لماذا يهين الشيعية مراجعهم ؟

بواسطة صباح الموسوي قراءة 642

صباح الموسوي

 

مفارقات عجيبة حقا تعيشها ساحة المرجعية الشيعية هذه الأيام، فبينما تتصارخ بعض الأطراف المُلائية متباكية على ما تسميه انتهاك حرمة المرجعيات الشيعية من قبل من تسميهم بشيوخ ( الوهابية ) -على حد تعبيرها- وتحمل الحكومة السعودية المسؤولية عن ما صدر من كلام بحق أحد مراجع الشيعة الإيرانيين في العراق، نرى في الوقت نفسه هؤلاء المتباكين على حرمة المرجعية تخرس ألسنتُهم وتُكمّمُ أفواهُهم ولا ينبسون بكلمة عندما تتعرض المرجعية الشيعية للإهانة وتداس حرمتُها من قبل صانعيها ودعاتها في إيران.

وهذا يؤكد أن الذين ثارت ثائرتُهم مؤخرًا ضد الداعية السعودي ( الشيخ محمد العريفي ) الذي قيل إنه هاجم المرجع "علي السيستاني" في خطبة الجمعة قبل أسبوعين على خلفية دعمه للتمرد الحوثي، لم يكن صياحهم هذا بدافع الحميَة والغيرة على المرجعية الشيعية، وإنما جاء بدوافع سياسية تهدف إلى تحريك الحس العاطفي عند البلهاء من أبناء الطائفة واتخاذهم وسيلة لتحقيق مآرب سياسية لصالح المشروع الطائفي الذي يتبنونه في العراق والمنطقة عامة والذي وجدوا فيه الوسيلة الوحيدة لإيصالهم إلى السلطة في العراق من جهة، وتأليب مشاعر شيعة بعض البلدان العربية ضد حكوماتهم لخلق الفتن الداخلية في هذه البلدان من جهة أخرى .

وهذا ما لمسه الجميع في تصريحات رئيس الحكومة العراقية "نوري المالكي" الذي قام بزيارة "السيستاني" يوم أمس الاثنين ( 4 يناير الجاري ) في خطوة وُصفت من قبل المراقبين بأنها تهدف لغايات دعائية انتخابية، حيث حمّل المالكي عقب لقائه السيستاني، السلطات السعودية المسؤولية قائلا: "إن الحكومة السعودية تتحمل قسطًا من المسؤولية يجب عليها أن ترد على الذين يكفرون ويثيرون الفتن" . نحن مع المالكي في دعوته لردع مثيري الفتن ولكن شرط أن يكون ذلك في كل مكان وفي أي لباس كان المثيرون للفتن ومن أي ملة كانوا. وقد يسأل سائلٌ: لماذا لم يقم المالكي أولاً بوقف دعاة التكفير واللعن الذين تعقد مجالسُهم تحت حماية حكومته ورعايتها ماليًّا ومعنويًّا وثقافيًّا من المرجعية ذاتها الذي انبرى للدفاع عنها؟ .

كم من المجالس التي عُقدت في العراق بمناسبة عاشوراء، مؤخرًا، وكان مادة حديث خطبائها السبّ واللعن لصحابة الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- والخلفاء الراشدين وعلماء وفقهاء المسلمين من أمثال أبي حنيفة وأحمد بن حنبل وغيرهم ؟. فما لا يصح بحق السيستاني أو غيره من المرجعيات الشيعية يجب ألا يصحَّ بحق غيرهم من علماء الإسلام أيضا . ثم لماذا لم يتخذ المالكي وغيرُه ممن ثارت ثائرتُهم للدفاع عن المرجعية هذا الموقف من النظام الإيراني الذي كان السبّاق في إهانة المرجعية الشيعية ومازال هو الأكثر تعديا عليها. فكم من مرجع تعرض للاعتقال والسجن والإقامة الجبرية وخلع العمامة من قبل نظام الملالي في إيران طوال الثلاثيين عامًا الماضية ؟. ألم يقم النظام الإيراني بإهانة مرجع الشيعة الأعلى في زمانه "كاظم شريعتمداري" الذي توفي (ت 23 رجب 1406هـ ) مقهورًا تحت الإقامة الجبرية بعد رفضه الإقرار بمبدأ ولاية الفقيه ؟. ثم ألم يجرِ اعتقال المرجع الكبير الشيخ محمد طاهر الخاقاني ( توفي 1986م ) ووضعه تحت الإقامة الجبرية في مدينة "قـم" مدة سبع سنوات لمجرد مطالبته بالمساواة بين العرب والفرس في الحقوق؟. ألم يتعرض المرجع محمد الشيرازي (ت 1422هـ ) للإقامة الجبرية لسنوات عديدة ويُعتقل أبناؤه ويُعدم العديد من أتباعه لمجرد مطالبته بتطبيق مبدأ شورى الفقهاء بدلا عن مبدأ ولاية الفقيه التي أرادها الخميني لتعزيز سلطته لتكون مماثلة لسلطة ماوسي تونغ في الصين ؟. ثم ألم تقُم السلطات الإيرانية بتجريد أبرز فقهاء الشيعة في عصره الشيخ علي حسين منتظري ( ت19 كانون الأول 2009) من منصبه كنائب لقائد الثورة وتضعه تحت الإقامة الجبرية لمدة تزيد على العشر سنوات وتعتقل وتسجن جميع من اتصل به أو دافع عنه؛ وذلك بسبب مخالفته للسياسة الظالمة والتمييز الذي يمارسه النظام ؟ . ألم يقم النظام الإيراني قبل أربعة أعوام باعتقال العالم المجتهد محمد حسين كاظميني بروجردي الذي مايزال يقضي عقوبة السجن لمجرد مطالبته بفصل الدين عن الدولة وعدم تسييس الدين ؟. وقبل هؤلاء، ألم يتعرض مرجع الشيعة الكبير أبو القاسم الخوئي (ت 1413 هـ،) لحملة إهانة وتشهير من قبل النظام الإيراني وأتباعه نتيجة مخالفة الخوئي لنظرية ولاية الفقيه ودعم الحرب الإيرانية ضد العراق ؟. وهناك مجموعة أخرى من العلماء والمجتهدين الشيعة قد تعرضوا للمحاربة وحملات التشهير بسبب آرائهم المخالِفة لنظام الخميني ومنهم على سبيل المثال المرجع اللبناني محمد حسين فضل الله، الذي أدّى رأيه في مسألة تاريخية لم تثبت صحتها لديه كما قال ( أكذوبة كسر ضلع الزهراء على يد الخليفة الثاني ) إلى حملة تشهير كبيرة بلغت حد صدور فتاوى من قبل أحد مرجعيات "قـم" تنعته بالضال المضل ؟ . أما في مستجدات حملة الإهانات المستمرة من قبل النظام الإيراني ضد المرجعيات الشيعية، فقد أصدرت رابطة مدرسي حوزة قم الدينية قبل أيام بيان بنزع المرجعية الدينية عن الشيخ "يوسف صانعي" الذي كان قد اعتبر انتخاب الرئيس محمود أحمدي نجاد غير شرعي، واعتبر محاكمات المحتجين على نتائج الانتخابات باطلة. وهناك العديد من العلماء والمجتهدين الشيعة في إيران وخارجها قد تعرضوا إلى الإهانات والتعدي على كرامتهم من قبل النظام الإيراني إلا أن أحدًا لم يسمع أن المالكي أو غيره من أصحاب المشاريع الطائفية وتجار السياسة الفاسدة، انبرى للدفاع عن هذه المرجعيات ؟.

إن السيستاني وبغض النظر عن مكانته الدينية عند شريحة من أبناء الطائفة الشيعة، فهو قد دخل غمار العملية السياسية القذرة الجارية في العراق اليوم وأصبح جزءًا منها وعلى أتباعه أن يدركوا أن من يدخل هذا المستنقع لا يمكن أن يخرج نقي الثوب أو أنه سوف يسلم من النقد والتجريح. لهذا نعتقد أن الشيعة قبل غيرهم أهانوا مرجعياتهم وعليهم أن يحترموا هذه المرجعيات أولاً و ينأوا بها عن مستنقعات السياسة وألاعيبها القذرة ثم يطالبوا الآخرين بعد ذلك باحترامها.

 



مقالات ذات صلة