النووي الإيراني.. الطريق إلى تعزيز النفوذ الأميركي في الشرق الأوسط!
علي حسين باكير
التاريخ: 11/5/1431 الموافق 25-04-2010
كيفما تقلب الأمر ستجد ان ثمة مسارات مصلحية متوازية بين حصول طهران على سلاح نووي وبسط هيمنة أميركية على المنطقة.
احتدم النقاش اخيراً بين النخب الأميركية ودوائر صنع القرار حول الطريقة التي يجب فيها التعامل مع البرنامج النووي الإيراني خاصة بعدما رفعت طهران نسبة التخصيب إلى 20%. وحتى وقت قريب، كان الخيار الديبلوماسي القائم على المفاوضات الوسيلة الوحيدة المتوافرة عملياً للأميركيين لمحاولة وقف تطوّر هذا البرنامج عبر سياسة "العصا والجزرة".
وفقا لتطوّر الأحداث، يواجه هذا الخيار تحدّيات جمّة وصعبة ليس أقلّها إمكان أن لا يتوافر الوقت الكافي لتطبيق عقوبات قاسية (Crippling Sanctions) من شأنها إقناع الإيرانيين بوقف برنامجهم النووي. بل يؤمن كثير من الأميركيين أنّ خيار العقوبات أصبح غير ذي قيمة فعلية، في ظل عجزه عن جعل خسائر النظام الإيراني أكبر بكثير من مكاسب مواصلة برنامجه النووي. من هذا المنطلق، طرحت بعض الدوائر الرسمية والبحثية ضرورة إحياء الخيار العسكري ولو من باب التذكير به، ووضعه على الطاولة في سياق التفاوض مع إيران بعد أن كان الرئيس اوباما قد رفعه من التداول الإعلامي والرسمي خلال المرحلة الماضية، كبادرة حسن نيّة تجاه المفاوض الإيراني.
عملياً، يعدّ الخيار العسكري الأصعب على الإطلاق. وتعي الأوساط الأميركية الرسمية حراجة موقفها، ذلك أن خصوم الولايات المتّحدة يعرفون أنها غير قادرة على إطلاق حرب جديدة في ظل الاستنزاف الذي يعاني منه جيشها المنتشر في أفغانستان والعراق، وفي ظل الأزمة المالية والاقتصادية للبلاد، وتراجع موقعها كقوة عالمية خارقة واضطرارها الاعتماد الآن على التفاهمات الجماعية كمدخل لمواجهة التحديات العالمية التي لم يعد بوسعها مواجهتها بشكل منفرد.
ويستطيع المتابع أن يلاحظ اخيراً أن ثمّة توجهاً لدى البعض للترويج لإمكان اعتماد خيار ثالث يقوم على القبول بإيران نووية كأمر واقع. ويحبّذ هؤلاء التسويق لهذا الخيار من باب الواقعية السياسية. وعلى الرغم من أنّ البيت الأبيض والإدارة الأميركية ينفيان أن يكون التسليم بإيران نووية "أمرا مقبولا"، أو أنّ اعتماد سياسة احتواء يعدّ خيارا مطروحاً على الطاولة، إلا أنّ اتجاهات عديدة بدأت التنظير فعليا لقبول إيران نووية، ومنهم من ذهب أبعد من ذلك ليشير إلى فوائد حصول إيران على السلاح النووي والانعكاسات الايجابية لهذه الخطوة على تعزيز النفوذ الأميركي في المنطقة وانجاز العديد من الملفات ذات الطابع الاستراتيجي.
القبول بإيران نووية
في مقال لفريد زكريا على سبيل المثال نشره في مجلة "نيوزويك" تحت عنوان "انسوا القوة والعقوبات فقد آن الأوان لنكون واقعيين"، يقول: "إذا امتلكت إيران سلاحاً نووياً فلن تحل نهاية العالم، فالشرق الأوسط يحتوي على أسلحة نووية منذ عقود". ويشير في هذا السياق إلى أنّ امتلاك إيران للسلاح النووي لن يغيّر شيئا من المعادلة، متحججا بـ:
1- أنّ إسرائيل تمتلك سلاحا نوويا (200 رأس نووي)، وانّ ذلك لم يدفع العرب إلى امتلاك سلاح نووي، فلماذا نعتقد أنّهم سيسعون إلى امتلاك واحد إذا حصلت إيران عليه.
2- أنّ قوة إسرائيل النووية الهائلة ستردع إيران عن استخدام سلاحها أو إعطائه للآخرين.
3- أنّ مبدأ الردع كان فعّالا ضد "مجانين" مثل ماو و"مجرمين" مثل ستالين وسيكون فعالاً ضدّ "المستبدين الماكرين" في طهران. ويبدو طرح زكريا سطحيا إلى درجة تعكس معها التخبّط الموجود لدى الأميركيين حول السياسة التي يجب إتّباعها. إذ لا تستند حججه التي طرحها إلى أي أساس منطقي أو علمي أو حتى عملي.
فإسرائيل ليست عضوا في معاهدة منع انتشار أسلحة الدمار الشامل (NPT)، وامتلاك إيران السلاح النووي من شأنه أن يقوّض هذه المعاهدة ويدفع العديد من الدول إلى الدخول في سباق مع الزمن لامتلاكه ومنها السعودية ومصر وتركيا التي اظهر استطلاع للرأي اجري اخيراً فيها نشره "مركز ميتروبول للأبحاث الإستراتيجية والاجتماعية" أنّ غالبية 56.7% من الشعب يعتبرون امتلاك إيران للأسلحة النووية خطرا على الأمن القومي التركي.
ويجب التذكير هنا، انّ امتلاك إسرائيل قنابل نووية لم يحل دون تحقيق العرب نصرا عليها عام 1973، في الوقت الذي سيكون من المستحيل فيه عمل أي شيء حيال إيران إذا ما قررت مثلا الاعتداء على دول عربية أو ضم البحرين أو تأكيد سيادتها بالقوة على الجزر الإماراتية، أو التدخل على نحو سافر في العراق أو في الوضع الاجتماعي والسياسي والأمني الداخلي للعديد من الدول العربية وبحوزتها سلاح نووي.
ولأن إسرائيل تمتلك سلاحا نوويا يردع إيران، فان ذلك سيبرر للآخرين امتلاك سلاح نووي لردع إيران أيضا وهو ما يدحض ما ذهب اليه سابقا. كما أن لا شيء يضمن بأنّ ما نجح أثناء الحرب الباردة من شأنه أن ينجح الآن، خاصّة انّه لا يمكن توقّع تحركات النظام الإيراني أو طريقة تفكيره، كما لا يمكن الثقة بتصرفاته. وهو أمر تؤكده ممارسات النظام منذ وصوله إلى السلطة عام 1979، وأي خطأ يقوم على تصور عكس ذلك من شأنه أن يؤدي إلى كارثة في الحسابات والنتائج.
الجدل حول احتواء إيران نووية
ويدور الجدل الحالي حول القبول بإيران نووية لكن مع العمل على احتوائها. وينطلق هذا الطرح من معادلة تقول أنّه إذا تغيّرت الصين وروسيا على مدى العقود السابقة، فان التغيّر قد يطاول إيران أيضا، فالسلاح النووي قد يقيّد الدولة التي تمتلكه بالقدر نفسه الذي قد يتيحه لها السلاح من القوة. ويرى الاستراتيجي الأميركي بريجينسكي أنّ امتلاك إيران للسلاح النووي لن يغيّر شيئا من المعادلة، وأنّ ما نجح في حقبة الحرب الباردة من شأنه أن ينجح مع الملالي، معتبرا أنّ "الاحتواء قد ينجح" لأنّه ما من سابقة في تاريخ إيران تشير إلى أنّ النظام انتحاري. لكن وعلى العكس من ذلك، يشير كل من جايمس ليندساي وراي تاكيه في مقالهما في مجلة "فورين أفّيرز" التي خصصت ملفا لعددها الحالي تحت عنوان "بعد أن تحصل إيران على القنبلة النووية"، أنّ حالة إيران تختلف بشكل كليّ عن حقبة الحرب الباردة، وانّه من المفترض الاعتراف بذلك إذا ما كان هناك إرادة لاعتماد أي إستراتيجية ناجحة للتعامل معها. ويقترح كل منهما أن تقوم إدارة أوباما باعتماد سياسة تقوم على لاءات ثلاث تقيّد إيران وهي: "لا لإطلاق أي حملة عسكرية تقليدية ضد أي دولة"، "لا لنقل الأسلحة النووية أو المعدات أو التكنولوجيا"، و"لا لدعم الإرهابيين"، على أن يتضمن العقاب تجاه أي خرق إيراني لهذه اللاءات، القيام برد عسكري بكل الوسائل المتاحة بما فيها استخدام السلاح النووي.
ويؤكد الكاتب في "نيويورك تايمز" ديفيد سانجر، انّ القائمة المطروحة من المطالب منطقية للغاية، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: ما الذي يدفع إيران إلى الخوف من التهديدات الأميركية أو إعطائها أي صدقية، خاصّة أنّ الأميركيين في هذه الحالة سيكونون قد سمحوا لإيران بالتحول بالفعل قوة نووية بعد أن ظلوا يكررون دائما عدم القبول بتحولها قوة نووية.
مكاسب السماح لإيران بامتلاك سلاح نووي
وعلى الرغم من أنّ خيار القبول بإيران نووية لم يتم طرحه رسميا على الطاولة إلى الآن، الاّ انّ هناك العديد من الجهات الرسمية والبحثية التي بدأت بعملية تحضير نفسي وعملي لطرح هذا الخيار، بل ذهب بعضهم للترويج لمنافعه غير المحدودة وانعكاساته الايجابية على تعزيز النفوذ الأميركي في منطقة الشرق الأوسط.
ففي مقال نشرته "نيويورك تايمز"، يقول آدام لوثر وهو باحث في الشؤون الدفاعية بمعهد أبحاث سلاح الجو في قاعدة ماكسويل الجوية: "صدّقوا أو لا تصدقوا، هناك بعض المنافع للولايات المتّحدة الأميركية إذا ما قامت إيران بامتلاك السلاح النووي" معتبرا أنّ قنبلة إيران لن تشكّل أي تهديد للولايات المتّحدة وإنما للدول العربية.
وعلى الرغم من أنّ الكاتب يقول انّه يتحدث عن نفسه وليس نيابة عن معهده، الاّ أنّ أسلوبه بالترويج لايجابيات امتلاك طهران للسلاح النووي يبدو عكس ذلك تماماً. إذ يشير الكاتب إلى خمسة مكاسب أساسية لأميركا حال امتلاك إيران للسلاح النووي هي:
أولا: من شأن ذلك أن يتيح للولايات المتحدة أخيرا فرصة هزيمة المجموعات الإرهابية العربية - السنية كـ"القاعدة". ولأن القنبلة الإيرانية ستهدد الأنظمة الاستبدادية العربية، فان هناك فرصة لواشنطن لاستغلال الوضع باقتراحها توفير مظلة نووية مقابل مطالبة هذه الأنظمة الاتوقراطية العربية المسؤولة عن توليد السخط الذي أدى لهجمات ايلول 2001، بتنفيذ إصلاحات اقتصادية وسياسية واجتماعية.
فقد رفضت الأنظمة الأتوقراطية في الشرق الأوسط تغيير طرقها حتى الآن لأنها محمية بالثروة الهائلة لاحتياطياتها النفطية. لكن امتلاك إيران لسلاح نووي من شأنه أن يغيّر المعادلة والديناميات الإقليمية بشكل كبير، ويوفر الرافعة (Leverage) المطلوبة للولايات المتّحدة للمطالبة بالإصلاح.
ثانيا: ستتيح القنبلة الإيرانية للولايات المتّحدة بان تلعب الولايات المتحدة دور الضامن الرئيسي للأمن الإقليمي في شرق أوسط نووي، وهو ما سيوفر لها الوسيلة التي تمكنها من كسر "كارتيل أوبيك"، ووضع حد لممارساته الاحتكارية غير القانونية وذلك كثمن مقابل الدرع النووية، مما من شأنه أن يؤدي إلى خفض أسعار النفط بشكل كبير وتوفير مليارات الدولارات. كما يمكن الرئيس أوباما على الأقل أن يقايض الأمن بزيادة الإنتاج من النفط وخفض أسعاره عالميا.
ثالثا: من شان القنبلة الإيرانية أن تعمل كمحفّز (Catalyst) يدفع الفلسطينيين والإسرائيليين بسبب مخاوفهم منها إلى تحقيق المصالحة، مما يؤدي إلى توقيع اتفاق سلام بين الطرفين، وهو الأمر الذي استعصى على خمسة رؤساء أميركيين سابقين. ومن المفارقة أن توقيع أي اتفاق سلام نهائي بين الإسرائيليين والفلسطينيين من شأنه أن يضعف عداء طهران تجاه إسرائيل، ويؤدي إلى تخفيف حدة التوترات الطويلة الأمد في المنطقة.
رابعا: ستتيح القنبلة الإيرانية تحقيق نمو في صادرات منظومات الأسلحة الأميركية والتدريب والاستشارة التي تقدمها واشنطن لحلفائها في الشرق الأوسط. ولن يؤدي ذلك إلى تعزيز جهود الشركة فقط، وإنما سيعطي صناعة الدفاع الأميركية دفعة كبيرة بمثابة لقاح في اليد. وامتلاك إيران سلاحا نووياً قد يحول دون تحقق كارثة في هذا القطاع الذي يعاني خاصة مع انسحاب شركة "بوينغ" منه.
خامسا: ستساعد قنبلة إيران النووية الولايات المتحدة على وقف تدفق الدولارات إلى أنظمة الحكم الاستبدادية في المنطقة، ليس فقط من خلال خفض أسعار النفط وزيادة صادرات الأسلحة، وإنما من طريق إشراك المستفيدين من الأمن الأميركي في تحمّل جزء حقيقي من تكاليفه أيضا. ومن شأن الانتصار في الحرب على الإرهاب في المدى البعيد أن يوفر عشرات المليارات من الدولارات من أموال دافعي الضرائب الأميركيين والتي تنفقها حكومة بلادهم سنويا على عمليات مكافحة التمرد في العالم.
المصدر: ميدل إيست أونلاين