شئت"!!