بروتوكولات ملالى إيران
(1) العلاقات الايرانية ـ اليهودية
ـ فى أوائل ديسمبر عام 2000 استضاف الاعلامى المحترم الأستاذ سامى كليب فى برنامجه " زيارة خاصة " الذى تبثه قناة الجزيرة ، السيد أبو الحسن بنى صدر ، أول رئيس لإيران بعد الثورة الخمينية ، فى حوار مفتوح كشف فيه الرئيس عن حقيقة المشروع الحلم الذى كان يراود آية الله الخمينى قائد الثورة قائلا : ( كان يريد إقامة حزام شيعي للسيطرة على ضفتي العالم الإسلامي يتألف من إيران والعراق وسوريا ولبنان ، وعندما يصبح سيداً لهذا الحزام يستخدم النفط وموقع الخليج " الفارسي " للسيطرة على بقية العالم الإسلامي ) على حد قوله فى الحوار الذى سنعود الى بقيته لاحقا .
ـ هذا المشروع الاستراتيجى السياسى الذى كشفه " بنى صدر " لم ينته بوفاة الخمينى ، ولكنه أصبح الهدف المؤسسى الأول الذى يتبناه بالفعل كل من ينتمى الى مؤسسة الساسة والملالى الايرانية دون استثناء سواء كانوا اصلاحيين أو متشددين ، وهو مشروع لابد له من " بروتوكولات " محددة وصارمة أتصور أنها تستند الى محورين أساسيين ، أولهما قبول اسرائيل لوجود هذا الحزام وهو ما يحتم بداهة وجود تعاون وثيق بين الطرفين ، وثانيهما اضعاف مصر ، بصفتها قلعة السُنَّة فى المحيط الاسلامى والقوة الكبرى فى العالم العربى ، ومنعها من مواجهة هذا المشروع الضخم الذى يمس أمنها القومى مباشرة ، وذلك عن طريق الهائها فى " موضوع " محاربة نشر المذهب الشيعى بين أبنائها ، بينما الهدف الحقيقى هو تفجير نطاق أمنها القومى !
ـ فالايرانيون ليسوا من الغباء ليركزوا جهدهم على تحقيق ما فشلت فيه الدولة الفاطمية بكل سطوتها طوال حكمها لمصر قرابة القرنين من الزمان استخدمت فيهما كل وسائل الترغيب والترهيب لنشر مذهبها الشيعى فى مصر ورغم ذلك فشلت نتيجة لما تصح تسميته بفطرة " الوسطية " عند المصريين التى جعلت اسلامهم السُنّى خليطا رائعا ومتفردا من الالتزام بنهج السُنّة والجماعة والحب اللا محدود لآل بيت النبى صلى الله عليه وسلم ، لذلك فالبروتوكول الناجح لاضعافها هو حصار نطاق أمنها القومى وتلغيمه بالمشاكل الدموية شرقا ، صراع فتح وحماس وفتنة لبنان ، لصرف الانتباه عن تغلغلهم حول مقتلها أو شريان حياتها فى الجنوب وعبثهم فى السودان ودعمهم المادى والمعنوى لحركات التمرد الانفصالية الاثنية على أراضيه كما اتضح فى محاولة " حركة العدل والمساوة " لاحتلال " أم درمان " والخرطوم " مؤخرا بدعم من ايران واسرائيل ، وهو ما يؤكد أن المشروع الأمريكى الاسرائيلى المعروف للجميع ضد المنطقة يعتبر ، دون تعارض ، وجه العملة الآخر للمشروع الايرانى غير المعروف للكثيرين ، وهو ربما ما دفع بالمشروعين لتحالف شيطانى قامت أمريكا على أساسه بغزو العراق وتقديمه بأغلبيته الشيعية على طبق من ذهب الى الهيمنة الايرانية ، فى حضور اسرائيل كوصيف ، مقابل شىء ما غير معلن رسميا حتى الآن ! وان كان يقودنا الى البحث عن اجابة السؤال حول حقيقة العلاقة بين ايران من جهة وكل من أمريكا واسرائيل منفردتين أو مجتمعتين من جهة أخرى .
ـ البداية كشف عنها كتاب ( نقطة اللاعودة - الاستخبارات الإسرائيلية في مقابل إيران وحزب الله ) للكاتب رونين برغمان محلل الشؤون الاستخبارية في صحيفة " يديعوت أحرونوت " واستعرض فيه سعى اسرائيل إلى استقدام 40 ألفاً من يهود إيران بعد الثورة الإيرانية وعلى مدى ثلاث سنوات بين 1979 و1981، عن طريق حملة منظمة نفذتها الموساد بواسطة عملاء من يهود إيران ، ورغم ما ذكره مؤلف الكتاب الا أن إيران اليوم ما زالت تضم أكبر عدد من اليهود في المنطقة ، خارج إسرائيل ، يصل عددهم الى 25 ألف يهودى ايرانى يرون فى ايران أرض مخلصهم " كورش " فاتح بابل ، والأرض التى تضم رفاث " النبي دانيال " و" النبي حبقوق " و" بنيامين " شقيق النبي " يوسف " عليه السلام ، وهو مادفع بالرئيس الايرانى " أحمدى نجاد " لاستقبال وفد كبير من يهود " أصفهان " على رأسهم زعيم الطائفة اليهودية الإيرانية " هارون ياشاني " واستهل " نجاد " كلمته بصفعة مؤلمة على وجوه العرب حين أعاد ترديد مقولة لأبى القاسم الفردوسى الفارسى شاعر أصفهان القديم فى ملحمته الشعرية " الشهنامة " يقول فيها ( الكلب يلعق الثلج في أصفهان والعربي يأكل الجراد في الصحراء (! يقصد أن رفاهية كلاب أصفهان تجعلها تستمتع بالثلج ، أو بشرب الماء البارد ، فما بالكم بالبشر فيها ، بينما العربى البائس لم يجد فى صحرائه القاحلة الا الجراد ليأكله ! ، ثم عدد " نجاد " أسماء القادة العسكريين والسياسيين الإسرائيليين وقتها من يهود أصفهان الايرانية مثل الرئيس الإسرائيلي " موشية كاتساف " ووزير الدفاع " شاؤول موفاز "مشيرا الى أن يهود إيران تشكل نسبتهم داخل إسرائيل 3,5% من عدد سكانها .
ـ هذا الحديث الودى الغزلى ، وتعمد " نجاد " انتقاء مقولة الشاعر " الفردوسى " عن ترف كلاب اصفهان ، معقل اليهود الايرانيين ، مقابل حقارة حياة العرب ، العدو المشترك للطرفين ، ليلقيها فى هذا الحفل أمام هذا الحشد اليهودى الكبير ، جاء متعمدا ليثبت أن العلاقات الصهيونية الإيرانية راسخة ولم تتغير بتغير " الشاه " ومجيء الملالى الى الحكم ، وأنها علاقة مصالح بعيدة عن وحدة الدين تحرص ايران على اخراجها من دائرة الصراع العربى الاسرائيلى ، على غرار تركيا مع الفارق أن ايران تسعى للتحالف مع الغرب الموالى لاسرائيل لتسهيل فرض نفوذها وهيمنتها السياسية على دول وشعوب المنطقة وهو ما يجعلها تتعامل بوجهين وتتبنى خطابين متناقضين نلمسهما فى تصريحات الرئيس " نجاد " النافية للمحرقة اليهودية ورعايته لعقد إيران مؤتمرا فى ديسيمبر 2006 للباحثين عن حقيقة المحرقة حثهم فيه بنفسه على العمل تحت تشجيع ايران ورعايتها داعيا لازالة اسرائيل من الخريطة ! ألا أن هناك سيل من التصريحات والمواقف الايرانية تختلف 180 درجة عن تصريحات " نجاد " وتظهر مثلا فى الحديث النادر الذى نشرته صحيفــــة " يدعوت أحرنوت " الإسرائيلية لرئيس جمهورية إيران السابق محمد خاتمي على هامش مؤتمر دافوس يناير 2007 قال فيها ( أندد بشدة بعقد هذا المؤتمر حول المحرقة ، يقصد مؤتمر " ايران نجاد " ، مكملا تصريحه : لأن المحرقة ضد الشعب اليهودي مثلت أشد الجرائم التي ارتكبت ضد الإنسانية في عصرنا , ولا يوجد أدنى شك في أنها حدثت وأدعوا الجميع إلى فصل المحرقة عن المباحثات الفلسطينية والعربية ) ، أيضا تصريحه الخطير أثناء زيارته للولايات المتحدة الأمريكية فى سبتمبر 2006 الذى قال فيه ( أن الهلوكست حقيقة حتى إذا تم استغلالها وتم فرض ضغوط هائلة على الشعب الفلسطيني !! وينبغي ألا نسكت حتى إذا قتل يهودي واحد ولا ينبغي أن ننسى أن من جرائم هتلر والنازية والاشتراكية القومية الألمانية المذبحة التي طالت الأبرياء وبينهم الكثير من اليهود ( ، وفي تصريح آخر لمجلة " التايم " خلال رحلته قال خاتمي ( المحرقة حقيقة تاريخية ومطلقة )، وفي لقاء مع مسلمي أمريكا في فرجينيا قال ( أن منفذيها لن يدخلوا الجنة ) ونفس هذا الاتجاه سار فيه وزير خارجية ايران ، بل ان " علي أكبر ولايتي " أحد كبار المؤسسة الدينية والمستشار الدبلوماسي للمرشد الأعلى علي خامئني أكد في حديثه لصحيفــة " لاريبوبليكا " الإيطالية فبراير 2007 ( أن محرقة اليهود خلال الحرب العالمية الثانية حدثت وأنها حقيقة تاريخية )
ـ اذا يمكننا اعتبار تصريحات الرئيس " نجاد " الحماسية ليست الا جزءا من بروتوكولات المشروع الايرانى ، فقد صيغت التصريحات عن عمد وبعناية فائقة لتلقى قبولا وترحيبا عند الرأى العام العربى تحديدا ، الباحث عن زعامة تستطيع دغدغة عواطفه المشحونة ضد اسرائيل ولو بمجرد اهانتها علنا ، وهى أحد الوسائل الخبيثة التى تقرها بروتوكولات ملالى ايران والتى تأتى بنتائج جيدة جدا فى الدول التى يصعب احتوائها عن طريق نشر المذهب الشيعى فيها كمصر ، فتستخدم الوسيلة كطعُم شهى يؤدى الى صيد البسطاء واستقطابهم وحصد تأييدهم للمشروع الايرانى الذى يروج له ، كذبا ، على أنه مشروع اسلامى وحدوى ، فى الوقت الذى يوجد فيه خطاب رسمى آخر فى كواليس السياسة الدولية يختلف تماما عن ديماجوجية خطاب الرئيس " نجاد " ، بمعنى استخدام بروتوكول آخر لتقديم رأس العربى الغافل مذبوحا على صينية من صفيح لصالح اسرائيل مقابل صتمها عن المشروع الايرانى ودعمه ، وهو ما يقودنا الى البحث فى حقيقة علاقات محور " أمريكا واسرائيل وايران " ليكون موضوع حديثنا القادم ان أراد الله تعالى , ثم أذنت لنا الجريدة المضيفة ، وكان فى العمر بقية .
ضمير مستتر ، يقول تعالى :
{ وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ } البقرة204
علاء الدين حمدى