توجيهات رمضانية لفلسطينيي العراق

بواسطة أيمن الشعبان قراءة 1483

 

توجيهات رمضانية لفلسطينيي العراق

 

الحمد لله وصلى الله وسلم على عبده ونبيه ومصطفاه، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه ، وبعد :

ما هي إلا ساعات قلائل ويحل علينا زائر عزيز وضيف مفعم وحبيب على قلوبنا، فكم طال انتظاره وشق علينا فراقه وآلمنا البعد عنه، لكن يا ترى ما هو لونه هذا العام ؟ وكيف سيكون؟ وماذا سنقدم فيه؟ وقد أصبحنا متفرقين شذر مذر ، بعد أن كنا في بلد واحد يجمعنا ، وإن لم يكن بلدنا الأم،إلا أننا نشأنا وترعرعنا فيه ، والله المستعان وعليه التكلان .

قبل سنوات قليلة كان يجمعنا هذا الشهر بما فيه من نفحات وخيرات وبركات معنوية ومادية، تلتقي الأسر ويتناصح الأحبة ويتواصوا بالحق وتزداد الألفة وتوصل الأرحام ويزداد الإيمان ويتقرب المسلمون إلى الله بقيام الليل وما أدراكم ما قيام الليل ؟ لا سيما في العشر الأواخر، والاجتماع على مائدة الإفطار تارة عند قريب وأخرى عند صديق وأخرى عند محب ودواليك إلى نهاية الشهر الفضيل .

المتأمل لحال معظم الفلسطينيين في العراق الآن سيجد أشلاء في أمريكا اللاتينية ( البرازيل وتشيلي ) وأخرى في أوربا الشرقية ( جزيرة قبرص ) ومجاميع في أوربا الغربية ( السويد، النرويج، هولندا، الدنمارك، فلندا، بريطانيا، فرنسا، إيطاليا، وهلم جرا ) وهل نسيتم كندا ونيوزيلندا ؟ أم سوف ننسى أيضا استراليا وآيسلندا؟، وما هو الحال لمئات العائلات من أهلنا وأحبابنا الذين لازالوا يفترشون الصحراء ( في الوليد والتنف والهول )  فيا ترى مع من سيصوم أهلنا في مخيم التنف؟!! العراق أم سوريا، وكيف سيعيدون ؟! وهل يحق لهم زيارة ذويهم في مخيم الوليد الذي يبعد عنهم بضعة كيلومترات ، وكيف سيفعل أحبابنا وذوينا وأصحابنا المتواجدين في العراق في ظل انعدام الخدمات وكثرة الاضطرابات فهل سترجع إليهم بسمة المناسبات التي قضت عليها وغمرتها الميليشيات !!.

لكن مع ذلك كله والحديث ذو شجون فإنا قوم نستمد قوتنا وإرادتنا من كتاب ربنا ( واصبر وما صبرك إلا بالله )  ومن سنة نبينا صلى الله عليه وسلم إذ يقول كما في الحديث الحسن ( إن عظم الجزاء مع عظم البلاء وإن الله إذا أحب قوما ابتلاهم فمن رضي فله الرضى ومن سخط فله السخط)، وهذا أمر الله وقدره وتلك سنة الله في خلقه ( ولن تجد لسنة الله تبديلا ).

ومع الساعات الأولى من شهرنا المبارك رمضان؛ شهر القرآن والصبر والجهاد والصدقات والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإخلاص والتوبة والإنابة إلى الله عزوجل والتقوى ،  وشهر الطاعات وموسم من مواسم الخيرات،وشهر صلة الأرحام واستغلال الأوقات وبر الوالدين وتفقد الفقراء والمساكين وجميع أعمال الخير، إذ يجب علينا أن نقف مع أنفسنا أولا عدة وقفات نتناصح ونتذاكر ( وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين ) لاسيما وقد تباعدت بنا السبل وتفرقت بنا الطرق ، حيث ضعف النسيج الاجتماعي وخفت الأواصر الأسرية بشكل قسري واضطراري، وأصبحت العائلة الواحدة في خمس أو ست أو ثمان دول، بعد أن كانوا مجتمعين متجمعين في دولة واحدة،فلكم الله وأعانكم على هذا الابتلاء وهون عليكم الغربة ومفارقة الأحباب.

 

الوقفة الأولى: تنبيهات لأهلنا في السويد والنرويج

يكاد يكون البلد الأكثر تواجدا فيه الفلسطينيون المهجرون والنازحون من العراق هو مملكة السويد، ومن حقهم عيلنا أن ننصح لهم لاسيما ونحن في هذه الأيام وقد كثر الاستفسار من عدد غير قليل منهم بما يخص مواقيت الإمساك والإفطار، إذ يكاد يصوم المتواجدون في السويد هذه الأيام أكثر من ( 18 ساعة )  حيث يؤذن تقريبا لصلاة المغرب الساعة التاسعة ولصلاة الفجر الساعة الثالثة، وعليه حديث العهد في السويد يستصعب ذلك ويعتبر هذا أمرا جديدا إذ لم يتجاوز صيامه من قبل عن ( 15 ساعة ) والجواب على هذا الإشكال هو أن الحكم يدور مع علته وجودا وعدما فكما أن من شروط قبول الصلاة دخول الوقت ولا تقبل صلاة من صلى قبل الوقت ، كذلك الصيام لأن الله تعالى قال ( وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ) ويقول عليه الصلاة والسلام في الحديث المتفق عليه ( إذا أقبل الليل من هاهنا وأدبر النهار من هاهنا وغربت الشمس فقد أفطر الصائم ) وقوله عليه الصلاة والسلام ( إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم ) وابن أم مكتوم رضي الله عنه كان يؤذن عندما يدخل وقت الفجر الصادق وهو وقت صلاة الفجر، لذلك ننصح أهلنا وإخواننا وأحبتنا في السويد والدول التي على شاكلتها أن يصبروا ويتحملوا وأن يلتزموا بتلك المواقيت التي فرضها الله ،وليست العبرة بكثرة الساعات إنما العبرة باتباع ما أمر الله وشرعه لنا، ولو عكسنا الأمر في بعض أيام الشتاء فإن الأمر معكوس فإن صلاة الفجر تكون في الساعة السادسة صباحا ، وصلاة المغرب تكون في تمام الساعة الثانية بعد الظهر تقريبا فيكون الصيام ثمان ساعات، فنسأل الله تعالى أن يعين الجميع على الصيام والقيام وما فيه الخير لهم في هذا الشهر الكريم.

ونوصي أيضا أهلنا وأحبابنا هناك بتقوى الله والتعاون على البر والتقوى والتواصي فيما بينهم، وعدم الالتفات إلى مغريات الحياة المادية هناك فإن الدنيا زائلة بلا رجعة ولم يدخل معك القبر إلا عملك الصالح، الله الله في أبنائكم وبناتكم ونسائكم ، حافظوا على أداء الصلوات في وقتها وتعلموا القرآن وعلموه أبنائكم، إذ فيه العزة والرفعة والتمكين والشرف.

 

الوقفة الثانية: لأهلنا في قبرص

من معاني شهر رمضان أن فيه الوازع الديني للتحابب والتآزر والتآلف والتزاور، ولما كان لأهلنا من التجمع في جزيرة قبرص فكان الأولى أن نتواصى بضرورة التوحد والحرص على بعضنا البعض والابتعاد عن كل ما يفرقنا ويسيء إلى قضيتنا، إذ يقول ربنا تبارك وتعالى ( ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين ) وهذا أيضا شهر الصبر ، فينبغي علينا أن يصبر بعضنا على بعض وأن نحسن الظن وأن نتسامح في هذا الشهر العظيم، وأن نقدم المصالح العامة على المصالح الفردية والشخصية ، وهذا أسمى معاني التجرد ونكران الذات.

أهلنا وأحبتنا في قبرص : عليكم بالتزام الفرائض والصلوات في وقتها ، واستغلال الأوقات بعيدا عن الملهيات ، والابتعاد عن السهر المفرط والمجالس التي لا طائل من تحتها، وعدم الخوض في مالا يعني أو ما يجلب المعاصي والسيئات من حيث لم تشعروا، وعدم القيل والقال فإن ربنا عزوجل يقول ( وإن عليكم لحافظين. كراما كاتبين. يعلمون ما تفعلون )( ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ) وكذلك نوصي أهلنا جميعا هناك الابتعاد عن مواطن الشبهات في كل حين وزمان وخصوصا هذه الأيام ( ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب ) وعليكم أيضا أن تتفقهوا في دينكم وتتعلموا أحكام هذا الشهر المبارك فإنه مالا يتم الواجب إلا به فهو واجب ، نسأل الله لنا ولكم السداد والرشاد والعمل الصالح الثبات على الدين الحق .

 

الوقفة الثالثة: أهلنا في العراق

أعانكم الله يا من صبرتم وبقيتم في العراق رغم ضنك العيش وضعف الخدمات واضطراب الأوضاع ، وقد لا نبالغ إذا قلنا المصير المجهول، فلكم تحية جميعا على ثباتكم وصبركم ونوصيكم في هذه الأيام المباركة حسن الالتجاء لرب الأرض والسماء، والصبر على المحن ونوائب الدنيا وما يحاط بكم من لئواء وضراء ، فإن النبي عليه الصلاة والسلام يقول ( إنكم تلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض ) والأقدار تسير ولا مرد لحكم الله فمن يرضى بها فقدره ماض وله أجر ، ومن يسخط أيضا قدره ماض وعليه الوزر، ورمضان من معانيه أنه دورة تدريبية يتعلم فيها المسلم كيف يصبر ويتحمل من المشاق والعناء ما لا يكون مثله في باقي الشهور ،فهذه فرصة استثمروها ودورة تدريبية اغتنموها، نسأل الله أن يحفظكم بحفظه ويعينكم ويسدد خطاكم ويثبتكم على تلك الفتن والابتلاءات.

 

الوقفة الرابعة: أهلنا في تشيلي والبرازيل

لا ندري كيف سيكون رمضان عند من تم نفيهم إلى ما وراء المحيطات خصوصا مع قرب انتهاء برنامج المفوضية أو الجهات المسؤولة عنهم هناك ، إذ سوف تبدأ محنة ومرحلة جديدة على أهلنا في البرازيل ابتداء من شهر أيلول القادم، لكن نقول لهم ومع تزامن ذلك مع هذه الأيام الفضيلة صبرا صبرا واستعينوا بالله عز وجل وتأسوا برسول الله عليه الصلاة والسلام فقد مر بمراحل وظروف غاية في الصعوبة مع صحابته الكرام، إلا أن الله عز وجل أعلى شأنهم ونصرهم ومكّن لهم لأنهم استقاموا على شرع الله وصبروا وثبتوا على مبادئهم ، فعن خباب ابن الأرت رضي الله عنه قال : شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة ، فقلنا : ألا تستنصر لنا ، ألا تدعو لنا ؟ فقال : ( قد كان من قبلكم ، يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض ، فيجعل فيها ، فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين ، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه ، فما يصده ذلك عن دينه ، والله ليتمن هذا الأمر ، حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت ، لا يخاف إلا الله ، والذئب على غنمه ، ولكنكم تستعجلون ).

 

الوقفة الخامسة: لجميع أهلنا في الشتات الجديد

علينا أن نستذكر دائما أننا غرباء في هذه الدنيا مهما طال بنا العمر وباعدتنا الدول وفرقتنا الحدود، فعلينا أن نستلهم العبر ونقتفي الأثر بمن سبقنا بصحابة النبي عليه الصلاة والسلام وسلف هذه الأمة وأن تكون هجرتنا في سبيل الله وغربتنا في نصرة هذا الدين ، وأن نتحمل أعباء الإسلام كل بحسب موقعه ومكانته وأن ندعوا إلى الله عز وجل على بصيرة وأن لا نتخلى عن ثوابتنا ومبادئنا وأن لدينا قضية مصيرية هامة يجب أن تشغل حيزا كبيرا من وقتنا وهي أرضنا المغتصبة المسلوبة ، فإن وعد الله آت لأن الباطل مهما عظم فهو إلى زوال ودولة الباطل ساعة ودولة الحق إلى قيام الساعة.

فعلينا ونحن في بداية هذا الشهر المبارك اغتنام الأوقات وكسب الحسنات والابتعاد عن الشبهات والشهوات والسيئات، وأن نتعاون على البر والتقوى وأن نتواصى بالحق ونتواصى بالصبر وأن لا ننغمس بملهيات الدنيا لاسيما في تلك البلاد التي تشرذمنا فيها وتفرقنا وتهجرنا .

وأخيرا الحذر كل الحذر من ضياع الأوقات أمام الفضائيات وحضور مجالس اللهو والغيبة والنميمية ، فرب صائم ليس من صيامه إلا الجوع والعطش ورب قائم ليس من قيامه إلا التعب والسهر.

نسأل الله تبارك وتعالى أن يعيننا على صيام رمضان وقيامه وتلاوة القرآن وفعل الخيرات وترك المنكرات ، وأن يلم شملنا ويرحم ميتنا ويفك أسر معتقلينا ، ويحفظنا جميعا من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن ،وأن يثبتنا على الدين والمبادئ إلى أن نلقى الله عز وجل ، وأن يحسن خاتمتنا وأن يجمعنا في الأقصى الأسير بعد تحريره من براثن الغاصبين اليهود إنه ولي ذلك والقادر عليه.

 

21/8/2009

أيمن الشعبان

 

 

 



مقالات ذات صلة