الجوزو ولبنان الجريح
د. مالك الأحمد
بعد تهاوي حركة أمل وبزوغ حركة "حزب الله" بدأت معادلة الأحزاب وموقعها على الأرض اللبنانية تتغير .
كانت أمل تمثل الشيعة في لبنان لكنها بصيغة أقرب ما تكون للهوية والقومية منها للدين والمعتقد ، لذلك كان العديد من أفرادها غير متدينين ، نعم يحركهم الهوى الطائفي والولاء الشيعي لكن سرعان ما ينتقلون إلى ضفاف أخرى من قومية أو بعثية.
عندما ظهر "حزب الله" كان منافسا حقيقيا لأمل وتزامن ذلك مع صعود المد الإيراني في المنطقة بعد ثورة الخميني . كان حزب الله نتيجة زواج عقائدي بين قيادات شيعية لبنانية وأخرى إيرانية بل تجاوز الأمر بنزوح بعض الشخصيات الدينية الإيرانية إلى لبنان ولعبها دور الموجه بل المتحكم في الطائفة الشيعية.
زرت لبنان قبل أكثر من عشر سنوات (قبل أن يسيطر "حزب الله" على الساحة اللبنانية باسم المقاومة) وهالني في الطريق من المطار إلى بيروت سيطرة العنصر الشيعي على الأرض ، فهذا مستشفى الزهراء وهذه مدرسة الحسين وذلك معهد فاطمة وهلم جرا ، وعندما سألت عن ذلك قيل لي أن الشيعة احتلوا بيروت الجنوبية بالكامل (نزحوا من الجنوب والجبل) وهم مستقلون بمدارسهم ومعاهدهم ومستشفياتهم عن بقية الشعب اللبناني (الشيعي يدفع 20% من دخله للإمام أو نائبه مما جعل للطائفة ثقلا ماديا هائلا لا يوجد عند بقية الطوائف) .
لم أكتب عن لبنان اليوم شرحا لدور الشيعة وبالذات "حزب الله" وسيطرته على قرار الدولة (حتى النصارى أما حلفاء له كجماعة عون أو من الموالاة لكنهم يحسبون له حساب كبير ) .
أكتب تعليقا على البيان الشجاع من مفتي لبنان والجبل الشيخ محمد الجوزو الذي - لأول مرة أسمع هذه الصيغة مدوية صريحة في لبنان- عبر عما يجيش في صدر السنة في وقت جبنت قيادتهم السياسية عن التصريح به بل ومهادنتهم ومداراتهم لـ"حزب الله" .
أدان الجوزو "حزب الله" وتكلم عن سلاحه وصرح بأنه "سلاح لايران يستخدم لابتزاز الوطن والضغط على إرادته وأمنه" .
في لبنان الحديث عن "حزب الله" دائما يواكب الحديث عن المقاومة ، بمعنى آخر أن "حزب الله" هو حزب المقاومة، ومن يتكلم عن هذا الحزب أو أمينه العام فإنه يطعن بالمقاومة الشريفة (حسب زعمهم!!)
انه من الصعب بل قد يكون من المستحيل التنديد بـ"حزب الله" هذه الأيام خصوصا من لبناني وبالذات من السنة فما بالك إن كان من العلماء !!
لقد سمعت من يدافع - أثناء أحداث بيروت واستباحتها من ميليشا "حزب الله" - عن الحزب (من قيادات وعلماء سنة) في الوقت الذي ندد بذلك أبسط العامة فضلا عن العقلاء .
قال الجوزو معقبا على الأحداث "عدوان بربري على أبناء العاصمة الأبية التي احتضنت كل هؤلاء الذين وجهوا صواريخهم وقنابلهم ورصاصاتهم إلى صدرها" .
لم يكن الجوزو صريحا فحسب بل كان جريئا وهو الذي لا يملك الميليشيا ولا اعلم أن كان له أتباع من السنة.
يقول الجوزو: "لم يعد هناك مقاومة بل أصبح هناك ميليشيات تعتدي على الآمنين وسلاح يستخدم لابتزاز الوطن .."
ولم يكتف فقط بالتنديد بهذا الحزب بل أضاف تعقيبا على صفقة تبادل الأسرى "لا استقبال الأسرى ولا رفات الشهداء سيمحو عار ما حدث في بيروت....وأن انتهاك حرمات الناس بهذه السهولة لن يمر رخيصا دون حساب" .
لله درك يا رجل تهدد هذا الحزب ، بل هذه الدولة وأنت وحدك ، لكن الله معك ولن تُخذَل.
لأول مرة يصرح شخصية لبنانية بضلوع "حزب الله" بمقتل الحريري .
وحيا في ختام تصريحه صمود أهالي طرابلس أمام حلفاء "حزب الله" من العلويين (النصيرين) وأثنى على بسالتهم وشجاعتهم وشكر لهم دعمهم لأهل بيروت أيام الأحداث الدامية سابقا .
منذ قرأت بيان الجوزو وأنا أتوقع اغتياله فهؤلاء الذين تكلم عليهم لا يوفروا لغة الحوار ولا يعترفوا إلا بالكلاشنكوف لرد الاعتبار .
لقد تمادى هذا الحزب في لبنان فقد أصبح يسيطر على الدولة حتى بيان الحكومة - والتي أخذت أسابيع كي تخرج للوجود وحيث كان "حزب الله" هو الأساس في العرقلة- لم يصدر حتى الآن كي تكون الكلمات معبرة عن إرادته وربط المقاومة بالسلاح وهو سلاح الحزب فقط.
هذا الأمر لن يستمر طويلا فهناك صحوة وسط السنة ووعي بدور هذا الحزب الخبيث حتى النصارى بدئوا يتوجسون منه خوفا.
مغنية الرجل العسكري الأول في الحزب والذي اغتالته سوريا (كما ذكرت زوجته) على خلفية الخلاف مع إيران تجاه بعض القضايا الإقليمية ومنها الصلح مع "إسرائيل"، وهذا ما اتضح من عملية تصفية ومواقع في قيادة الحزب للشخصيات ذات العلاقة مع سوريا حتى العمالة السورية في بيروت الجنوبية تم فحصها أمنيا وتم طرد من يمثل الجهات الأمنية في سوريا.
الخلاف السوري الإيراني في مصلحة لبنان والسنة وإذا تطور الأمر - لأي سبب كان- لخلاف عسكري فان الحزب لاشك سيسقط ولا عزاء للمصفقين من مغفلي السنة