السؤال : سَماحَةَ الشيخِ: القُدْسُ بِمَا تَحْتلُّهُ مِنْ مَكانَةٍ عَظيمَةٍ في قَلْبِ كُلِّ مُسْلِمٍ فِي أنحاءِ العالَمِ، وفي ظِلِّ التَعنُّتِ اليهوديِّ والمُحاولاتِ، الدمويَّةِ للقضاءِ عَلى الأَقْصَى، والمُسانَدَةِ العمياءِ لليهودِ مِنْ قِبَلِ أمْريكا والغربِ فِي المحافِلِ الدوليَّةِ؛ مَا تَصورُ سَماحَتِكُمْ للحلِّ الأمثَلِ لِهَذِهِ القضيَّةِ المصيريَّةِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ، وهيَ قَضيةُ القُدْسِ؟ نَرجو إلقاءَ الضوءِ وجزاكُمُ اللهُ عَنَّا خَيرًا ؟ ( 1)
الجواب : يَجِبُ أنْ نَعودَ إِلَى عَهْدِ رَسولِنا (صلى الله عليه وسلم)، فَقَدْ بَلَغَ المُسلِمونَ الآنَ ما يَزيدُ عَلى مِليارِ مُسْلِمٍ في أنْحاءِ العالَمِ، لو رَجَعَ اثْنا عَشَرَ ألفًا إلَى الإسلامِ حَقيقَةً ما غُلِبوا، لَكنَّ المُتَأمِّلَ للوضعِ بَيْنَ المُسلِمينَ وبَعْضِهِمْ، يَجِدُ أنَّ الوضْعَ مُتداعٍ بَيْنَ المُسلِمينَ، لِذَلِكَ حَصَلَ ما حَصَلَ.
واليهودُ لا يَخْفَى عَليْنا أَنَّهُم أهْلُ غَدْرٍ وخِيانَةٍ، وغَدْرُهُمْ وخيانَتُهُمْ مُسَجَّلَةٌ في التاريخِ، فَقَدْ خانوا العهْدَ وغَدَروا بِهِ مَعَ الرسولِ (صلى الله عليه وسلم)، فَهُمْ معروفونَ بالغَدْرِ والخيانَةِ.
واتفاقيَةُ السلمِ التِي وُقِّعَتْ بَيْنَ الفَلَسطينيينَ وبَيْنَ اليهودِ هَلْ نُفِّذَتْ؟! أبدًا بَلْ صارَ اليهودُ يَتبادَلونَ الأدوارَ بَيْنَ الليكودِ والعَمَلِ، وهُمْ كُلُّهُمْ واحِدٌ ونَفْسُ السياسَةِ مَعَ تَبادُلِ الكراسيِّ.
لَكِنْ عَلى كُلِّ حالٍ يَجوزُ لِلمُسلِمينَ مَعَ الضَعْفِ وعَدَمِ القُدْرَةِ، أنْ يُسالِموا العدوِّ إمَّا لِمُدَةٍ أقصاها عَشْرُ سَنواتٍ، وإمَّا مُعاهَدَةٌ مُطلقَةٌ.
وأمَّا المُعاهَدَةُ الدائِمَةُ عَلى السلمِ، وعَدَمِ الحَرْبِ فهذا لاَ يَجوزُ إطلاقًا، والمُعاهَدَةُ المُطلَقَةُ وَقَّعَها الرسولُ (صلى الله عليه وسلم) مَعَ المُشركينَ.
والمُعاهَدَةُ المُطلَقَةُ لا تَكونُ مُقيَّدَةً لا بِالعَدَدِ ، ولا بِالقوَّةِ ، وهذهِ جائِزَةٌ، أمَّا المُعاهَدَةُ المُؤبَّدَةُ فَهذِهِ لا تَجوزُ أبَدًا، لِماذا؟! لأنَّ هُناكَ فَرْقًا بَيْنَ أنْ نَقولَ: نَضَعُ الْحَرْبَ بَيننا وبَيْنَكُمْ أبَدًا، وبَيْنَ أنْ نَقولَ: نَضَعُ الحَرْبَ لِعشرِ سِنينَ، فَهَذِهِ هِيَ المُعاهَدَةُ المُطْلَقَةُ، أوْ المُقيَّدَةُ مِنْ دونِ تأبيدٍ، فالمُعاهَدَةُ المُؤبَّدَةُ غَيْرُ جائِزَةٍ مُطْلَقًا؛ وقَدْ تَعَهَّدَ اللهُ بأنْ يَنْصُرَ مَنْ يَنصُرُهُ، قَالَ تَعالَى: ((وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأرض أَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عاقِبَةُ الأمور (41) )) [الحج : 40-41].
فالوَعْدُ بالنَّصْرِ هُنا مَسبوقٌ بِعبادَةِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ : ((يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا)) [النور : 55]؛
إذًا فالعبادَةُ الحَقيقيَّةُ هِيَ التِي تُحَقَّقُ النَّصْرَ.
المصدر: موسوعة الفتاوى الفلسطينية
([1]) المرجع: كتاب: ( في رثاء الشيخ ابن عثيمين ) ، لمؤلفه: ( مُحَمَّد حامد أحمد ) ، ص (52) .