حزب الله انتصرَ أم ذُبِح؟!

بواسطة صباح الموسوي قراءة 567
حزب الله انتصرَ أم ذُبِح؟!
حزب الله انتصرَ أم ذُبِح؟!

حزب الله انتصرَ أم ذُبِح؟!

 

الثلاثاء 5 شعبان 1427هـ – 29 أغسطس 2006م

 

صباح الموسوي:

 

مفكرة الإسلام: لعله ليس من باب المصادفة أن تعلن طهران في اليوم الثالث عشر من تموز الماضي - والذي تزامن مع اليوم الثاني للهجوم الإسرائيلي على لبنان - وفاة العقيد حرس ثوري 'غلام خليلي' الذي يعد أحد أبرز المساهمين في تأسيس حزب الله في لبنان.

وكان إعلان وفاة العقيد خليلي قد جاء على لسان قائد الحرس الثوري السابق وأمين عام مجمع تشخيص مصلحة النظام الحالي الجنرال محسن رضائي, الذي أثنى على دور العقيد خليلي في تدريب الميليشيات المسلحة لحزب الله. ويعد خليلي ثاني مسئول عسكري إيراني يتم الكشف عن دوره في بناء وتطوير حزب الله بعد الحرسي أحمد توسليان 'قائد لواء 27 محمد رسول الله', الذي كان قد تم اختطافه في بيروت عام 1982م مع القائم بأعمال السفارة الإيرانية على أيدي مجموعة مسلحة قيل: إنها تابعة للقوات اللبنانية بقيادة أيلي حبيقة آنذاك.

 

قد يكون إعلان وفاة مسئول عسكري إيراني كبير ساهم في إنشاء حزب الله تزامنًا مع بدء الهجوم الإسرائيلي على لبنان لإنهاء وجود حزب الله قد جاء صدفة فعلاً, وقد تكون هناك أبعاد سياسية لهذا الإعلان, ولكن ما هو مؤكد أن إيران - التي ضاق عليها الخناق وأصبحت مخيرة بين القبول برزمة الحوافز [المقدمة من الدول 1+5] أو مواجهة العقوبات التي تنتظرها إذا ما رفضت هذا العرض المغري - لا يمكن أن تكون بريئة مما مر به لبنان وما حل وسيحل لاحقًا بحزب الله من فاجعة. فالقادة الإيرانيون - كما هو معلوم - لم يؤسسوا حزب الله ليمحو به إسرائيل من الخارطة كما يزعمون, ولكن من المؤكد أنهم أسسوا هذا الحزب ليكون ورقة ضغط يساومون بها عند الحاجة, وليست أية حاجة, فالتضحية بهكذا عجل سمين لابد أن تكون مقابل ثمن ليس أقله الحصول على دور إقليمي يكون متناسبًا مع طموحهم الذي وضعوه نصب أعينهم بعد انتصار الثورة وعملوا على تحقيقه عبر ما سمي بمشروع 'تصدير الثورة', والذي كان حزب الله أحد الأدوات التي صنعت لتحقيق هذه الغاية.

لقد تمكن تصاعد أزيز الطائرات وهدير القذائف والصخب الإعلامي الذي صاحب المعركة التي دارت بين حزب الله وجيش العدو الإسرائيلي طوال أيام الحرب الثلاثة والثلاثين من التغطية على الكثير من التصريحات التي أطلقها القادة الإيرانيون, والتي حملت في طياتها رسائل بعضها مشفرة وأخرى واضحة تؤكد بما لا لبس فيه أن حزب الله قد بيع, وأن عملية خطف الجنديين الإسرائيليين التي نفذها الحزب ما هي إلا فخ أوقعه فيه منشئوه وممولوه وولاة أمره الإيرانيون.

فمن أبرز التصريحات الإيرانية التي يمكن ذكرها في هذا المقام تلك التي أدلى بها رئيس هيئة الأركان العامة للجيش الإيراني 'اللواء فيروز آبادي', والتي أعلن فيها أن إيران لن تدخل الحرب الدائرة في لبنان بين إسرائيل وحزب الله. وقد لاقى ذلك التصريح ارتياحًا إسرائيليًا بالغًا حسب ما ذكرته صحيفة هاآرتس ونشرت ترجمته الصحافة الإيرانية.

وإضافة إلى هذا التصريح يمكن النظر للكلام الواضح الذي صدر عن الرجل القوي في النظام الإيراني رئيس مؤسسة كيهان الثقافية الحكومية وأحد أبرز المقربين لمرشد الثورة علي خامنئي 'حسين شريعتمداري' خلال حوار أجرته معه مجلة 'نيوزويك' الأمريكية؛ حيث أكد فيه أن إيران تلعب دورًا محوريًا في بناء نظام الشرق الأوسط الجديد.

وردًا على سؤال ما إذا كانت إيران متوجسة من هجوم أمريكي محتمل ضدها؟! أجاب شريعتمداري ضاحكًا: لا يوجد أحد متوجس هنا؛ فأمريكا تسكن في بيت زجاجي, ومَن بيته من زجاج لا يستطيع رمينا بحجارة.

 

هذه الطمأنينة من رجل بموقع حسين شريعتمداري تؤكد أن إيران حصلت على ضمانات بأنها لن تتعرض لأي هجوم أمريكي, وهذا الاعتقاد تدعمه التقارير الأخيرة التي تحدثت عن مناشدة قدمها أكثر من 20 عسكريًا ودبلوماسيًا أمريكيًا سابقًا للرئيس جورج دبليو بوش, طالبوه فيها بفتح حوار مباشر مع إيران حول الخلافات العالقة بينهم بشأن لبنان والبرنامج النووي الإيراني. محذرين بشدة من فكرة استخدام القوة العسكرية ضد إيران, ومشددين على أن استراتيجية بدء الحوار الدبلوماسي معها ستخدم المصالح الأمريكية وحلفاءها، وتحسن الأمن الإقليمي والدولي, حسب اعتقادهم.

ومن خلال الأصوات التي أخذت تتعالى في أمريكا والمطالِبة باستخدام الدبلوماسية في التعامل مع إيران يتضح أن هناك لوبي حقيقيًا يقف وراء هذه الدعوات, ولابد من أن هذا اللوبي قد دخل في مفاوضات مسبقة مع النظام الإيراني, وأنه قد حصل على ضوء أخضر منه بهذا الخصوص. ولابد أيضًا من أن إيران قد أبدت استعدادها إلى تقديم تنازلات تساعد على دعم هذه الجهود.

وما هو ملاحظ أيضًا أن طوال فترة المعركة التي جرت بين حزب الله وجيش العدوان الإسرائيلي لم يتم فيها توجيه التهمة من الجانب الأمريكي لإيران في المشاركة مباشرة في هذه المعركة, وذلك على الرغم من الاتهامات الإسرائيلية التي تحدثت عن وجود جثث لقتلى من الحرس الثوري الإيراني بين قتلى حزب الله. فما حدث من الجانب الأمريكي كان خلاف ذلك تمامًا؛ فقد نشرت صحيفة 'نيويورك تايمز' الصادرة في الثالث من آب أغسطس الجاري تقريرًا استخباريًا أمريكيًا يؤكد عدم وجود مثل هذا التدخل.

هذا النفي الأمريكي لم يأتِ لو لم يكن هناك علة في الموضوع, وهذه العلة تكمن في عدم رغبة الولايات المتحدة الأمريكية توسيع نطاق هذه الحرب خارج دائرة لبنان.

علمًا أن إيران - وعلى الرغم من امتلاكها لبعض الأوراق ومنها على سبيل المثال تنظيمات مسلحة في العراق وفلسطين وأفغانستان وغيرها - إلا أنها لم تقم بأي فعل من شأنه تخفيف الضغط الإسرائيلي عن حزب الله, وعدم قيامها بهذا الأمر بحد ذاته باعث للتساؤل؟!

وبعد وقف إطلاق النار الذي جاء تلبية للقرار الأممي 1701 ووافق عليه حزب الله قبل إعلان إسرائيل قبولها له, أطلق الإيرانيون جملة تصريحات تحمل نغمة جديدة لم تعهد من قبل. ومن بين تلك التصريحات يمكن الإشارة إلى ما قاله وزير الدفاع الإيراني اللواء 'مصطفى محمد نجار' في كلمة له في مدينة همدان قال فيها: إن الجمهورية الإسلامية الإيرانية تعمل على استقرار الأمن وترسيخ الصلح والمحبة بين دول المنطقة عامة. [وكلمة عامة هذه لها من الدلالات التي لا يمكن أن تمر دون أن تُقرأ بتأنٍّ]. وإذا ما ربطنا بين كلام وزير دفاع الجمهورية الإيرانية و كلام رئيسها أحمدي نجاد الذي جاء أثناء افتتاحه لمنشاة أراك لإنتاج المياه الثقيلة والذي ذكر فيه: أن إيران لا تمثل 'تهديدًا للدول الأجنبية ولا حتى لإسرائيل. يضاف إلى ذلك إعلان الرئيس السابق محمد خاتمي عزمه زيارة واشنطن الأسبوع المقبل لإلقاء كلمة في أحد كنائسها حول السلام وحوار الأديان, وهو بذلك يكون أول مسئول إيراني رفيع المستوى يزور واشنطن منذ الإطاحة بالشاه وقيام الجمهورية الإسلامية, يتبين بوضوح أن إيران تتجه إلى نقطة الالتقاء مع ما يريده المايسترو المنظم لعملية مشروع نظام الشرق الأوسط الجديد, وما هذه المناورات العسكرية التي تجريها القوات الإيرانية إلا زيادة في التعتيم على هذه الدور الذي ذهب ضحيته حزب الله.

 

ولكن قد يخطر في بال القارئ السؤال التالي: ترى هل أدرك قادة حزب الله هذه المؤامرة؟!!

بعد يوم واحد من إعلان وقف إطلاق النار أعلن حسن نصر الله أن حزبه 'انتصر استراتيجيًا' من دون أن يوضح ما هي هذه الإستراتيجية. حيث وكما يبدو أراد بذلك تقليد الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر الذي حاول أن يغطي على هزيمة عام 1956م بمقولته الشهيرة 'خسرنا الحرب عسكريًا وربحناها سياسيًا'.

فإذا كان عبد الناصر أراد بالنصر السياسي الذي عناه بقاء نظامه الذي حاولت دول العدوان الثلاثي [إسرائيل, وبريطانيا, وفرنسا] إسقاطه, وعارضت ذلك أمريكا بشدة, فمن المؤكد أيضًا أن النصر الذي قصده حسن نصر الله يتمثل في الحفاظ على حزبه حتى وإن دمرت لبنان شمالاً وجنوبًا، فيكفى أن الحزب لا يزال يحافظ على كيانه.

وقد أضاف نصر الله في لقائه الأخير مع شبكة 'تليفزيون الجديد': 'إن قيادة حزب الله لم تتوقع ولو 1% أن عملية أسر الجنديين ستؤدي إلى حرب بهذه السعة وبهذا الحجم، ولو علمت أن عملية الأسر كانت ستقود إلى هذه النتيجة لما قمنا بها قطعًا'. وهذا دليل واضح على أنه قد أدرك حجم الخسارة التي وقعت بحزبه قبل أن تقع بلبنان والشعب اللبناني.

ولكن هل سيبقى كيان حزب الله كما كان عليه قبل بدء عملية 'الوعد الصادق' التي قابلها العدو الإسرائيلي بعملية 'أمطار الصيف'؟!!

 

من المؤكد أن نشوة النصر الذي صنعته الهالة الإعلامية الإيرانية وبعض وسائل الإعلام العربية في أذهان قادة وجماهير حزب الله سوف تستمر لأشهر أو ربما لعام قادم, ولكن بعدها وحينما يبدأ جني المحصول وتنتهي النشوة سوف يتبين عندها إن كان حزب الله انتصر فعلاً أم ذبح.

 



مقالات ذات صلة