الأيديولوجيات الخومينية بين البحرين وسوريا

بواسطة شيماء نعمان قراءة 497

الأيديولوجيات الخومينية بين البحرين وسوريا

 شيماء نعمان

التاريخ: 29/6/1432 الموافق 02-06-2011

 

بينما كان يظن البعض أن الثورات العربية المندلعة في أنحاء الشرق الأوسط ليست إلا سحابة صيف عابرة، جاء استمرار فوران الثورات في بقاع متفرقة من المنطقة ليكشف القناع الذي كان يتخفى وراءه أصحاب المصالح والمستفيدون من حالة الخنوع والقهر والطغيان التي كانت تئن تحتها الشعوب العربية في صمت ويأس.

وإذا ما حاولنا اختيار نموذج للازدواجية السياسية في التعاطي مع ثورات العرب، فلن نجد نموذجًا أفضل من إيران التي يحكمها الملالي؛ والتي قمعت معارضيها وحركتهم الخضراء السلمية وأذاقت مواطنيها المطالبين بالديموقراطية والإصلاح ألوانًا وصنوفًا من العذاب.

والمراقب للأحداث على الساحة العربية، يعرف أن طهران كانت من أوائل من هللوا للثورة المصرية , بل واعتبر خامنئي في حينها أنها امتداد للثورة الخومينية وأنها نجاح لإيران في تصدير ثورتها الإسلامية.

والحقيقة أن إيران عندما أبدت حماسًا وتأييدًا لثورة مصر؛ كانت تأمل في إزاحة الرئيس المصري السابق "محمد حسني مبارك" من طريقها؛ ولكنها لم تضع في الحسبان إمكانية أن تلحق موجة الاحتجاجات بحليفها الهام المتمثل في النظام السوري , لكن انتقال شرارة الحرية من بلد عربي إلى آخر لم يكن في صالح إيران على الإطلاق، فبالإضافة إلى كونه قد أدى إلى عزلتها بعض الشيء نظرًا لاختلاف التوازنات الجديدة والحقائق على الأرض، فإنه قد فضح أيديولوجيات طهران التي طالما حاولت دولة الملالي أن تتظاهر بعدم وجودها.

فقد أظهرت ثورات الحرية في الشرق الأوسط ازدواجية المعايير الإيرانية التي لا تختلف كثيرًا عن ازدواجية معايير القوى الكبرى , فنرى طهران التي تهدد البحرين وتنتقد تعاطيها مع المتظاهرين الشيعة تتعاون مع نظام "بشار الأسد" في سوريا وتسانده بقوة وتمده بما يحتاج إليه من قوات وعتاد للإجهاز على ثورة الشعب السوري وإخماد جذوتها.

فكر تصدير الثورة ونظرية العداء

ولعل من أبرز المصطلحات الإيرانية الشائعة هو اصطلاح "تصدير الثورة"؛ وما يحمله في طياته من أيديولوجية عدائية واضحة , فأصل المصطلح قد ظهر عقب نجاح الثورة الإيرانية بقيادة الخوميني- صاحب نظرية ولاية الفقيه- في تحويل إيران إلى دولة دينية.

إن مصطلح "تصدير الثورة" يعني في الأساس العمل من أجل قيام ثورات مشابهة للثورة الإسلامية في جميع الدول ذات الأنظمة الاستبدادية؛ وإن كان هو في نفسه أحد أشكال الاستبداد.

ومنذ قيام ثورة الخوميني عام 1979، سعت قياداتها إلى تصدير ثورتهم إلى دول الجوار مثل العراق ودول الخليج العربي ولبنان وغيرها , وكان الحرس الإيراني الثوري صاحب اليد الطولى في نشر بذور تلك الثورة؛ فقد ذكرت دورية "مختارات إيرانية" الصادرة باللغة العربية (العدد 54، يناير 2005) أن جهود الحرس الجدية بدأت في تصدير الثورة عن طريق العنف في سبتمبر 1982م عندما شاركت وحدة منه مع جماعة "حزب الله" في لبنان ضد القوات "الإسرائيلية" ثم توالت أعمالهم العنيفة في شكل أعمال تخريبية في دول الخليج خاصة في المملكة العربية السعودية والبحرين, كما استطاعوا تكوين شبكة من العملاء في أوروبا.

الحرس الثوري وأزمة سوريا

وعلى هذا الأساس، فإن اعتماد إيران على الحرس الثوري هو اعتماد تضرب جذوره في عمق التاريخ الإيراني؛ فمنذ أنشأه الخوميني بغرض حماية نظام الحكومة الإسلامية الجديدة آنذاك تطور حتى أصبح يمثل القوة الرئيسية السياسية والعسكرية والاقتصادية في إيران. ومن بين أشهر أذرع هذا الحرس الإيراني ذائع الصيت هو "فيلق القدس" المتخصص في تنفيذ عمليات خارج إيران؛ وهو الفيلق الذي كشف مسئولون أمريكيون منذ أيام أن إيران أرسلت بعض عناصره إلى سوريا لمساعدتها في قمع الاحتجاجات المناهضة لحكومة الأسد والتي تعد أهم حليف لطهران في المنطقة.

الأيديولوجية الإيرانية وسبل التعاطي معها

من الضروري عند محاولة التعاطي مع السياسة الإيرانية الالتفات إلى كلٍ من الموروث الثقافي الفارسي وعقائد الفكر الشيعي - التي تؤثر أيما تأثير - وفهم الدوافع الحقيقية التي ربما تتسم بالغموض في كثير من الأحيان , فالموروث الثقافي الفارسي محور لا يستهان به ولابد أن يتم الانتباه إليه وأخذه في الاعتبار نظرًا إذا أردنا تحليل الفكر الإيراني , فالثقافة الفارسية على سبيل المثال تؤكد على أهمية عقيدة المقاومة عن طريق استنزاف العدو والتلاعب به في حرب نفسية؛ أو كما يقول الباحث الأمريكي "مايكل إيزنستات" من معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى: "أن أحد أهم الموروثات الفارسية هي القدرة على الاحتمال ... وتحقيق النصر على العدو ليس بالاستيلاء على أرض أو تقويض مصادره بل بشن حرب نفسية طويلة حتى تتزعزع ثقته ومعنوياته".

ويرى إيزنستات أن حكومة طهران تختار معاركها بحكمة بالغة، حيث تقاتل في الحلبة التي تعرف أنها ستحقق فيها الفوز "فهم مايسترو القوة الناعمة؛ الذين يشنون حروبهم النفسية من خلال ميليشيات تنوب عنهم (مثل الحرس الثوري وحزب الله) فوق أرض العدو، ثم يتمون ذلك عن طريق سياسات محسوبة (مثل البرنامج النووي وخطابات معاداة السامية والتلاعب بالسياسة في العراق ...إلخ)".

إن الوقوف على ماهية الأيديولوجية التي تعمل بها إيران، يجعل من غير الصعب ملاحظة أن إيران لا تحتاج بالضرورة إلى امتلاك السلاح النووي كي تحقق مصالحها؛ إلا أن نظام آيات الله قد استغل البعد النفسي للمسعى الإيراني من أجل إحباط أعدائه بسياسة يكتنفها نوع من الغموض.

المصدر:  مركز التأصيل للدراسات والبحوث

 



مقالات ذات صلة