واشنطن وضرب إيران... للحقيقة وجوه أخرى (2/2)
الكاتب/ توم إنجيلهاردت
ترجمة: شيماء نعمان
مفكرة الإسلام: نواصل من خلال السطور التالية عرض مقال "توم إنجيلهاردت"- زميل معهد الأمة الأمريكي "ذا نيشن"، ومؤسس ورئيس تحرير موقع "توم ديسباتش"- حول واقع قضية إيران النووية والتهديدات الأمريكية و"الإسرائيلية" بالتدخل العسكري، والتحليل الواقعي لمدى إمكانية تنفيذ مثل تلك التهديدات، والنتائج المترتبة عليها:
هل تستطيع "إسرائيل" مهاجمة إيران؟
لنترك للخبراء سؤال ما إذا كانت "إسرائيل" تستطيع فعليًا شن ضربة جوية فعالة على المنشآت النووية الإيرانية بالاعتماد على نفسها فحسب، وهو الأمر الذي تحيط به شكوك جدية. ودعونا نحاول بدلاً عن ذلك أن نتخيل:
ماذا سيعني بالنسبة لـ "إسرائيل" شن مثل ذلك الهجوم- (الذي حث عليه جناح نائب الرئيس بالحكومة الأمريكية)- خلال الشهور، أو حتى الأسابيع الأخيرة، من الولاية الثانية لرئيس عاجز وإدارة غير مرغوب فيها على نحو غير مسبوق تاريخيًا.
ونحن نعلم بالفعل من وزير خارجية إيران أن الإيرانيين سوف يتعاطون مع أي هجوم "إسرائيلي" تمامًا كما لو كان هجومًا أمريكيًا- سواءً شاركت فيه طائرات أمريكية أو لم تشارك- ولا عجب في ذلك لسبب واحد وهو، أن الطائرات "الإسرائيلية" بينما تتجه إلى إيران سيتعين عليها بلا شك المرور عبر المجال الجوي العراقي، والذي يخضع لسيطرة الولايات المتحدة في الوقت الحالي، وليس لسيطرة حكومة المالكي التي تفتقد تقريبًا للقوة الجوية. (وفي الواقع، فإن إدارة بوش قد طلبت خلال مفاوضات اتفاقية حالة القوات مع العراقيين أن تحتفظ الولايات المتحدة بالسيطرة على ذلك المجال الجوي، لمسافة تصل إلى 29.000 قدم، بعد يوم31 ديسمبر 2008، عندما ينتهي تفويض الأمم المتحدة).
بعبارة أخرى، في عشية وصول إدارة أمريكية جديدة، ستجد "إسرائيل"- الدولة الشرق أوسطية الصغيرة غير الحصينة التي تعتمد بشدة على تحالفها الأمريكي- نفسها مسئولة عن بدء حرب أمريكية (ترتبط بنائب رئيس يفتقر إلى الشعبية بصورة لا تقارن) وصدمة نفط عالمية ذات أبعاد مذهلة، ما لم يكن كساد عالمي ضخم. كما ستكون كذلك السبب المباشر في "كرة نار" إقليمية. (إن "إسرائيل" الفقيرة نفطيًا سوف تتضرر اقتصاديًا كذلك بلا شك بضربتها نفسها).
إضافة إلى ذلك، فقد انتهى تقييم الاستخبارات القومية الأمريكية الأخير بشأن إيران إلى أن الإيرانيين قد أوقفوا أجزاء تسلحية من برنامجهم النووي تعود إلى عام 2003، وأن الاستخبارات الأمريكية على ما يُقال تشك في تحذيرات "إسرائيلية" حديثة بأن إيران على وشك إنتاج قنبلة ذرية.
بالطبع، "إسرائيل" نفسها تمتلك قوة نووية - ولو أنها غير معلنة- تقدر بنحو مائتين من مثل هذه الأسلحة.
ويمكن توضيح ذلك ببساطة إذا قلنا إنه أمر أقرب إلى الاستحالة أن تكون الحكومة "الإسرائيلية" الحالية الممزقة قادرة على شن مثل ذلك الهجوم على إيران بصورة مستقلة، أو حتى بالتعاون مع جناح واحد فحسب- مهما كانت أهميته- في الإدارة الأمريكية. وهذه النقطة أمر مسلم به إلى حد ما من قبل الكثير من "الإسرائيليين" (والإيرانيين). وبدون الحصول على "الضوء الأخضر" من إدارة بوش، فإن شن مثل ذلك الهجوم يمكن أن يكون بمثابة انتحار سياسي "إسرائيلي" طويل المدى.
إن فقط بالاقتران بهجوم أمريكي يمكن أن يكون تنفيذ هجوم "إسرائيلي" شيئًا قابلاً للتصديق (وإن كان الأمر سيظل بالرغم من ذلك يقترب من درجة الجنون). لذا دعونا ننتقل إلى الإدارة الأمريكية وندرس ما يمكن أن يطلق عليه "سيناريو هيرش".
هل يمكن أن تهاجم إدارة بوش إيران إذا ما تم انتخاب أوباما؟
إن المشكلة الأولى هي مسألة واضحة. فالنفط، الذي كان قد وصل إلى 146 دولارًا للبرميل الأسبوع الماضي، قد انخفض سعره إلى 136 دولارًا (ويرجع ذلك جزئيًا إلى تصريح أدلى به الرئيس الإيراني "محمود أحمدي نجاد" استبعد فيه "احتمالية حرب وشيكة مع الولايات المتحدة و"إسرائيل"")، كما ارتفع يوم الأربعاء بنسبة دولار واحد ليصل سعر برميل النفط إلى 137 دولارًا كرد فعل لتجارب صاروخية إيرانية. غير أنه أيما كان التغير الفوري غير الثابت، فإن النمط العام لأسعار النفط يبدو واضحًا بصورة كافية. ويقول البعض: إنه بفوز أوباما، سيصل سعر برميل النفط الخام إلى 170 دولارًا. كما توقع مؤخرًا رئيس شركة جازبروم الروسية العملاقة أن تصل قيمته إلى 250 دولارًا في غضون 18 شهرًا، وهذا دون أي هجوم ضد إيران.
ولهؤلاء الطامحين إلى شن حملة منطقية بلا آلام ضد إيران، فإن الفرصة لذلك قد رحلت منذ أمد بعيد. فكل قفزة في أسعار النفط لا تؤكد إلا أن الألم قادم. وهذا بدوره يعني أنه، مع مرور كل يوم، يصبح أكثر جنونًا- وصعوبة- شن مثل ذلك الهجوم.
وهناك بالفعل معارضة كبيرة داخل الإدارة؛ كما أن الشعب الأمريكي ليس مستعدًا لذلك ويرفض بصورة واسعة- كما تشير استطلاعات الرأي- التصديق على مثل ذلك الهجوم. ولا شك في أن تركة بوش، كما هي، سترتبط بالخزي إلى الأبد.
الآن، لننظر إلى التحركات الأخيرة التي قامت بها الإدارة فيما يتعلق بكوريا الشمالية. فمن أجل مواجهة "حقيقية" نكثها مسئولو إدارة بوش خلال ولايته الأولى، قام الرئيس ومستشاروه ليس فقط بالتفاوض مع إحدى دول محور الشر المتسلحة نوويًا بل كذلك جاري الآن استبعادها من قائمة "قانون التجارة مع العدو" وقائمة الدول الراعية لـ "الإرهاب". وبغض النظر عن ما هي الخطوات التي اتخذها نظام "كيم يونج إيل"- بما فيها تفجير برج التبريد في مفاعل يونجبيون- فإن هذا لا يمكن وصفه بأقل من أنه تحول مذهل في هذه الإدارة.
وكان "جون بولتون"، واقفًا إلى صف جناح تشيني، قد شبه ما حدث بأنه "كهدنة للشرطة مع منظمة المافيا". كما أن استياء تشيني بشأن القرار- وتلك السياسة- كان واضحًا، وتناقلته الصحافة على نطاق واسع.
ومن المحتمل، بالطبع، أن يكون تشيني ورفاقه قد أمسكوا عن ممارسة أية ضغوط بهذا الشأن من أجل الأمر الذي يستحوذ على جل اهتمامهم، غير أن هناك سؤالاً آخر في حاجة إلى التأمل بشأنه وهو: هل يؤيد "جورج دبليو بوش" بالفعل نائبه المتغطرس بنفس الدرجة التي كان عليها من قبل؟ والإجابة هي أنه لا سبيل لمعرفة ذلك، ولكن بوش كان دائمًا شخصية ذات أهمية في الإدارة أكثر مما يميل لتصوره العديد من النقاد.
ويدل القرار بشأن كوريا الشمالية على أن تشيني ربما لا يملك صلاحية من الرئيس بحرية التصرف فيما يتعلق بسياسة إيران أيضًا.
الكبار في القاعة
وماذا عن المعارضة؟ أنا لا أتحدث عن الموجودين هنا ممن بيننا الذين سيعارضون مثل ذلك الهجوم. لكنني أقصد المعارضة داخل عالم واشنطن بوش. ولننس أمر الديموقراطيين. فإنهم بالكاد يمكن احتسابهم، وكما أشار هيرش، فإن قيادتهم قد وقعت فعليًا على تلك الحملة السرية ذات الـ 400 مليون دولار والتي تهدف إلى زعزعة استقرار إيران.
إن ما أقصده هم الكبار في القاعة، الذين عانوا من نقص في الموارد فعليًا خلال هذه السنوات الأخيرة في إدارة بوش، وعلى وجه التحديد كل من وزير الدفاع "روبرت جيتس"، وقائد هيئة الأركان العسكرية المشتركة "مايك مولين". (وتندرج تحت نفس هذا المعسكر بصورة جلية "كوندوليزا رايس" بالرغم من أنها قد أثبتت شيئًا من عدم الأهلية التي عززها الرئيس على مر السنوات).
ومع "زبيجنيو بريزينسكي" مستشار الأمن القومي الأسبق في إدارة الرئيس "جيمي كارتر"، شارك جيتس في ترأس مهمة عمل برعاية مجلس العلاقات الخارجية في عام 2004 دعت إلى الدخول في مفاوضات مع إيران. وقد وصل جيتس إلى البنتاجون في مطلع عام 2007 كمبعوث من عالم "جورج بوش الأب" وكرجل في مهمة. فقد كان هناك من أجل وضع حد للجنون وبدء عملية التنظيف في إسطبلات أوجياس*.
وفي جلسات استماع له عقدها الكونجرس، كان شديد الوضوح في أن: شن أي هجوم على إيران سيكون "الملجأ الأخير تمامًا". إن أحيانًا في عالم واشنطن البيروقراطي، قد تخبرك كلمة "تمامًا" بما تحتاج إلى معرفته. وحتى ذلك الحين، دأب مسئولو الإدارة على الإشارة إلى مسألة شن هجوم على إيران ببساطة "كملجأ أخير". وقد قدم جيتس كذلك سيناريو مروعًا لما يمكن أن تكون عليه عواقب مثل ذلك الهجوم الأمريكي حيث قال:
"إنه من الصعب دائمًا أن نتحدث عن افتراضات فيما يتعلق بهذه القضية. ولكن أعتقد أنه بينما لا تستطيع إيران مهاجمتنا عسكريًا بصورة مباشرة، فإني أعتقد أن إمكانياتهم لإغلاق محتمل للخليج أمام جميع صادرات النفط، وقدراتهم على إطلاق موجة جدية من الرعب في كل من الشرق الأوسط وأوروبا وحتى هنا أيضًا في هذا البلد، إمكانيات واقعية جدًا. وكذلك فإن مقدرتهم على دفع جماعة "حزب الله" إلى مزيد من زعزعة الاستقرار في لبنان واقعية جدًا. لذلك فأنا أعتقد أنه بينما إمكانياتهم في الرد علينا بأسلوب عسكري تقليدي محدودة إلى حد بعيد، فإن لديهم القدرة على فعل جميع هذه الأشياء التي ذكرتها منذ لحظات، وربما أكثر".
"وربما أكثر"؟ هذا يوضح الأمر باختصار.
وقد ذكر هيرش، في أحدث ما كتب بشأن البرنامج السري للإدارة فيما يتعلق بإيران، ما يلي:
"لقد أخبرني سيناتور ديموقراطي أنه، في نهاية العام الماضي، خلال اجتماع غذاء لم يعلن عنه، التقى جيتس بزعماء الديموقراطيين في مجلس الشيوخ. وقد حذر جيتس من العواقب التي يمكن أن تترتب في حال شنت إدارة بوش ضربة وقائية ضد إيران، قائلاً- بحسب السيناتور- "إننا بذلك سنخلق أجيالاً من الجهاديين، وسينخرط أحفادنا في قتال أعدائنا هنا فوق أرض أمريكا". وقد أثارت تعليقات جيتس دهشة الديموقراطيين الحضور".
وبعبارة أخرى، بالعودة إلى عام 2007، فإن وزير دفاعنا الجديد قد نجح في أن يعطي انطباعًا ملحوظًا كأحد هؤلاء المسئولين الإيرانيين الذين يطلقون التحذيرات. وجيتس، الذي له تاريخ طويل كمناضل ماهر داخل واشنطن، قد أثبت مجددًا هذه المهارة. وحتى الآن، فإنه يبدو قد تقدم على جناح تشيني.
وكانت "استقالة" الأدميرال "وليام فالون"، قائد المنطقة الأمريكية العسكرية الوسطى- المعارض الصريح لتوجيه ضربة لإيران- قد بعثت برعشة خوف لمنتقدي الحرب، كما انطلقت عبر الإنترنت السياسي مجموعة من سيناريوهات للهجوم، وكذلك عبر وسائل الإعلام الرئيسة.
وكما أشار الصحافي "جيم لوب" في مدونته القيمة- "لوبلوج بلوج"- فإن الأدميرال "مايك مولين"، قائد هيئة الأركان العسكرية المشتركة ورجل جيتس في البنتاجون، قد أثبت ما لا يمكن وصفه بأقل من أنه موقف صلب لا يلين عندما يتعلق الأمر بعدم جدوى مهاجمة إيران.
ولقد كانت في الواقع تصريحاته العلنية الأخيرة أكثر قوة من تصريحات فالون (كما أن المنصب الذي يشغله يعد أكثر حرجًا على نحو واضح). وعقب لوب على ذلك بأن مولين، أثناء مؤتمر صحفي عُقد بالنتاجون يوم الثاني من يوليو، "أوضح مجددًا معارضته لشن هجوم على إيران- سواء كان عن طريق "إسرائيل" أو عن طريق قواته- وأنه، فضلاً عن ذلك، يفضل إجراء محادثات مع طهران، وذلك دون الشروط المسبقة التقليدية من البيت الأبيض بشأن برنامجها النووي".
ومولين، كونه من كبار الشخصيات، قد لاحظ ما هو واضح. وكما طرح الصحافي "جاي بوكمان"، كاتب عمود بصحيفة "أتلانتا جورنال- كونستيتيوشن"، القضية مؤخرًا: "فإن تنفيذ هجوم أمريكي ضد المنشآت النووية الإيرانية سوف يتسبب في خلق متاعب لسنا مجهزين للتعاطي معها بسهولة، ليس مع الحروب الجارية في العراق وأفغانستان. ولقد أثار الأدميرال "مايك مولين"، قائد هيئة الأركان العسكرية المشتركة، تلك النقطة خلال مؤتمر صحفي الأسبوع الماضي في البنتاجون".
قوة الحقيقة
وهنا تكمن النقطة الأساسية: نعم، هناك جناح ذو نفوذ مؤثر في هذه الإدارة- يتزعمه نائب الرئيس- يبدو أنه قد احتفظ بآخر طلقة ذخيرة في جعبته لتوجيه ضربة ضد إيران. والسؤال، بطبيعة الحال، هو: هل لا يزال لديهم القدرة على خلق "واقعهم الخاص" وفرضه على العالم؟ إن كل لمحة صعود في أسعار النفط ترد بالإجابة: لا. كما أن كل يوم يمر يجعل مسألة الهجوم على إيران أكثر صعوبة في إنجازها.
وربما كانت المخاوف حول تلك القضية تنتشر في أرجاء عالم الإنترنت السياسي، وحتى في وسائل الإعلام الرئيسية، إلا أنه من الهام عدم الوقوع في خطأ المبالغة في تقدير هؤلاء اللاعبين السياسيين أو التقليل من تقدير الجهات الواقفة ضدهم. إنها نظرية معقولة اليوم- ربما لم تكن كذلك منذ عام مضى- أن، أيما كانت طموحاتهم، فإنهم لن يكونوا، في النهاية، قادرين على شن هجوم ضد إيران؛ وأنه حتى إذا ما وُجدت الإرادة لذلك، فربما لن تكون هناك الوسيلة.
حيث سيتعين عليهم، في النهاية، التحرك ضد الرفض الشعبي الأمريكي المطلق، وضد قادة عسكريين بارزين- لو أنهم التزموا بتنفيذ أمر مباشر من قبل الرئيس، فإن لديهم سبلاً أخرى للإعلان عن إرادتهم- وكذلك ضد شخصيات رئيسة بالإدارة، وقبل كل ذلك، ضد حقائق تندفع في اتجاههم بقوة مذهلة لا تزال تتصاعد.
وعلى أية حال، بالطبع، بالنسبة للمقامرين الأكثر جنونًا وذوي الأحلام الكابوسية في تاريخنا، فلا شيء مستحيل.
________________________
*إسطبلات أوجياس في الأساطير الإغريقية والرومانية، هي الإسطبلات التي كانت تخص الملك أوجياس والتي لم تنظف طوال ثلاثين عامًا، وكان على هرقل أن ينظفها في يوم واحد. ويُطلق ذلك التعبير في الإنجليزية أحيانًا على عمل أولئك الناس الذين يحاولون تحسين الظروف السيئة.