النظام الإيراني و سياسية الأكاذيب المؤدلجة
صباح الموسوي
التاريخ: 6/4/1431 الموافق 22-03-2010
الكذب صفة يمقتها العقل وينبذها العرف ومحرمة لدى جميع الشرائع السماوية والوضعية ‘ وذلك بسبب كونها تتعارض مع القيم الإنسانية . وقد قال تعالى في القرآن الكريم ( ويل يومئذ للمكذبين ) و كلمة ويل هي كلمة يتوعد سبحانه وتعالى بها المكذبين. أما الكذب في لغة العرب ‘ هو الإخبار عن الشيء على خلاف ما هو عليه . و قال ابن منظور " الكذب نقيض الصدق‘ وحقيقة الكذب هي الإخبار عن الشيء بخلاف الواقع .
والكذب أنواع‘الكذب على الله ‘ الكذب على الرسول والكذب على الناس. وقال عليه الصلاة والسلام ‘ آية المنافق ثلاث ‘ إذا حدّث كذب ، وإذا اؤتمن خان ، وإذا وعد أخلف.
و وفق هذه القاعدة التي شرح بها الرسول الاكرم صفات الكاذب ‘ فان المتتبع لتصريحات وافعال قادة النظام الايراني لا يراوده الشك مطلقا من انهم مصداقا لهذا الوصف وان نظامهم اكذب انظمة العالم على الاطلاق حيث لايوجد في عالم اليوم من هو اكذب من هذا النظام ‘ولو كان " جوزيف جوبلز " وزير الدعاية النازية المعروف بعبقريته الدعائية الكاذبة اليوم حيا لحسد قادة النظام الايراني على عبقريتهم في صنع الاكاذيب وترويجها تحت عباءة الدين . فالكذب في الجمهورية الايرانية يمارس من اعلى مسؤول "مرشد الثورة علي خامنئي" نزولا الى اصغر مسؤول ‘ فهؤلاء وان اختلفت مناصبهم الا انهم لا يختلفون في اطلاق الكاذيب وترويجها ‘ ولا يقتصر كذبهم على شأن معين من الشؤون السياسية الداخلية او الخارجية‘ ولا في قطاع خاص من القطاعات ‘الدينية او الاقتصادية او الاجتماعية او الامنية او غيرها من القطاعات الاخرى ‘ واحيانا كثيرة ينتاب المتابع التعجب من لجوء هؤلاء المسؤولين الى الكذب في اتفه الامور فيما لو انهم قالوا الصدق وصارحوا مواطنيهم بحقيقة هذه الامور لتقبل المواطنون ذلك بشكل طبيعي . فما الذي يدفع قادة هذا النظام الى الكذب على شعوبهم في كل صغيرة وكبيرة ؟. الجواب البديهي لهذا السؤال لا يخرج من كونها عادة دأبوا عليها وترك العادة يتسبب في كشف الحقيقة و هذا ما يخشونه‘ فبما ان تاريخ هذا النظام مبني على الكذب والخداع فان كشف حقيقة واحدة قد تؤدي الى تكشف حقايق عديدة عندها لم تعد هناك قدرة يمكنها وقف انهيار هذا السد المبني على الوهم والخديعة. وكأمثلة بسيطة على بعض أكاذيب قادة هذا النظام ‘ هو ما يتعلق بسياستهم تجاه ( إسرائيل )‘ نجد مثلا في الوقت الذي يطالب فيه رئيس الجمهورية الإيرانية "احمدي نجاد" بمحو الكيان الإسرائيلي من الخارطة ‘نجد بذات الوقت نفسه تقوم حكومته بعقد صفقات تجارية كبرى مع الشركات الإسرائيلية ‘ بدأ من استيراد الأجهزة العسكرية مرورا بأجهزة الحاسبات و انتهاء باستيراد فاكهة البرتقال التي غزت الأسواق الإيرانية. وتصديقا لذلك ما أعلنته قبل أشهر‘ شركة " دارو نت" (DaroNet) الإسرائيلية، المُتخصصة في مجال التكنولوجيا، ومقرها في إحدى ضواحي تل أبيب‘ فقد كشفت هذه الشركة عن أنها أبرمت صفقة بقيمة مليون دولار مع غرفة التجارة الإيرانية تقضي بتصدير أجهزة كمبيوتر وبرامج عمل إدارية لطهران.
و عند افتضاح كل واحدة من هذه الصفقات التجارية يخرج قادة النظام الإيراني بإطلاق المزيد من الشعارات ضد إسرائيل وتحميل "أعداء الثورة "مسؤولية الكشف عن هذه الصفقات دون ان ينفوا حصولها. ومن الأمثلة الأخرى أيضا‘ فقد نشرت مواقع إيرانية تابعة للجناح المتشدد في سبتمبر 2009م صوراً لوزير العلوم في حكومة أحمدي نجاد السابقة "محمد مهدي زاهدي " وهو مجتمع بنظيره الإسرائيلي في العاصمة الأردنية عمان ‘ولكن الوزير الايراني زعم انه لم يكن على معرفة بان من اجتمع معه هو وزير إسرائيلي . و على نفس المنوال أيضا تحدث ( رئيس منظمة التراث الثقافي و السياحة الإيرانية ) " حميد بقائي" عقب المصافحة التي جرت بينه و بين وزير السياحة الإسرائيلي" ستاس ميسيجنيكوف " أثناء مشاركتهما في حفل استقبال أقامه ملك اسبانيا على هامش معرض مدريد للسياحة في يناير كانون الثاني الماضي‘ ومن ثم قيام الوزير الإسرائيلي بزيارة الجناح الإيراني في ذلك المعرض. فرغم إعلان إسرائيل عن تلك المصافحة ونشر خبرها و صورها عبر وسائل الإعلام العالمية ‘ إلا ان النظام الإيراني بقي ينفي حدوث ذلك الأمر لمدة طويلة ولكن عندما هدأت العاصفة اعترف رئيس منظمة التراث الثقافي و السياحة الإيرانية بحدوث المصافحة قائلا أنه قد اخذ على حين غرة !!!.
أما أخير هذه الفضائح وليس آخرها‘ فهو الاجتماع الذي عقد في القاهرة مؤخرا بين رئيس اتحاد لعبة التايكوندو الايراني " محمد پولادكَر " و نظيره الإسرائيلي والتقاط الصور التذكارية معا. وقد جاءت كل هذه اللقاءات رغم التأكيد الدائم للمسؤولين الإيرانيين على أنهم لن يحضروا جلسات أو اجتماعات تحضرها شخصيات إسرائيلية . أما بشأن العلاقات مع أمريكا والأكاذيب التي يطلقها النظام الايراني بهذا الخصوص ‘ فحدث ولا حرج ‘ولكن على سبيل المثال نشير هنا الى بعضا منها . فعلى الرغم من الوصف الدائم من قبل النظام الايراني لأمريكا بـ " الشيطان الأكبر " الآ ان مكتب الإحصاء الأمريكي أعلن قبل أيام أن صادرات الولايات المتحدة الأمريكية إلى إيران تضاعفت ثلاث مرات في الشهر الأول من العام الجاري. ونقلت وكالة أنباء " فارس " الإيرانية الرسمية أن قيمة الصادرات الأمريكية إلى إيران بلغت خلال هذه الفترة 31 مليون دولار. وأشارت الوكالة إلى نسبة التبادل التجاري بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية في يناير/كانون الثاني الماضي بلغت 37 مليون و300 ألف دولار، مما يظهر زيادة بلغت ضعفين قياساً بشهر ديسمبر/كانون الأول.
من جهة آخر شهد الشهر الماضي وصول اكبر سفينة سياحية أمريكية الى إيران‘ وقد رست السفينة (Crystal serenity) التي كانت تحمل على متنها 487 سائحا أمريكيا ‘ في مينا بندر عباس على الخليج العربي .
و على الجانب التعاون السياسي والعسكري بين الدولتين فان إيران وعلى لسان العديد من قادتها ‘ و من بينهم الرئيس السابق محمد خاتمي ونائبه محمدعلي ابطحي وأخيرا الرئيس " احمدي نجاد "‘ قد اقروا جميعا بتعاون إيران مع أمريكا في الحرب على أفغانستان والعراق ‘ وقد تحدثوا عاتبين على أمريكا لان إيران لم تحصل على حصتها الموازية لحجم التعاون الذي أبدته مع أمريكا في حروبها على هذين الدولتين المسلمتين .
أما فيما يخص الملف النووي فالكذب قائم على قدم وساق و الأمثلة على ذلك كثيرة ‘ فبينما يفتي مرشد الثورة " علي خامنئي " بحرمة امتلاك السلاح النووي فان الرئيس احمد نجاد يصرح و لأكثر من مرة ان إيران أصبحت دولة " نووية" ‘ وكان آخر تلك التصريحات في شهر فبراير الماضي بمناسبة ذكر انتصار الثورة حيث قال‘" في الوقت الراهن لدينا في مجمع ناطنز القدرة على تخصيب اليورانيوم إلى مستويات أعلى من 20 في المائة وكذلك أعلى من 80 في المائة ". وكان العالم النووي الباكستاني عبد القدير خان قد كشف مؤخرا في تقرير رسمي كتبه عن مساعي إيران لشراء قنبلة نووية من إسلام آباد. وهناك ومعلومات عديدة أخرى تؤكد مساعي إيران للحصول على القنبلة النووية‘ ولكن رغم ذلك تبقى أكاذيب النظام الايراني حول هذا الموضوع متواصلة دون انقطاع ‘فتارة ينفون وجود مساعي للحصول على السلاح النووي ويحرمون ذلك ولكنهم في نفس الوقت يقومون ببناء مفاعل سرية ‘ وتارة أخرى يطالبون العالم بالاعتراف بهم بأنهم أصبحوا دولة نووية !!. أما عن تدخل إيران في شؤون دول الجوار و إثارة الفتن ‘ فالكلام يعجز عن إحصاء تلك التدخلات لكونها واضحة للعيان ولا تحتاج الى من يبينها فهذا الرئيس الايراني احمد نجاد يظهر على شاشة التلفاز عشية الانتخابات البرلمانية العراقية الأخيرة ويصرح بكل وقاحة " إننا لن نسمح بعودة البعثيون الى الحكم في العراق " دون ان يسأل نفسه من أعطاه الحق حتى يقرر نيابة عن العراقيين من يحكم العراق . أليس هذا تدخلا سافرا في شؤون الآخرين ؟.
فرغم ان مسلسل أكاذيب النظام الايراني طويلة ولا تنتهي‘ إلا أننا نختم بتبيان كذبتين لهذا النظام . الأولى‘ تتعلق بوعد الرئيس احمدي نجاد الذي أطلقه خلال زيارته الأخير الى إقليم الأحواز العربي والتي جاءت قبل شهرين ‘ حيث صرح بان حكومته وخلال السنوات الثلاثة القادمة سوف تقضي نهائيا على البطالة في هذه الإقليم ‘ والتي تبلغ نسبتها أكثر من40 بالمائة ‘. وهنا يتساءل المرء ‘ لماذا ترك النظام الايراني طوال السنوات الـ 31 الماضية هذه النسبة الكبيرة من البطالة التي تسببت في معضلة معشية حقيقية للشعب الأحوازي دون حل طالما انه قادر على حلها في فترة زمنية لا تتعدى الثلاثة سنوات ؟‘ ولماذا لم يسعى الرئيس نجاد في حلها في فترة رئاسته الأولى ما دام انه قادر على حل هذه المعضلة بهذه البساطة ؟.
أما الكذبة الثانية ‘ فهي تخص مسرحية اعتقال قائد حركة جندالله البلوشية السيد عبدالمالك ريغي و التي صورها النظام الايراني بأنها عملية فريدة من نوعها وتحققت بمساعدة الإمام المهدي المنتظر‘ في حين ان قضية اعتقال وتسليم زعيم جندالله لم تكن سوى صفقة مخابراتية كانت الحكومة الباكستانية احد أطرافها. ومكافئة لدورها في هذه الصفقة ‘ فقد وقعت إيران يوم الأربعاء 17الشهر الجاري في تركية على اتفاق يقضي بتزويد باكستان الغاز الطبيعي . و يقضي الاتفاق قيام إيران بتزويد باكستان 750مليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي يوميا و لمدة 25 عاما.
علما ان هناك خلافات عديدة كانت تعيق التوقيع على هذه الاتفاقية و قد عجزت الدولتين طوال العشرة أعوام الماضية من حلها و لكن بعد مشاركة باكستان في صفقة تسليم عبدالمالك ريغي‘ وقع الطرفان على انجاز هذا المشروع الذي يعد واحد من اكبر المشاريع الاقتصادية في المنطقة ‘ و لا ندري ما إذا كان للإمام المهدي المنتظر دورا في هذا الاتفاق ام لا.
المصدر: المصريون