رفسنجاني يدعو لتجميل الثورة لا لتغيير النظام!

بواسطة سيد علي رضا دليري قراءة 888
رفسنجاني يدعو لتجميل الثورة لا لتغيير النظام!
رفسنجاني يدعو لتجميل الثورة لا لتغيير النظام!

رفسنجاني يدعو لتجميل الثورة لا لتغيير النظام!

 

·        الدكتور/ سيد علي رضا دليري

عاشت إيران فترة من التوترات الأمنية وصناعة الخطر الداهم، مما شكلت غطاء مصطنعاً على مجريات الأمور ولاسيما ما يجري بين سدنة الحكم، إلا أن العقد الأخير من الاستقرار النسبي أخذ في البوح عن بعض الأسرار التي تكمن وراء الجبب والعمائم التي تتصنع القدسية والإجلال.

فقد شعر الشعب بمدى التنافس بين القائد؛ الخامنئي وأقوى بقايا الثورة والعمود الفقري لها؛ الرفسنجاني في بسط سلطانهم على أكبر قدر من المؤسسات الحكومية والاقتصادية في المرحلة الإنتخابية عام 2005م، وقد استطاع الخامنئي أن ينصب رجلاً مغموراً يدعى أحمدي نجاد ويسحب البساط من تحت أرجل الرفسنجاني. وقد سانده في ذلك صمت الشارع الذي تضايق ذرعاً من الرفسنجاني وفساده المالي!

لكن انقلب السحر على الساحر في 12/ يونيو الماضي حيث أراد الخامنئي أن يبرز عضلاته مرة أخرى بتنصيب أحمدي نجاد ـ الذي رسب بشكل ذريع في أعين الشعب قاطبة ـ من خلال لعبة انتخابية أخرى!

فقد أدرك الشعب هشاشة اللعبة الإنتخابية وحجم التزوير القائم في المؤسسات الحكومية فخرج في اضرابات صامتة في الشارع، لكنه فوجئ بالحرس المدججين بالسلاح يضربون ويقبضون ويقتلون دون رقيب!

وقبل أن تكمل الإجراءات الانتخابية دورانها الإدارية خرج الولي الفقيه يكذب الشعب وينحاز إلى أحمدي نجاد، ضارباً بكل القواعد الأخلاقية عرض الحائط.

وفي أول جمعة بعد الانتخابات خطب الخامنئي في الناس في سذاجة غير معهودة، فقد أثار عواطف الناس ومشاعرهم بالتباكي بين يدي الإمام المهدي، وذكر بعض مناقبه وخدماته الجليلة التي قدمها للثورة وأبكى الناس ثم أخذ يزمجر ويهدد من يخالف أوامره، ونهاية أخذ يزرف الدموع بين يدي الإمام المهدي مرة أخرى يدعوه لحل مشاكل البلد والوقوف معه فيما يراه من السياسات!!...

كانت لهذه الخطبة العاطفية الساذجة انعكاساتها الطبيعية في التفكير العقلاني لدى الشباب إذ سقطت قداسة المرشد الأعلى في أعينهم وخرج الخامنئي قائداً لفئة إرهابية في البلد ولم يعد قائداً للشعب الإيراني كله! فقد أضاع الخامنئي كل المعاني القداسة والاحترام المصطنع الذي اكتسبه بقوة الدعاية الإعلامية والصمت المقصود، والخطب النارية من الأتباع...

فخرج من بعده خطباء الجمعة يؤكدون كلامه ويرمون المتظاهرين بالارتداد ومخالفة أوامر ولي الفقيه ونائب الإمام المهدي، والناطق باسم الرب عز وجل، وأنهم أذناب الاستعمار ويريدون الانقلاب على الحكم ويجب قتلهم...

وجاء دور الرفسنجاني

وفي يوم الجمعة 17/7/2009 لما جاء دور الخطبة لرفسنجاني رئيس «مجلس خبركان» (مجلس خبراء الدستور، ومن وظائفه تعيين أو عزل القائد) ورئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام والمقرّب إلى الخميني والذي يعد المنافس للخامنئي في السلطة، علماً بأنه هو الذي مهَّد الطريق لخامنئي في الحصول على السلطة وله أيادي سابغة عليه إلا أن السحر انقلب على الساحر وأصبح الخامنئي أو أنصاره بقيادة ابنه المجتبى ينافسونه في السلطة والمكاسب الإقتصادية.

كانت التغطية الإعلامية لخطبته ضعيفة على غير المعتاد، وكان الجند يحسبون أنفاس الخلائق الذين حضروا للصلاة، وقد حوصر المكان أرضاً وجواً، بل وأمواجاً صوتية، فلم تكن الجوالات تشتغل قرب ساحة الجامعة التي تقام فيها الصلاة، وكانت الجنود تشاكل المتظاهرين في خارج المكان بالقنابل الغازية وصهاريج الماء الحار والرصاصة!...

وعلى غرار الخامنئي، ذكر الرفسنجاني بعض مناقبه ودوره في قيام الثورة، إلا أنه بعقلانيته الحادة وذكائه المعهود طعن في نظرية ولاية الفقيه ـ الشرعية الإلهية التي يعتمد عليها الخامنئي كثيراً ـ، وقال بأن الجمهورية الإسلامية عبارة عن الجمهور الذي يشكله الناس ورأي الناخب والإسلامية التي تمثله الشريعة، وأن الحكومة تكسب شرعيتها من الشعب، وأن دستور الدولة ينص على أن الشعب هم الذين يختارون ولي الفقيه ولهم الحق في عزله.

فقد وضع دستور الدولة في إيران في بداية الثورة 1979م يوم أن لم تكن فكرة ولي الفقيه وصلاحياته السماوية قد اختلقت بهذا الشكل، ففيه عدة بنود تنص على أن: مجلس خبركان هو المسئول على اختيار الولي الفقيه من بين من يتوفر فيهم الشروط المعروفة (مادة/107)، وأن القائد قد يعزل (مادة/111)، ولرئيس القضاة أن يراقب أموال القائد (مادة/142)، وأن شرعية الدولة تتكئ على آراء الشعب (مادة/6)، وأن الحاكمية المطلقة لله وحده (مادة/56).

وطالب الرفسنجاني بالإفراج عمن تم القبض عليهم بعد الإنتخابات وأنه لا ينبغي للإعلام أن يكون ناقوساً في يد فئة، ويحرم منه الآخرون!

والجميل في الأمر أن الرفسنجاني أراد أن يغيظ معارضيه فنصح في لطف الحكومة الشيوعية في الصين بحسن التعامل مع المسلمين في تركستان!

والمعروف أن قادة الحكم في إيران طوال فترة الثورة كانوا على صلات تجارية وودية مع شيوعية الصين و شيوعية الإتحاد السوفياتي، وقد جعلوا البلد سوقاً تجارياً للصين، وأضاعوا الصناعة وحالوا بين تطوير البلد حفاظاً على مصالحهم الذاتية. وها هو الرفسنجاني يقدم نصيحة أخوية للحكومة الصينية. لا يريد بذلك إلا إثارة معارضيه. لكن الشعب المنكوب يحكم بالظاهر.. فأخذ المصلون يهتفون: الموت للصين... الموت للصين.. فشعر الرفسنجاني بارتباك شديد وندم عما صنع فأخذ يسكت الناس!!...

صدى الخطبة

كانت لخطبة الرفسنجاني صداها السلبية بين أنصار الخامنئي، فقد خرجوا يرمونه بالعمالة وإثارة الفتن، والانحياز لأعداء الثورة، والوقوف مع المشاغبين..

وكان من أبرز من تصدى له، آية الله مصباح يزدي، أحد نوابه في مجلس خبركان، ورئيس إدارة المراكز و الجامعات الدينية في مدينة قم المقدسة حيت اتهمه بالجهل وقال بأن الولي الفقيه ينوب عن حكم الله عز وجل وهو يلتمس مشروعيته من الله، وليس من الناس. والشعب لابد وأن يناصر مرغماً من اختاره الله نائباً له على حكمه!!..

ينتمي آية الله يزدي إلى أصحاب نظرية الإنتصاب، فهؤلاء يزعمون بأن الولي الفقيه يتسم بالعدالة والعلم ويختار من قبل الإمام المعصوم (الإمام المهدي الغائب)، وليس للشعب أي حق في اختياره أو عزله، فهو منصوب من عند الله وللناس أن يناصروه دون أي اعتراض! ويقف معه في هذا الخندق آيت الله جواد الآملي وجميع الأجنحة الدينية التي تساند المرشد والمستفيد الأول آية الله الخامنئي بالطبع!

لكن الإتجاه الآخر الذي يمثله آية الله حسينعلي المنتظري و آية الله يوسف الصانعي، والرئيس الأسبق محمد الخاتمي وعلي أكبر المحتشمي ومحمد تقي فاضل الميبدي، ومهدي الكروبي والمفكر عبدالكريم سروش وغيرهم يرون بأن الولي الفقيه ينتخب انتخاباً من قبل الشعب، ويستشهدون بكثير من الأدلة الشرعية ويساندهم القانون الأساسي للبلد...

نظرية ولاية الفقيه

لم يكن المذهب الشيعي يعرف هذا المصطلح طوال تاريخه السابق. فقد اختلق آية الله الخميني هذا المصطلح يوم أن كان في منفاه في العراق، ثم أخذ يبلوره بعد الإستيلاء على الحكم في إيران.

حاول ولي عهده، آية الله حسينعلي المنتظري أن يخفف من حدة هذا الرأي بقوله: لا يتسم الولي الفقيه بأية مشروعية ما لم يناصره الشعب! وأن رضى الشعب هو أول الشروط في مشروعية الحكم..

لكن لم يجد صوت المنتظري آذاناً صاغية ولاسيما بعد أن أزيح عن منصبه في ولاية العهد عام 1989م...

وقد ظهر المنتظري قبل أيام مرة أخرى في جوابه على سؤال طرحه عليه محسن كديور ـ من أبرز تلامذته ـ حيث قال بأن الحاكم إذا أفقد شرط العدالة والأمانة، وأفقد أكثرية الشعب عن جواره، فقد سقطت ولايته وعزل تلقائياً دون أن يطالب بالعزل أو يعزل!

لكن الأيادي الخفية التي تختفي وراء صورة الخامنئي تحاول جاهداً أن ترغم الشعب بقبول الولاية المطلقة للخامنئي وأن قوله هو بمثابة قول الله عز وجل ـ العياذ بالله ـ وأن مخالفته يؤدي إلى الكفر وأن معارضه مهدور الدم...

حقيقة ما يجري في إيران

يظن بعض من لا يدرك نسيج النظام الديكتاتوري المذهبي في إيران ولا يستطيع هضم ضخامة الخدعة بأن الاتجاه الرفسنجاني أو الموسوي تسعى لإقامة حكومة أو رؤية أخرى للثورة!

وهذه مغالطة كبيرة...

كل ما هنالك؛ فئتان تنتميان إلى حزب واحد ـ و هو الحزب الجمهوري ـ وإلى رؤية ثورية شيعية صفوية واحدة ترى نفسه جزءاً منفصلاً تماماً عن كيان الأمة، تتناحران للحصول على مكاسب إقتصادية والقدرة السياسية وبالتالي العسكرية لا غير...

أما الرؤى السياسية، فتختلف بناء على الاتجاهات الإقتصادية لكل فريق. فجناح أحمدي نجاد والأصوليون يميلون إلى الكيانات الشيوعية كالصين والإتحاد السوفيتي السابق أكثر، في حين أن الموسوي والرفسنجاني يبحثان عن فتح مجالات أوسع للتعامل الإقتصادي مع أروبا والغرب، وكل يسعى لمصالحه الذاتية، وليس للشعب أية قيمة في اعتباراتهم!!...

يشعر الإصلاحيون بأن الأصوليين يجرون البلد إلى الدمار الشامل، وأن السفينة إذا انغرقت فالكل هالك لا محالة، وأن النار إذا اندلعت فتأكل الأخضر واليابس...

فمن هنا يحاولون تجميل صورة الثورة التي بانت شراستها والتنين الذي انكشفت عورته، ووضع غطاء ذهبي على ما يجري وراء الكواليس كما فعل الخاتمي في فترة رئاسته. ثماني سنوات رأس الحكم دون أن يقدم للشعب شيئاً، اللهم إلا البسمات الجوفاء! لكنه رسخ دعائم حكم كاد ينهار...

وهذا ما يريده الإصلاحييون...

لكن إذا ظل الحكم في أيدي الأصوليين الذين يعطشون الدم ويؤمنون بالديكتاتورية وحكم الفرد وتأليهه فسرعان ما يصلون إلى ما وصل إليه الفاطميون في مصر، فتكثر البدع والخرافات وتشيع الفواحش والهرج والمرج، ونهايتا يدعون المهدوية ثم الألوهية!!..

فخلال أربع سنوات حكم فيها أحمدي نجاد وصل به الأمر أن ترك زمام الحكم ـ كما يزعم ـ للإمام المهدي الغائب يتصرف في البلد كيف يشاء! ولم يختر أحمدي نجاد وزيراً ولا مشيراً له إلا بعد استشارة المهدي الموهوم!..

وفي ظل حكم المهدي هذا؛ ارتفعت الأسعار أضعافاً مضاعفة، زاد الفقر والبطالة، وانتشر الفحشاء والهرج والمرج، لم يعد المواطن الإيراني يأمن نفسه وعرضه في ساعة من ليل أو نهار، واختفت من بيت المال مليارات الدولارات وفشى التزوير والرشاوي في رأس هرم الدولة...

فماذا عسى أن يطبخ الإمام المهدي الخرافي لهذا الشعب المغلوب على أمره خلال السنوات الأربعة القادمة؟!....

 



مقالات ذات صلة