هل يتسبب المهدي المنتظر في إسقاط سلطة ولاية الفقيه؟!
صباح الموسوي
مدير مركز دراسات النهضة الأحوازية للثقافة والإعلام
مفكرة الإسلام: أخذت ساحة الصراع السياسي بين أجنحة النظام الإيراني تشتعل سخونتها من جديد, وذلك مع بدء تشكيل التحالفات لخوض انتخابات أعضاء ما يسمى بمجلس خبراء القيادة وشورى المجالس البلدية المزمع عقدها أواخر السنة الجارية, وذلك عقب فترة الهدوء النسبي التي أعقبت الانتخابات البرلمانية والرئاسية في العام الماضي, والتي تمكن فيها المحافظون من تسجيل الفوز على خصومهم في الجناح البراجماتي بقيادة رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام هاشمي رفسنجاني والجناح الإصلاحي بقيادة الرئيس السابق محمد خاتمي.
وقد عادت سخونة الصراع بين أجنحة النظام الإيراني في الوقت الذي تشهد فيه البلاد أزمة علاقات دولية شديدة بشأن ملفها النووي, حيث استغل من يسمون بالإصلاحيين هذا الظرف ليصعّدوا من ضغوطهم الداخلية في وجه خصومهم المحافظين. ولما كان المحافظون قد تعودوا على استخدام سياسة القمع المدعومة بضوء أخضر من رأس الدولة ومرشدها الأعلى, الولي الفقيه آية الله علي خامنئي؛ لإسكات خصومهم, فكان لابد للإصلاحيين من البحث عن وسيلة تبطل فيها قدسية الولي الفقيه الذي يعد نقد سياساتها أو التعرض لقراراته خطًا أحمر لا يمكن المساس به أبداً. ولهذا فقد لجأ الإصلاحيون إلى إثارة مسألة غاية في الأهمية وهي مسألة 'الإمام المهدي المنتظر' لتكون بابًا لتسليط الضوء على مكانة الولي الفقيه وسلطته المطلقة التي يستمدها من مكانته التي تعرّفه بأنه الحاكم بالنيابة عن الإمام الغائب.
فالإصلاحيون الذين يفترض أنهم ضد الخرافة والتعصب الطائفي قد تحولوا فجأة إلى أشد الناس تحمسًا لمسألة 'المهدي الموعود' وبدأوا بنشر القصص والرواية وإحياء المناسبات الخاصة به بشكل لم يسبق له مثيل في إيران, وذلك اعتمادًا على تجربتهم السابقة في تغذية وإنعاش الحركات الصوفية التي نجحوا في جعلها ظاهرة تمكنت من استقطاب شرائح واسعة من أبناء المجتمع الإيراني, ولهذا عمدوا إلى دعم الحركة 'المهدوية' لتكون ظاهرة قوية مرادفة لظاهرة الصوفية لاستخدامها وسيلة في مواجهة 'سلطة الولي الفقيه'؛ حيث إن الحركتين لا تقيمان وزنًا لنظرية ولاية الفقيه وسلطته المطلقة. وهذا ما أثار المحافظين الذين أدركوا أن في ذلك لعبة تستهدف مرشد الثورة, آية الله علي خامنئي, الذي يمثل لهم الخيمة التي يستظلون بها في مواجهة خصومهم. لذا فقد سارع المحافظون إلى العمل على أبطال هذه اللعبة وسحب ورقتها من أيدي الإصلاحيين, وذلك بملاحقة أتباع ومريدي الحركتين عبر إصدار فتاوى التكفير تارة و تارة أخرى عبر المطاردة والاعتقالات. وقد دشن المحافظون حملتهم ضد 'المهدويين' باعتقال آية الله السيد حسن أبطحي والد محمد علي أبطحي نائب الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي, وذلك بتهمة ادعائه 'الارتباط بالمهدي المنتظر'! كما طالت حملة الاعتقالات أكثر من خمسة عشر رجل دين من مؤيد آية الله أبطحي في مختلف المدن الإيرانية.
وفي خطوة بدت وكأنها استعراض للقوة فقد استغل 'المهدويون' مناسبة النصف من شعبان الماضي الذي يعد بالنسبة لهم ذكرى ولادة المهدي المنتظر ليحشدوا أكثر من مليون شخص في حفل أقيم لهذه المناسبة في 'مسجد جمكران' بمدينة قم. حيث أصبح هذا المسجد معقلاً لهم بعد أن صنعوا له رواية وأحاديث عديدة تزعم أنه المكان الذي يلتقي فيه المهدي بأنصاره ومريديه, وهو ما أحرج المحافظون ودفهم لتصعيد هجماتهم الإعلامية ضد الإصلاحيين, متهمين إياهم بالترويج للخرافات. وقد شارك في هذه الحملة إلى جانب وسائل الإعلام [صحيفة جمهوري إسلامي وغيرها من الصحف الإيرانية الكبرى الموالية لمرشد الثورة] عدد من رجال الدين الكبار من أمثال إمام جمعة مدينة قم وأحد أساتذة الحوزة آية الله الشيخ 'إبراهيم أميني' الذي وصف ما جرى في ذلك الحفل بأنه من الخرافات, متسائلاً عن القيمة الثقافية والعملية التي قدمها المداحون لشباب في ذلك الحفل!! ومنتقدًا في الوقت نفسه التليفزيون الإيراني الذي نقل مشاهد ذلك الحفل الخرافي قائلاً: إن الناس قد حضروا بحسن نية إلا أن المنظمين للحفل استغلوا هذا الحشد لترويج خرافاتهم وخيانتهم.
والمقصود بكلمة 'خيانتهم' فسّرها المراقبون يعني بها الإصلاحيين الذين أرادوا من وراء ذلك الحفل استهداف نظرية وسلطة ولاية الفقيه.
وفي السياق ذاته كتبت صحيفة جمهوري إسلامي الحكومية في 13 سبتمر أيلول المنصرم مهاجمة الحفل المذكور, طاعنةً بمصادر الروايات التي تتحدث عن 'مسجد جمكران' على أنه ملتقى الإمام المهدي الغائب بمريديه. قائلة: إن أول المصادر التي تحدثت عن 'مسجد جمكران' كانت كتب الميرزا حسين النوري الطبرسي [م ت 1320 هـ] وهي كتب ملؤها خرافات, مستشهدة على ذلك برأي الخميني السلبي من كتب المحدث النوري, حيث ذكر الخميني في بحثه المسمى 'حجة ظواهر الكتاب' والذي كتبه في حاشية كتاب 'كفاية الأصول' تعليقًا على مسألة 'تحريف القرآن' الوارد في كتاب 'فصل الخطاب' للنوري, فقد ذكر الخميني أن الذي كتبه صاحب فصل الخطاب لا يفيد علمًا ولا عملاً, وإنما هو إيراد روايات ضعاف أعرض عنها الأصحاب وتنزه عنها أولو الألباب من تقدم من أصحابنا كالمحمدين الثلاثة المتقدمين ـ رحمهم الله ـ وهذا حال كتب روايته غالبًا 'كالمستدرك' ولا تسأل عن سائر كتبه المشحونة بالقصص والحكايات الغريبة التي غالبها بالهزل أشبه منه بالجد, وهوـ رحمه الله ـ شخص صالح متتبع إلا أن اشتياقه لجمع الضعاف والغرائب والعجائب وما لا يقبله العقل السليم والرأي المستقيم أكثر من الكلام النافع.
هذا الاستشهاد الذي أوردته صحيفة جمهوري إسلامي عن لسان الخميني بحق 'المحدث النوري' كان القصد من ورائه أبطال الروايات التي استند إليها 'المهدويون' في تعظيم مسجد جمكران الذي نقل النوري بحقه رواية عن 'المهدي المنتظر' تقول: من صلى فيه ركعتين كمن صلى في البيت العتيق!!
وقد أردفت الصحيفة في هجومها قائلة: إن جميع المصادر التي تحكي اليوم عن منزلة وأهمية 'مسجد جمكران' ينسبها النوري إلى كتاب اسمه 'تاريخ قم' لشخص مجهول الهوية يدعى 'الحسن بن محمد بن الحسن القمي', وهو بدوره ينقل رواية مسجد جمكران عن كتاب آخر اسمه «مؤنس الحزين في معرفة الحق واليقين» للشيخ الصدوق [من أصحاب الصحاح الأربعة عند الشيعة], والذي قال: إن الصدوق ذكر فيه اسم شخص يدعى «الحسن بن مثلة الجمكراني», وهو الذي كان قد ادعى أن في ليلة 17 من رمضان عام 373هـ طرق باب داره طارق وقال له: «أجب مولاك صاحب الزمان...», يقول: وقد امتثلت لدعوته وذهبت معه إلى لقاء 'الإمام المهدي', وحين صرت بين يديه قال لي: إن هذه البقعة من الأرض مقدسة وتحظى بعناية ربانية, وآمرك أن تبني عليها مسجدًا ليكون يومًا ما مركزًا تتهافت عليه القلوب وتتوافد إليه الناس من أطراف الدنيا, والشباب يطوفون حوله كل الفراشات طالبين الهداية, ففيه تقبل توبتهم وتحل مشاكلهم!!
وقد استشكلت الصحيفة على تلك الرواية قائلة:
أولاً: لا النجاشي ولا الطوسي, الذين لم يتركوا شاردة أو واردة من مصنفات الشيعة ذكروا في فهارسهم المعروفة [فهرست رجال النجاشي] و[وفهرست رجال الطوسي] هذه الرواية, كما أن أيًا منهم لم يذكر اسم «الحسن بن محمد بن حسن القمي» أو كتابه «تاريخ قم».
ثانيًا: أن أياً من كُـتب 'رجال الشيعة' المتأخرين لم يرد فيها اسم 'للحسن بن علي بن الحسن القمي', كما أن المجلسي في كتابه بحار الأنوار 'ج5', والذي تطرق فيه لموضوع 'مسجد جمكران' صرح أنه لم يطّلع على كتاب 'تاريخ قم', وهذا يدل على أن «الحسن بن محمد بن حسن القمي» شخص مجهول. يضاف إلى ذلك أن أصحاب الفهارس وتراجم الرجال الذين تناولوا حياة الشيخ الصدوق ومصنفاته لم يذكروا له كتابًا باسم «مؤنس الحزين في معرفة الحق واليقين», وهذا يدل على أن العملية مفبركة؛ حيث لا يخفى أن الشيخ الصدوق هو من أشهر الرواة والمؤلفين الشيعة, وجميع كتبه معروفة وفي غاية الشهرة, فكيف يمكن لأصحاب التراجم إهمال كتابه المذكور إن كان موجودًا؟! أما كيف استطاع الشيخ النوري العثور على كتاب 'تاريخ قم' و كتاب 'مؤنس الحزين في معرفة الحق واليقين' لينقل منهما رواية 'الحسن بن مثلة الجمكراني', تقول الصحيفة: إنها قصة عجيبة!!
على هذا الهجوم العنيف من قبل 'صحيفة جمهوري إسلامي' وباقي المشككين برواية 'مسجد جمكران' فقد ردت الهيئة الإدارية للمسجد المذكور على لسان أمينها العام 'أبو القاسم الوافي' الذي استهل كلامه بالآية الكريمة {يَـأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا ْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَقُولُوا ْ قَوْلاً سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} [سورة الأحزاب، آية70]. مؤكدًا أن ما جاء في الصحيفة الموالية لمرشد الثورة 'آية الله علي الخامنئي' من طعن و تشكيك في المحدث الميرزا حسين النوري ورواية 'الحسن بن مثلة الجمكراني' عمل غير صالح وقول يغضب الله!! وأضاف قائلاً:
أولاً: إن مسجد جمكران من ناحيتنا يعد مكانًا مباركًا يتشرف بزيارته مئات الآلاف من الناس أسبوعيًا, ويصلون فيه ركعتي تحية وركعتين لصاحب الزمان الإمام المهدي, ويتضرعون فيه إلى الله ويتوسلون بأولياء الدين عليهم السلام طالبين من الله التعجيل في فرج مولاهم [المهدي]!!
ثانيًا: إن قائد الثورة المعظم [علي الخامنئي] في لقائه مع مسئولي 'مسجد جمكران' وصف هذا المسجد المقدس بأنه, الخزانة الشيعية التي لا تنضب, وقد دوّن في دفتر الزيارات أن هذا المكان المبارك يعتبر قاعدة عظيمة للتشيع.
ثالثًا: إن 'آية الله' الحاج شيخ حسين مرتضى الحائري عد 'مسجد جمكران' من الآيات الباهرة وقال' إني أجزم بصحة ما جاء بحق هذا المسجد المبارك. كما أن إقبال الناس منقطع النظير على 'مسجد جمكران' لا يمكن عده مجرد فعل عوام, بل إن هناك الكثير من الخواص وعباد الله الصالحين والنخب العليا في الحوزة العلمية ومن بينها شخصيات كبيرة من أمثال الملا محمد تقي المجلسي والشيخ البهائي والفيض الكاشاني وغيرهم ومنذ مئات السنين كانوا يترددون على هذا المسجد.
وقد انتقد الرد ضمنًا إمام جمعة مدينة قم الشيخ 'إبراهيم أميني , الذي كان قد وصف الحفل الذي أقيم في 'مسجد جمكران' بمناسبة النصف من الشعبان بأنه حفل لترويج الخرافة والخيانة. وقد تساءل أبو القاسم الوافي في رده قائلاً: أليست دعوة العلماء والمراجع الكبار من أجل إقامة صلاة الجماعة وإلقاء الخطب في حفل النصف من شعبان ونشر البوسترات الثقافية وتوزيع المنشورات المتنوعة بين المصلين وترويج الأخلاق والآداب الإسلامية وتوزيع الكتب الخاصة بفضائل أهل البيت لاسيما منها تلك التي تتحدث عن خصائص الإمام المهدي, عملاً ثقافيًا مفيدًا؟! وهل حضور العشرات من الشخصيات البارزة والمحققين من أساتذة الحوزة العلمية, إضافة إلى حضور أعداد كبيرة من الأخوات الدارسات والمطلعات إلى 'مسجد جمكران' في ليلة الأربعاء والذين أخذوا على عاتقهم مسئولية نشر الثقافة المهدوية والإجابة على المسائل الشرعية ورفع الشبهات, يعد عملاً خرافيًا وفعلاً من أفعال العوام؟! فلماذا تسمح صحيفة حكومية أن تفتح موضوعًا مهمًا مثل هذا الموضوع ليكون مادة بيد وسائل إعلام أعداء الثورة الذين لا يعترفون بالنظام ولا بقائد الثورة, وليست لهم أية معتقدات دينية؟!
الإصلاحيون وجدوا فيما نشرته 'صحيفة جمهوري إسلامي' من هجوم فرصة لكي يصعّدوا من الجدل الدائر بين 'المهدويين' والمحافظين, ولهذا فقد قاموا بتوزيع كاتب بعنوان 'الطرق العلمية للالتقاء بإمام العصر' وهو من تأليف أستاذ علم الأخلاق في حوزة قم الشيخ مرتضى الطهراني, وهو كتاب حديث جاء في أربعة فصول, شارحًا في الفصل الأول منه تعريف كلمة 'المهدي' من الناحية اللغوية, ويستعرض فيه كيفية الاتصال بالمهدي, والأماكن التي يمكن أن يتم فيها اللقاء. أما الفصل الثاني فيقسم فيه اللقاء إلى قسمين: اللقاء العام واللقاء الخاص, ويبين فيه الأرضية والأسباب التي تهيئ فرصة اللقاء بالمهدي والتي من بينها, الزيارات المتكررة لمسجد جمكران, وكتابة العرائض للإمام المهدي يطلب فيها المريد اللقاء مع تقديم الهدايا.
أما الفصل الثالث فيشرح فيها الموانع التي تحد من عدم تحقيق اللقاء, وأهم هذه العوائق هي الذنوب.
أما الفصل الرابع والأخير فيؤكد على الراغب بلقاء المهدي أن يكون من المريدين المخلصين والسالكين للطريقة المهدوية.
وعلى الرغم من تأكيد صاحب الكتاب على أن تطبيق هذه الطرق العلمية حسب زعمه كفيلة بتحقيق اللقاء بالمهدي إلا أنه لم يقل إذا ما كان هو نفسه قد حظي بلقاء المهدي أم لا؟!
المهم فيما كشف عنه الجدل الدائر بين أجنحة النظام الإيراني أن مسألة 'المهدي المنتظر' تحولت إلى مادة صراع بينهما, كل طرف يحاول أن يجيرها لصالحه بما يتلاءم ومصالحه السياسية. وهنا يحاول كل طرف أن يستند إلى أكبر عدد ممكن من الروايات والأسانيد التي تدعم موقفه لتحقيق غايته, وهذا ما شاهدناه في العرض المتقدم, حيث لوحظ أن المحافظين قد لجئوا إلى الطعن بأحد أهم مصادر 'المهدويين', وهو أحد مشاهير المحدثين الشيعية 'الشيخ حسين النوري الطبرسي' وبكتبه لكي يفندوا رأي خصومهم ويردوا الهجمة التي تستهدف مرشد الثورة وسلطة الولي الفقيه. وهذا قد وضع المحافظين بين فكّي كماشة, فهم إن أرادوا تفنيد الأسانيد التي تدعم حجة خصومهم يكونوا قد فتحوا باب التشكيك بجميع الكتب التي تحدثت عن موضع 'المهدي المنتظر', وبالتالي فإنهم يكونون قد لامسوا المحذورات لكونهم يكونون بذلك قد كشفوا عن هشاشة المصادر وزيف الروايات والكتب التي بنيت عليها نظرية المهدي المنتظر في العقيدة الشيعية. وإن هم سكتوا وسلموا بالروايات والأحاديث التي يستند إليها خصومهم في المحاجّة يكونوا بذلك قد أقروا بضعف موقفهم وبالتالي عليهم القبول بنسف سلطة ولاية الفقيه, وهذا ما لا يريدونه.
ولكن إذا ما استمر الجدل فهل سيطيح 'المهدي المنتظر' بالولي الفقيه وسلطته المطلقة, أم أنه سينتصر له؟!! ذلك ما ستنبئ عنه الأيام.