ياسر الزعاترة
27-8-2014
لم يكن ما قاله “وليد العلم” أمس الأوَّل الاثنين سوى الطبعة الأكثر صراحة ووضوحا، أو لنقل فضائحية، مما قاله بلسان الحال ولسان المقال عدد من المسؤولين السوريين، من بينهم بشار الأسد نفسه، فيما كان ابن الخال العزيز، وخازن مال آل الأسد (رامي مخلوف) أول من قال ذلك في حديث لـ”نيويورك تايمز” قبل أكثر من عامين، وفي سياق من صفقة تتضمن الحفاظ على أمن الكيان الصهيوني، مقابل بقاء النظام. أما بشار فقدم الأمر على شكل عروض للتعاون ضد الإرهاب.
لم يعد الأمر محصورا في بشار الأسد، فقد شمل الموقف حلف الممانعة وسيدته طهران التي تتعاون الآن مع “الشيطان الأكبر” ضد “داعش “ في العراق، فيما يبدو أن المؤامرة الإمبريالية الصهيونية التي تستهدف محور المقاومة والممانعة قد تحوَّلت إلى “مؤامرة تكفيرية “!!
لا نصرالله، ولا أبواق المقاومة والممانعة سيتحدثون في هذا الشأن، فكل شيء يمكن تبريره؛ تماما كما برروا من قبل تسليم السلاح الكيماوي السوري من أجل الحفاظ على رأس بشار الأسد، وقالوا إنه لم يعد سلاحا مهما، مع تبريرات أخرى أكثر بؤسا.
لندع مفاوضات النووي مع أمريكا، والتي ستظهر نتائجها بعد حين، ولنتحدث في هذه التصريحات الجديدة لوليد المعلم، والتي تأتي للمفارقة بعد سيل من تصريحات السادة المقاومين والممانعين عن مسؤولية أمريكا عن “خلق داعش” كما يرددون.
كل ما طالب به وليد المعلم من أجل السماح لأمريكا بضرب “داعش” في الأراضي السورية هو أن يتم ذلك بالتنسيق مع الدولة السورية، ولتوضيح الأمر قال: “إننا جاهزون للتنسيق والتعاون، لأننا نحن أبناء الأرض ونعرف كيف تكون الغارة مجدية أو غير مجدية. لذلك من يريد العدوان على سوريا لا يوجد لديه مبرر إلا بالتنسيق معنا إذا كان راغبا بمكافحة الإرهاب، وأي شيء خارج عن ذلك هو عدوان”.
نتذكر على هذا الصعيد حكاية فاروق الشرع، نائب الرئيس الذي لم يعد نائبا بعد التغييرات الأخيرة، والذي كانت جريمته هي القول إن النظام كان طوال الشهور الستة الأولى من الثورة يستجدي رصاصة واحدة من أجل اتهام الثورة بالإرهاب.
والحال أن استدراج الثورة السورية نحو “العسكرة” إنما تم بقرار واضح من النظام لسببين؛ الأول إقناع العالم بأنها محض إرهاب لا صلة له بالثورة السلمية (لذلك الغرض أخرج السلفيين الجهاديين من سجن صدينايا، وهو يعلم إلى أين سيذهب أكثرهم)، والثاني هو الاعتقاد بأن ذلك سيسهِّل قمعها، لاسيما أنه يدرك أنه نظام تسيطر عليه طائفة لا تتعدى عُشر السكان، ويمكن أن تتطور الثورة نحو عصيان مدني بمرور الوقت، بينما يمكنه قمعها بالقوة في ظل سيطرة الطائفة على الجيش والأجهة الأمنية.
لا يعني ذلك بطبيعة الحال أن العسكرة كانت جريمة، فقد حمل الشعب السلاح من أجل الدفاع عن نفسه، في مواجهة آلة قتل دموية صمت العالم عليها لاعتبارات تتعلق بالهواجس الصهيونية التي كانت معنية باستمرار الفوضى والتدمير في سوريا، وكان شعارها “شيطان تعرفه (يعني بشار) أفضل من شيطان لا تعرفه).
من ناحيته كان مرشد الثورة الإيرانية يسمي الربيع العربي “صحوة إسلامية”، لكنه ما لبث أن اعتبره مؤامرة ضد المقاومة والممانعة بعد وصوله سوريا، فيما الكل يعرف أن الأمر لا صلة له بالممانعة، بل بالمشروع الإيراني الذي يعتبر سوريا ركنا إستراتيجيا من أركانه.
تلك هي الحكاية التي تفتضح في العراق اليوم، وها هي تفتضح في سوريا، وكذلك في لبنان، وحيث لم يعد حزب الله حركة مقاومة (ها هو يتفرج على غزة وهي تقصف لما يقرب من شهرين دون حراك)، وهو ما قلناه منذ البداية.
لا شك أن حسابات سوريا تختلف عن حسابات العراق، وإذا قُصفت “الدولة”، فلا يعني ذلك قصف بقية الفصائل. ومع ذلك يبدو من الضروري القول إنه بالتعاون مع أمريكا أم سواها، فالحقيقة أن الوضع في سوريا لن يعود إلى ما كان عليه، وستدرك إيران أن نزيفها هناك هو الأسوأ منذ الثورة، وحين تعود إلى رشدها، سيكون بالإمكان التفاهم على حل إقليمي يشمل كل الملفات العالقة، ولا يمنح إيران أكثر من حجمها الطبيعي بعيدا عن أحلام التمدد والهيمنة، فضلا عن التصرف كممثلة لمذهب بعد دفنها لحكاية المقاومة والممانعة.
المصدر : الدستور الأردنية