حسان القطب
7-2-2013
بعد ان كان حزب الله يحظى باحترام وتقدير ودعم معظم الشعب اللبناني على صعيد الداخل، وتعاطف عربي وإسلامي وحتى دولي في دول الخارج، نتيجة ادائه في مقاومة إحتلال إسرائيل لبعض مناطق جنوب لبنان، ولابتعاده عن التدخل في الشأن الداخلي اللبناني، ناهيك عن عدم التورط في أعماق الملفات الإقٌليمية والدولية والصراعات الداخلية في دول المنطقة المحيطة بنا ...؟؟
ولكن اليوم، تبدلت هذه الصورة، فقد خسر حزب الله وهجه وحضوره النموذجي، وكذلك تأييد وتعاطف معظم اللبنانيين، حتى من داخل بيئته الحاضنة، ولإبقائها مرتبطة به بشكل كامل ومصيري، فقد بدا حزب الله في تحريضها وتجييشها مذهبياً وتصوير القوى المحيطة بها على انها عدوة وعلى خصومة معها لاعتناقها عقيدة معينة او فكراً معيناً، وهذا التوجه لدى حزب الله انطلق بعد ان بدات بيئته تتساءل عن وجهة سير حزب الله وطبيعة أهدافه السياسية ومستوى طموحاته، وعن اصراره على تطبيع علاقاته مع محيطه بالعداء والكراهية والمنافسة المدمرة بدل العمل على بناء دولة ومؤسسات، وتحقيق استقرار وتنمية بعد تحرير الجنوب من الإحتلال... وهذه التساؤلات التي بدات خجولة ومترددة في بداية الأمر قد بدات تنمو وتتعاظم اليوم مع اتضاح الصورة التي كانت غائبة عن المشهد السياسي في الفترة السابقة، وبسبب ارتفاع منسوب الدم الذي يدفعه جمهور حزب الله من خيرة ابنائه وشبابه الذين يسقطون في سوريا يومياً، ويبدو ايضاً في غيرها من الدول، ولو بشكل غير علني، نتيجة التعتيم الحزبي والإعلامي.. ، ومع انكشاف طبيعة العلاقة التي تربط حزب الله بإيران، بدأ التساؤل عما تريده إيران من حزب الله وجمهور حزب الله مقابل الدعم المادي المعنوي الذي تقدمه لهما.. من هنا فإن الأسباب التي جعلت من قيادة حزب الله عبئاً على محازبيه وجمهوره هي:
- (أكد مستشار المرشد الإيراني علي خامنئي، اللواء يحيى رحيم صفوي، أنّ عمق إيران الاستراتيجي هو "حزب الله" ورئيس النظام السوري بشار الاسد.. وأضاف ان "العمق الاستراتيجي للدفاع الإيراني يمتد إلى البحر المتوسط". ويمتد بالقرب من الكيان الصهيوني، أي حزب الله، وأنّ دعم إيران لسوريا ولبنان، يكشف مدى العمق الاستراتيجي للدفاع الإيراني". وتابع صفوي: "إذا نجح الأعداء بالاطاحة بالرئيس السوري بشار الاسد، حينها سيتوجهون إلى لبنان ومن ثم إلى إيران").. إن هذا الكلام وعلى لسان مستشار كبير للخامنئي يفيد ان ما يقوم به حزب الله من تدخل في الشأن السوري واستعداء الشعب السوري وجانب كبير من الشعب اللبناني والعالم العربي والإسلامي، إنما هو لحماية عمق إيران واستقرارها وليس لحماية المقاومة، وان التضحيات الجسام التي يقدمها جمهور ومناصري حزب الله إنما هي لخدمة نظام ومشروع (إيران) وليس لبنان واستقراره وان لا احد يستهدف الشيعة في لبنان كما يقول حزب الله...؟؟ وبالتالي ما سيكون موقف هذا الجمهور عندما تخسر إيران معركتها في سوريا ..؟ أو ان تصل إلى تفاهم حول بعض مصالحها وحينها ستطلب من عناصر حزب الله وتلك الاخرى بمغادرة سوريا...؟؟ وما هو موقف قيادة حزب الله حينها وكيف ستفسر لجمهورها مجريات الأمور وهي قادمة دون شك..؟؟ ومن سيتحمل عبء العداء الدموي مع الشعب السوري والذي اسس له حزب الله بدماء الشعبين اللبناني السوري..؟؟
- (نقل ديبلوماسي عن مصدر حكومي يمني أن السلطات اليمنية "اعتقلت أخيراً بضعة عناصر من حزب الله في اليمن، يعتقد أنهم مدربون عسكريون". وكانت السلطات اليمنية رفضت منح لبنانيين طلبوا المشاركة في تشييع أحد الزعماء الحوثيين تأشيرات دخول. وكذلك فإن قناة تلفزيونية يملكها الرئيس سابقاً علي سالم البيض تبث من الضاحية الجنوبية لبيروت..) ما هي اهمية دعم مجموعة الحوثيين في اليمن الذين هم في صراع مع مجموعات قبلية وسلفية وحكومية اخرى، بالنسبة لتحرير مزارع شبعا وحماية ثروة لبنان من النفط والغاز... وهل انتصار الحوثيين يخدم مشروع المقاومة الذي يحدثنا عنه نصرالله وغيره من قادة حزب الله.. اللهم إلا ان التورط في اليمن إلى جانب الحوثيين هو بسبب الانتماء المذهبي والتعصب الديني البغيض الذي يستجلب ردوداً متطرفة اخرى إلى الساحة اللبنانية والعربية والإسلامية.. وفوق كل هذا لا يمكن فهم هذا التورط إلا انه بناءً على الطلب الإيراني المباشر لحزب الله بإرسال عناصر من الشباب اللبناني الشيعي للقتال والموت في اليمن لتحقيق تسوية تعطي إيران موطيء قدم على البحر الأحمر ومدخله الاستراتيجي (باب المندب)...وحتى لا يقال ان إيران متورطة مباشرةً، فحزب الله جاهز لخوض كل المعارك والصراعات بالوكالة والأصالة، وكما قال نصرالله يوماً من انه يفتخر بكونه جندياً في جيش الولي الفقيه... وهذا الولاء لن توفر القيادة الإيرانية جهداً في استثماره واستغلاله...فالدماء ليست إيرانية والخسائر هي من خارج الحدود الإيرانية مقابل حفنة من الدولارات....ولماذا الإصرار على التدخل في اليمن والعمل على تمزيقها إلى دويلات، إذا كان حزب الله يتحدث عن الوحدة الإسلامية ووحدة الأمة .. خاصةً وان فتح او تسهيل عمل قناة تلفزيونية لطرف يمني يسعى لتقسيم اليمن لا يفهم منه إلا هذا التوجه.. والبيض هو يساري وليس إسلامي...؟؟؟
- لطالما أعلن حزب الله ان الفساد في السلطة سببه وجود قوى غير قادرة على الحكم او لا تعرف ان تحكم لأنها مرتبطة بأجندة خارجية لذا لا يهمها مصلحة لبنان وشعبه....فلماذا يطالب حزب الله هذه القوى مجدداً بمشاركته الحكومة الجديدة مفسراً ذلك بأن لا استقرار للبنان دون الشراكة وان لا غلبة لفريق على فريق...وإذا كان منطق الغلبة مرفوض ومدان وغير مجدي فلماذا استعمال السلاح والتهويل به بين الحين والاخر... طالما ان لا جدوى منه ولا نتيجة ترجى...؟؟؟ وكيف يترجم لنا حزب الله فشل حكومة الميقاتي الذريع وهي التي أنشاها حزب الله بالكامل من رئيسها حتى كافة وزرائها..ولم يسمح حينها بدخول الفاسدين كما قال..؟؟ هل كان يستعمل هذه الاتهامات بحق الفريق الاخر كذباً... أم اكتشف ان فساد فريقه خطير جداً..؟؟
- وإذا كان حزب الله حريص على تصحيح الوضع في سوريا وتامين استقرارها سياسياً ولذلك يتدخل عسكرياً فيها..ألا يجدر بحزب الله العمل على تسهيل تشكيل حكومة لبنانية لتامين الاستقرار في لبنان وحماية مصالح شعبه وجمهوره من ضمن هذا الشعب كما يفترض..؟؟
- ما هي ضرورات التدخل في الشان البحريني ومهاجمة المملكة العربية السعودية وإدانة دول الخليج وإهانة بعضها مما يشكل بل وشكل خطراً على مصالح بعض اللبنانيين في تلك الدول وعلى علاقات اللبنانين جميعاً مع دول الخليج طالما ان راعي هذه الإستراتيجية في المنطقة وهو النظام الإيراني وعلى لسان وزير الخارجية الإيراني، جواد ظريف، قال من لبنان: (إن بلاده ترحب بعقد لقاء "على أي مستوى" مع السعودية، معتبراً أن طهران تسعى إلى "أفضل العلاقات" مع السعودية، التي قال إن تعزيز الصلات بها "يساعد على إرساء الأمن" بالمنطقة)... فإذا كانت إيران تريد افضل العلاقات مع المملكة السعودية فلماذا يسعى حزب الله لتقويضها مع لبنان....؟؟؟ ام أن على لبنان وشيعة لبنان ان يدفعوا ثمن هذه العلاقة وتحسين شروط المفاوض الإيراني مع المملكة...؟؟
إن ازمة حزب الله اليوم هي ازمة قيادة تسير خلف الإستراتيجية الإيرانية لتحقيق مآربها ولكن على حساب الشعب اللبناني وطائفة لبنانية اساسية فيه وتجعلها تدفع اثمان باهظة لهذه السياسية فبينما تعيش مناطق لبنانية قلق التفجيرات نتيجة تورط لبنان بسبب حزب الله في خدمة السياسة الإيرانية تنعم طهران بالهدوء والإستقرار وتفاوض العالم على مشاريعها النووية وغيرها....؟؟ والجدير ذكره هنا ان ترميم العلاقات بين الطوائف والمذاهب مهما كانت نتائج هذه الإستراتيجية وتفاهماتها المستقبلية سيأخذ وقتاً طويلاً سيتجاوز الأعمار المفترضة لجيلنا هذا والجيل المقبل...؟؟ وكل هذا يشير إلى ان قيادة حزب الله هي اسيرة علاقات استراتيجية مع إيران أو انها قاصرة عن الانخراط في اللعبة السياسية المحلية والإقليمية بما يتناسب مع حجمها وقدراتها الفكرية وإمكانياتها السياسية....والمستمع لخطابات نصرالله ونعيم قاسم وغيرهم يظن ان حزب الله قد اصبح قوة دولية عظمى قادرة على تعطيل الحياة السياسية الدولية وتغيير معادلات... تماماً كما يقوم به حزب الله في لبنان (وهو قادر دون شك) من تعطيل للحياة السياسية وإرباك للحالة الإقتصادية المتردية.. وتوتير الوضع الأمني وقيادة الشباب اللبناني نحو حتفه في سوريا وغيرها من دول العالم التي لإيران مصالح استراتيجية فيها... وهذه مقاربة خاطئة بل قاصرة وتنم عن جهل مطبق...؟؟
فهل يستطيع حزب الله تغيير قيادته لتغيير سياساته ونهجه..لأن تغيير السياسات يتطلب تغيير القيادات التي لا تحسن استغلال الفرص للإنعطاف ولو جزئياً في حالات حرجة ومصيرية... ام يستمر حزب الله أسير هذه القيادة التي لا ترى لنفسها بديلاً مما يجعل من المجتمع الشيعي في لبنان في حالة صراع مع الجميع دون استثناء في الداخل والخارج....حتى يقضي الله أمراً كان ..؟؟
المصدر : المركز اللبناني للأبحاث والإستشارات